الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قُلْنَا حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ السِّحْرِ لَا مُحَالٌ فِيهِ غَايَتُهُ دُخُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ بِالْقَوَاعِدِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُنَا فِي الْعُمُومَاتِ.
وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكُفْرِ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ، وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ، وَأَيُّ دَلِيلٍ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ أَوْ تَعْلِيمَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكُفْرِ وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] نَمْنَعُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ إذَا كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةً لِلْأُولَى سَلَّمْنَا أَنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لَهَا لَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السِّحْرَ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَعْتَقِدُ مُوجِبَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا عَلَّمَ الْمُسْلِمَ دِينَهُ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ مُوجِبَهُ، وَأَمَّا الْأُصُولِيُّ إذَا عَلَّمَ تِلْمِيذَهُ الْمُسْلِمَ دِينَ النَّصْرَانِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَمَّلَ فَسَادَ قَوَاعِدِهِ فَلَا يَكْفُرُ الْمُعَلِّمُ، وَلَا الْمُتَعَلِّمُ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا جَعْلُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ مُطْلَقًا كُفْرًا فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلِنَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى غَوْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ فِي النُّبُوَّاتِ وَبَيْنَ السِّحْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ:
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ وَبَيْنَ السِّحْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ إلَخْ) :
قُلْتُ: إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْدُثُ عَنْ السِّحْرِ فَهُوَ مُعْتَادٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ خَارِقٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، وَأَكْثَرُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَوْ جَمِيعُهُمْ يُجَوِّزُونَ خَرْقَ الْعَوَائِدِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ شَبَهِ الْإِنْسَانِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ لِشَبَهٍ خَاصٍّ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْقِيَافَةِ
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الشَّبَهَ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَبَطَلَتْ مَشْرُوعِيَّةُ اللِّعَانِ، وَاكْتَفَى بِهِ وُجُوبُهُ أَنَّ الْقِيَافَةَ إنَّمَا تَكُونُ حَيْثُ يَسْتَوِي الْفِرَاشَانِ وَاللِّعَانُ يَكُونُ لِمَا يُشَاهِدُهُ الزَّوْجُ فَهُمَا بَابَانِ مُتَبَايِنَانِ لَا يَسُدُّ أَحَدُهُمَا مَسَدَّ الْآخِرِ
(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ مَعَ الْفِرَاشِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مَعَ عَدَمِهِ كَغَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ وَحْدَهُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ بِخِلَافِ تَعَارُضِ الْفِرَاشَيْنِ.
(الْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّ الْقِيَافَةَ لَوْ كَانَتْ عِلْمًا لَأَمْكَنَ اكْتِسَابُهُ كَسَائِرِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ قُوَّةً فِي النَّفْسِ وَقُوَى النَّفْسِ خَوَاصُّهَا لَا يُمْكِنُ اكْتِسَابُهَا كَالْعَيْنِ الَّتِي يُصَابُ بِهَا فَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ وَالرَّجُلَ الْقَبْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ الْوُجُودُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَاصِّ فَالْقِيَافَةُ كَذَلِكَ فَيَتَعَذَّرُ اكْتِسَابُهَا
(وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَأَحْكَامِ النُّجُومِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ النُّجُومِ كَمَا ثَبَتَتْ الْقِيَافَةُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ بِهَا أَحْكَامًا لَاعْتُبِرَتْ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا كَمَا اُعْتُبِرَتْ الشَّمْسُ فِي الْفُصُولِ، وَنُضْجِ الثِّمَارِ وَتَجْفِيفِ الْحُبُوبِ وَالْكُسُوفَاتِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ، وَإِنَّمَا أُلْغِيَ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَبْطِ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ، وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ بِتَثْلِيثِهَا أَوْ تَرْبِيعِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهَا، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَالْقِيَافَةُ صَحَّتْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فَافْتَرَقَا اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[الْحُجَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْقُمُطُ وَشَوَاهِدُ الْحِيطَانِ فِي الشَّهَادَةِ]
(الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ حُجَّةُ الْقِمْطِ وَشَوَاهِدُ الْحِيطَانِ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) هَذِهِ الْحُجَّةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ الَّتِي يَحْتَجْ بِهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى الْحُكْمَ بِهَا فِيمَا لَا تَحْضُرُهُ الْبَيِّنَاتُ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَعَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَلْحَظَ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ إذَا تَعَارَضَتْ فَمَا تَرَجَّحَ مِنْهَا قُضِيَ بِجَانِبِ التَّرْجِيحِ، وَهُوَ قُوَّةُ التُّهْمَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ بِهَا، وَقَدْ جَاءَ بِهَا فِي مَسَائِلَ اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الطَّوَائِفُ الْأَرْبَعَةُ، وَبَعْضُهَا قَالَ بِهَا الْمَالِكِيَّةُ خَاصَّةً، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي فَصْلِ بَيَانِ عَمَلِ فُقَهَاءِ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ بِالْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ خَمْسِينَ مَسْأَلَةً مِنْهَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِجَوَازِ وَطْءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا أُهْدِيَتْ إلَيْهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مِنْ الرِّجَالِ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي عَقَدْت عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنْطِقْ النِّسَاءَ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّاسَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَمْ يَزَالُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْإِمَاءِ الْمُرْسَلِ مَعَهُمْ الْهَدَايَا، وَأَنَّهُ مُرْسَلَةٌ إلَيْهِمْ فَيَقْبَلُونَ أَقْوَالَهُمْ، وَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْمُرْسَلَ بِهِ، وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ خَبَرَ الْكَافِرِ فِي ذَلِكَ كَافٍ، وَقَالَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي الرِّكَازِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ سُمِّيَ كَنْزًا، وَهُوَ كَاللُّقَطَةِ.
وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَكْلُ الصَّلِيبِ أَوْ الصُّوَرِ أَوْ اسْمِ مِلْكٍ مِنْ مُلُوكِ الرُّومِ فَهُوَ رِكَازٌ فَهَذَا عَمَلٌ بِالْعَلَامَاتِ قَالَ وَمِنْهَا جَوَازُ دَفْعِ اللُّقَطَةِ لِوَاصِفِ عِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا اعْتِمَادًا عَلَى مُجَرَّدِ الْقَرِينَةِ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالسَّرِقَةِ وَشَبَهِهَا إذَا جَهِلَ صَاحِبُهَا هَلْ تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الصِّفَةُ كَاللُّقَطَةِ أَمْ لَا وَمِنْهَا إذَا تَنَازَعَا جِدَارًا حَكَمَ بِهِ لِصَاحِبِ الْوَجْهِ وَمَعَاقِدِ الْقِمْطِ وَالطَّاقَاتِ وَالْجُذُوعِ، وَذَلِكَ حُكْمٌ بِالْأَمَارَاتِ اهـ الْمُرَادُ فَانْظُرْ التَّبْصِرَةَ.
وَفِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا تَدَاعَيَا جِدَارًا مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ جُذُوعٌ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِمَنْ اتَّصَلَ بِبُنْيَانِهِ، وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ لِأَنَّهُ حَوْزُهُ، وَيُقْضَى بِالْجِدَارِ لِمَنْ إلَيْهِ عُقُودُ الْأَرْبِطَةِ، وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ
هَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةُ الْوَقْعِ فِي الدِّينِ، وَأَشْكَلَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْتَبَسَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُحَصِّلِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَرْقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ وَفَرْقَانِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ أَمَّا الْفَرْقُ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ أَنَّ السِّحْرَ وَالطَّلْمَسَاتِ وَالسِّيمِيَاءَ وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بَلْ هِيَ عَادَةٌ جَرَتْ مِنْ اللَّهِ بِتَرْتِيبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ لَمْ تَحْصُلْ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَلْ لِلْقَلِيلِ مِنْهُمْ كَالْعَقَاقِيرِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْكِيمْيَاءُ وَالْحَشَائِشِ الَّتِي يُعْمَلُ مِنْهَا النَّفْطُ الَّذِي يُحْرِقُ الْحُصُونَ وَالصُّخُورَ، وَالدُّهْنُ الَّذِي مَنْ ادَّهَنَ بِهِ لَمْ يَقْطَعْ فِيهِ حَدِيدٌ وَالسَّمَنْدَلُ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي لَا تَعْدُو عَلَيْهِ النَّارُ، وَلَا يَأْوِي إلَّا فِيهَا هَذِهِ كُلُّهَا وَنَحْوُهَا فِي الْعَالَمِ أُمُورٌ غَرِيبَةٌ قَلِيلَةُ الْوُقُوعِ وَإِذَا وُجِدَتْ أَسْبَابُهَا وُجِدَتْ عَلَى الْعَادَةِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ أَسْبَابُ السِّحْرِ الَّذِي أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ حَصَلَ وَكَذَلِكَ السِّيمِيَاءُ وَغَيْرُهَا كُلُّهَا جَارِيَةٌ عَلَى أَسْبَابٍ عَادِيَّةٍ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي يَعْرِفُ تِلْكَ الْأَسْبَابَ قَلِيلٌ مِنْ النَّاسِ أَمَّا الْمُعْجِزَاتُ فَلَيْسَ لَهَا سَبَبٌ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا فَلَا يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَالَمِ عَقَارًا يَفْلِقُ الْبَحْرَ أَوْ يُسَيِّرُ الْجِبَالَ فِي الْهَوَى وَنَحْوَ ذَلِكَ فَنَحْنُ نُرِيدُ بِالْمُعْجِزَةِ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَالَمِ عِنْدَ تَحَدِّي الْأَنْبِيَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُنَا فَرْقٌ عَظِيمٌ.
غَيْرَ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْأَمْرَيْنِ يَقُولُ، وَمَا يُدْرِينِي أَنَّ هَذَا لَا سَبَبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ فَيُقَالُ لَهُ الْفَرْقَانِ الْأَخِيرَانِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إلَّا أَنْ يَقُولَ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ الْوُقُوعِ فَلَا أَدْرِي مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عَشْرُ خَشَبَاتٍ، وَلِلْآخَرِ خَمْسُ خَشَبَاتٍ، وَلَا رَبْطَ لَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا عَلَى عَدَدِ الْخَشَبِ، وَبَقِيَتْ خَشَبَاتُهُمَا بِحَالِهَا، وَإِذَا انْكَسَرَتْ خَشَبُ أَحَدِهِمَا رُدَّ مِثْلُ مَا كَانَ، وَلَا يُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا تَحْتَ خَشَبِهِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْجِدَارِ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَهُ لِأَحَدِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَلِلْآخَرِ مِنْ مَوْضِعٍ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى عَدَدِ الْعُقُودِ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لِوَاحِدٍ، وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ مَعْقُودَةٌ بِعَقْدِ الْبِنَاءِ مُتَقَوِّيَةٌ فَعَقْدُ الْبِنَاءِ يُوجِبُ مِلْكَ الْحَائِطِ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ، وَقِيلَ لَا يُوجِبُهُ، وَقَالَ فِي الْمُتَقَوِّيَةِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا طَارِئَةٌ عَلَى الْحَائِطِ، وَالْكُوَّةُ كَعَقْدِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَكُوَى الضَّوْءِ الْمَنْفُوذَةُ لَا دَلِيلَ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَقْدٌ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ خَشَبٌ، وَلَوْ وَاحِدَةً فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كُوًى غَيْرِ مَنْفُوذَةٍ أَوْجَبَتْ الْمِلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَخَصُّ الْقَصَبَ لِأَحَدِهِمَا، وَالْقَصَبُ وَالطُّوبُ سَوَاءٌ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ الْمُدْرَكُ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى كُلُّهَا شَوَاهِدُ الْعَادَاتِ فَمَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ عَادَةٌ قَضَى بِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ وَجَبَ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةٍ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ تَغَيَّرَ كَالنُّقُودِ، وَمَنَافِعِ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إذَا تَنَازَعَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ فَأَمَرَ الْحَاكِمَ بِكَشْفِ الْبَيَاضِ لِيُنْظَرَ إنْ جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْكَشْفِ عَلَيْهِ فَمُشْكَلٌ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَكُونُ لِخَصْمِك، وَالْأُجْرَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ، وَيَنْفَعُهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكٌ لِأَنَّكُمَا جَزَمْتُمَا بِالْمِلْكِيَّةِ فَمَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا جَازِمَةً وَكَذَلِكَ الْقَائِفُ لَوْ امْتَنَعَ إلَّا بِأَجْرٍ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِاسْتِجَارَةٍ، وَيَلْزَمُ الْأُجْرَةَ فِي الْأَخِيرِ لِمَنْ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ كَمَا يَحْلِفُ فِي اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ، وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ قَالَ بِالْقِمْطِ وَشَوَاهِدِ الْحِيطَانِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ اهـ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَمَارَاتِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْله تَعَالَى {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السِّيمَاءَ الْمُرَادُ بِهَا حَالٌ يَظْهَرُ عَلَى الشَّخْصِ حَتَّى إذَا رَأَيْنَاهُ مَيِّتًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ زُنَّارٌ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ لَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ إنْ وُجِدَ هَذَا الْمَذْكُورُ مَخْنُونًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّصَارَى يُخْتَتَنُونَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] الْآيَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْغَرْسِ رُوِيَ أَنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أَتَوْا بِقَمِيصِ يُوسُفَ إلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ تَأَمَّلَهُ فَلَمْ يَرَ فِيهِ خَرْقًا وَلَا أَثَرَ نَابٍ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى كَذِبِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ مَتَى كَانَ الذِّئْبُ حَلِيمًا يَأْكُلُ يُوسُفَ، وَلَا يَخْرِقُ قَمِيصَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الدَّمَ عَلَامَةَ صِدْقِهِمْ قَرَنَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ تَعَارُضَهَا، وَهِيَ سَلَامَةُ الْقَمِيصِ مِنْ التَّمْزِيقِ إذْ لَا يُمْكِنُ افْتِرَاسُ الذِّئْبِ لِيُوسُفَ، وَهُوَ لَابِسُ الْقَمِيصِ، وَيَسْلَمُ الْقَمِيصُ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ عليه الصلاة والسلام اسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِمْ بِصِحَّةِ الْقَمِيصِ فَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إعْمَالِ الْأَمَارَاتِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفِقْهِ وقَوْله تَعَالَى {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف: 26]{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 27]{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] .