الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) بِدَعٌ مَكْرُوهَةٌ، وَهِيَ مَا تَنَاوَلَتْهُ أَدِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدُهَا كَتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ» بِقِيَامٍ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَاتِ كَمَا وَرَدَ فِي التَّسْبِيحِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ فَيُفْعَلُ مِائَةٌ وَوَرَدَ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَيُجْعَلُ عَشَرَةُ آصُعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ، وَقِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ بَلْ شَأْنُ الْعُظَمَاءِ إذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وُقِفَ عِنْدَهُ، وَالْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةُ أَدَبٍ وَالزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ أَشَدُّ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ إيصَالِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ عليه السلام: أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا، وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ، وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا
(الْقِسْمُ الْخَامِسُ) الْبِدَعُ الْمُبَاحَةُ، وَهِيَ مَا تَنَاوَلْته أَدِلَّةُ الْإِبَاحَةِ وَقَوَاعِدُهَا مِنْ الشَّرِيعَةِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ فَفِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بَرَاءَةِ هَذِهِ دُونَ هَذِهِ بِحَدٍّ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَاسَبَ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ لِتَوَقُّعِ ثُبُوتِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فِي بَعْضٍ دُونَ الْبَاقِي وَالْمَقْصُودُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّشَفِّي وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِجَلْدٍ وَاحِدٍ. (وَالثَّالِثِ) أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ لِلْبَقَاءِ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِالتَّعَدُّدِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. (الْوَجْهِ السَّادِسِ) أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يَدْخُلُهُ التَّدَاخُلُ كَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا يَتَدَاخَلُ كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ مَدْفُوعَانِ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَلَوْ غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لَمْ يَتَدَاخَلْ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَا لَمْ يَتَدَاخَلْ الْإِتْلَافُ.
(الْوَجْهِ السَّابِعِ) أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] لَا يَقْتَضِي لُغَةً مِنْ جِهَةِ مُقَابَلَةِ جَمْعِ الْمُحْصَنَاتِ بِجَلْدِ ثَمَانِينَ أَنَّ حَدَّ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ حَدًّا وَاحِدًا وَيَحْصُلُ التَّدَاخُلُ، وَإِنْ تَخَيَّلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي اللُّغَةِ تَارَةً تُوَزِّعُ الْأَفْرَادَ عَلَى الْأَفْرَادِ كَقَوْلِهِ {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَا يَصِحُّ إلَّا التَّوْزِيعُ، وَأَنَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رَهْنًا يُؤْمَرُ بِهِ، وَكَقَوْلِنَا الدَّنَانِيرُ لِلْوَرَثَةِ، وَتَارَةً لَا يُوَزَّعُ الْجَمْعُ عَلَى الْجَمْعِ بَلْ يَثْبُتُ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْجَمْعِ الْآخَرِ نَحْوُ: الثَّمَانُونَ جَلْدُ الْقَذْفِ أَوْ جَلْدُ الْقَذْفَةِ ثَمَانُونَ، وَتَارَةً يَثْبُتُ الْجَمْعُ لِلْجَمْعِ، وَلَا يَحْكُمُ عَلَى الْأَفْرَادِ نَحْوُ: الْحُدُودُ لِلْجِنَايَاتِ إذَا قَصَدَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لِلْمَجْمُوعِ وَتَارَةً يَرِدُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلتَّوْزِيعِ وَعَدَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ} [لقمان: 8] فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَدَدُ جَنَّاتٍ بِمَعْنَى بَسَاتِينَ دَاخِلَ الْجَنَّةِ وَمَنَازِلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُوَزَّعَ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَلِبَعْضٍ جَنَّةُ الْمَأْوَى وَلِبَعْضِهِمْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَجَبَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْمَجَازُ فَيَبْطُلُ اسْتِدْلَالُ الطُّرْطُوشِيِّ وَجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى مُقَابَلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَقْذُوفَةِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
قُلْتُ وَفِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ: وَجَبَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ إلَخْ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ بِلَا تَعْيِينٍ لِذَلِكَ الْأَحَدِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ كَانَ هَذَا عَيْنَ الِاشْتِرَاكِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهَا مَعَ التَّعْيِينِ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ أَوْ الْمَجَازِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ أَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ الصَّادِقَةَ عَلَى الْأَفْرَادِ الثَّلَاثَةِ كَالْإِنْسَانِ عَلَى أَفْرَادِهِ فَيَصِحُّ قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ إلَخْ بِشِقَّيْهِ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ حَقِيقَةً إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فَرْدًا، وَمَجَازًا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُدُودِ وَقَاعِدَةِ التَّعَازِيرِ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ) . وَهُوَ مِنْ عَشَرَةِ وُجُوهٍ. (الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَالتَّعْزِيرَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا بَلْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ تَحْدِيدِ أَقَلِّهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ أَكْثَرِهِ فَعِنْدَنَا هُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ بَلْ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى، وَأَمَّا تَحْدِيدُ الْعُقُوبَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْمُعَلِّمِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُجِيزُ فِي الْعُقُوبَاتِ فَوْقَ الْحَدِّ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الْحُدُودِ وَقَدْ أَمَرَ مَالِكٌ بِضَرْبِ رَجُلٍ وُجِدَ مَعَ صَبِيٍّ قَدْ جَرَّدَهُ وَضَمَّهُ إلَى صَدْرِهِ
الْآثَارِ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اتِّخَاذُ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ؛ لِأَنَّ تَلْيِينَ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلُهُ مُبَاحَةُ فَالْبِدْعَةُ إذَا عَرَضَتْ تُعْرَضُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَأَدِلَّتِهَا فَأَيُّ شَيْءٍ تَنَاوَلَهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أُلْحِقَتْ بِهِ مِنْ إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ نَظَرَ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَتَقَاضَاهَا كُرِهَتْ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ يُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ، وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ، وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ، وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ
(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَقَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ) قَالَ تَعَالَى {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وَقَالَ عليه السلام «الْغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ فِي الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ إنْ سَمِعَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا قَالَ إنْ قُلْت: بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ» فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ مَا يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ إذَا سَمِعَهُ وَأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غِيبَةً إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا لِقَوْلِهِ إنْ سَمِعَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاضِرٍ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ
(تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْغِيبَةِ سِتُّ صُوَرٍ (الْأُولَى) النَّصِيحَةُ «لِقَوْلِهِ عليه السلام لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ شَاوَرَتْهُ عليه السلام لَمَّا خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْمٍ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ» فَذَكَرَ عَيْبَيْنِ فِيهِمَا مَا يَكْرَهَانِهِ لَوْ سَمِعَاهُ وَأُبِيحَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ النَّصِيحَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَضَرَبَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَانْتَفَخَ، وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمْ مَالِكٌ ذَلِكَ. اهـ الْمُرَادُ، قَالَ الْأَصْلُ لَنَا وَجْهَانِ.
(الْأَوَّلُ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ زَوَّرَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَنَقَشَ خَاتَمًا مِثْلَ نَقْشِ خَاتَمِهِ فَجَلَدَهُ مِائَةً فَشَفَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ أَذْكَرْتُمُونِي الطَّعْنَ وَكُنْت نَاسِيًا فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَفِي التَّبْصِرَةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَضَرَبَ عُمَرُ رضي الله عنه صَبِيغًا أَكْثَرَ مِنْ الْحَدِّ أَيْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِلَّا لَوَرَدَ. (الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْلَ مُسَاوَاةُ الْعُقُوبَاتِ لِلْجِنَايَاتِ، قَالَ الْأَصْلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ أَيْ بِالتَّعْزِيرِ أَقَلَّ الْحُدُودِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ حَدُّ الْعَبْدِ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَفِي التَّبْصِرَةِ وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ وَفِيهَا أَيْضًا، وَلَمْ يَزِدْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْعَشَرَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» .
وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَأَغْفَلَهُ الشِّهَابُ وَهُوَ أَصَحُّهَا، وَأَقْوَاهَا: إنَّ لَفْظَ الْحُدُودِ فِي لَفْظِ الشَّرْعِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الزِّنَا وَشِبْهِهِ بَلْ لَفْظُ الْحُدُودِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ، وَمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَالتَّعْلِيقُ عَلَى هَذَا مِنْ جُمْلَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ جَلْدُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ فَافْهَمْ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمُعَلِّمِ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ إلَخْ أَيْ فِي غَيْرِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُقَدَّرِ حُدُودُهَا؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ، وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ مَقْصُورٌ عَلَى زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِي الْجَانِيَ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرُ كَمَا فِي الْمُعَلِّمِ قَالَ الْأَصْلُ أَيْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى طِبَاعِ السَّلَفِ رضي الله عنهم كَمَا قَالَ الْحَسَنُ إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ أُمُورًا هِيَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ، وَإِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا مِنْ الْمُوبِقَاتِ فَكَانَ يَكْفِيهِمْ قَلِيلُ التَّعْزِيرِ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى زَوَّرُوا خَاتَمَ عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ، وَلَمْ يُرِدْ رضي الله عنه نَسْخَ حُكْمٍ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ يَنْتَقِلُ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ.
(وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إلَّا مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمَّا الْأَحْنَافُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى الْعَشْرِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ وَاجِبَةُ النُّفُوذِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ كَالْحُدُودِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ مَصْلَحَةٌ أَيْ وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ لَمْ يَجِبْ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَإِنْ تَجَرَّدَ التَّعْزِيرُ عَنْ حَقِّ آدَمِيٍّ وَانْفَرَدَ بِهِ حَقُّ السَّلْطَنَةِ كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مُرَاعَاةُ حُكْمِ الْأَصْلَحِ فِي الْعَفْوِ وَالتَّعْزِيرِ وَلَهُ التَّشْفِيعُ فِيهِ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «اشْفَعُوا إلَيَّ وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ» قَالَ فَلَوْ تَعَافَى الْخَصْمَانِ عَنْ الذَّنْبِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ سَقَطَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَفِي حَقِّ السَّلْطَنَةِ وَالتَّقْوِيمِ وَالْأَدَبِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ فَلَهُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ بِسَبَبِهِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ.
وَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ ضِمْنًا كَمَا إذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ الْحَدِّ عَنْ الْحَدِّ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ إذْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ التَّعْزِيرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِانْدِرَاجِهِ فِي الْحَدِّ السَّاقِطِ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ إذْ وُجُوبُ التَّعْزِيرِ الْمُقْتَرِنِ بِالْحَدِّ لِمُجَرَّدِ حَقِّ السَّلْطَنَةِ فَلَا يَنْبَغِي سُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قَالَ فَلَوْ كَانَ الْخَصْمَانِ الْمُتَرَافِعَانِ وَالِدًا وَوَلَدًا فَلَا حَقَّ لِلْوَلَدِ فِي تَعْزِيرِ وَالِدِهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ
تَكُونَ الْحَاجَةُ مَاسَّةً لِذَلِكَ وَأَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ مِنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا يُخِلُّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً الَّتِي حَصَلَتْ الْمُشَاوَرَةُ فِيهَا، أَوْ الَّتِي يَعْتَقِدُ النَّاصِحُ أَنَّ الْمَنْصُوحَ شَرَعَ فِيهَا أَوْ هُوَ عَلَى عَزْمِ ذَلِكَ فَيَنْصَحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فَإِنَّ حِفْظَ مَالِ الْإِنْسَانِ وَعِرْضِهِ وَدَمِهِ عَلَيْك وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ لَك بِذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ ذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَطَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَهَذَا حَرَامٌ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبِيحَتْ الْغِيبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ قَائِمٌ فِي الْكُلِّ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يُسْتَشَارَ فِي أَمْرِ الزَّوَاجِ فَيَذْكُرَ الْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِمَصْلَحَةِ الزَّوَاجِ وَالْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِالشَّرِكَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يُسْتَشَارَ فِي السَّفَرِ مَعَهُ فَتُذْكَرَ الْعُيُوبُ الْمُخِلَّةُ بِمَصْلَحَةِ السَّفَرِ، وَالْعُيُوبُ الْمُخِلَّةُ بِالزَّوَاجِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعُيُوبِ الْمُخِلَّةِ بِمَا اُسْتُشِرْت فِيهِ حَرَامٌ بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى عَيْنِ مَا عُيِّنَ أَوْ تَعَيَّنَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ
(الثَّانِيَةُ) التَّجْرِيحُ وَالتَّعْدِيلُ فِي الشُّهُودِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْحُكْمِ بِقَوْلِ الْمُجَرِّحِ وَلَوْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَيَحْرُمُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ وَالتَّفَكُّهُ بِأَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْعِصْمَةُ، وَكَذَلِكَ رُوَاةُ الْحَدِيثِ يَجُوزُ وَضْعُ الْكُتُبِ فِي جَرْحِ الْمَجْرُوحِ مِنْهُمْ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْحَامِلِينَ لِذَلِكَ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهَذَا الْبَابُ أَوْسَعُ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِحُكَّامٍ بَلْ يَجُوزُ وَضْعُ ذَلِكَ لِمَنْ يَضْبِطْهُ وَيَنْقُلُهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُ النَّاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى ضَبْطِ السُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَطَالِبُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
تَعْزِيرُهُ لِحَقِّ السَّلْطَنَةِ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِعْلُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَتَعْزِيرُ الْوَلَدِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ حَقَّيْ الْوَالِدِ وَالسَّلْطَنَةِ. اهـ بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ أَيْ مُطْلَقًا مُحْتَجًّا بِوَجْهَيْنِ. (الْأَوَّلِ) مَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَزِّرْ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قَالَهُ فِي حَقِّ الزُّبَيْرِ فِي أَمْرِ السَّقْيِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك» يَعْنِي فَسَامَحْتَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] فَإِذَا قَسَطَ فَتَجِبُ إقَامَتُهُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ كَانَتْ تَصْدُرُ لِجَفَاءِ الْأَعْرَابِ لَا لِقَصْدِ السَّبِّ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَا يَجِبُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ وَالزَّوْجِ وَجَوَابُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ قَدْ يَجِبُ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَنَصِيبُ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَهُوَ وَاجِبٌ. (الْوَجْهِ الثَّالِثِ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْقَاعِدَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُقُوبَاتِ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ حَدَّ الزِّنَا مِائَةً وَحَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ وَحَدَّ السَّرِقَةِ الْقَطْعَ وَحَدَّ الْحِرَابَةِ الْقَتْلَ إلَّا أَنَّهَا جَرَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي مَسَائِلَ. (مِنْهَا) أَنَّ الشَّرْعَ سَوَّى فِي الْحَدِّ بَيْنَ سَرِقَةِ دِينَارٍ وَسَرِقَةِ أَلْفِ دِينَارٍ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى فِي الْحَدِّ بَيْنَ شَارِبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَشَارِبِ جَرَّةٍ مَعَ اخْتِلَافِ مَفَاسِدِهَا حَدًّا. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ جَعَلَ عُقُوبَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءً مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْحُرِّ أَعْظَمُ لِجَلَالَةِ مِقْدَارِهِ بِدَلِيلِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ دُونَ الْبِكْرِ لِعِظَمِ مِقْدَارِهِ مَعَ أَنَّ الْعَبِيدَ إنَّمَا سَاوَتْ الْأَحْرَارَ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ لِتَعَذُّرِ التَّجْزِئَةِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْجُرْحِ اللَّطِيفِ السَّارِي لِلنَّفْسِ وَالْعَظِيمِ فِي الْقِصَاصِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ قَتْلِ الرَّجُلِ الْعَالِمِ الصَّالِحِ التَّقِيِّ الشُّجَاعِ الْبَطَلِ مَعَ الْوَضِيعِ.
وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَبَدًا فَيَخْتَلِفُ دَائِمًا بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا قَوْلٍ مُعَيَّنٍ وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَمَا قَالَ بِبَعْضِهِ أَصْحَابُنَا وَبَعْضُهُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ. (فَمِنْهَا)«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَزَّرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْهَجْرِ فَهُجِرُوا خَمْسِينَ يَوْمًا لَا يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ» وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصِّحَاحِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ضَرَبَ صَبِيغًا الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَغَيْرِهَا وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالتَّفَقُّهِ فِي الْمُشْكِلَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ ضَرْبًا وَجِيعًا وَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ، وَأَمَرَ بِهَجْرِهِ فَكَانَ لَا يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَابَ وَكَتَبَ عَامِلُ الْبَلَدِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ فَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي كَلَامِهِ. (وَمِنْهَا)«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَزَّرَ بِالنَّفْيِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَفْيِهِمْ» وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ صلى الله عليه وسلم. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَلَقَ رَأْسَ نَصْرِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمَّا تَشَبَّبَ النِّسَاءُ بِهِ فِي الْأَشْعَارِ وَخَشَى الْفِتْنَةَ بِهَا. (وَمِنْهَا) مَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْعُرَنِيِّينَ. (وَمِنْهَا)«أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَتَهَا أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهَا» . (وَمِنْهَا) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي رَجُلٍ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَأَشَارُوا بِحَرْقِهِ فِي النَّارِ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِذَلِكَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رضي الله عنه ثُمَّ حَرَقَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ ثُمَّ حَرَقَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه حَرَقَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ. (وَمِنْهَا) «إبَاحَتُهُ
غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِيهِ خَالِصَةً لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ حُكَّامِهِمْ، وَفِي ضَبْطِ شَرَائِعِهِمْ أَمَّا مَتَى كَانَ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ أَوْ تَفَكُّهٍ بِالْأَعْرَاضِ وَجَرْيًا مَعَ الْهَوَى فَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَالرُّوَاةِ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ تَجُرُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَنْ قَتَلَ كَافِرًا يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ عَاصٍ بِظَنِّهِ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْمَصْلَحَةُ بِقَتْلِ الْكَافِرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُرِيقُ خَمْرًا وَيَظُنُّهُ خَلًّا انْدَفَعَتْ الْمَفْسَدَةُ بِفِعْلِهِ، وَاشْتُرِطَ أَيْضًا فِي هَذَا الْقِسْمِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوَادِحِ الْمُخِلَّةِ بِالشَّهَادَةِ أَوْ الرِّوَايَةِ فَلَا يَقُولُ هُوَ ابْنُ زِنًا، وَلَا أَبُوهُ لَاعَنَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ
(الثَّالِثَةُ) الْمُعْلِنُ بِالْفُسُوقِ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ
فَمِثْلُك حُبْلَى قَدْ طَرَقْت وَمُرْضِعٌ
فَيَفْتَخِرُ بِالزِّنَا فِي شِعْرِهِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يُحْكَى ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ إذَا سَمِعَهُ بَلْ قَدْ يُسَرُّ بِتِلْكَ الْمَخَازِي فَإِنَّ الْغِيبَةَ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِحَقِّ الْمُغْتَابِ وَتَأَلُّمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ بِالْمَكْسِ وَتَظَاهَرَ بِطَلَبِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ وَفَعَلَهُ وَنَازَعَ فِيهِ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا وَأَبْنَاءَ جِنْسِهِ كَثِيرٌ مِنْ اللُّصُوصِ يَفْتَخِرُ بِالسَّرِقَةِ وَالِاقْتِدَارِ عَلَى التَّسَوُّرِ عَلَى الدُّورِ الْعِظَامِ وَالْحُصُونِ الْكِبَارِ فَذِكْرُ مِثْلِ هَذَا عَنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لَا يَحْرُمُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَأَذَّوْنَ بِسَمَاعِهِ بَلْ يُسَرُّونَ
(الرَّابِعَةُ) أَرْبَابُ الْبِدَعِ وَالتَّصَانِيفِ الْمُضِلَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِرَ النَّاسُ فَسَادَهَا وَعَيْبَهَا وَأَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ لِيَحْذَرَهَا النَّاسُ الضُّعَفَاءُ فَلَا يَقَعُوا فِيهَا، وَيُنَفَّرُ عَنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَعَدَّى فِيهَا الصِّدْقُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
صلى الله عليه وسلم سَلَبَ الَّذِي يَصْطَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِمَنْ وَجَدَهُ» .
(وَمِنْهَا)«أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بِكَسْرِ دِنَانِ الْخَمْر وَشَقِّ ظُرُوفِهَا» . (وَمِنْهَا)«أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه بِتَحْرِيقِ الثَّوْبَيْنِ الْمُعَصْفَرَيْنِ» . (وَمِنْهَا)«أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَ فِيهَا لَحْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ اسْتَأْذَنُوهُ فِي غَسْلِهَا فَأَذِنَ لَهُمْ» فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْكَسْرِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً. (وَمِنْهَا)«هَدْمُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَسْجِدِ الضِّرَارِ» . (وَمِنْهَا)«أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بِتَحْرِيقِ مَتَاعِ الَّذِي غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ» . (وَمِنْهَا) إضْعَافُ الْغُرْمِ عَلَى سَارِقِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ مِنْ التَّمْرِ وَالْكَسْرِ. (وَمِنْهَا) إضْعَافُ الْغُرْمِ عَلَى كَاتِمِ الضَّالَّةِ. (وَمِنْهَا) أَخْذُهُ شَطْرَ مَالِ مَانِعِ الزَّكَاةِ غَرْمَةً مِنْ غَرَامَاتِ الرَّبِّ تبارك وتعالى. (وَمِنْهَا) أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم لَابِسَ خَاتَمِ الذَّهَبِ بِطَرْحِهِ فَطَرَحَهُ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ. (وَمِنْهَا)«أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ نَخِيلِ الْيَهُودِ إغَاظَةً لَهُمْ» . (وَمِنْهَا) تَحْرِيقُ عُمَرَ رضي الله عنه لِلْمَكَانِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ. (وَمِنْهَا) تَحْرِيقُ عُمَرَ قَصْرَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا احْتَجَبَ فِيهِ عَنْ الرَّعِيَّةِ وَصَارَ يَحْكُمُ فِي دَارِهِ (وَمِنْهَا) مُصَادَرَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عُمَّالَهُ بِأَخْذِ شَطْرِ أَمْوَالِهِمْ فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
(وَمِنْهَا) أَنَّهُ رضي الله عنه ضَرَبَ الَّذِي زَوَّرَ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ، وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِائَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِائَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِائَةً. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا وَجَدَ مَعَ السَّائِلِ مِنْ الطَّعَامِ فَوْقَ كِفَايَتِهِ وَهُوَ يَسْأَلُ أَخْذَ مَا مَعَهُ، وَأَطْعَمَهُ إبِلَ الصَّدَقَةِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَرَاقَ اللَّبَنَ الْمَغْشُوشَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ، وَهَذِهِ قَضَايَا صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ شَائِعَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبَعْضُهَا شَائِعٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمَنْ قَالَ إنَّ الْعُقُوبَةَ الْمَالِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ فَقَدْ غَلِطَ عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا، وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ دَعْوَاهُ نَسْخَهَا كَيْفَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم مُبْطِلٌ لِدَعْوَى نَسْخِهَا وَالْمُدَّعُونَ لِلنَّسْخِ لَيْسَ مَعَهُمْ كِتَابٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ يُصَحِّحُ دَعْوَاهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ فَمَذْهَبُ أَصْحَابِهِ عِيَارٌ عَلَى الْقَبُولِ وَالرَّدِّ اهـ.
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالتَّعْزِيرُ بِالْمَالِ قَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَلَهُمْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْتُ مِنْهُ فِي كِتَابِ الْحِسْبَةِ طَرَفًا فَمِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اللَّبَنِ الْمَغْشُوشِ أَيُهْرَاقُ؟ . قَالَ لَا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي غَشَّهُ وَقَالَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَالْمِسْكِ الْمَغْشُوشِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكَثِيرِ فَقَالَ يُبَاعُ الْمِسْكُ وَالزَّعْفَرَانُ إلَى مَنْ لَا يَغِشُّ بِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ أَدَبًا لِلْغَاشِّ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ الْأَنْدَلُسِيِّ فِي الْمَلَاحِمِ الرَّدِيئَةِ النَّسْجِ بِأَنْ تُحْرَقَ، وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِتَقْطِيعِهَا وَالصَّدَقَةِ بِهَا خِرَقًا.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا اشْتَرَى عَامِلُ الْقِرَاضِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَالِمًا بِأَنَّهُ قَرِيبُهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ الْعَبْدُ وَغَرِمَ الْعَامِلُ ثَمَنَهُ وَحِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ يَوْمَ الشِّرَاءِ رِبْحٌ وَوَلَاؤُهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ فِيمَا فَعَلَ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُعَاقِبُ وَتُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ كُرْهًا مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْفَاسِقُ إذَا آذَى جَارَهُ، وَلَمْ يَنْتَهِ تُبَاعُ عَلَيْهِ الدَّارُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) مَنْ مَثَّلَ بِأَمَتِهِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عُقُوبَةٌ بِالْمَالِ اهـ.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) مِنْ الْفُرُوقِ
وَلَا يُفْتَرَى عَلَى أَهْلِهَا مِنْ الْفُسُوقِ وَالْفَوَاحِشِ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَا فِيهِمْ مِنْ الْمُنَفِّرَاتِ خَاصَّةً فَلَا يُقَالُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ إنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَلَا أَنَّهُ يَزْنِي وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ دَاخِلٌ فِي النَّصِيحَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ، وَلَا مُقَارَنَةِ الْوُقُوعِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ وَلَمْ يَتْرُكْ شِيعَةً تُعَظِّمُهُ، وَلَا كُتُبًا تُقْرَأُ، وَلَا سَبَبًا يُخْشَى مِنْهُ إفْسَادٌ لِغَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَلَا يُذْكَرَ لَهُ عَيْبٌ أَلْبَتَّةَ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ عليه السلام «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ» فَالْأَصْلُ اتِّبَاعُ هَذَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ
(الْخَامِسَةُ) إذَا كُنْت أَنْتَ وَالْمُغْتَابَ عِنْدَهُ قَدْ سَبَقَ لَكُمَا الْعِلْمُ بِالْمُغْتَابِ بِهِ فَإِنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحُطُّ قَدْرَ الْمُغْتَابِ عِنْدَ الْمُغْتَابِ عِنْدَهُ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَعْرَى هَذَا الْقِسْمُ عَنْ نَهْيٍ؛ لِأَنَّكُمَا إذَا تَرَكْتُمَا الْحَدِيثَ فِيهِ رُبَّمَا نَسِيَ فَاسْتَرَاحَ الرَّجُلُ الْمَعِيبُ بِذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ، وَإِذَا تَعَاهَدْتُمَاهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى عَدَمِ نِسْيَانِهِ
(السَّادِسَةُ) الدَّعْوَى عِنْدَ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا أَخَذَ مَالِي وَغَصَبَنِي وَثَلَمَ عِرْضِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوَادِحِ الْمَكْرُوهَةِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْك
(تَنْبِيهٌ) سَأَلْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ عَمَّنْ يَرْوِي قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «لَا غِيبَةَ فِي فَاسِقٍ» فَقَالُوا لِي: لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ الْفَاسِقِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْغِيبَةِ وَمَا لَا يَحْرُمُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنَّ الْحُدُودَ الْمُقَدَّرَةَ لَمْ تُوجَدْ فِي الشَّرْعِ إلَّا فِي مَعْصِيَةٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا الْعِصْيَانُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ، قَالَ الْأَصْلُ: وَمِنْ هُنَا يَبْطُلُ عَلَى الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ فِي الْحَنَفِيِّ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ، وَلَمْ يَسْكَرْ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا حَدُّهُ فَلِلْمَفْسَدَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ التَّوَسُّلِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ، وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّقْلِيدِ عِنْدَهُ، قَالَ: وَالْعُقُوبَاتُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ لَا الْمَعَاصِيَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ. اهـ. لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَاذِيرِ لَا فِي الْحُدُودِ وَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ قَوْلَ مَالِكٍ أَحُدُّهُ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ لِمُنَافَاتِهَا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْخَمْرِ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ فَافْهَمْ.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ، وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إذَا كَانَ الْجَانِي مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمُكَلَّفِينَ قَدْ جَنَى جِنَايَةً حَقِيرَةً وَالْعُقُوبَةُ الصَّالِحَةُ لَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ رَدْعًا وَالْعَظِيمَةُ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِيهِ لَا تَصْلُحُ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ سَقَطَ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا أَمَّا الْعَظِيمَةُ فَلِعَدَمِ مُوجِبِهَا، وَأَمَّا الْحَقِيرَةُ فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا. اهـ. قَالَ الْأَصْلُ: وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالَفَ فِيهِ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَبَيَانُ ضَعْفِ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْحَقِيرَةَ تَسْقُطُ عُقُوبَتُهَا، بَلْ بُطْلَانِهِ أَنَّ قَوْلَهُ الْعُقُوبَةُ الصَّالِحَةُ لَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ رَدْعًا، قَوْلٌ مُتَنَافٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْعُقُوبَةِ صَالِحَةً لِلْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ رَدْعًا فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُؤَثِّرُ رَدْعًا فَلَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لَهَا هَذَا أَمْرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَا إشْكَالَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
(الْوَجْهُ السَّادِسُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَالَ الْأَصْلُ: مَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا الْحِرَابَةَ وَالْكُفْرَ فَإِنَّهُمَا يَسْقُطُ حَدُّهُمَا بِالتَّوْبَةِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} [الأنفال: 38] الْآيَةَ، لَا يُقَالُ قِيَاسُ نَحْوِ الزِّنَا مِنْ بَاقِي الْمَفَاسِدِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ عَلَى هَذَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ مَفْسَدَةُ الْكُفْرِ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ وَالْحِرَابَةُ أَعْظَمُ مَفْسَدَةً مِنْ الزِّنَا فَإِذَا أَثَّرَتْ التَّوْبَةُ فِي سُقُوطِ هَاتَيْنِ الْمَفْسَدَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ فَلَأَنْ تُؤَثِّرَ فِيمَا دُونَهُمَا مِنْ الْمَفَاسِدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذْ الْمُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْأَعْلَى أَوْلَى أَنْ يُؤَثِّرَ فِي سُقُوطِ الْأَدْنَى يُقَوِّي قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِسُقُوطِ الْحُدُودِ بِالتَّوْبَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ لَا يَصِحُّ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْكُفْرِ فَمِنْ وُجُوهٍ. (أَحَدِهَا) أَنَّ سُقُوطَ الْقِتَالِ فِي الْكُفْرِ يُرَغِّبُ فِي الْإِسْلَامِ وَكَوْنُهُ يَبْعَثُ عَلَى الرِّدَّةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الرِّدَّةَ قَلِيلَةٌ فَاعْتُبِرَ جِنْسُ الْكُفْرِ وَغَالِبُهُ.
وَ (ثَانِيهَا) أَنَّ الْكُفْرَ يَقَعُ لِلشُّبُهَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَلَا يُؤْثِرُ أَحَدٌ أَنْ يَكْفُرَ لِهَوَاهُ بِخِلَافِ نَحْوِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يَزْنِي أَحَدٌ مَثَلًا إلَّا لِهَوَاهُ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ. (وَثَالِثِهَا) أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَتَكَرَّرُ غَالِبًا وَجِنَايَاتُ الْحُدُودِ تَتَكَرَّرُ غَالِبًا فَلَوْ أَسْقَطْنَاهَا بِالتَّوْبَةِ ذَهَبَتْ مَعَ تَكَرُّرِهَا مَجَّانًا وَتَجَرَّأَ عَلَيْهَا النَّاسُ فِي اتِّبَاعِ أَهْوِيَتِهِمْ أَكْثَرُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحِرَابَةِ فَلِأَنَّا لَا نُسْقِطُهَا بِالتَّوْبَةِ إلَّا إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمَفْسَدَةُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ أَمَّا مَتَى قَتَلَ قُتِلَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الدَّمِ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَجَبَ الْغُرْمُ وَسَقَطَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ تَخْيِيرٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ