الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَهِيَ بَيِّنَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ إجْمَاعًا فَيَكُونُ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ، وَالْعَدَدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَالصِّفَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ وَصْفَ الْعَدَالَةِ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِنَا، وَهُوَ يَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهِ فَمَا رَجَّحْنَا إلَّا فِي مَوْطِنِ اجْتِهَادٍ لَا فِي مَوْضِعِ تَقْدِيرٍ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ الظَّنَّ كَيْفَ كَانَ يُعْتَبَرُ بَلْ نَدَّعِي أَنَّ مَزِيدَ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِ أَصْلٍ مُعْتَبَرٍ كَمَا أَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ لَا نُثْبِتُ بِهَا الْأَحْكَامَ وَالْفَتَاوَى، وَإِنْ حَصَّلَتْ ظَنًّا أَكْثَرَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَقْيِسَةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهَا مُدْرِكًا لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَلَمَّا جَعَلَ الْأَخْبَارَ وَالْأَقْيِسَةَ مُدْرِكًا لِلْفُتْيَا دَخَلَهَا التَّرْجِيحُ فَكَذَا هَاهُنَا أَصْلُ الْبَيِّنَةِ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْمَخْصُوصَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّرْجِيحُ.
وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ النِّزَاعِ وَطُولِ الْخُصُومَاتِ فَإِذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِمَزِيدِ عَدَدٍ سَعَى الْآخَرُ فِي زِيَادَةِ عَدَدِ بَيِّنَتِهِ، وَتَطُولُ الْخُصُومَةُ، وَتُعَطَّلُ الْأَحْكَامُ، وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيِّنَتَهُ أَعْدَلَ فَلَا يَطُولُ النِّزَاعُ، وَلِأَنَّ الْعَدَدَ يُعَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِخِلَافِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ، وَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ فَعُدُولُ زَمَانِنَا لَمْ يَكُونُوا مَقْبُولِينَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَلْبَتَّةَ مَعَ أَنَّا نَلْتَزِمُ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا.
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ)
اعْلَمْ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الدِّينِ قَدْ مَنَعَ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الصَّغِيرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى قَوْلِهِ وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ)
قُلْت مَا قَالَهُ وَنَقَلَهُ صَحِيحٌ إلَّا مَا قَالَهُ فِي ضَبْطِ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ بِالنَّظَرِ إلَى مَقَادِيرِ الْمَفَاسِدِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ بَنَى عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فَهِمْنَا مِنْهُ مُرَاعَاةَ الْمَصَالِحِ تَفَضُّلًا فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا الْفَرْقُ بِالنَّظَرِ إلَى مَقَادِيرِ الْمَفَاسِدِ لِجَهْلِنَا ذَلِكَ وَعَدَمِ وُصُولِنَا إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا الضَّابِطُ لِمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ الشَّارِعَ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ بَيَانَ حُكْمِ حَالَتَيْ الْبَعْضِ الشَّائِعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ، وَهُوَ ثُلُثٌ أَوْ دُونَهُ فَلِذَا عَوَّلْت عَلَيْهِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ لَا عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ فَتَنَبَّهْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ) وَهُوَ أَنَّ الِالْتِقَاطَ بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقِطِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَحَالِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، وَأَهْلِهِ يَنْقَسِمُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ إجْمَالًا وَأَرْبَعَةً تَفْصِيلًا:(الْأَوَّلُ) أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا. (الثَّانِي) أَنْ يَخَافَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ أَيْ بِأَنْ يَشُكَّ فَيُكْرَهُ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ أَمْ لَا فَإِنْ خَافَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ، وَالتَّرْكُ لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ اهـ.
بِاخْتِصَارٍ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق يَعْنِي أَنَّ التَّرْكَ لِغَيْرِ مَا لَهُ بَالٌ أَفْضَلُ مِنْ الِالْتِقَاطِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ، وَالْحَقِيرُ كَالدِّرْهَمِ، وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ اللَّخْمِيِّ قَالَ الْبُنَانِيُّ، وَاخْتَارَ التُّونُسِيُّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْكَرَاهَةَ أَيْ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الشَّيْخَ خَلِيلًا بِقَوْلِهِ الْخِيَانَةَ فِيمَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةً عَلَى الْأَحْسَنِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبَ الِالْتِقَاطِ عَلَيْهِ، وَتَرَكَهُ نَفْسُهُ أَيْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ بِحُرْمَةِ الْتِقَاطِهَا، وَفِيمَا إذَا شَكَّ فِيهَا أَنَّهُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ بِكَرَاهَتِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ قَالَ الْحَطَّابُ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
كَلَامُ الْبُنَانِيِّ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الِالْتِقَاطِ عَلَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي قِسْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخَافَ عَلَى اللُّقَطَةِ الْخَوَنَةَ، وَأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِيمَا عَدَاهُ فَيَحْرُمُ فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ جَزْمًا فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا إذَا شَكَّ فِي خِيَانَةِ نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَحْسَنِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَخَافَ عَلَى اللُّقَطَةِ الْخَوَنَةَ.
وَأَمَّا وُجُوبُ الِالْتِقَاطِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْحَطَّابُ فَفِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ تَيَقُّنُ أَمَانَةِ نَفْسِهِ، وَخَوْفُ الْخَوَنَةِ عَلَى اللُّقَطَةِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ أَوْ شَكَّ فِيهَا، وَلَا يَكُونُ عِلْمُ
تَعَالَى، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا لَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ صَغِيرَةً بَلْ جَمِيعُ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ جَمِيعُ مَعَاصِيهِ كَبَائِرَ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقَدْحِ فِي الْعَدَالَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْقُطُ بِهَا الْعَدْلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَدَالَةِ فَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِطْلَاقِ.
وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْفَرْقِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَ لِلْمَعْصِيَةِ رُتَبًا ثَلَاثًا كُفْرًا وَفُسُوقًا، وَهُوَ الْكَبِيرَةُ، وَعِصْيَانًا، وَهِيَ الصَّغِيرَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا لَكَانَ اللَّفْظُ فِي الْآيَةِ مُتَكَرِّرًا إلَّا بِمَعْنًى مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ فِي الْمَعَاصِي لَيْسَ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَصَى بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمَفْسَدَةِ الْكَائِنَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فَالْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا، وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا، وَرُتَبُ الْمَفَاسِدِ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْكَرَاهَةُ ثُمَّ كُلَّمَا ارْتَقَتْ الْمَفْسَدَةُ عَظُمَتْ الْكَرَاهَةُ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ تَلِيهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ تَرْتَقِي رُتَبُ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ يَلِيهِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ ثُمَّ تَرْتَقِي رُتَبُ الْكَبَائِرِ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا الْكُفْرُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا.
وَأَرَدْنَا ضَبْطَ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِعِظَمِهِ نَنْظُرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوْ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِجَعْلِهِ كَبِيرَةً أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ أَوْ ثَبَتَ فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَطْعِ السَّرِقَةِ وَجَلْدِ الشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا كُلَّهَا كَبَائِرُ قَادِحَةٌ فِي الْعَدَالَةِ إجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ فَنَجْعَلُهُ أَصْلًا، وَنَنْظُرُ فَمَا سَاوَى أَدْنَاهُ مَفْسَدَةً أَوْ رَجَحَ عَلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ، وَرَدَدْنَا بِهِ الشَّهَادَةَ، وَأَثْبَتْنَا بِهِ الْفُسُوقَ، وَالْجَرْحَ، وَمَا وَجَدْنَاهُ قَاصِرًا عَنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ الَّتِي شَهِدَتْ لَهَا الْأُصُولُ جَعَلْنَاهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ احْتَمَلَ الْجُرْأَةَ فَمَنْ دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِهِ عَلَى الْجُرْأَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ كَمُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ دَلَائِلِ الشَّرْعِ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ أَوْ الْمُصِرُّ عَلَى الصَّغِيرَةِ إصْرَارًا يُؤْذِنُ بِالْجُرْأَةِ وَمَنْ احْتَمَلَ حَالُهُ إنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ جُرْأَةً أَوْ فَلْتَةً تَوَقَّفَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَإِنْ دَلَّتْ دَلَائِلُ حَالِهِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ، أَعْنِي مَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مَعْلُومَةٍ الْكَبِيرُ مِنْ الشَّرْعِ فَلْتَةٌ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْجُرْأَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ لَيْسَ إلَّا التُّهْمَةَ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَى مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فَإِذَا عَرِيَ مِنْ الِاتِّصَافِ بِالْجُرْأَةِ وَاحْتِمَالِ الِاتِّصَافِ بِهَا بِظَاهِرِ حَالِهِ سَقَطَتْ التُّهْمَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْخِيَانَةِ أَوْ الشَّكِّ فِيهَا عُذْرًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا وَعَدَمُ وُجُوبِ الِالْتِقَاطِ فِي قِسْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ تَيَقُّنُ أَمَانَةِ نَفْسِهِ وَعَدَمُ خَوْفِ الْخَوَنَةِ عَلَى اللُّقَطَةِ فَفِي كَرَاهَتِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كَالدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ.
وَانْظُرْ وَجْهَ عَدَمِ اسْتِحْسَانِهِ وُجُوبُ الِالْتِقَاطِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَتَّى فِيمَا إذَا كَانَتْ حَقِيرَةً ضَرُورَةَ أَنَّ كَوْنَ الْغَالِبِ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ تَيَقُّنِ خِيَانَةِ نَفْسِهِ الَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ تَرْكَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي لُقَطَةِ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَفْضَلُ تَرْكُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمُرُّ بِاللُّقَطَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا، وَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا لِأَنَّ فِيهِ صَوْنُ مَالِ الْغَيْرِ الثَّالِثُ أَخْذُ الْجَلِيلِ أَفْضَلُ وَتَرْكُ الْحَقِيرِ أَفْضَلُ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ، وَالْإِمَامُ عَدْلٌ أَمَّا بَيْنَ الْخَوَنَةِ، وَلَا يَخْشَى السُّلْطَانَ إذَا عُرِّفَتْ فَالْأَخْذُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبَيْنَ خَوَنَةٍ، وَيَخْشَى مِنْ الْإِمَامِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَيُّ الْخَوْفَيْنِ أَشَدُّ، وَيُسْتَثْنَى لُقَطَةُ الْحَاجِّ فَلَا يَجْرِي فِيهَا هَذَا الْخِلَافُ كُلُّهُ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ أَوْلَى لِأَنَّ مُلْتَقِطَهَا يَرْحَلُ إلَى قُطْرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ التَّعْرِيفِ اهـ.
بِلَفْظِهِ نَعَمْ التَّفْصِيلُ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي كَلَامِ أَبِي الْوَلِيدِ غَيْرُهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ، وَإِنَّمَا يُقَرَّرُ مِنْهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ التَّفْصِيلُ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيِّ الِالْتِقَاطُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَمُسْتَحَبًّا وَمُحَرَّمًا وَمَكْرُوهًا بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقِطِ وَحَالِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ وَأَهْلِهِ، وَمِقْدَارَ اللُّقْطَةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مَأْمُونًا، وَلَا يَخْشَى السُّلْطَانَ إذَا أَشْهَرَهَا، وَهِيَ بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءَ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُمْ، وَلَهَا قَدْرٌ فَأَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا مُسْتَحَبٌّ، وَهَذِهِ صُورَةُ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ خُذْهَا وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِصَاحِبِهَا خَوْفَ أَنْ يَأْخُذَهَا مَنْ لَيْسَ بِمَأْمُونٍ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءَ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأُمَنَاءِ يَجِبُ الِالْتِقَاطُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، وَلِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ مَأْمُونٍ إذَا أَشْهَرَهَا أَخَذَهَا أَوْ الْوَاجِدُ غَيْرَ أَمِينٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِضَيَاعِ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كُرِهَ أَخْذُهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ، وَالْحَقِيرُ كَالدِّرْهَمِ، وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَصَّلَ، وَقَسَّمَ أَخَذَ اللُّقَطَةَ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ إلَّا أَصْحَابَنَا بَلْ كُلُّهُمْ أَطْلَقُوا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -