الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرُّطُوبَاتِ النَّاقِلَةِ لِلنَّجَاسَةِ، وَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَجَوَّزَ الصَّلَاةَ فِيهَا.
(الثَّانِي عَشَرَ) مَا يَصْنَعُهُ الْعَوَامُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْغَالِبِ نَجَاسَتُهُ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَجَوَّزَ الشَّرْعُ الصَّلَاةَ فِيهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً وَلُطْفًا بِالْعِبَادِ
(الثَّالِثَ عَشَرَ) مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ، وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُعْلَمُ لَابِسُهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ يُحْتَاطُ وَيُتَحَرَّزُ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْبِلَادِ الْعَوَامُّ وَالْفَسَقَةُ وَتُرَّاكُ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَمَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَالْغَالِبُ نَجَاسَةُ هَذَا الْمَلْبُوسِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَأَثْبَتَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ.
(الرَّابِعَ عَشَرَ) الْحُصْرُ وَالْبُسُطُ الَّتِي قَدْ اسْوَدَّتْ مِنْ طُولِ مَا قَدْ لُبِسَتْ يَمْشِي عَلَيْهَا الْحُفَاةُ وَالصِّبْيَانُ، وَمَنْ يُصَلِّي، وَمَنْ لَا يُصَلِّي الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهَا لِلنَّجَاسَةِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ بَعْدَ أَنْ نَضَحَهُ بِمَاءٍ، وَالنَّضْحُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بَلْ يَنْشُرُهَا فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ.
(الْخَامِسَ عَشَرَ) الْحُفَاةُ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُمْ النَّجَاسَةَ، وَلَوْ فِي الطَّرَقَاتِ وَمَوَاضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ جَوَّزَ الشَّرْعُ صَلَاةَ الْحَافِي كَمَا جَوَّزَ لَهُ الصَّلَاةَ بِنَعْلِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَمْشِي حَافِيًا، وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَعْلِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَفَاءَ أَخَفُّ مِنْ تَحَمُّلِ النَّجَاسَةِ مِنْ النِّعَالِ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ
(السَّادِسَ عَشَرَ) دَعْوَى الصَّالِحِ الْوَلِيِّ التَّقِيِّ عَلَى الْفَاجِرِ الشَّقِيِّ الْغَاصِبِ الظَّالِمِ دِرْهَمًا الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ، وَجَعَلَ الشَّرْعُ الْقَوْلَ قَوْلُ الْفَاجِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ بِإِسْقَاطِ الدَّعَاوَى عَنْهُمْ، وَانْدِرَاجُ الصَّالِحِ مَعَ غَيْرِهِ سَدًّا لِبَابِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ.
(السَّابِعَ عَشَرَ) عَقْدُ الْجِزْيَةِ لِتَوَقُّعِ إسْلَامِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ نَادِرٌ، وَالْغَالِبُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَمَوْتُهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِمْرَارِ فَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ فِي عَدَمِ تَعْجِيلِ الْقَتْلِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ.
(الثَّامِنَ عَشَرُ) الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ الرِّيَاءُ، وَعَدَمُ الْإِخْلَاصِ، وَالنَّادِرُ الْإِخْلَاصُ، وَمُقْتَضَى الْغَالِبِ النَّهْيُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلرِّيَاءِ، وَوَسِيلَةُ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّارِعُ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اُنْظُرْ الْعَاصِمِيَّةَ وَشُرَّاحَهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ شَهَادَةُ مَنْ يَقُولُ فُلَانٌ وَارِثٌ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ لَهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا يَدْرِي ذَلِكَ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَاتِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ)
وَهُوَ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ ضَابِطِ قَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَمَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ ذَلِكَ الضَّابِطِ يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَضَابِطُ قَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّهُ كُلُّ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ أَحَدُ ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ ثَبَتَ تَرْجِيحُهُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا
(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَإِنْ مَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم التَّرْجِيحَ بِهَا مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ كَالدِّيَةِ لَا تَخْتَلِفُ بِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ فِيهِ فَدِيَةُ الصَّغِيرِ الْحَقِيرِ كَدِيَةِ الْكَبِيرِ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ الْعَظِيمِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْفَسَقَةِ يَحْصُلُ الظَّنُّ أَكْثَرُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَعُلِمَ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إذَا كَثُرُوا، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَهِيَ بَيِّنَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ إجْمَاعًا فَيَكُونُ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ، وَالْعَدَدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَالصِّفَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَنَا وَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لَمَّا تُثِيرُهُ مِنْ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ فِي الْأَعْدَلِ أَقْوَى لِأَنَّ مُقِيمَ الْأَعْدَلِ أَقْرَبُ لِلصِّدْقِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْتُ أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ» فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا رَجَّحَ أَحَدُهُمَا.
(وَالثَّانِي) أَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ مَطْلُوبًا أَكْثَرُ فِي الشَّهَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْأَعْدَلِ، وَالظَّنُّ أَقْوَى فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْمُدْرَكُ فِي هَذَا الْوَجْهِ الِاحْتِيَاطِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجَوَامِعُ فِي الْقِيَاسَاتِ تَعَدَّدَتْ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ وَصْفَ الْعَدَالَةِ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِنَا، وَهُوَ يَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهِ فَمَا رَجَّحْنَا فِي مَوْطِنِ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا رَجَّحْنَا فِي مَوْطِنِ اجْتِهَادٍ.
(وَعَنْ الثَّانِي) إنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ الظَّنَّ يُعْتَبَرُ كَيْفَ كَانَ بَلْ نَدَّعِي أَنَّ مَزِيدَ الظَّنِّ مُعْتَبَرٌ فِي التَّرْجِيحِ بَعْدَ حُصُولِ أَصْلٍ مُعْتَبَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ وَالْفَتَاوَى، وَإِنْ حَصَلَتْ ظَنًّا أَكْثَرَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَقْيِسَةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهَا مُدْرَكًا لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَأَنَّ الْأَخْبَارَ وَالْأَقْيِسَةَ لَمَّا جُعِلَتْ مُدْرَكًا لِلْفُتْيَا دَخَلَهَا
النَّادِرِ
(التَّاسِعَ عَشَرَ) الْمُتَدَاعِيَانِ أَحَدُهُمَا كَاذِبٌ قَطْعًا، وَالْغَالِبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَعْلَمُ بِكَذِبِهِ، وَالنَّادِرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ تَحْلِيفُهُ سَعْيًا فِي وُقُوعِ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَيَكُونُ حَرَامًا غَايَتُهُ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ أَخْذُ الْحَقِّ، وَإِلْجَاؤُهُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ إمَّا مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُحَرَّمُ، وَالْوَاجِبُ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ عَلَى تَخْلِيصِ حُقُوقِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي اللِّعَانِ الْغَالِبِ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ يُشْرَعُ اللِّعَانُ.
(الْعِشْرُونَ) غَالِبُ الْمَوْتِ فِي الشَّبَابِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلِذَلِكَ الشُّيُوخُ أَقَلُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشُّبَّانُ يَعِيشُونَ لَصَارُوا شُيُوخًا فَتَكْثُرُ الشُّيُوخُ فَلَمَّا كَانَ الشُّيُوخُ فِي الْوُجُودِ أَقَلَّ كَانَ مَوْتُ الْإِنْسَانِ شَابًّا أَكْثَرَ، وَحَيَاتُهُ لِلشَّيْخُوخَةِ نَادِرًا، وَمَعَ ذَلِكَ شَرَعَ صَاحِبُ الشَّرْعِ التَّعْمِيرَ فِي الْغَائِبِينَ إلَى سَبْعِينَ سَنَةً إلْغَاءً لِحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتًا لِحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ فِي إبْقَاءِ مَصَالِحِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَنَظَائِرُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَأَمَّلَ وَتَعْلَمَ فَقَدْ غَفَلَ عَنْهَا قَوْمٌ فِي الطِّهَارَاتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْوَسْوَاسُ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَهِيَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ وَالْأَوَانِي وَالْكُتُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلَابِسُونَهُ النَّجَاسَةُ فَيَغْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ، وَأَنْفُسَهُمْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ غَالِبٌ كَمَا قَالُوا، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ النَّادِرَ الْمُوَافِقَ لِلْأَصْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فِي النَّفْسِ، وَظَنُّهُ مَعْدُومُ النِّسْبَةِ لِلظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ الْغَالِبِ لَكِنْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يَضَعَ فِي شَرْعِهِ مَا شَاءَ، وَيَسْتَثْنِي مِنْ قَوَاعِدِهِ مَا شَاءَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَصَالِح عِبَادِهِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ إثْبَاتَ حُكْمِ الْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِمَّا أَلْغَاهُ الشَّرْعُ أَمْ لَا، وَحِينَئِذٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مُطْلَقُ الْغَالِبِ كَيْفَ كَانَ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
(تَنْبِيهٌ) لَيْسَ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَعَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْهُ لِغَلَبَةِ الْمَجَازِ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ حَتَّى قَالَ ابْنُ جِنِّي كَلَامُ الْعَرَبِ كُلُّهُ مَجَازٌ، وَغَلَبَةُ الْخُصُوصَاتِ عَلَى الْعُمُومَاتِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا، وَقَدْ خُصَّ إلَّا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وَإِذَا غَلَبَ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ فَيَنْبَغِي إذَا ظَفِرْنَا بِلَفْظٍ ابْتِدَاءً أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى مَجَازِهِ تَغْلِيبًا لِلْغَالِبِ عَلَى النَّادِرِ، وَلَا نَحْمِلْهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ النَّادِرُ، وَنَحْمِلُ الْعُمُومَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
التَّرْجِيحُ فَكَذَا هُنَا أَصْلُ الْبَيِّنَةِ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْمَخْصُوصَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّرْجِيحُ.
(وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ يُفَارِقُ التَّرْجِيحَ بِالْأَعْدَلِيَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ:
(الْأُولَى) أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ النِّزَاعِ وَطُولِ الْخُصُومَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِمَزِيدِ عَدَدٍ سَعَى الْآخَرُ فِي زِيَادَةِ عَدَدِ بَيِّنَتِهِ فَتَطُولُ الْخُصُومَةُ، وَتُعَطَّلُ الْأَحْكَامُ، وَلَيْسَ الْأَعْدَلِيَّةُ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيِّنَتَهُ أَعْدَلَ فَلَا يَطُولُ النِّزَاعُ.
(وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْعَدَدَ يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ فَعُدُولُ زَمَانِنَا لَمْ يَكُونُوا مَقْبُولِينَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى أَنَّا نَلْتَزِمُ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا
(الْوَجْهُ الثَّانِي) قُوَّةُ الْحُجَّةِ كَالشَّاهِدَيْنِ يُقَدَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) الْيَدُ عِنْدَ التَّعَادُلِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْأَصْلُ فَعِنْدَنَا يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْيَدِ عِنْدَ التَّسَاوِي أَوْ هُوَ مَعَ الْبَيِّنَةِ الْأَعْدَلِ كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ الشَّهَادَةُ بِمُطْلَقِ الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ نَحْوَ هُوَ مِلْكِي نَسَجَتْهُ أَوْ وَلَدَتْهُ الدَّابَّةُ عِنْدِي فِي مِلْكِي كَانَ السَّبَبُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْمِلْكُ يَتَكَرَّرُ كَنَسْجِ الْخَزِّ، وَغَرْسِ النَّخْلِ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْخَارِجُ أَوْلَى، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إنْ ادَّعَى مُطْلَقَ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَ إلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ فَادَّعَاهُ كِلَاهُمَا فَكَذَلِكَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ وَادَّعَيَاهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ فَقَالَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ وُلِدَ عَلَى مِلْكِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ. لَنَا عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَحَاكَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ الْيَدِ» ، وَلِأَنَّ الْيَدَ مُرَجَّحَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَجْهَانِ الْأَوَّلُ مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْمُضَافِ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ، وَاحْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَهُوَ يَقْتَضِي صِنْفَيْنِ مُدَّعِيًا، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّتُهُ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ حُجَّتُهُ فَبَيِّنَتُهُ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا تُسْمَعُ كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْجِهَةِ الْأُخْرَى لَا تُفِيدُ شَيْئًا، وَجَوَابُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَلَيْهِ سَلَّمْنَا عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لَكِنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ فُسِّرَ بِالطَّالِبِ فَصَاحِبُ الْيَدِ طَالِبٌ لِنَفْسِهِ مَا طَلَبَهُ الْآخَرُ
ابْتِدَاءً عَلَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَلَا نَحْمِلُهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَحَيْثُ عَكَسْنَا كَانَ ذَلِكَ تَغْلِيبًا لِلنَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ
(وَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَسَبَبُهُ أَنَّ شَرْطَ الْفَرْدِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ بَيَانُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ الشُّقَّةَ إذَا جَاءَتْ مِنْ الْقَصَّارِ جَازَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً، وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ نَجِسَةً، وَهُوَ النَّادِرُ أَنْ يُصِيبَهَا بَوْلُ فَأْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِطَهَارَتِهَا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ حُكْمَنَا بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ، وَهَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ خَرَجَ مِنْ الْقِصَارَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ فَيُلْحَقُ بِهِ أَمَّا لَوْ كُنَّا لَا نَقْضِي بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِكَوْنِهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ بَلْ لِأَنَّهَا تُغْسَلُ بَعْد ذَلِكَ، وَهَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ لَمْ يُغْسَلْ فَإِنَّا هُنَا لَا نَقْضِي بِطَهَارَتِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْقِصَارَةِ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَغْسُولٌ بَعْدَ الْقِصَارَةِ، وَهَذَا الثَّوْبُ غَيْرُ مَغْسُولٍ كَذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظِ فَإِذَا لَمْ نَقْضِ عَلَى لَفْظٍ بِأَنَّهُ مَجَازٌ أَوْ مَخْصُوصٌ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ لَفْظًا بَلْ لِأَجْلِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَرِينَةِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ، وَاقْتِرَانُ الْمُخَصِّصِ الصَّارِفِ عَنْ الْعُمُومِ لِلتَّخْصِيصِ، وَهَذَا اللَّفْظُ الْوَارِدُ ابْتِدَاءً الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَالْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ لَيْسَ مَعَهُ صَارِفٌ مِنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَلَا مُخَصِّصٌ صَارِفٌ عَنْ الْعُمُومِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْغَالِبِ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ التَّخْصِيصِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى غَيْرِ غَالِبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَفْظٌ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ، وَلَا عَلَى الْخُصُوصِ أَلْبَتَّةَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ غَالِبًا بَلْ هَذَا اللَّفْظُ قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَيْسَ فِيهَا غَالِبٌ، وَنَادِرٌ بَلْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا، وَالْعُمُومُ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ شَرْطٌ خَفِيٌّ فِي حَمْلِ الشَّيْءِ عَلَى غَالِبِهِ دُونَ نَادِرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ بِالْمِثَالِ فَظَهَرَ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ ابْتِدَاءً، وَالْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ عَلَى النَّادِرِ دُونَ الْغَالِبِ، وَلَقَدْ أَوْرَدْت هَذَا السُّؤَالَ عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَلَمْ يَحْصُلْ عَنْهُ جَوَابٌ، وَهُوَ سُؤَالٌ حَسَنٌ، وَجَوَابُهُ حَسَنٌ جِدًّا.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَلْغَى الشَّارِعُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِنَفْسِهِ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِأَضْعَفِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا فَالْخَارِجُ لَمَّا أَقَامَ بَيِّنَةً صَارَ الدَّاخِلُ أَضْعَفَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا تُشْرَعُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّهِ سَلَّمْنَا دَلَالَتُهُ أَيْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُومَ الْمُخَصَّصُ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَبِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَلِيٍّ رضي الله عنه لَا تَقْضِ لِأَحَدِهِمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا، وَأَنَّ مَنْ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ حَكَمَ بِهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ.
(الثَّانِي) أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَعَارَضَتَا فِي سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ شَهِدَتْ هَذِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَالْأُخْرَى بِالْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ كَذِبُهُمَا فَسَقَطَتَا فَبَقِيَتْ الْيَدُ فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْكَذِبُ فَلَمْ تُفِدْ بِبَيِّنَتِهِ إلَّا مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ فَسَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا تَعَارَضَتَا فِي دَعْوَى طَعَامٍ ادَّعَيَا زِرَاعَتَهُ، وَشَهِدَا بِذَلِكَ، وَالزَّرْعُ لَا يُزْرَعُ مَرَّتَيْنِ كَالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَبِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِالْيَدِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لَمَا حُكِمَ لَهُ إلَّا بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ لَهُ حَيْثُ كَذَبَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُحْكَمَ لَهُ إذَا لَمْ تَكْذِبْ بَيِّنَتُهُ، وَلِأَنَّ الْيَدَ أَضْعَفُ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا بِالْيَمِينِ، وَالْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ عَلَى يَدِ الدَّاخِلِ إجْمَاعًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُهُ الْيَدُ
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا لَمْ يُقِمْ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ أَحْسَنُ حَالَتَيْهِ فَكَيْفَ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَتَهُ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَضْعَفُ فَعَدَمُ سَمَاعِهَا حِينَئِذٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
(وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ إنَّمَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عِنْدَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَوِيٌّ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الضَّعِيفِ فَوَجَبَ سَمَاعُهَا لِلضَّعْفِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا عِنْدَ إقَامَةِ الْخَارِجِ بَيِّنَتَهُ.
(وَالرَّابِعُ) أَنَّا إنَّمَا أَعْلَمْنَا بَيِّنَتَهُ فِي صُورَةِ النِّتَاجِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَفَادَتْ الْوِلَادَةَ، وَلَمْ تُفِدْهَا يَدُهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ فَأَفَادَتْ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْ الْيَدُ فَقُبِلَتْ.
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ الدَّعْوَى، وَالْيَدَ لَا يُفِيدَانِ مُطْلَقًا شَيْئًا، وَإِلَّا لَكَانَ مَعَ الْمُدَّعِي حُجَجُ الْيَدِ وَالدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ يُخَيِّرُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهَا أَيُّهَا شَاءَ أَقَامَ كَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ مَعَ إحْدَاهُمَا فَعَلِمَ أَنَّ الْمُفِيدَ إنَّمَا هُوَ الْبَيِّنَةُ، وَالْيَدُ لَا تُفِيدُ مِلْكًا، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ مَعَهَا لِلْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ تُفِيدُ التَّبْقِيَةَ عِنْدَهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَفَادَتْ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يُحْتَجْ إلَى يَمِينٍ.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) زِيَادَةُ التَّارِيخِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) الزِّيَادَةُ