الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ السَّمْعِيُّ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ:
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ خَلِّدْ فُلَانًا الْمُسْلِمَ عَدُوِّي فِي النَّارِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا قَاطِعًا بِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الطلاق: 11] فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كُفْرًا.
(الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي أَبَدًا حَتَّى أَسْلَمَ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَوْتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ هَذَا الْخَبَرِ فَيَكُونُ كُفْرًا.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ إبْلِيسَ مُحِبًّا نَاصِحًا لِي وَلِبَنِي آدَمَ أَبَدَ الدَّهْرِ حَتَّى يَقِلَّ الْفَسَادُ وَتَسْتَرِيحَ الْعِبَادُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ هَذَا الْخَبَرِ فَيَكُونُ كُفْرًا وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا
. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ:
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ عِلْمِهِ أَوْ عَالَمِيَّتِهِ الْقَدِيمَةِ حَتَّى يَسْتَتِرَ الْعَبْدُ فِي قَبَائِحِهِ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ اطِّلَاعِ رَبِّهِ عَلَى فَضَائِحِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى وُجُوبِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى أَزَلًا وَأَبَدًا فَيَكُونُ هَذَا الدَّاعِي طَالِبًا لِقِيَامِ الْجَهْلِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ.
(الثَّانِي) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ قُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَأْمَنَ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَزَلًا أَبَدًا لَا تَقْبَلُ التَّغْيِيرَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْقَاطِعُ عَلَى نَفْيِهِ) قُلْت الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ كَالْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
قَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبَ عِلْمِهِ أَوْ عَالَمِيَّتِهِ الْقَدِيمَةِ حَتَّى يَسْتَتِرَ الْعَبْدُ فِي قَبَائِحِهِ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ اطِّلَاعِ رَبِّهِ عَلَيْهِ إلَخْ. الثَّانِي أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ قُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَأْمَنَ الْمُؤَاخَذَةَ)
قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ طَلَبَ نَفْيَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَيْسَ طَلَبًا لِضِدِّهِمَا وَهُمَا الْجَهْلُ وَالْعَجْزُ كَمَا قَالَ لِجَوَازِ غَفْلَةِ الدَّاعِي وَإِضْرَابِهِ عَنْهُمَا وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْغَفْلَةِ وَالْإِضْرَابِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
هُوَ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا عَدْوَى» اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الشُّؤْمُ الْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ عليه السلام «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ الدَّارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ، وَفِي بَعْضِهَا إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنْ كَانَ النَّاسُ يَعْتَقِدُونَ الشُّؤْمَ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَوْ إنْ كَانَ الشُّؤْمُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ.
وَقِيلَ: أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِذَلِكَ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ وَاقِعًا فِي الثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ أَجْمَلَ ثُمَّ فَصَّلَ وَجَزَمَ كَمَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِالدَّجَّالِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا عَلَى حَسَبِ مَا وَرَدَ الْوَحْيُ بِهِ فَقَالَ عليه السلام «إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ فِيكُمْ فَالْمَرْءُ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ قَالَ عليه السلام إنَّ الدَّجَّالَ إنَّمَا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ» ، وَكَذَلِكَ «سُئِلَ عليه السلام عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ: إنَّهُ قَالَ: قَدْ مُسِخَتْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ» أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَمْ يُعْقَبْ فَقَدْ أَخْبَرَ بِالْمَسْخِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي السُّنَّةِ فَنُنَبِّهُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبِهَا يَحْصُلُ لَك الْجَمْعُ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُجْرِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَادَتَهُ بِجَعْلِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَحْيَانَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ فَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ عليه السلام قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَارٌ سَكَنَّاهَا، وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ، وَالْمَالُ وَافِرٌ فَقَلَّ الْعَدَدُ، وَذَهَبَ الْمَالُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم دَعُوهَا ذَمِيمَةً» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ إنَّمَا تَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَقْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ قَالَ الْبَاجِيَّ.
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً اهـ وَاخْتُلِفَ فِي الْهَامَةِ وَصَفَرٍ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ «لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ» إلَخْ هَلْ هُمَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَمْ لَا قَالَ الْبَاجِيَّ: وَلَا هَامَةَ قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ لَا تَطَيُّرَ بِالْهَامَةِ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ إذَا قُتِلَ أَحَدٌ خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ طَائِرٌ لَا يَزَالُ يَقُولُ: اسْبِقْنِي حَتَّى يَقْتُلَ قَاتِلَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْخَبَرُ نَهْيًا وَعَلَى الثَّانِي تَكْذِيبًا، وَلَا صَفَرَ هُوَ النَّسِيءُ الَّتِي كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تُحَرِّمُ فِيهِ صَفَرَ لِتُبِيحَ بِهِ الْمُحَرَّمَ، وَقِيلَ: كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَقُولُ: هُوَ دَاءٌ فِي الْجَوْفِ يَقْتُلُ قَالَ عليه السلام لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجْلِهِ اهـ هَذَا تَهْذِيبُ كَلَامِ الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ وَقَاعِدَةِ الْفَأْلِ الْحَلَالِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ وَقَاعِدَةِ الْفَأْلِ الْحَلَالِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ)
وَهُوَ أَنَّ بَيْنَ الطِّيَرَةِ وَالْفَأْلِ التَّبَايُنَ الْكُلِّيَّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَةُ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةِ، وَأَحْكَامُهَا.
وَأَمَّا الْفَأْلُ فَهُوَ مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ
وَلَا الْفَنَاءَ فَطَلَبُ عَدَمِهَا طَلَبٌ لِعَجْزِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فَيَكُونُ الدَّاعِي طَالِبًا لِسَلْبِ ذَلِكَ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ كُفْرًا وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا
. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَعْظُمَ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْأَلَ اللَّهَ ذَلِكَ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَسْتَبْدِلَ مِنْ وَحْشَتِهِ أُنْسًا، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ فَطَلَبُ ذَلِكَ كُفْرٌ.
(الثَّانِي) أَنْ تَعْظُمَ حَمَاقَةُ الدَّاعِي وَتَجَرُّؤُهُ فَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ مِنْ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْقَضَاءِ النَّافِذِ الْمُحَتَّمِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ طَلَبُ ذَلِكَ طَلَبًا لِلشَّرِكَةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُلْكِ وَهُوَ كُفْرٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الثَّالِثُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فَيَكُونُ الدَّاعِي طَالِبًا لِسَلْبِ ذَلِكَ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ كُفْرًا وَأَلْحَقَ بِهَذِهِ الْمُثُلَ نَظَائِرَهَا) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا إنَّمَا هُوَ وَضْعٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. هَذَا إذَا أَرَادَ أَنَّ عَيْنَ الطَّلَبِ هُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ وَهُوَ الْجَهْلُ يَكُونُ سَلْبُ الِاسْتِيلَاءِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَا تَتَعَلَّقُ فَهُوَ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاته حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ) قُلْت الْكَلَامُ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ هُنَاكَ وَهُنَا مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ صَوَابُهُ بِإِجْلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ أَمَّا جَلَالُ الرُّبُوبِيَّةِ فَلَا يُخِلُّ بِهِ شَيْءٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْخَيْرُ عَكْسُ الطِّيَرَةِ وَالتَّطَيُّرِ فَإِنَّ مَا يُتَطَيَّرُ وَيُتَشَاءَمُ بِهِ لِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ هُوَ مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ السُّوءُ وَالشَّرُّ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه «وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا» أَيْ وَإِذَا خَرَجْتُمْ لِنَحْوِ سَفَرٍ، أَوْ عَزَمْتُمْ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَتَشَاءَمْتُمْ بِهِ لِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعِ مَا فِيهِ كَرَاهَةٌ فَلَا تَرْجِعُوا وَفَوِّضُوا أُمُورَكُمْ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَا إلَى غَيْرِهِ، وَالْتَجِئُوا إلَيْهِ فِي دَفْعِ شَرِّ مَا تَطَيَّرْتُمْ بِهِ اهـ قُلْت: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ خَيْبَرَ وَأَبْصَرَ مِسْحَاةً وَزِنْبِيلًا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» لِمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فَلَا تَغْفُلْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ مُتَبَايِنٌ تَبَايُنًا كُلِّيًّا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُخْتَارِ: الْفَأْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَرِيضًا فَيَسْمَعَ آخَرَ يَقُولُ: يَا سَالِمُ، أَوْ يَكُونَ طَالِبًا فَيَسْمَعَ آخَرَ يَقُولُ: يَا وَاجِدُ يُقَالُ تَفَاءَلْ بِكَذَا بِالتَّشْدِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» اهـ بِلَفْظِهِ.
لَكِنْ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ أَنَّ الْفَأْلَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الطِّيَرَةِ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُظَنُّ عِنْدَهُ الْخَيْرُ أَوْ الشَّرُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَارَةً يَتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ وَتَارَةً لِلشَّرِّ، وَتَارَةً يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا فَالْمُتَعَيِّنُ لِلْخَيْرِ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا فَلَاحُ يَا مَسْعُودُ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ حَتَّى مَتَى سَمِعَ اسْتَبْشَرَ الْقَلْبُ وَمِثْلُ الْمَنْظَرِ الْحَسَنِ يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ.
وَمِنْهُ إرْسَالُ الرَّسُولِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَطَلَبِ الْحَوَائِجِ مِمَّنْ كَانَ حَسَنَ الْوَجْهِ أَمَلًا فِي قَضَائِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ «اُطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ» وَعَقَدَهُ الصَّرْصَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ:
أَلَا يَا رَسُولَ الْإِلَهِ الَّذِي
…
هَدَانَا بِهِ اللَّهُ فِي كُلِّ تِيهٍ
سَمِعْت حَدِيثًا مِنْ الْمُسْنَدَاتِ
…
يَسُرُّ فُؤَادَ النَّبِيلِ النَّبِيهِ
وَأَنَّكَ قَدْ قُلْت فِيهِ اُطْلُبُوا الْحَ
…
وَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ
وَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِكَ الْ
…
كَرِيمِ فَجُدْ لِي بِمَا أَرْتَجِيهِ
فَهَذَا فَأْلٌ حَسَنٌ مَقْصُودٌ وَالْمُتَعَيِّنُ لِلشَّرِّ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا خَيْبَةُ يَا وَيْلُ وَمِنْهُ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْقَبِيحِ فَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه السلام «حَوَّلَ أَسْمَاءً مَكْرُوهَةً مِنْ أَقْوَامٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَسْمَاءٍ حَسَنَةٍ»