الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْخَارِجُ أَوْلَى، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إنْ ادَّعَى مُطْلَقَ مِلْكٍ فَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ فَأَعَادَهُ كِلَاهُمَا فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ، وَادَّعَيَاهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ فَقَالَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ وَلَدٌ عَلَى مِلْكِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ لَنَا عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنه مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَحَاكَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ الْيَدِ» ؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ مُرَجَّحَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه مَا تَقَدَّمَ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُضَافِ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ يَقْتَضِي صِنْفَيْنِ مُدَّعِيًا، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّتُهُ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ حُجَّتُهُ فَبَيِّنَتُهُ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا تُسْمَعُ كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْجِهَةِ الْأُخْرَى لَا تُفِيدُ شَيْئًا.
(الثَّانِي) وَلِأَنَّهُمَا لَمَّا تَعَارَضَتَا فِي سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ شَهِدَتْ هَذِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَالْأُخْرَى بِالْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ كَذِبُهُمَا فَسَقَطَتَا فَبَقِيَتْ الْيَدُ فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْكَذِبُ فَلَمْ تَفْدِ بَيِّنَتُهُ إلَّا مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ فَسَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ
(الثَّالِثُ) وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا لَمْ يُقِمْ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ أَحْسَنُ حَالَتَيْهِ فَكَيْفَ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَضْعَفُ
(الرَّابِعُ) إنَّا إنَّمَا أَعْمَلْنَا بَيِّنَتَهُ فِي صُورَةِ النِّتَاجِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَفَادَتْ الْوِلَادَةَ، وَلَمْ تُفِدْهَا يَدُهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ فَأَفَادَتْ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْ الْيَدُ فَقُبِلَتْ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَلَيْهِ سَلَّمْنَا عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لَكِنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ فُسِّرَ بِالطَّالِبِ فَصَاحِبُ الْيَدِ طَالِبٌ لِنَفْسِهِ مَا طَلَبَهُ الْآخَرُ لِنَفْسِهِ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِأَضْعَفَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا فَالْخَارِجُ لَمَّا أَقَامَ بَيِّنَةً صَارَ الدَّاخِلُ أَضْعَفَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا تُشْرَعُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّهِ سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُومَ الْمُخَصَّصُ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْآخَرِ «، وَبِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَلِيٍّ رضي الله عنه لَا تَقْضِ لِأَحَدِهِمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ» ، وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا وَأَنْ مَنْ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ حُكِمَ بِهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَا نَسْمَعُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا تَعَارَضَتَا فِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
جَعْلِ مَا حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ مِنْ نَمَاءٍ وَنُقْصَانٍ كَأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ فَتَجِبُ لِلْغَاصِبِ الْغَلَّةُ.
وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي النُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَقَطْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَحْنُونٍ أَوْ جَعْلِ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَوْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ أَخَذَهُ بِأَرْفَعِ الْقِيَمِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رَدَّ الْغَلَّةِ، وَضَمَانَ النُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ قِيَاسُ قَوْلِهِ أَوْ أَنَّ جِنَايَةَ الْغَاصِبِ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ هُوَ غَصْبٌ ثَانٍ مُتَكَرِّرٌ مِنْهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَالْمَغْصُوبُ فِي الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ نَقْصُ الشَّيْءِ الَّذِي غُصِبَ مِنْهُ بِجِنَايَةِ غَيْرِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْغَاصِبَ، وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ بِحُكْمِ الْجِنَايَاتِ فَهَذَا حُكْمُ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْعَيْنِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ.
وَأَمَّا الْجِنَايَاتُ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْصِبَهَا غَاصِبٌ فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَى قِسْمَيْنِ جِنَايَةٌ تُبْطِلُ يَسِيرًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشَّيْءِ بَاقٍ فَهَذَا يَجِبُ فِيهِ مَا نَقَصَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا، وَيُقَوَّمَ بِالْجِنَايَةِ فَيُعْطِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَجِنَايَةٌ تُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ فَصَاحِبُهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَسْلَمَهُ لِلْجَانِي، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ الْجِنَايَةِ، وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ الِالْتِفَاتُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَتَشْبِيهُ إتْلَافِ أَكْثَرِ الْمَنْفَعَةِ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ اهـ. بِتَخْلِيصٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ) وَهُوَ أَنَّ مَا اشْتَرَيْته أَوْ صَالَحْت عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَوْ، وَجَدْت بِهِ عَيْبًا فَلَهُ سِتَّةُ أَحْوَالٍ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا يَقْتَضِي فِيهِ ذَلِكَ تَخْيِيرُك فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْ الْمَعِيبِ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ حَالَاتٍ:(الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمُسْتَحَقُّ أَوْ الْمَعِيبُ شَائِعًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رِبَاعِ الْغَلَّةِ فَيُخَيَّرُ فِيمَا
دَعْوَى طَعَامٍ ادَّعَيَا زِرَاعَتَهُ، وَشَهِدْنَا بِذَلِكَ، وَالزَّرْعُ لَا يُزْرَعُ مَرَّتَيْنِ كَالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَبِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِهِ لَهُمَا فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لَمَا حُكِمَ لَهُ إلَّا بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ شَأْنُ الْيَدِ الْمُنْفَرِدَةِ.
وَلَمَّا لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ لَهُ حَيْثُ كَذَبَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُحْكَمَ بِهِ إذَا لَمْ تَكَذَّبَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلِأَنَّ الْيَدَ أَضْعَفُ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا بِالْيَمِينِ، وَالْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ عَلَى يَدِ الدَّاخِلِ إجْمَاعًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُهُ الْيَدُ وَعَنْ
(الثَّالِثِ) أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عِنْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَوِيٌّ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الضَّعِيفِ فَوَجَبَ سَمَاعُهَا لِلضَّعْفِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا عِنْدَ إقَامَةِ الْخَارِجِ بَيِّنَتَهُ، وَعَنْ
(الرَّابِعِ) أَنَّ الدَّعْوَى، وَالْيَدَ لَا يُفِيدَانِ مُطْلَقًا شَيْئًا، وَإِلَّا لَكَانَ مَعَ الْمُدَّعِي حُجَجُ الْيَدِ، وَالدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةُ يُخَيِّرُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا أَيُّهَا شَاءَ أَقَامَ كَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ، وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ مَعَ إحْدَاهُمَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُفِيدَ إنَّمَا هُوَ الْبَيِّنَةُ، وَالْيَدُ لَا تُفِيدُ مِلْكًا، وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ مَعَهَا لِلْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ تُفِيدُ التَّبْقِيَةَ عِنْدَهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَفَادَتْ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى يَمِينٍ.
وَأَمَّا الْأَعْدَلِيَّةُ فَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم التَّرْجِيحَ بِهَا لَنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِمَا تُثِيرُهُ مِنْ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ فِي الْأَعْدَلِ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا رَجَّحَ إحْدَاهُمَا، وَلِأَنَّ مُقِيمَ الْأَعْدَلِ أَقْرَبُ لِلصِّدْقِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْتُ أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ» ، وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ مَطْلُوبًا أَكْثَرَ فِي الشَّهَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْأَعْدَلِ، وَالظَّنُّ أَقْوَى فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْمُدْرَكُ فِي هَذَا الْوَجْهِ الِاحْتِيَاطُ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ.
وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجَوَامِعُ فِي الْقِيَاسَاتِ تَعَدَّدَتْ. احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ.
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ كَالدِّيَةِ، وَلَا تَخْتَلِفُ بِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ فِيهِ فَدِيَةُ الصَّغِيرِ الْحَقِيرِ كَدِيَةِ الْكَبِيرِ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ الْعَظِيمِ.
(وَثَانِيهَا) أَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْفَسَقَةِ يَحْصُلُ الظَّنُّ أَكْثَرُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَعُلِمَ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إذَا كَثُرُوا، وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ذُكِرَ لِأَنَّ حِصَّةَ ذَلِكَ الْبَعْضِ مَعْلُومَةٌ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فَيُسْتَصْحَبُ الْعَقْدُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلِضَرَرِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا مِثْلِيًّا، وَهُوَ الْأَكْثَرُ فَتُخُيِّرَ فِيمَا ذُكِرَ لِذَهَابِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى. (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ شَائِعًا مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِنْ الْمُتَّخَذِ لِلْغَلَّةِ، وَهُوَ الثُّلُثُ فَتُخُيِّرَ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَا يَقْتَضِي فِيهِ ذَلِكَ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ بَلْ لُزُومُ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَتَيْنِ:(الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ شَائِعًا مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ، وَهُوَ دُونَ الثُّلُثِ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ، وَالرُّجُوعُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنْ الثَّمَنِ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا، وَهُوَ الْأَقَلُّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُقَوَّمٍ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ أَوْ مِنْ مِثْلِيٍّ أَيْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ وَالرُّجُوعُ فِي الْمُقَوَّمِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْقِسْمَةِ، وَفِي الْمِثْلِيِّ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ جُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ لَك. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَقْتَضِي تَعَيُّنَ رَدِّ الْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا مِنْ الْمُقَوَّمِ، وَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ إبْطَالُ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَيَحْرُمُ التَّمَسُّكُ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْرَفُ حَتَّى تُقَوَّمَ فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْبَيْعِ أَيْ الْمَعِيبِ مَا نَصُّهُ حَاصِلُ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ أَنْ تَقُولَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ شَائِعًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رِبَاعِ الْغَلَّةِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ خُيِّرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ، وَوَجَبَ التَّمَسُّكُ فِيمَا دُونَهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَإِنْ كَانَ خُصُوصًا كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِيمَةِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبُنَانِيُّ.
وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ خُيِّرَ فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي الرَّدِّ، وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ وَالرَّدِّ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ اهـ.
كَلَامُ الْبُنَانِيِّ بِلَفْظِهِ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ