الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِلْدِهَا فَيَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ دِبَاغٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ عَادَةً، وَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الضَّمَانِ عَلِمْنَا أَنَّ الضَّمَانَ مُضَافٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مِنْهَا، وَهُوَ ذَهَابُ الْمَقْصُودِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عَمَلًا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُوجِبِ.
(الثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَسَلًا وَشَيْرَجًا وَنَشًا فَعَقَدَ الْجَمِيعَ فَالُوذَجًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ مَنَافِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا
(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ أَوْ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بَلَلًا فَاحِشًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ التَّقَرُّبِ فِي الْأَوَّلِ بِالْعِتْقِ وَبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي الثَّانِي لَكِنْ جُلُّ الْمَقْصُودِ ذَهَبَ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَلَا يُقَالُ فِي الْآبِقِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْعَيْنِ، وَفِي الْحِنْطَةِ بِتَدَاعِي الْفَسَادِ إلَيْهَا بِالْبَلَلِ لِأَنَّا نَقُولُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ، وَأَفْسَدَهُ عَلَيْهِ نَاجِزًا مَعَ إمْكَانِ تَجْفِيفِ الْحِنْطَةِ، وَعَمَلِهَا سَوِيقًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَاحْتَجُّوا بِأَمْرَيْنِ
(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالِاعْتِدَاءُ حَصَلَ فِي الْبَعْضِ فَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْبَعْضِ
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ حَصَلَتْ فِي غَيْرِ بَغْلَةِ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِيمَةُ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْمُتْلَفَاتِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ ذَنَبَ حِمَارِ التُّرَابِ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ الْحَطَّابِ لَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ مَعَ تَعَذُّرِ بَيْعِهِ مِنْ الْأَمِيرِ، وَالْقَاضِي لِأَنَّهُمَا لَا يَلْبَسَانِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْقَطْعِ الْيَسِيرِ، وَلَوْ قَطَعَ أُذُنَ الْأَمِيرِ نَفْسِهِ أَوْ أَنْفَ الْقَاضِي لَمَا اخْتَلَفَتْ الْجِنَايَةُ فَكَيْفَ بِدَابَّتِهِ مَعَ أَنَّ شَيْنَ الْقَاضِي بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَشَدُّ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يَعْوَرَّ فَرَسُ الْجَانِي كَمَا عَوِرَ فَرَسُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا، وَقِيلَ إنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي الدِّمَاءِ لَا فِي الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] أَيْ أَنْفُسَكُمْ إنَّمَا تَنَاوَلَ أَنْفُسَنَا لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الْأَنْفُسِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّارَ جُلُّ مَقْصُودِهَا حَاصِلٌ بِخِلَافِ الْفَرَسِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يَخْتَلِفُ التَّقْوِيمُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بَلْ يَخْتَلِفُ فَإِنَّ الدَّابَّةَ الصَّالِحَةَ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ كَالْقُضَاةِ وَالْخُطَبَاءِ أَنْفَسُ قِيمَةً لِعُمُومِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَلِتَوَقُّعِ الْمُنَافَسَةِ فِي الْمُزَايَدَةِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَمَّا أُذُنُ الْأَمِيرِ وَأَنْفُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَزَايَا الرِّجَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي بَابِ الدِّمَاءِ وَمَزَايَا الْأَمْوَالِ مُتَغَيِّرَةٌ فَدِيَةُ أَشْجَعِ النَّاسِ، وَأَعْلَمِهِمْ كَدِيَةِ أَجْبَنِ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ فَأَيْنَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ مِنْ الْآخَرِ.
(تَمْهِيدٌ) تَحَصَّلَ أَنَّ النَّقْصَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ تَارَةً تَذْهَبُ الْعَيْنُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَهُ طَلَبُ الْقِيمَةِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْعَمَلُ الْمَعْلُومُ مِنْ تَعْيِينِهِ
…
يَجُوزُ فِيهِ الْأَجْرُ مَعَ تَبْيِينِهِ
وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مُكَمِّلِهِ
…
إنْ تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قَدْ عَمِلَهُ
إنَّ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ مِنْ أَجْلِ تَعَيُّنِ حَدِّهِ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالْأَجَلِ وَذِكْرِ صِفَتِهِ (فَالْأَوَّلُ) كَقَوْلِهِ أُؤَاجِرُك عَلَى صَبْغِ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ دَبْغِ هَذَا الْجِلْدِ أَوْ خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ، وَبَيَّنَ لَهُ صِفَةَ الصَّبْغِ وَالدَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ (وَالثَّانِي) كَقَوْلِهِ أُؤَاجِرُك عَلَى بِنَاءِ يَوْمٍ أَوْ خِيَاطَةِ شَهْرٍ أَوْ حِرَاثَةِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ الَّذِي هُوَ الدَّبْغُ وَالصَّبْغُ وَنَحْوُهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُمَا، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا إمَّا بِالْفَرَاغِ مِنْهُ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَطَحْنِ إرْدَبٍّ، وَإِمَّا بِضَرْبِ أَجَلٍ كَخِيَاطَةِ يَوْمٍ أَوْ صَبْغِهِ أَوْ دَبْغِهِ أَوْ طَحْنِهِ فَالْمَصْنُوعَاتُ إمَّا أَنْ تُحَدَّدَ بِالْفَرَاغِ أَوْ بِالْأَجَلِ وَغَيْرِهَا كَالرِّعَايَةِ وَالْخِدْمَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَنَحْوِهِمَا يُحَدُّ بِضَرْبِ الْأَجَلِ لَا غَيْرُ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجَلِ وَالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَكْتَرِي مِنْك دَابَّتَك لِتَرْكَبَهَا إلَى مَحَلِّ كَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ أُؤَاجِرُك لِتُوَصِّلَ الْكِتَابَ لِمَحَلِّ كَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ بِدِرْهَمٍ فَهَلْ تَفْسُدُ مُطْلَقًا أَوْ إنَّمَا تَفْسُدُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ مُسَاوِيًا لِلْعَمَلِ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ لَا إنْ كَانَ الْأَجَلُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ فَلَا تَفْسُدُ فِيهِ خِلَافُ خَلِيلٍ، وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا، وَتُسَاوِي أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ، وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ مَثَلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ فِي مَقْدُورِ الْأَجِيرِ كَانَ جَعَالَةً إنْ حَدَّهُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ تَمَامُ الْعَمَلِ وَإِجَارَةً إنْ حَدَّهُ بِالزَّمَنِ، وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ اهـ.
الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ]
(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْهَا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَعْقُودِ بِهِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ، وَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ هُوَ اللُّزُومُ إلَّا أَنَّ الْعُقُودَ مَعَ هَذَا الْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى لُزُومِهَا بِالْقَوْلِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يَلْزَمُ اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ وَالْكِرَاءُ وَالْمُسَاقَاةُ، وَمَا لَا يَلْزَمُ بِهِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ الْجُعَلُ وَالْقِرَاضُ وَالتَّوْكِيلُ وَالتَّحْكِيمُ، وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ بِهِ أَمْ لَا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ غَازِيٍّ:
أَرْبَعَةٌ بِالْقَوْلِ عَقْدُهَا فَرَا
…
بَيْعٌ نِكَاحٌ وَسِقَاءٌ وَكِرَا
لَا الْجُعْلُ وَالْقِرَاضُ وَالتَّوْكِيلُ
…
وَالْحُكْمُ بِالْفِعْلِ بِهَا كَفِيلُ
لَكِنْ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ
…
وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ
يَكُونُ النَّقْصُ يَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُ الْقِيمَةِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً يَكُونُ الذَّاهِبُ مُخِلًّا بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ فِي مَذْهَبِنَا إنَّ التَّعَدِّيَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ يَسِيرٌ لَا يُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَيَسِيرٌ يُبْطِلُهُ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَكَثِيرٌ يُبْطِلُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مُتَقَابِلَةٍ: أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ، وَكَذَلِكَ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَيُخَيَّرُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ لَوْ أَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ، وَمَا نَقَصَهُ فَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ فَامْتَنَعَ فَذَلِكَ رِضًى.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ فَقَاعِدَةُ مَالِكٍ تَقْتَضِي تَضْمِينَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي قَالَ، وَتَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَرْكُوبَاتُ وَالْمَلْبُوسَاتُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُهُ بِذَلِكَ، وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ الذَّنَبِ فَيَضْمَنُ، وَالْأُذُنِ فَلَا يَضْمَنُ لِاخْتِلَافِ الشَّيْنِ فِيهِمَا، وَاتَّفَقُوا فِي حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ عَلَى عَدَمِ التَّضْمِينِ لِأَنَّهَا رَغَبَاتُ النَّاسِ فَالنَّقْصُ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ لَا فِي الْمَغْصُوبِ
(الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ) إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ مَا اشْتَرَيْتَهُ أَوْ صَالَحْتَ عَلَيْهِ أَوْ وَجَدْتَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ أَحْوَالٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا أَوْ مُقَوَّمًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ شَائِعًا فَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَهُوَ الْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ قَلِيلَهُ لَزِمَك بَاقِيهِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ لَك، وَإِنْ اسْتَحَقَّ كَثِيرَهُ فَإِنَّك تُخَيَّرُ بَيْنَ حَبْسِ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ حَقُّك فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ رَدِّهِ لِذَهَابِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ جُلُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَقَدْ ذَهَبَ مَقْصُودُ الْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى.
وَأَمَّا الْمُقَوَّمُ غَيْرُ الْمِثْلِيِّ إنْ اُسْتُحِقَّ أَقَلُّهَا إنْ كَانَتْ ثِيَابًا وَنَحْوَهَا رَجَعَتْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِبَقَاءِ جُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْتَلَّ مَقْصُودُ الْعَقْدِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ انْتَقَصَتْ كُلُّهَا، وَيُرَدُّ بَاقِيهَا لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَيَحْرُمُ التَّمَسُّكُ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْرَفُ حَتَّى تُقَوَّمَ فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ هَذَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُعَيَّنِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ إذَا وَجَدْته بِهَا، وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ إذَا اسْتَحَقَّ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فَيُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ حِصَّتَهُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَفَرَا آخِرَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ بِالْفَاءِ بِمَعْنَى قَطَعَ، وَمِنْهُ فَرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا كَمَا فِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ وَالتُّسُولِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) جَرَى عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي غَيْرِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَظْمِ ابْنِ غَازِيٍّ، وَعَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي الْمُسَاقَاةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيمَا يَلْزَمُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) الْعَقْدُ، وَهُوَ نَقْلُ الْأَكْثَرِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ
(وَالثَّانِي) الشُّرُوعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالْمُتَيْطِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ (وَالثَّالِثُ) حَوْزُ الْمُسَاقَى فِيهِ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْبَاجِيَّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَلَيْسَ كَالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَضْ، وَلَعَلَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا رُوِيَ فِي عَيْنِ السَّقْيِ تَغُورُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ قُلْت ظَاهِرُهُ إنْ غَارَتْ بَعْدَ الْعَمَلِ لَزِمَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ حَظِّهِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهَا فِي أَكْرِيَةِ الدَّوْرِ مَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً فَغَارَ مَاؤُهَا بَعْدَ أَنْ سَقَى فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا بِقَدْرِ حَظِّ رَبِّ النَّخْلِ مِنْ ثَمَرَتِهِ تِلْكَ السَّنَةَ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِالْعَمَلِ لَا بِالْجَوَازِ
(وَالرَّابِعُ) أَوَّلُهَا لَازِمٌ وَآخِرُهَا كَالْجُعْلِ إذَا عَجَزَ، وَتَرَكَ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ لَكِنْ هَذَا حُكْمُ الْعَجْزِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا قَوْلُ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ اهـ.
كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِتَصَرُّفٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ فَالْمُسَلَّمُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ، وَهَذَا الْقِسْمُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ عَقِيبَ الْعَقْدِ اهـ.
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَةً مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ، وَهُوَ خَمْسَةُ عُقُودٍ الْجَعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالْوَكَالَةُ وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحُكُومَةِ فَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي عَدَمِ انْضِبَاطِ الْعَقْدِ بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ فَكَانَ الْجَمِيعُ عَلَى الْجَوَازِ.
(أَمَّا الْجِعَالَةُ) فَلِأَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ بِمَكَانِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تُجْمَعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومِ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. (وَأَمَّا الْقِرَاضُ) فَلِأَنَّ حُصُولَ الرِّبْحِ فِيهِ مَجْهُولٌ فَقَدْ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ السِّلَعَ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ لَا يَحْصُلُ فِيهِ رِبْحٌ فَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَضَرَّةٌ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الرِّبْحُ
(وَأَمَّا الْمُغَارَسَةُ) وَهِيَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ لِمَنْ يَغْرِسُ فِيهَا عَدَدًا مِنْ الْأَشْجَارِ فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا كَانَتْ