الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا أَيْ لِيَكُنْ اسْتِكْثَارُك مِنْ الْأَدَبِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِكْثَارِك مِنْ الْعَمَلِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ وَنَفَاسَةِ مَعْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَبِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَيْ لَا تَرْكَبُوا الْأَخْطَارَ الَّتِي دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهَا مُهْلِكَةٌ وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] أَيْ الْوَاقِيَةُ لَكُمْ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ فَرُبَّمَا وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي إحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْتِزَامِ الْعَوَائِدِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ ضِدِّهِ بَلْ أَضْدَادِهِ.
وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ إنْ كُنْت مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَوَاثِقًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَأَلْقِ نَفْسَك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُك إلَّا مَا قُدِّرَ لَك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ لِيُجَرِّبَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ لَا لِيُجَرِّبُوهُ وَيَمْتَحِنُوهُ إشَارَةً إلَى سُلُوكِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مَعَهُ وَمَعَ عِبَادِهِ حَتَّى نَلْقَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِابْنِهِ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا أَيْ لِيَكُنْ اسْتِكْثَارُك مِنْ الْأَدَبِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِكْثَارِك مِنْ الْعَمَلِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ وَنَفَاسَةِ مَعْنَاهُ)
قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّ قِلَّةَ الْأَدَبِ مَمْنُوعَةٌ وَلَكِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدْعِيَةِ مِنْ جُمْلَةِ قِلَّةِ الْأَدَبِ. قَالَ (وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَبِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَيْ لَا تَرْكَبُوا الْأَخْطَارَ الَّتِي دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهَا مُهْلِكَةٌ وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] أَيْ الْوَاقِيَةُ لَكُمْ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ فَرُبَّمَا وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي إحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ بِالْتِزَامِ الْعَوَائِدِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ ضِدِّهِ بَلْ أَضْدَادِهِ. وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ إنْ كُنْت مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَوَاثِقًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَأَلْقِ نَفْسَك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُك إلَّا مَا قُدِّرَ لَك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ عِبَادَهُ لِيُجَرِّبَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ لَا لِيُجَرِّبُوهُ وَيَمْتَحِنُوهُ إشَارَةً إلَى سُلُوكِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مَعَ وَمِنْ عِبَادِهِ حَتَّى نَلْقَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ)
وَقُلْت كُلُّ مَا ذَكَرَهُ مُحْتَجًّا بِهِ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ فَإِنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ الْمُسْتَحِيلِ، وَإِنَّمَا فِيهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
اتَّفَقَ لِلْحَشَوِيَّةِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ فَكَانَ الْغَلَطُ مِنْهُمْ لَا فِي الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ بَلْ فِي الْمُرَادِ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كَذِبًا وَمُحَالًا، وَالشَّيْطَانُ يُخَيِّلُ لَهُ بِذَلِكَ لِيَضِلَّهُ أَوْ يُخْزِيَهُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَكَائِدِهِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ الرُّؤْيَا مَوْضِعُ التَّثَبُّتِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْغَلَطِ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ هَذَا الرَّائِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْزِمَ بِأَنَّ الَّذِي رَآهُ لَيْسَ رَبَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ أَعْنِي مِنْ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَجَازِ، أَوْ كَاذِبَةٌ وَمُحَالٌ مِنْ تَخْيِيلِ الشَّيْطَانِ وَاقِعٌ لَهُ وَيَنْظُرُ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْهُمَا فَيَعْتَقِدُهُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَعْرَضَ عَنْ الرُّؤْيَا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ الصَّوَابُ، وَلَا يَعْتَقِدَ مَعَ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّ الَّذِي رَآهُ رَبُّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْجِسْمُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي حَالَتِهِ مِنْ الْحَقَارَةِ وَمُنَافَاةِ الرُّبُوبِيَّةِ مِمَّا يُجْمِعُ الْأُمَّةُ حَتَّى الْحَشَوِيَّةَ عَلَى التَّكْفِيرِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهَا الرُّبُوبِيَّةَ كَصُورَةِ الدَّجَّالِ وَصُورَةِ فَرَسٍ وَنَحْوِهِ مِنْ السِّبَاعِ أَوْ غَيْرِهَا وَصُورَةِ رَجُلٍ فِي طَاقٍ أَوْ خِزَانَةٍ أَوْ مَطْمُورَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُحِيلُهُ الْحَشَوِيَّةُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى؛ إذْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَشَوِيَّةَ لَيْسَتْ كُفَّارًا إنَّمَا هُوَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِالتَّنَزُّهِ عَنْ الْعَوَرِ وَالْعَمَى وَالْآفَاتِ وَالنَّقَائِصِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْجِسْمِيَّةِ خَاصَّةً مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَمَنْ اعْتَقَدَ الْجِسْمِيَّةَ مَعَ بَعْضِ صِفَاتِ النَّقْصِ، فَأَوَّلُ مَنْ يُكَفِّرُهُ الْحَشَوِيَّةُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَفْصِيلُ الْأَحْوَالِ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -.
[الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ تَحْقِيقِ مِثْلِ الرُّؤْيَا وَبَيَانِهَا]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) تَحْقِيقُ مِثْلِ الرُّؤْيَا، وَبَيَانُهَا هُوَ أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْمَعَانِي كَدَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ الصَّوْتِيَّةِ وَالرُّقُومِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَيْهَا فَكَمَا يَقَعُ فِي دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِيهَا مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُتَوَاطِئِ وَالتَّرَادُفِ وَالْمُتَبَايِنِ وَالْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَفْهُومِ وَالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالتَّصْحِيفِ وَالْقَلْبِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالْمُعَارِضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَقَعُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي دَلَالَةِ هَذِهِ الْمُثُلِ عَلَى الْمَعَانِي حَتَّى يَقَعَ فِيهَا مَا يَقَعُ فِي الْأَلْفَاظِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَيْدٌ زُهَيْرٌ شِعْرًا وَحَاتِمٌ جُودًا وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَالْمُشْتَرَكُ كَالْفِيلِ هُوَ مَلِكٌ أَعْجَمِيٌّ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ نَقَلَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْهِنْدِ إذَا طَلَّقَ أَحَدٌ ثَلَاثًا جَرَّسُوهُ عَلَى فِيلٍ فَمَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ عُبِّرَ بِهِ عَنْ الطَّلَاقِ، وَالْمُتَوَاطِئُ كَالشَّجَرَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّجَالِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَنْبُتُ فِي الْعَجَمِ فَهُوَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ أَوْ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ رَجُلٌ عَرَبِيٌّ أَوْ لَا ثَمَرَ لَهَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ أَوْ لَهَا شَوْكٌ فَهُوَ كَثِيرُ الشَّرِّ أَوْ ثَمَرُهَا لَهُ قِشْرٌ كَالرُّمَّانِ فَلَهُ خَيْرٌ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَشَقَّةٍ أَوْ لَا قِشْرَ لَهُ كَالتُّفَّاحِ وَالْخَوْخِ فَيُوصَلُ لِخَبَرِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْقُيُودِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَرْئِيِّ كَذَلِكَ
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ فَيَكُونُ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَالِبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَيَكُونُ سُوءَ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ التَّأْدِيبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْمَنْعُ مِنْ ارْتِكَابِ الْعَمَلِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ مُغَايِرٌ لِطَلَبِ خَرْقِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ الْآخَرِ.
قَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ. مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ فَيَكُونُ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَيَكُونُ سُوءَ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَدَبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى)
قُلْت لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَاهُ غَيْرَ مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَكَيْفَ يُقَاسُ الْخَالِقُ بِالْمَخْلُوقِ وَالرَّبُّ بِالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ النَّقْصُ وَالْمَخْلُوقُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّقْصُ، ثُمَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى طَلَبِ مِثْلِهِ أَوْ الْإِجَابَةِ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ وَلِمَ لَا يَكُونُ الدُّعَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَمَا أَشْبَهَ مِمَّا يَمْتَنِعُ وَيَتَعَذَّرُ عَقْلًا وَعَادَةً مُتَنَوِّعًا بِحَسَبِ الدَّاعِي بِهِ.
فَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ تَعَذُّرِهِ فَلَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَقَعُ بِأَحْوَالِ الرَّائِي فَالصَّاعِدُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَلِي وِلَايَةً وَالْوِلَايَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوِلَايَاتِ وَمُطْلَقَةٌ.
فَإِنْ كَانَ الرَّائِي فَقِيهًا كَانَتْ الْوِلَايَةُ قَضَاءً أَوْ أَمِيرًا فَوَالٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ فَمَلِكٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ بِقَرِينَةِ الرَّائِي، وَحَالُهُ تَنْصَرِفُ لِلْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الشَّرَّ وَلِلشَّرِّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْخَيْرَ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ مَاتَ فَالرَّجُلُ الْخَيِّرُ مَاتَتْ حُظُوظُهُ، وَصَلُحَتْ نَفْسُهُ، وَالرَّجُلُ الشِّرِّيرُ مَاتَ قَلْبُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] أَيْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] أَيْ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَالْمُتَرَادِفَةُ كَالْفَاكِهَةِ فَالصَّفْرَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْهَمِّ، وَحَمْلُ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالْمُتَبَايِنُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالدَّفْعِ لَهُ فَالْأَوَّلُ جَيِّدٌ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ مِنْ جِهَةٍ مَيْئُوسٍ مِنْهَا، وَالثَّانِي رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَرِزْقٌ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ ذَهَبَ عَنْ الْمَوْتَى لِذَهَابِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ وَالْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ كَالْبَحْرِ هُوَ السُّلْطَانُ حَقِيقَةً وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ سِعَةِ الْعِلْمِ مَجَازًا، وَالْعُمُومُ كَمَنْ رَأَى أَنَّ أَسْنَانَهُ سَقَطَتْ فِي التُّرَابِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ أَقَارِبُهُ كُلُّهَا فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ.
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَكَالرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّائِي لِشَخْصٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ يُشْبِهُهُ أَوْ بَعْضُ أَقَارِبِهِ أَوْ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي صِفَتِهِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِهِ كَمَا عَبَّرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَبِي حَنِيفَةَ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي صِفَةِ الْفِقْهِ وَعَبَّرْنَا عَنْ زَيْدٍ بِزُهَيْرٍ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الشِّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُثُلِ، وَالْقَلْبُ وَالتَّصْحِيفُ كَمَا رَأَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ رَوَاسًا أَخَذَ مِنْهُمْ الْمُلْكَ فَعُبِّرَ لَهُمْ بِأَنَّ شَاوَرَ يَأْخُذُهُ وَكَانَ كَذَلِكَ فَقَلَبَ وَصُحِّفَ رُوَاسٌ، وَالتَّصْحِيفُ فَقَطْ كَمَا رَأَى مَلِكُ الْعَرَبِ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ عُذْرٍ فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ تَقْصِدُ النَّكْثَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَحَذِرْت مِنْ ذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا؛ إذْ الْمُرَادُ خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ غَدْرٍ فَدَخَلَهُ التَّصْحِيفُ وَبَسْطُ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فِي كُتُبِ التَّعْبِيرِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُثُلَ كَالْأَلْفَاظِ فِي الدَّلَالَةِ، وَأَنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي أَحْوَالِهَا هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ: ضَوَابِطُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالتَّحَدُّثِ فِي الْفِقْهِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ مَحْصُورَةٌ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَصْرِ فَيَقْدِرُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ وَأَمَّا عِلْمُ تَفْسِيرِ الْمَنَامَاتِ فَقَدْ اتَّسَعَتْ تَقْيِيدَاتُهُ وَتَشَعَّبَتْ تَخْصِيصَاتُهُ وَتَنَوَّعَتْ تَعْرِيفَاتُهُ بِحَيْثُ صَارَتْ مُنْتَشِرَةً انْتِشَارًا شَدِيدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ لِكَثْرَةِ التَّخْصِيصَاتِ بِأَحْوَالِ