الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْكُلُّ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَإِنَّمَا سُومِحَ فِي الْوَعْدِ تَكْثِيرًا لِلْعِدَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْوَعْدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا اللَّذَيْنِ هُمَا ضَابِطَا الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الصِّدْقِ فَلَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي وَعْدِ الشَّرَائِعِ وَوَعِيدِهَا فَلَا يُوصَفَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الصِّدْقِ فِي وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (قُلْت) اللَّهُ تَعَالَى يُخْبِرُ عَنْ مَعْلُومٍ، وَكُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ تَجِبُ مُطَابَقَتُهُ بِخِلَافِ وَاحِدٍ مِنْ الْبَشَرِ إنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَقَعَ فَلَا تَكُونُ الْمُطَابَقَةُ وَعَدَمُهَا مَعْلُومَيْنِ، وَلَا وَاقِعَيْنِ فَانْتَفَيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَعْدِ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ إذَا سَأَلَك أَنْ تَهَبَ لَهُ دِينَارًا فَقُلْت نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَك
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ فِيهَا بِالْفِعْلِ بَطَلَ كُلُّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَصَحَّ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ يَدْخُلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَصِحُّ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْكُلُّ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَإِنَّمَا سُومِحَ فِي الْوَعْدِ تَكْثِيرًا لِلْعِدَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْوَعْدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا اللَّذَيْنِ هُمَا ضَابِطَا الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الصِّدْقِ فَلَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ) قُلْت الصَّحِيحُ نَقِيضُ مُخْتَارِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي وَعْدِ الشَّرَائِعِ وَوَعِيدِهَا فَلَا يُوصَفَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ فَانْتَفَيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ) قُلْت السُّؤَالُ، وَارِدٌ لَازِمٌ، وَالْجَوَابُ سَاقِطٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَائِقَ لَا تَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُخْبَرِ بِهَا عَنْهَا، وَلَا بِحَسَبِ حَالٍ دُونَ حَالٍ فَالْخَبَرُ الْقَابِلُ لِلصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ قَابِلٌ لَهُمَا، وَالْخَبَرُ الْقَابِلُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَعْدِ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا أَمْ لَا إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت الصَّحِيحُ عِنْدِي الْقَوْلُ بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذِي الشُّبْهَةِ، وَمَالَ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ إنْ كَانَتْ الْمُخَاصَمَةُ بِمَا لَهُ وَجْهٌ اُنْظُرْ الرَّهُونِيَّ اهـ.
مَعَ اقْتِصَارٍ عَلَى مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ الْبُنَانِيُّ وَالرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَزِيَادَةٌ مِنْهُمْ نَعَمْ اُنْظُرْ ابْنَ الشَّاطِّ فِي كَلَامِ الْأَصْلِ بِأَنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ كَفَرْضٍ مُحَالٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْأَصْلُ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إلَخْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالنُّفُوسُ الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ الْخَاصَّةِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ، وَبَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ الصَّحِيحَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا عُيِّنَتْ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَهَا الدَّافِعُ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا، وَهُوَ مَالِكُهَا، وَإِنْ عَيَّنَهَا الْقَابِضُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ حُلِيٍّ أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَنَا، وَبِالتَّعْيِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّعْيِينِ اهـ.
وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ) وَهُوَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِضَمَانِ مَا يُطْرَحُ مِنْهَا لِلْهَوْلِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فِيمَا سَلِمَ مِنْهَا لَا فِيمَا سَلِمَ مِنْ غَيْرِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ لَا نَفْسُ الْمَرْكَبِ وَلَا صَاحِبُهُ وَلَا النَّوَاتِيَّةُ وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ لَا مَا يُرَادُ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَسَائِلٌ، وَلَا يُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ إلَّا فِي الْمَقَاصِدِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ شَأْنَ الْمَرْكَبِ أَنْ يَصِلَ بِرِجَالِهِ سَالِمًا إلَى الْبَرِّ، وَإِنَّمَا يُغْرِقُهُ مَا فِيهِ عَادَةً، وَإِزَالَةُ السَّبَبِ الْمُهْلِكِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً بَلْ فِعْلُ السَّبَبِ الْمُنْجِي هُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فَاعِلَ الضَّرَرِ شَأْنُهُ أَنْ يَضْمَنَ فَإِذَا زَالَ ضَرَرُهُ نَاسَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَفَاعِلُ النَّفْعِ مُحَصِّلٌ لَعَيْنِ الْمَالِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِأَنَّ مُوجِدَ الشَّيْءِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ.
وَعَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ إذَا طُرِحَ بَعْضُ الْحِمْلِ لِلْهَوْلِ شَارَكَ أَهْلُ الْمَطْرُوحِ مَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُ شَيْءٌ فِي مَتَاعِهِمْ، وَمَا طُرِحَ وَسَلِمَ لِجَمِيعِهِمْ فِي تَمَامِهِ وَنَقْصِهِ بِثَمَنِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِالْمَطْرُوحِ مَا لَهُمْ، وَالْعَدْلُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِالْمَطْرُوحِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ سَبَبُ سَلَامَةِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوَاضِعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ
لَا يَلْزَمُك، وَلَوْ كَانَ افْتِرَاقُ الْغُرَمَاءِ عَنْ وَعْدٍ وَإِشْهَادٍ لِأَجْلِهِ لَزِمَك لِإِبْطَالِك مَغْرَمًا بِالتَّأْخِيرِ قَالَ سَحْنُونٌ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْوَعْدِ قَوْلُهُ اهْدِمْ دَارَك، وَأَنَا أُسَلِّفُك مَا تَبْنِي بِهِ أَوْ اُخْرُجْ إلَى الْحَجِّ، وَأَنَا أُسَلِّفُك أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ امْرَأَةً، وَأَنَا أُسَلِّفُك لِأَنَّك أَدْخَلْته بِوَعْدِك فِي ذَلِكَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ الْوَفَاءُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ يُقْضَى عَلَيْك بِهِ تَزَوَّجَ الْمَوْعُودُ أَمْ لَا، وَكَذَا أَسْلِفْنِي لِأَشْتَرِيَ سِلْعَةَ كَذَا لَزِمَك تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعِدَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ فَيَقُولَ لَك أَسْلِفْنِي كَذَا فَتَقُولَ نَعَمْ بِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله، وَإِنْ وَعَدْت غَرِيمَك بِتَأَخُّرِ الدَّيْنِ لَزِمَك لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَازِمٌ لِلْحَقِّ سَوَاءٌ قُلْت لَهُ أُؤَخِّرُك أَوْ أَخَّرْتُك، وَإِذَا أَسْلَفْته فَعَلَيْك تَأْخِيرُهُ مُدَّةً تَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي يَقْتَضِي بَعْضُهَا الْوَفَاءَ بِهِ، وَبَعْضُهَا عَدَمَ الْوَفَاءِ بِهِ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَهُ فِي سَبَبٍ يَلْزَمُ بِوَعْدِهِ لَزِمَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ أَوْ وَعَدَهُ مَقْرُونًا بِذِكْرِ السَّبَبِ كَمَا قَالَهُ أَصْبَغُ لِتَأَكُّدِ الْعَزْمِ عَلَى الدَّفْعِ حِينَئِذٍ وَيُحْمَلُ عَدَمُ اللُّزُومِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ جَاهَدْنَا، وَمَا جَاهَدُوا، وَفَعَلْنَا أَنْوَاعًا مِنْ الْخَيْرَاتِ، وَمَا فَعَلُوهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَلِأَنَّهُ تَسْمِيعٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ وَمَعْصِيَةٌ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِخْلَافِ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَجِيَّةٌ لَهُ، وَمُقْتَضَى حَالِهِ الْإِخْلَافُ، وَمِثْلُ هَذِهِ السَّجِيَّةِ يَحْسُنُ الذَّمُّ بِهَا كَمَا يُقَالُ سَجِيَّتُهُ تَقْتَضِي الْبُخْلَ وَالْمَنْعَ فَمَنْ كَانَتْ صِفَاتُهُ تَحُثُّ عَلَى الْخَيْرِ مُدِحَ أَوْ تَحُثُّ عَلَى الشَّرِّ ذُمَّ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي هَذَا الْفَرْقِ مِنْ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الظَّوَاهِرِ إنْ جَعَلْنَا الْوَعْدَ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ بَطَلَ «لِقَوْلِهِ عليه السلام لِلسَّائِلِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَأَكْذِبُ لِامْرَأَتِي قَالَ لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ» ، وَأَبَاحَ لَهُ الْوَعْدَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَلِأَنَّ الْكَذِبَ حَرَامٌ إجْمَاعًا فَيَلْزَمُ مَعْصِيَتُهُ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ نَفْيًا لِلْمَعْصِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكَذِبَ لَا يَدْخُلُهُ، وَرُدَّ عَلَيْنَا ظَوَاهِرُ وَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَمَا ذَكَرْته أَقْرَبُ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى خِلَافِ الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْفُرُوقِ التِّسْعَةِ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ، وَتَرْجِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَوْ طَالَ زَمَانُ الشِّرَاءِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ اشْتَرَكُوا بِالْقِيَمِ يَوْمَ الرُّكُوبِ دُونَ يَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِلَاطِ، وَسَوَاءٌ طَرَحَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ أَوْ مَتَاعَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَلَا يُشَارِكُ مَنْ لَمْ يَرْمِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ سَبَبٌ يُوجِبُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَطْرُوحِ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ اهـ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَرْكَبِ، وَلَا النَّوَاتِيَّةِ ضَمَانٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ فَتُحْسَبُ قِيمَتُهُمْ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا مَتَاعَ لَهُ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا، وَسَائِلُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ، وَيُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَمَنْ مَعَهُ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ يُرِيدُ بِهَا التِّجَارَةَ فَكَالتِّجَارَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، وَمَا يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ فَإِنْ صَالَحُوا صَاحِبَ الْمَطْرُوحِ بِدَنَانِيرَ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ جَازَ إذَا عَرَفُوا مَا يَلْزَمُهُمْ فِي الْقَضَاءِ اهـ. وَبِالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يُجَابُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ لَا يَلْزَمُ فِي الْعَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْغَرَقُ بِسَبَبِهَا لِخِفَّتِهَا اهـ. وَعَنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَيَدْخُلُ الْمَرْكَبُ فِي قِيمَةِ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ مِمَّا سَلِمَ بِسَبَبِ الطَّرْحِ اهـ.
وَعَنْ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِصَدْمِ قَاعِ الْبَحْرِ فَطُرِحَ لِذَلِكَ دَخَلَ فِي الْقِيمَةِ اهـ. وَعَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَدْخُلُ الْمَرْكَبُ، وَمَا فِيهِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ التِّجَارَةِ مِنْ عَبِيدٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَطْرُوحِ سَلَامَةُ الْجَمِيعِ اهـ. فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إنْ خَرَجَ الْمَطْرُوحُ بَعْدَ الطَّرْحِ مِنْ الْبَحْرِ سَالِمًا فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وَتَزُولُ شَرِكَتُهُ لِمَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُمْ شَيْءٌ أَوْ خَرَجَ، وَقَدْ نَقَصَ نِصْفُ قِيمَتِهِ انْتَقَصَ نِصْفُ الصُّلْحِ، وَيُرَدُّ نِصْفُ مَا أُخِذَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَطْرُوحِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ هَا هُنَا إذَا خَرَجَ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ، وَبَيْنَ الدَّابَّةِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا فِي التَّعَدِّي، وَالْعَارِيَّةُ إذَا وُجِدَتْ تَكُونُ لِمَنْ صَالَحَ عَلَيْهَا لَا لِصَاحِبِهَا هُوَ أَنَّ التَّعَدِّيَ يَنْقُلُ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ لِلذِّمَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكُونُ لَهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ فَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ، وَالطَّرْحُ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ تُوجِبُهُ الضَّرُورَةُ فَلَا يَحْصُلُ الصُّلْحُ فِيهِ بَيْعًا لَا يُنْتَقَضُ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفِينَةِ غَيْرُ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِطَلَبِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَيَبْدَأُ بِطَرْحِ الْأَمْتِعَةِ ثُمَّ الْبَهَائِمِ لِشَرَفِ النُّفُوسِ قَالَ، وَهَذَا الطَّرْحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاجِبٌ، وَلَا يَجْرِي الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي دَفْعِ الدَّاخِلِ عَلَيْك الْبَيْتَ لِطَلَبِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ، وَلَا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ الدَّفْعُ، وَالْأَكْلُ، وَثَانِيهِمَا لَا يَجِبَانِ لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ لِقَوْلِهِ عليه السلام «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ رضي الله عنه -