الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَتَّبَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَدِ فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَهُ سَبَبٌ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» فَهَذِهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَخْذِ كَقَوْلِنَا عَلَى الزَّانِي الرَّجْمُ.
وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْغَصْبِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخَذَ الْآنَ بَلْ أَخَذَ فِيمَا مَضَى فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ السَّبَبُ بِمَا مَضَى، وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ أَوْ لِأَنَّ الصَّدَاقَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى.
وَالْأَصْلُ عَدَمُ انْتِقَالِهِ، وَمَا قَالَهُ أَحَدٌ بِوُجُوبِ صَدَاقَيْنِ أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ، وَلَنَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى أُصُولِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ تَرَتُّبُ الْمُسَبِّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ فَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ حِينَ وَضْعِ الْيَدِ لَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمَضْمُونُ لَا يُضْمَنُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَقِيَاسًا عَلَى حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَحُكِيَ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَخْذُ أَرْفَعِ الْقِيَمِ إذَا حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَالْفَرْقُ لِلْكُلِّ أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ رَغَبَاتُ النَّاسِ، وَهِيَ بَيْنَ النَّاسِ خَارِجَةٌ عَنْ السِّلَعِ فَلَا تُضْمَنُ بِخِلَافِ زِيَادَةِ صِفَاتِهَا، وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي تَضْمِينِ أَعْلَى الْقِيَمِ أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَوَافَقَ مَشْهُورَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَعَلَّمَ الْعَبْدُ صَنْعَةً ثُمَّ نَسِيَهَا ضَمِنَهَا الْغَاصِبُ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ
(الْأَوَّلُ) بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ، وَمَا رَدَّهَا فَيَكُونُ غَاصِبًا لَهَا فَيَضْمَنُهَا.
(الثَّانِي) أَنَّ الزِّيَادَةَ نَشَأَتْ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ مِلْكَهُ، وَيَدُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا فَتَكُونُ مَغْصُوبَةً فَيَضْمَنُ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ ظَالِمٌ، وَالظُّلْمُ عِلَّةُ الضَّمَانِ فَيَضْمَنُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ وَلَا مِنْ الظُّلْمِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا الضَّمَانُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَفْتَقِرُ إلَى نَصْبٍ شَرْعِيٍّ، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرْعِ اقْتَضَى سَبَبِيَّةَ وَضْعِ الْيَدِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلَا بُدَّ لِسَبَبِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ دَلِيلٍ.
وَلَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْيَدِ فِي أَثْنَاءِ الْغَصْبِ بَلْ اسْتِصْحَابُهَا وَاسْتِصْحَابُ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ اسْتِصْحَابَ النِّكَاحِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِصِحَّتِهِ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْعَقْدُ لَا يَصِحُّ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ يُوجِبُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَكُنْ فِي تَضْمِينِهِ سَدُّ ذَرِيعَةٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الصُّنَّاعَ لَا يَضْمَنُونَ مَا لَمْ يَقْبِضُوا فِي مَنَازِلِهِمْ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِ الْمَصْنُوعِ، وَسَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُمْ هَلْ تَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ أَمْ لَا إذَا كَانَ هَلَاكُهُ بَعْدَ إتْمَامِ الصَّنْعَةِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ بَعْضِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أُجْرَةَ لَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُمْ الْأُجْرَةُ، وَوَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْضِيَ عَمَلُ الصَّانِعِ بَاطِلًا، وَوَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا اسْتَوْجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا هَلَكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْأَجِيرِ.
وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَقْيَسُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَكْثَرُ نَظَرًا إلَى الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الْمُصِيبَةِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي ضَمَانِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ الْمَوْجِ، وَأَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الصُّنَّاعَ يَضْمَنُونَ كُلَّ مَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ خَرْقٍ أَوْ كَسْرٍ فِي الْمَصْنُوعِ أَوْ قَطْعٍ إذَا عَمِلَهُ فِي حَانُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَاعِدًا مَعَهُ إلَّا فِيمَا كَانَ فِيهِ تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ ثَقْبِ الْجَوْهَرِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ، وَالطَّبِيبُ يَمُوتُ الْعَلِيلُ مِنْ مُعَالَجَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْطَارُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ.
وَأَمَّا الطَّبِيبُ وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ، وَفِي مَالِهِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَعَلَيْهِ الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ وَالدِّيَةُ قِيلَ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ اهـ.
الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ مَعَ بَعْضِ إصْلَاحٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَسَدَ)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْوَصْفَ يَبْعُدُ اقْتِضَاؤُهُ لِلضِّدَّيْنِ أَوْ النَّقِيضَيْنِ فَإِذَا نَاسَبَ حُكْمًا نَافَى ضِدَّهُ، وَقَدْ يُنَاسِبُ الْوَصْفُ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ أَوْ الضِّدَّيْنِ، وَيَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْفِقْهِ إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِجَمْعِ الْفَرْقِ، وَضَابِطُهَا أَنَّ كُلَّ مُعَيَّنٍ يُوجِبُ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً فِي مَحَلٍّ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ، وَيُوجِبُ نَقِيضَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضِّدَّيْنِ، وَسُمِّيَ بِجَمْعِ الْفَرْقِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُفَرَّقَاتِ، وَهِيَ الْأَضْدَادُ، وَلَهُ نَظَائِرُ مِنْهَا الْحَجْرُ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ صَوْنِ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي رَدَّ تَصَرُّفَاتِهِ فِي حَالَةِ حَيَاتِهِ، وَتَنْفِيذَهَا بِوَصَايَاهُ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْوَصَايَا
تَرَتُّبَ الْعِدَّةِ عَقِيبَهُ.
وَاسْتِصْحَابُهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً، وَوَضْعُ الْيَدِ عُدْوَانًا يُوجِبُ التَّنْسِيقَ وَالتَّأْثِيمَ، وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَأْثَمْ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَفْسُقْ، وَابْتِدَاءُ الْعِبَادَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ، وَغَيْرُهَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَدَوَامُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ لَا سِيَّمَا، وَسَبَبُ الضَّمَانِ هُوَ الْأَخْذُ عُدْوَانًا، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَنِ الْأَخْذِ أَنَّهُ أَخَذَ الْآنَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخْذِ تَجْرِي مَجْرَى الْمُنَاوَلَةِ، وَالْحَرَكَاتُ الْخَاصَّةُ لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَ الِاسْتِصْحَابِ فَعُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مَنْفِيٌّ فِي زَمَنِ الِاسْتِصْحَابِ قَطْعًا.
وَنَحْنُ إنَّمَا نُضَمِّنُهُ الْآنَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ لَا بِمَا هُوَ حَاصِلٌ الْآنَ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرُوهُ، وَأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا هُوَ يَوْمَ الْغَصْبِ زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ نَقَصَتْ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا ذَهَبَتْ جُلُّ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ كَقَطْعِ ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَعِنْدَنَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَهُوَ فَرْعٌ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ، وَتَشَعَّبَتْ فِيهِ الْآرَاءُ، وَطُرُقُ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي الْعَبْدِ، وَالثَّوْبِ كَقَوْلِنَا فِي الْأَكْثَرِ فَإِذَا ذَهَبَ النِّصْفُ أَوْ الْأَقَلُّ بِاعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَقَصَ فَإِنْ قَلَعَ عَيْنَ الْبَهِيمَةِ فَرُبْعُ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَضْمَنَ إلَّا النَّقْصَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الرُّكُوبُ فَقَطْ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَيَضْمَنُ أَيْضًا رُبْعَ الْقِيمَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما لَيْسَ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا مَا نَقَصَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْ الْعَبْدِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَخْيِيرِ السَّيِّدِ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ، وَأَخْذَ الْقِيمَةِ كَامِلَةً وَبَيْنَ إمْسَاكِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَامِلَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَصْلُ هَذَا الْفِقْهِ أَنَّ الضَّمَانَ الَّذِي سَبَبُهُ عُدْوَانٌ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّغْلِيطِ لَا سَبَبُ لِلرِّفْقِ وَعِنْدَنَا الْمِلْكُ مُضَافٌ لِلضَّمَانِ لَا لِسَبَبِهِ، وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعُدْوَانِ، وَغَيْرِهِ، وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَنَا وُجُوهٌ
(الْأَوَّلُ) أَنْ تَقُولَ إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا أَمَّا إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَلِأَنَّ ذَا الْهَيْئَةِ إذَا قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَتِهِ لَا يَرْكَبُهَا بَعْدُ، وَالرُّكُوبُ هُوَ الْمَقْصُودُ.
وَأَمَّا قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهَا فَلِأَنَّ إذَا قَتَلَهَا ضَمِنَهَا اتِّفَاقًا مَعَ بَقَاءِ انْتِفَاعِهِ بِإِطْعَامِهَا لِكِلَابِهِ، وَبُزَاتِهِ، وَبِدَبْغِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَحَصَلَ الْمَالُ لِلْوَارِثِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) الْقَرَابَةُ لِلْمُكَلَّفِ تُوجِبُ بِرَّهُمْ بِدَفْعِ مَالِهِ لَهُمْ إذَا كَانَ غَيْرُ زَكَاةٍ وَتُوجِبُ مَنْعَهُمْ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ إذَا كَانَ زَكَاةً فَيُحْرَمُوا إيَّاهَا، وَتُعْطَى لِغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ، وَمِنْهَا أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجِبُ بِرُّهُمْ بِسَدِّ خَلَّاتِهِمْ بِالْمَالِ إذَا كَانَ غَيْرَ زَكَاةٍ، وَيَحْرُمُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ زَكَاةً فَصَارَ قُرْبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ وَمَنْعَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مَالَيْنِ وَنِسْبَتَيْنِ، وَمِنْهَا الْجَهَالَةُ وُجُودُهَا يُوجِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ وَأَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ الْإِخْلَالَ بِمَصَالِحِ الْعُقُودِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ مَانِعَةً، وَيُوجِبُ فِي قِسْمٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ، وَهُوَ الْأَعْمَالُ فِي الْأَعْيَانِ كَخِيَاطَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا.
وَفِي الْجَعَالَةِ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةِ عَقْدِ ذَلِكَ الْقِسْمِ مِنْ الْإِجَارَاتِ وَعَقْدِ الْجَعَالَةِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ شَرْطًا بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ فَسَدَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَ الْخِيَاطَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْيَوْمَ مَثَلًا بَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ بِتَوَقُّعِ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ مَصْلَحَتُهُ وَنَفْيُ الْغَرَرِ عَنْهُ أَنْ يَبْقَى مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي الْجَعَالَةِ مَحْدُودًا مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ فِي الْعَمَلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إذَا قَيَّدْنَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَقَدَّرْنَاهُ مَعْلُومًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ، وَلَمْ يَجِدْ الْآبِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمَعْلُومِ ذَهَبَ عَمَلُهُ مَجَّانًا فَضَاعَتْ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ فَلِذَا كَانَ نَفْيُ الْغَرَرِ عَنْ الْجَعَالَةِ بِحُصُولِ الْجَهَالَةِ فِيهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْجَعَالَةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعًا قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ فِي فَصْلِ وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَائِقٍ مَا نَصُّهُ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّلَ عَمَلُ الْجُعْلِ بِأَجَلٍ، وَلَا يُقَدَّرُ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ أَوْ عَشَرَةٍ مَثَلًا لِأَنَّهُ لَا يَنْقَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ سَعْيُهُ بَاطِلًا قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ فَقَوِيَ الْغَرَرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَعَ ضَرْبِ الْأَجَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ مَعَ الْأَجَلِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَخَفَّ بِذَلِكَ الْغَرَرُ.
وَقَالَ فِيمَا مَرَّ فَالْجَعَالَةُ تُفَارِقُ الْإِجَارَةَ مِنْ وُجُوهٍ (فَمِنْهَا) إنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ يُفْسِدُهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَجْهُولُ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ أَجَلٍ، وَمِنْهَا أَنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ اهـ.
الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ.
وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ: