الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُحْبَسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ أَوْ عَشْرِ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ السَّابِعُ مَنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولِ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعَيِّنُهُمَا فَيَقُولُ الْعَيْنُ هُوَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ، وَنَحْوُهُمَا أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي أَقَرَرْت بِهِ هُوَ دِينَارٌ فِي ذِمَّتِي الثَّامِنُ يُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَالصَّوْمِ، وَعِنْدَنَا يُقْتَلُ كَالصَّلَاةِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّمَانِيَةَ لَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إذَا تَمَلَّكَ الْحَاكِمُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا ظَفِرْنَا بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ شَيْءٍ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ كَانَ رَهْنًا أَمْ لَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَلَا نَحْبِسُهُ لِأَنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ، وَدَوَامَ الْمُنْكَرِ فِي الظُّلْمِ، وَضَرَرُهُ هُوَ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ فِي الْحَبْسِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْقُمَاشِ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْهُ أَخَذَهُ مِنْ عَلَيْهِ قَهْرًا، وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَحْبِسُهُ تَعْجِيلًا لِدَفْعِ الظُّلْمِ، وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
(سُؤَالٌ) كَيْفَ يَخْلُدُ فِي الْحَبْسِ مَنْ امْتَنَعَ مَنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ
(جَوَابُهُ) أَنَّهَا عُقُوبَةٌ صَغِيرَةٌ بِإِزَاءِ جِنَايَةٍ صَغِيرَةٍ، وَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فَتُقَابَلُ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ فَهِيَ جِنَايَاتٌ، وَعُقُوبَاتٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُتَقَابِلَةٌ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ، وَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ]
الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ)
فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ مُشَبَّهَةٌ فَقَوْلُنَا صَحِيحَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَجْهُولَةِ أَوْ غَيْرُ الْمُحَرَّرَةِ، وَمَا فَاتَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَقَوْلُنَا مُشَبَّهَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الَّتِي يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ، وَمَا يَشْهَدُ بِهَا، وَمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَكْذِبِيهَا وَتَصْدِيقِهَا؛ فَمَا شَهِدَ لَهَا كَدَعْوَى سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِيَدِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَيُعْتَمَدُ اهـ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم قَالَ الْأَصْلُ، وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ فُرُوعٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ لَكِنْ حَكَمَ بِمُسْتَنَدٍ بَاطِلٍ بِأَنْ حَكَمَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْإِجْمَاعِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَالنَّصِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ.
وَقَاعِدَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَلَا بُدَّ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ لِوَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَيْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ فَإِنْ خَالَفَهُ، وَثَمَّ مُعَارِضٌ أَرْجَحُ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ (وَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ نَظَائِرُ.
(أَمَّا الْأَوَّلُ) فَمِنْ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى فِي عَقْدِ الرِّبَا بِالْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ عَلَى خِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لِأَنَّهُ عُورِضَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ قَضَى فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ بِالثَّمَنِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ إتْلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ أَنَّهُ يَجِبُ جِنْسُهَا لِأَجْلِ وُرُودِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: (الْأَوَّلُ) مَا قَضَى فِيهِ بِمُدْرَكٍ شَاذٍّ مُخَالِفٍ لِمُدْرَكِ إمَامِهِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَهُ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ، وَمِنْ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ فَسَخْنَاهُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِاسْتِمْرَارِ عِصْمَةِ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ أَيْ الثَّلَاثَةُ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ نَقَضْنَاهُ لِكَوْنِ شَرْطِ السُّرَيْجِيَّةِ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ مَشْرُوطِهِ أَبَدًا فَإِنْ تَقَدَّمَ الثَّلَاثُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَعْدَهَا فَكَانَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ صِحَّةِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ.
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي) مَا قَضَى فِيهِ بِالشَّاذِّ الْمُخَالِفِ لِمُدْرَكِ إمَامِهِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ لَهُ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ، وَمِنْ نَظَائِرِهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَالَ يُنْقَضُ عِنْدَ مَالِكٍ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِعِتْقِ بَعْضِهِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ، وَرَدَ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَسْعَى، وَكَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ أَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» أَوْ يُحْكَمْ بِشَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] أَوْ بِمِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» ، وَكُلُّ مَا هُوَ عَلَى خِلَافِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا شُذُوذُ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ عَلَى نَقْضِهِ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
وَقَالَ لَا تُنْقَضُ شُفْعَةُ الْجَارِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الْفُرُوعِ لِضَعْفِ مُوجِبِ النَّقْضِ عِنْدَهُ. (وَالنَّوْعُ
رَجُلٍ أَوْ دَعْوَى غَرِيبٍ وَدِيعَةً عِنْدَ جَارِهِ أَوْ مُسَافِرٍ أَنَّهُ أَوْدَعَ أَحَدُ رُفَقَائِهِ.
وَكَالدَّعْوَى عَلَى الصَّانِعِ الْمُنْتَصِبِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مَتَاعًا لِيَصْنَعَهُ أَوْ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ الْمُنْتَصِبِينَ لِلْبَيْعِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ أَوْ يُوصِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عِنْدَ رَجُلٍ فَيُشْرَعُ التَّحْلِيفُ هَاهُنَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَتَتَّفِقُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا، وَاَلَّتِي شَهِدَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُشَبَّهَةٍ فَهِيَ كَدَعْوَى دَيْنٍ لَيْسَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ فَلَا يُسْتَخْلَفُ إلَّا بِإِثْبَاتِ خُلْطَتِهِ لَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهِيَ أَنْ يُسَالِفَهُ أَوْ يُبَايِعَهُ مِرَارًا، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ الثَّمَنَ أَوْ السِّلْعَةَ، وَتَفَاضَلَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ هِيَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تُشْبِهُ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِلَطْخٍ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُشْبِهُ أَنْ يُعَامِلَ الْمُدَّعِيَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فِي تَفْسِيرِ الْخُلْطَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي هَذَا الْقِسْمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَنَا مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ» وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لَا يَدَّعِي الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً، وَلَمْ يُرْوَ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ عَلَى ذَوِي الْأَقْدَارِ بِتَبْذِيلِهِمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالتَّحْلِيفِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَرُبَّمَا الْتَزَمُوا مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْجُمَلِ الْعَظِيمَةِ مِنْ الْمَالِ فِرَارًا مِنْ الْحَلِفِ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ رضي الله عنه.
وَقَدْ يُصَادِفُهُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُصِيبَةٌ فَيُقَالُ هِيَ بِسَبَبِ الْحَلِفِ فَيَتَعَيَّنُ حَسْمُ الْبَابِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْأَعْرَاضِ وَاجِبَةٌ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي دَرْءَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ بِدُونِ زِيَادَةٍ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيُسْقِطُ اعْتِبَارَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الشَّرْطِ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُخَالَطَةً، وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ قَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ الْخُلْطَةِ فَاشْتِرَاطُهَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، وَتَخْتَلُّ حُكْمَهُ الْحُكَّامُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا بَيَانُ حَالِ مَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ لِمَعْنًى لَا يَحْتَجْ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مُعْرِضٌ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَعَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَات بِقَوْلِهِ عليه السلام
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الثَّالِثُ) مَا قُضِيَ فِيهِ بِنَقْضِ مَا لَمْ يُنْقَضْ فَفِي النَّوَادِرِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ مِمَّا يُنْقَضُ نَقْضُ مَا لَا يُنْقَضُ فَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِأَنْ يُنْقَضَ حُكْمُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ نَقَضَ الثَّالِثُ حُكْمَ الثَّانِي لِأَنَّ نَقْضَهُ خَطَأٌ وَيُقِرُّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ السَّفِيهُ الَّذِي تَحْتَ حَجْرِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا فَرَدُّهُ فَجَاءَ قَاضٍ ثَانٍ فَأَنْفَذَهُ نَقَضَ الثَّالِثُ هَذَا التَّنْفِيذَ، وَأَقَرَّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الثَّانِي الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ رَدَّهُ الثَّالِثُ لِأَنَّ النَّقْضَ فِي مَوَاطِنِ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ، وَنَقْضُ الْخَطَأِ مُتَعَيِّنٌ
(وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا لَوْ حَكَمَ حَدْسًا وَتَخْمِينًا مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَهُوَ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا حُكِمَ بِهِ عَلَى خِلَافِ السَّبَبِ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَوْ بِالْبَيْعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبِعْ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَدِنْ كَانَ قَضَاءً عَلَى خِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَجَبَ نَقْضُهُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رضي الله عنه خَالَفَ فِي قِسْمٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ عَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ فَيُجْعَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ كَالْعَقْدِ فِيمَا لَا عَقْدَ فِيهِ أَوْ كَالْفَسْخِ فِيمَا لَا فَسْخَ فِيهِ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَا زُورٍ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ بِطَلَاقِهَا جَازَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فَسْخٌ لِذَلِكَ النِّكَاحِ، وَإِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِبَيْعِ جَارِيَةٍ فَحَكَمَ بِبَيْعِهَا جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمَّنْ حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَيَطَأَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ لِمَنْ حُكِمَ لَهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ عَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ، وَوَافَقْنَا فِيمَا لَا عَقْدَ فِيهِ، وَلَا فَسْخَ مِنْ الدُّيُونِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا فَقَالَ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ.
وَقَالَ إذَا قَضَى بِنِكَاحِ أُخْتِ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَلَا تَحِلُّ لَهُ لِفَوَاتِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلنِّكَاحِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ.
وَقَالَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ، وَالْحُكْمُ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ لَمْ يُنَزَّلْ حُكْمُهُ مَنْزِلَةَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا شَرْطٌ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَحْكُمْ بِالْمِلْكِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَحُجَّتُنَا أَمْرَانِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ عليه السلام «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْتَطِعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» ، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ.
(وَالثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَضْعَفُ فَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا فَأَوْلَى الْفُرُوجُ (وَحُجَّتُهُمْ) خَمْسَةُ أُمُورٍ
«فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لَا بَيَانُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَعَنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا فِي أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الْمُحْتَمَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي فِيهَا الْخُلْطَةُ لِأَنَّهَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَإِلَّا لَكَانَ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ الْحَصْرِ، وَبَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ شَرْطِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ نَقُولُ لَيْسَ هُوَ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسَلُّطِ الْفَسَقَةِ السَّفَلَةِ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ بِالتَّحْلِيفِ عِنْدَ الْقُضَاةِ، وَأَنَّهُ يُفْتَحُ بَابُ دَعْوَى أَحَدِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَاوَلَهُ، وَعَاقَدَهُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِهِ أَوْ خِيَاطَةِ قَلَنْسُوَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ فِيهِ فَطَرِيقُ الْجَمِيعِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْقَوَاعِدِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ، وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْخُلْطَةَ حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْأَمْوَالِ فَتَلْحَقُ بِهَا فِي الْحِجَاجِ، وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَامْرَأَةٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا دَفَعَ الدَّعْوَى بِعَدَاوَةٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُقْتَضَاهَا الْإِضْرَارُ بِالتَّحْلِيفِ وَالْبِذْلَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَقِيلَ يَحْلِفُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ خَمْسَ مَوَاطِنَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا الْخُلْطَةُ الصَّانِعُ، وَالْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ، وَالْقَائِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ، وَالْمُتَضَيِّفُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ وَالْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ.
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ)
قَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَالْأَسْبَابِ وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ شَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْحِجَاجَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ وَالْأَسْبَابَ تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحِجَاجُ فَنَقُولُ، وَبِاَللَّهِ نَسْتَعِينُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْأَوَّلُ «قَضِيَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِاللِّعَانِ قَالَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ» ، وَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ هِلَالٌ، وَأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَفْسَخْ تِلْكَ الْفُرْقَةَ، وَأَمْضَاهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ صِدْقِ الزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِصِدْقِهِ لَمْ تَعُدْ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا وَصَلَا إلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فِي الْمُقَابَحَةِ بِالتَّلَاعُنِ فَلَمْ يَرَ الشَّارِعُ اجْتِمَاعَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَبْنَاهَا السُّكُونُ وَالْمَوَدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اللِّعَانِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْكَذِبِ كَالْبَيِّنَةِ إذَا قَامَتْ
(وَالثَّانِي) مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ ادَّعَى عِنْدَهُ رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَزَوَّجَنِي فَاعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاك فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ لَهُ لِأَنَّهُ رضي الله عنه أَضَافَ التَّزَوُّجَ لِلشُّهُودِ لَا لِحُكْمِهَا، وَمَنَعَهَا مِنْ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ عَلَى الشُّهُودِ فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهُ زَوْجُهَا ظَاهِرًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفُتْيَا، وَمَا النِّزَاعُ إلَّا فِيهَا.
(وَالثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْحُكْمُ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى النَّاسِ فِي الْعُقُودِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ أَمَّا عَدَمُ تَعْيِينِهِ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ فِي اللِّعَانِ كَوْنَهُ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ حَيْضَتِهَا مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ أَوْ قَرَائِنَ حَالِيَّةً مِثْلُ كَوْنِهِ رَأَى رَجُلًا بَيْنَ فَخِذَيْهَا مَعَ أَنَّ الْقَرَائِنَ قَدْ تَكْذِبُ كَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يُولِجْ أَوْ أَوْلَجَ، وَمَا أَنْزَلَ، وَأَمَّا عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ فَلِأَنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَاجِرًا يَطْلُبُ مَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ بَلْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّلَاعُنَ يَمْنَعُ الزَّوْجِيَّةَ
(وَالرَّابِعُ) أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ فَعَلَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لِلْحَاكِمِ الْعَقْدَ لِلْغَائِبِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ، وَهَا هُنَا لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَلِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مَصَالِحَ نَفْسِهِ، وَلَا يَتْرُكُ الْأَصْلَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ
(وَالْخَامِسُ) أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُخَالَفَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فَصَارَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ مَا حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ عَلِمَ خِلَافَهُ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إنَّمَا حَرُمَتْ
الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً الشَّاهِدَانِ، الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا، وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ، وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ، وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ، وَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ فِي اللِّعَانِ، وَخَمْسُونَ يَمِينًا فِي الْقَسَامَةِ، وَالْمَرْأَتَانِ فَقَطْ فِي الْعُيُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّسَاءِ، وَالْيَمِينُ وَحْدَهَا بِأَنْ يَتَحَالَفَا، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْإِقْرَارُ، وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ، وَالْقَافَةُ، وَقُمُطُ الْحِيطَانِ، وَشَوَاهِدُهَا، وَالْيَدُ فَهَذِهِ هِيَ الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَنَا، وَفِيهَا شُبُهَاتٌ، وَاخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَأَذْكُرُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ حُجَّةً حُجَّةً بِانْفِرَادِهَا، وَأُورِدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ
(الْأُولَى الشَّاهِدَانِ) وَالْعَدَالَةُ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَدَالَةُ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَنَا هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا، وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةَ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا.
وَأَمَّا الْيَوْمُ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيُلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَاسْتَثْنَى الْحُدُودَ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ يَجْرَحُهَا وَجَبَ الْبَحْثُ عَنْهُمَا لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنْ لَا أَعْرِفَكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا، وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تَقْطَعُ بَيْنَهُمَا الْأَرْحَامَ قَالَ لَا فَقَالَ ابْنُ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا وَقَدْ عُرِفَ إسْلَامُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكِرٌ غَالِبًا، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدُ، وَقَوْلُهُ {مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي لِتَقْيِيدِ فَائِدَةٍ.
وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ مُشَاقَةِ الْحُكَّامِ وَانْخِرَامِ النِّظَامِ وَتَشْوِيشِ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُهُ فَجَائِزَةٌ.
2 -
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ فِيهِ الْحُجَّةَ وَالدَّلِيلَ وَالسَّبَبَ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ التُّهْمَةَ تَقْدَحُ فِي التَّصَرُّفَاتِ إجْمَاعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِلَّا فَالتُّهْمَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَعْلَاهَا كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا وَأَدْنَاهَا كَقَضَائِهِ لِجِيرَانِهِ وَأَهْلِ صَقْعِهِ وَقَبِيلَتِهِ مَرْدُودٌ إجْمَاعًا، وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي، وَأَصْلُهَا أَيْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» أَيْ مُتَّهَمٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ.
وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَازِمٌ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ فَوْقَ الشَّاهِدِ مَنْ يَنْظُرُ عَلَيْهِ فَيَضْعُفُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْبَاطِلِ فَتَضْعُفُ التُّهْمَةُ قَالَ وَلَا يُحْكَمُ لِعَمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُحْكَمُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ فَإِنَّ مَنْصِبَ الْقَضَاءِ أَبْعَدُ عَنْ التُّهَمِ لِوُفُورِ جَلَالَةِ الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، وَلَا نَعْلَمُ أَثْبَتَ أَمْ لَا، وَلَمْ يَحْضُرْهُ الشُّهُودُ لَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ، وَكَانَتْ شَهَادَةً ظَاهِرَةً بِحَقٍّ بَيِّنٍ جَازَ فِيمَا عَدَا الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي حُكْمَهُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَيْ حُضُورَ الشُّهُودِ، وَكَوْنَ الشَّهَادَةِ ظَاهِرَةً، وَبِحَقٍّ بَيِّنٍ تَضْعُفُ التُّهْمَةُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَصْبَغَ الْجَوَازُ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمِدْيَانِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَصَحَّ الْحُكْمُ، وَقَدْ يَحْكُمُ لِلْخَلِيفَةِ، وَهُوَ فَوْقَهُ، وَتُهْمَتُهُ أَقْوَى، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْقَضَاءُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَخَصْمِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِخِلَافِ رَجُلَيْنِ رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَقْضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَيُشْهِدُ عَلَى رِضَاهُ، وَيَجْتَهِدُ فِي الْحَقِّ فَإِنْ قَضَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يَمْتَنِعُ قَضَاؤُهُ لَهُ فَلْيَذْكُرْ الْقِصَّةَ كُلَّهَا، وَرَضِيَ خَصْمِهِ، وَشَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ بِرِضَى الْخَصْمِ.
وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَرَأَى أَفْضَلَ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ فَسْخُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَلَا يَفْسَخُهُ غَيْرُهُ إلَّا فِي الْخَطَأِ الْبَيِّنِ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي الْقَضِيَّةِ حَقُّهُ، وَحَقُّ اللَّهِ عز وجل كَالسَّرِقَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَقْطَعُهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرْفَعُهُ لِمَنْ
مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالِاعْتِقَادِ فَهُوَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ وقَوْله تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، وَرِضَاءُ الْحَاكِمِ بِهِمْ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِمْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُدُودِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ الْعَدَالَةَ فَإِنْ فَرَّقُوا بِأَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِذَا طَلَبَهَا تَعَيَّنَتْ، وَأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ اللَّهِ مَنَعْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ بَلْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ فَيَتَّجِهُ الْقِيَاسُ، وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِالْمَنْعِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ، وَبِقَوْلٍ عُمَرَ رضي الله عنه الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ «وَقَبِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ بِحَضْرَتِنَا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامَ، وَلِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الظَّاهِرَ فَالْإِسْلَامُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَمُّ وَازِعٍ، وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ، وَعُمُومَاتُ النُّصُوصِ وَالْأَوَامِرِ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَتَوَضَّأُ بِالْمِيَاهِ، وَيُصَلِّي بِالثِّيَابِ بِنَاءً عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فَقَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْفَائِدَةُ فِي هَذَا الْقَيْد، وَقَيَّدَ أَيْضًا بِرِضَاءِ الْحَاكِمِ.
وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْبَحْثِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكْفِي فِيهِ ظَاهِرُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي الْإِسْلَامُ فِي الْعَدَالَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِ عُدُولٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرُ السَّكْتِ عَنْهُ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يُؤْمَرُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ الْعُدُولِ، وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ الْعَدَالَةُ غَالِبَةٌ بِخِلَافِ غَيْره (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُؤَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَ أَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى نَعْلَمَ سَجَايَاهُ، وَعَدَمَ جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فَذَلِكَ لِأَجْلِ تَيَقُّنِنَا عَدَمَ مُلَابَسَتِهِ مَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ بَعْدَ إسْلَامِهِ
(وَعَنْ الْخَامِسِ) أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ، وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا، وَلَا إجْمَاعَ فَإِنَّ بَحْثَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ.
وَأَمَّا الْفَقْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْفَقْرُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ بَلْ وِزَانُهُ هَاهُنَا أَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَوْقَهُ، وَأَمَّا مَا لَهُ فَلَا يَحْكُمُ لَهُ.
(الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَنَّهُ تَنَاوَلَتْهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ السَّبَبَ وَالدَّلِيلَ وَالْحُجَّةَ وَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْحُجَّةِ هَلْ هِيَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اتَّفَقَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ عَلَى جَوَازِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْعِهِ فِيمَا عَدَاهُمَا مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ ابْنِ حَنْبَلٍ، وَجَوَازُهُ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُحْكَمُ فِي الْحُدُودِ بِمَا شَاهَدَهُ مِنْ أَسْبَابِهَا إلَّا فِي الْقَذْفِ، وَلَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا عَلِمَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، لَنَا سَبْعَةُ وُجُوهٍ:(الْأَوَّلُ) قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» الْحَدِيثَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِحَسَبِ الْمَسْمُوعِ لَا بِحَسَبِ الْمَعْلُومِ (الثَّانِي) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ» فَحَصَرَ الْحُجَّةَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينَ دُونَ عِلْمِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
(الثَّالِثُ) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا شِجَاجٌ فَأَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ ثُمَّ قَالَ أَفَأَخْطُبُ فَأُعْلِمُ النَّاسَ بِرِضَاكُمْ؟ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ فَقَالُوا مَا رَضِينَا فَأَرَادَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا، وَنَزَلَ فَجَلَسُوا إلَيْهِ فَأَرْضَاهُمْ فَقَالَ أَأَخْطُبُ النَّاسَ فَأُعْلِمُهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ النَّاسَ فَقَالُوا رَضِينَا» ، وَهُوَ نَصٌّ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ.
(الرَّابِعُ) مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ وَشَرِيكٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِهِلَالٍ يَعْنِي الزَّوْجَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ يَعْنِي الْمَقْذُوفَ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي فِي الْحُدُودِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا.
وَقَدْ وَقَعَ مَا قَالَ فَيَكُونُ الْعِلْمُ حَاصِلًا لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا رَجَمَ، وَعَلَّلَ بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ (الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ عُلِمَ صِدْقُهُمْ.
(السَّادِسُ) أَنَّ الْحَاكِمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَيُتَّهَمُ بِالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ فَلَعَلَّ الْمَحْكُومَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ صَدِيقٌ، وَلَا نَعْلَمُ نَحْنُ ذَلِكَ فَحَسَمْنَا الْمَادَّةَ صَوْنًا لِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ عَنْ الْمُتَّهَمِ.
(السَّابِعُ) أَنَّ أَبَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ
تَعْلَمَ عَدَالَتُهُ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّا لَا نَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْمَاءِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا الْعُمُومَاتُ وَالْأَوَامِرُ فَإِنَّا لَا نَكْتَفِي بِظَاهِرِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الصَّارِفِ الْمُخَصِّصِ، وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا.
(مَسْأَلَةٌ) لَا تُقْبَلُ عِنْدَنَا شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا فِي وَصِيَّةِ مَيْتٍ مَاتَ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ مُسْلِمُونَ، وَتُمْنَعُ شَهَادَةُ نِسَائِهِمْ فِي الِاسْتِهْلَالِ وَالْوِلَادَةِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ ذِمَّةٌ، وَيَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا، وَلَا كَتَمَا، وَلَا اشْتَرَيَا بِهِ ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لِمَنْ الْآثِمِينَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أَيْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَقِيلَ الشَّهَادَةُ فِي الْآيَةِ هِيَ الْيَمِينُ، وَلَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ هَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ الْيَهُودِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى الْيَهُودِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ يُقْبَلُ عَلَى مِلَّتِهِ دُونَ غَيْرِهَا لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] وَقَالَ عليه السلام «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ» ، وَقِيَاسًا عَلَى الْفَاسِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهَذَا أَوْلَى إذْ الشَّهَادَةُ آكَدُ مِنْ الْخَبَرِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] .
وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ عليه السلام «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ إلَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ» ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَإِذَا جَازَتْ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَهُمْ يَهُودِيَّانِ فَذَكَرَتْ لَهُ عليه السلام أَنَّهُمَا زَنَيَا فَرَجَمَهُمَا عليه السلام» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ رَجْمَهُمَا بِشَهَادَتِهِمْ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ «إنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ رَجَمْتُهُمَا» ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَتَلَ أَخَاهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَاتِلٌ أَنَّهُ كَالْقَاتِلِ عَمْدًا لَا يَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا لِلتُّهْمَةِ، وَاحْتَجُّوا بِتِسْعَةِ وُجُوهٍ:
(أَحَدُهَا) مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى عَلَى أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّفَقَةِ بِعِلْمِهِ فَقَالَ لِهِنْدَ خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيِّنَةَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ قِصَّةَ هِنْدَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّبْلِيغُ فُتْيَا لَا حُكْمٌ، وَالتَّصَرُّفُ بِغَيْرِهَا قَلِيلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى حَاضِرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ.
(وَثَانِيهَا) مَا رَوَاهُ الِاسْتِذْكَارُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ادَّعَى عَلَى أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ ظَلَمَهُ حَدًّا فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسَ بِذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ انْهَضْ إلَى الْمَوْضِعِ فَنَظَرَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى الْمَوْضِعِ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ خُذْ هَذَا الْحَجَرَ مِنْ هَا هُنَا فَضَعْهُ هَا هُنَا فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ خُذْهُ لَا أُمَّ لَك وَضَعْهُ هُنَا فَإِنَّك مَا عَلِمْت قَدِيمَ الظُّلْمِ فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ حَيْثُ قَالَ، وَاسْتَقْبَلَ عُمَرُ رضي الله عنه الْقِبْلَةَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ إذْ لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى غَلَبْت أَبَا سُفْيَانَ عَلَى رَأْيِهِ وَأَذْلَلْته لِي بِالْإِسْلَامِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ إذْ لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى جَعَلْت فِي قَلْبِي مَا ذَلَلْتُ بِهِ لِعُمَرَ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ الَّذِي يَحْسُنُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ لَا مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَكَانَتْ مُجْمَلَةً فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا.
(وَثَالِثُهَا) قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَقَدْ عُلِمَ الْقِسْطُ فَيُقَوِّمُ بِهِ، وَجَوَابُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْقِسْطِ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا مُحَرَّمٌ.
(وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُحْكَمَ بِالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْبَيِّنَةِ فَالْعِلْمُ أَوْلَى، وَمِنْ الْعَجَبِ جَعْلُ الظَّنِّ خَيْرًا مِنْ الْعِلْمِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ إلَّا أَنَّ اسْتِلْزَامَهُ لِلتُّهْمَةِ، وَفَسَادِ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ أَوْجَبَ مَرْجُوحِيَّتِهِ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الْقَضَاءِ يَخْرِقُ الْأُبَّهَةَ، وَيَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ.
(وَخَامِسُهَا) أَنَّ التُّهْمَةَ قَدْ تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْبَيِّنَةِ فَيَقْبَلُ مَنْ لَا يُقْبَلُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ التُّهْمَةَ مَعَ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ أَضْعَفُ بِخِلَافِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التُّهَمَ كُلَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةٌ بَلْ بَعْضُهَا.
(وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْعَمَلَ وَاجِبٌ بِمَا نَقَلَتْهُ الرُّوَاةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا سَمِعَهُ الْمُكَلَّفُ أَوْلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، وَيَحْكُمَ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْفُتْيَا تُثْبِتُ شَرْعًا عَامًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْقَضَاءُ فِي
أَوْلَادَهُ، وَلِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ فِي الْحُقُوقِ قَالَ تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ مِنْ غَيْرِ حِلْفِكُمْ. فَمَا تَعَيَّنَ مَا قُلْتُمُوهُ، وَمَعْنَى الشَّهَادَةِ التَّحَمُّلُ، وَنَحْنُ نُجِيزُهُ أَوْ الْيَمِينُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] كَمَا قَالَ فِي اللِّعَانِ أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِسْلَامُ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ أَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِالزِّنَا فَلَمْ يَرْجُمْهُمَا بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِالْوَحْيِ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّحْرِيفِ، وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ حَدُّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ الْجَلْدُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَحْيُ الَّذِي يَخُصُّهُمَا، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْفِسْقَ.
وَإِنْ نَافَى الشَّهَادَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ لِأَنَّ وَازِعَهَا طَبِيعِيٌّ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَازِعُهَا دِينِيٌّ فَافْتَرَقَا لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْكُفَّارِ عِنْدَنَا فَاسِدٌ، وَالْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهُ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ مَا لَنَا، وَجَمِيعُ أَدِلَّتِكُمْ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] فَنَفَى تَعَالَى التَّسْوِيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَإِلَّا لَحَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] قَالَ الْأَصْحَابُ، وَنَاسِخُ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]
(فَرْعٌ مُرَتَّبٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِالْحُكْمِ بِالْكَافِرِ أَوْ الْمَسْخُوطِ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
(الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ) الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ مَا عَلِمْتُ عِنْدَنَا، وَلَا عِنْدَ غَيْرِنَا خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ.
وَقَالَ مَالِكٌ إنْ شَهِدَا لَهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِ أَحَدٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْقَضَاءُ، وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ اشْتَرَاهَا هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ، وَمَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ بِالدُّيُونِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ عَاوَضَهُ عَلَيْهِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا سِيَّمَا، وَجُلُّ الشَّهَادَاتِ فِي الدِّمَاءِ، وَغَيْرِهَا الِاسْتِصْحَابُ، وَإِذَا قَبِلْنَاهُمَا فِي الْقَتْلِ، وَيُقْتَلُ بِهِمَا مَعَ جَوَازِ الْعَفْوِ فَلَأَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَرْدٍ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ فَخَطَرُهُ أَقَلُّ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالسَّمَاعَ وَالرُّؤْيَةَ اسْتَوَى الْجَمِيعُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ.
(وَسَابِعُهَا) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِعِلْمِهِ لِفِسْقٍ فِي صُوَرٍ:
(مِنْهَا) أَنْ يَعْلَمَ وِلَادَةَ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِ رَجُلٍ فَتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ فَإِنْ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مَكَّنَهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَهِيَ ابْنَتُهُ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (وَمِنْهَا) أَنْ يَعْلَمَ قَتْلَ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُ فَإِنْ قَبِلَهَا، وَقَتَلَهُ قَتَلَ الْبَرِيءَ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
(وَمِنْهَا) لَوْ سَمِعَهُ يُطَلِّقُ ثَلَاثًا فَأَنْكَرَ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِوَاحِدَةٍ فَإِنْ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مَكَّنَ مِنْ الْحَرَامِ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرِ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِعِلْمِهِ بَلْ تَرْكُ الْحُكْمِ، وَتَرْكُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ لَيْسَ فِسْقًا، وَتَرْكُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ (وَثَامِنُهَا)«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى فَرَسًا فَجَحَدَهُ الْبَائِعُ فَقَالَ عليه السلام مَنْ يَشْهَدُ لِي فَقَالَ خُزَيْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَشْهَدُ لَك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ تَشْهَدُ وَلَا حَضَرْت فَقَالَ خُزَيْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَنُصَدِّقُك أَفَلَا نُصَدِّقُك فِي هَذَا فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَا الشَّهَادَتَيْنِ» فَهَذَا وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ فَهُوَ يَدُلُّ لَنَا مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ عليه السلام لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِغَيْرِهِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التُّهْمَةِ مِنْ الْقَضَاءِ لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخَذَ الْفَرَسَ قَهْرًا مِنْ الْأَعْرَابِيِّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ حَكَمَ أَمْ لَا، وَهَلْ جَعَلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَتَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ مُبَالَغَةً فَمَا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا سَمَّى خُزَيْمَةَ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ مُبَالَغَةً لَا حَقِيقَةً.
(وَتَاسِعُهَا) الْقِيَاسُ عَلَى التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّهُ فِي التَّجْرِيحِ أَوْ التَّعْدِيلِ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ نَفْيًا لِلتَّسَلْسُلِ الْحَاصِلِ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْجَرْحِ أَوْ التَّعْدِيلِ، وَتَحْتَاجُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةً أُخْرَى، وَهَكَذَا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ قَدْ قِيلَ هَذَا لَيْسَ حُكْمًا، وَإِلَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ غَيْرُهُ مِنْ نَقْضِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ تَرْكُ شَهَادَتِهِ، وَتَفْسِيقُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْأُولَى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: إذَا حَكَمَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ أَوْ فِيهِ فَلِلْقَاضِي الثَّانِي نَقْضُهُ فَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بَعْدَ جُلُوسَهُمَا لِلْحُكُومَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْكُمُ بِهِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ
يَقْضِيَ بِهِمَا فِي الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتِرَاطُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ ضَعِيفٌ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ، وَظَاهِرُ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُمَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ، وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الْيَمِينِ وَإِثْبَاتُ الْمَشْرُوطِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَاتِ وَالِاحْتِمَالَاتِ صَعْبٌ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لَا نَقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَنْ فِي طَبْعِهِ خَوَرٌ أَوْ خَوْفٌ مِنْ الْقَتْلِ مَعَ تَبْرِيزِهِ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْعَثُهُ عَلَى حَسْمِ مَادَّةِ الْقَتْلِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الشُّبَّانُ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ الشُّيُوخُ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَبَّبَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ كَانَ هَذَا مُرُوقًا مِنْ الْقَوَاعِدِ، وَمُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ لَا سِيَّمَا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ، وَإِثْبَاتُ شَرْطٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ عَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ) الْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]
(تَنْبِيهٌ) فِي نَظَائِرِ أَبِي عِمْرَانَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِمَا، وَصَعْبٌ عَلَى دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنَاسَبَاتِ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَكْفِي فِي اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ نَصٍّ صَرِيحٍ، وَأَمَّا قَوْلُنَا ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ عَلَى الزُّنَاةِ وَحِفْظِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الضَّيَاعِ فَهَذَا لَا يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ فَيُمْكِنُ أَيْضًا عَلَى هَذَا السِّيَاقِ أَنْ نَشْتَرِطَ التَّبْرِيزَ فِي الْعَدَالَةِ لَوْ يَكُونُ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمُنَاسَبَاتِ، وَهِيَ عَلَى خِلَافِ الِاجْتِمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اتِّبَاعُ مَوَارِدِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ صَعْبٌ جِدًّا.
(الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ) الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَبَالَغَ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ أَنْ حَكَمَ بِهِ قَائِلًا هُوَ بِدْعَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَغَيْرُهُمْ لَنَا وُجُوهٌ
(الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ، وَرُوِيَ فِي الْمَسَانِيدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ
(الثَّانِي) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ رَوَى ذَلِكَ النَّسَائِيّ، وَغَيْرُهُ
(الثَّالِثُ) وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَحْكُمُ بِهِ فَلَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَوْضِعٍ يَقْبَلُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ حُجَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ الْجُحُودِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَلَا أَرَى أَنْ يُبَاحَ هَذَا الْيَوْمَ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ، وَاخْتُلِفَ إذَا حَكَمَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَرَى أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ هُوَ نَفْسُهُ مَا كَانَ قَاضِيًا لَمْ يُعْزَلْ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ نَقْضَهُ قَالَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْقُضُهُ هُوَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ رَأْيِهِ، وَقِيلَ لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ الْأَوَّلُ شَيْئًا، وَيَنْظُرُ إلَى مَنْ يُقَلِّدُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقُضْهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُؤَدِّي مَعَ فَسَادِ حَالِ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّ كُلَّهُمْ حِينَئِذٍ يَدَّعِي الْعَدَالَةَ فَيَنْقُضُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الذَّرِيعَةِ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ يُنْقَضُ، وَإِنْ كَانَ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ فِي النَّقْضِ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَاَلَّذِي يَنْقُضُ بِهِ لَا يَعْتَقِدُهُ فَالْحُكْمُ وَقَعَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ يُنْقَضُ فَنَقَضَهُ لِذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا نَقْضُ الْحُكْمِ إذَا وَقَعَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَقْضِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه، وَقَالَ هُوَ بِدْعَةٌ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ بِهِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُجِيزُ الْحُكْمَ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَالْحُكْمُ الْوَاقِعُ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا مُدْرَكٌ ضَعِيفٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَتَطَرَّقُ النَّقْضُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ لَيْسَ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَنَّا لَا نَعْتَقِدُهُ مُدْرَكًا بَلْ مُسْتَنَدًا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ كَمَا يَنْقُضُهُ إذَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِي النَّقْضِ جَمِيعُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَدَارِكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنِّي قَدْ تُرَجَّحُ عِنْدِي فِيمَا وَضَعْته فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُدْرَكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِيهِ، وَيُعَيِّنُهُ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ الْمُدْرَكِ مَوْطِنُ اجْتِهَادٍ فَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالْحُكْمِ فِيهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا الْمُخْتَلَفِ فِيهَا اهـ.
كَلَامُ الْأَصْلِ بِلَفْظِهِ وَسَلَّمَهُ، وَسَائِرَ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ إنْ حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِيهَا الْمَدَارِكُ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَحُكْمُهُ إنْشَاءُ رَفْعٍ لِلْخِلَافِ فَإِذَا قَضَى الْمَالِكِيُّ مَثَلًا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الَّتِي عُلِّقَ طَلَاقُهَا عَلَى نِكَاحِهَا فَقَضَاؤُهُ إنْشَاءُ نَصٍّ خَاصٍّ وَارِدٍ مِنْ قِبَلِهِ سبحانه وتعالى فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا
صِدْقُهُ وَقَوِيَ جَانِبُهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك فِي حَقِّهِ بِشَاهِدِهِ
(الرَّابِعُ) أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ إذَا رَجَحَ جَانِبُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ
(الْخَامِسُ) قِيَاسًا لِلشَّاهِدِ عَلَى الْيَدِ
(السَّادِسُ) وَلِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ لِدُخُولِهَا فِي اللِّعَانِ دُونَ الْمَرْأَتَيْنِ، وَقَدْ حَكَمَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ فَيَحْكُمُ بِالْيَمِينِ
(السَّابِعُ) وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْبَيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يُبَيِّنُ الْحَقَّ
(الثَّامِنُ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَهَذَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ:
(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَحَصَرَ الْمَشْرُوعَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ زِيَادَةً فِي النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ، وَهُوَ لَا يُقْبَلُ فِي الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
(الثَّانِي)«قَوْلُهُ عليه السلام لِحَضْرَمِيِّ ادَّعَى عَلَى كِنْدِيٍّ شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَقُلْ شَاهِدُك، وَيَمِينُك
(الثَّالِثُ) قَوْلُهُ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَحَصَرَ الْبَيِّنَةَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى، وَالْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْصُورٌ فِي خَبَرِهِ، وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَلَمْ تَبْقَ يَمِينٌ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي
(الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ نَقْلُ الْبَيِّنَةِ لِلْمُنْكِرِ تَعَذَّرَ نَقْلُ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي
(الْخَامِسُ) الْقِيَاسُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ
(السَّادِسُ) أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّاهِدِ كَأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ، وَلَجَازَ إثْبَاتُ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ زِيَادَةٌ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ تَمْنَعُ أَنَّهُ نَسْخٌ لِأَنَّ النَّسْخَ الرَّفْعُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ شَيْءٌ، وَارْتِفَاعُ الْحَصْرِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ يَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصِيلَةِ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصِيلَةُ تَرْجِعُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] ، وَالشَّرْطُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ لِلتَّحَمُّلِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ فَالْحَصْرُ فِي التَّحَمُّلِ بَاقٍ، وَلَا نَسْخَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَجَمِيعُ الْأُمَنَاءِ وَالْقَسَامَةِ، وَاخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَيُنْتَقَضُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِالنُّكُولِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْحَصْرَ لَيْسَ مُرَادًا بِدَلِيلِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءٌ يَخُصُّ بِاثْنَيْنِ لِخُصُوصِ حَالِهِمَا فَيَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعُ، وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ مَنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ اسْتِنَادًا لِدَلِيلِهِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَلِغَيْرِهَا لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصًّا خَالِصًا وَارِدًا مِنْ قِبَلِهِ رَفْعًا لِلْخُصُومَاتِ، وَقَطْعًا لِلْمُشَاجَرَةِ، وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ إذَا تَعَارَضَ خَاصٌّ وَعَامٌّ قُدِّمَ الْخَاصُّ نَعَمْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُفْتِيَ وَيَحْكُمَ فِي غَيْرِهَا بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ كَذَا لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِاسْتِمْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا خَرَجَتْ عَنْ دَلِيلِ الْمَالِكِيِّ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا بِلُزُومِ النِّكَاحِ وَدَوَامِهِ، وَفِي غَيْرِهَا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ، وَهَكَذَا حُكْمُهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ كَانَ دَاخِلَ الْمَذْهَبِ أَوْ خَارِجَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ، وَرُفِعَ الْخِلَافُ إلَخْ قُلْت وَهَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُقَلِّدِ الَّذِي مَعَهُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ مِنْ النَّظَرِ مَا يُرَجِّحُ بِهِ أَحَدَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.
وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَمُحْجَرٌ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحُ أَوْ مَا بِهِ الْعَمَلُ فَحُكْمُهُ بِذَلِكَ إخْبَارٌ وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ نَعَمْ إذَا تَسَاوَى الْقَوْلَانِ فِي التَّرْجِيحِ فَحُكْمُهُ إنْشَاءُ رَفْعٍ لِلْخِلَافِ، وَخَرَجَ بِاجْتِهَادِيَّةٍ حُكْمُ حُكْمِهِ فِي مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ لَا إنْشَاءَ فِيهِ لِتَعْيِينِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَثُبُوتِهِ، وَيُقَيِّدُ التَّقَارُبُ إلَخْ الْمُدْرَكَ الضَّعِيفَ كَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَاسْتِسْعَاءِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ فَالْحُكْمُ بِسُقُوطِهِمَا إخْبَارٌ مَحْضٌ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِهِمَا يُنْقَضُ لِضَعْفِ الْمُدْرَكِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَيُقَيِّدُ الْمَصْلَحَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ الْعِبَادَاتُ، وَتَحْرِيمُ السِّبَاعِ، وَطَهَارَةُ الْأَوَانِي وَالْمِيَاهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ لَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلْآخِرَةِ فَهَذِهِ تَدْخُلُهَا الْفَتْوَى فَقَطْ إذْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ بِخِلَافِ الْمُنَازَعَةِ فِي الْأَمْلَاكِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّهُونِ وَنَحْوِهَا مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهَا الْمَصْلَحَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ، وَكَذَا أَخْذُهُ لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ فَهُوَ حُكْمٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ لَا إنْ أَخْبَرَ عَنْ نِصَابٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فَفَتْوَى فَقَطْ اهـ. الْمُرَادُ بِتَوْضِيحِ مَا هُوَ عَيْنُ مَا يَأْتِي لِلْأَصْلِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ مِنْ الْبَحْثِ فَتَرَقَّبْ.
2 -
(فَائِدَتَانِ الْأُولَى) الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ، وَبِكَسْرِهَا الدَّلِيلُ، وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ بِأَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ اسْتِلْزَامِهِ الدَّلِيلَ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَشَاهِدُهُ أَيْ الدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8] فِي جَوَابِ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] الْمَحْكِيِّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَيْ صَحِيحُ ذَلِكَ لَكِنْ هُمْ الْأَذَلُّ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ، وَقَدْ أَخْرَجَاهُمْ فَقَدْ سَلِمَ مُوجَبُ الدَّلِيلِ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْأَعَزِّ مَنْ هُوَ، وَالْأَذَلُّ مَنْ هُوَ، وَلَيْسَ هُوَ تَلَقِّي الْمُخَاطَبِ بِغَيْرِ مَا يَتَرَقَّبُ فَقَطْ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْمَعَانِي كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِ الْمَحَلِّيّ وَعَطَّارِهِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135]