الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَبْلَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤْمِنًا فَاَلَّذِي يَسْتَقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لِبُرْجِ الْأَسَدِ وَحَكَى الْقَضِيَّةَ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّ هَذَا سِحْرٌ فَقَدْ تَصَوَّرَهُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ فَهَذَا هُوَ تَعَلُّمُهُ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُتُبُ السِّحْرِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعَلُّمِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا نَقُولُ إنَّ النَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ فِي عِيسَى عليه السلام كَذَا وَالصَّابِئَةُ يَعْتَقِدُونَ فِي النُّجُومِ كَذَا وَنَتَعَلَّمُ مَذَاهِبَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ تَعَلَّمَ السِّحْرَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنْ عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لِيُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى الزِّنَا أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ بِالْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ أَوْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِجَيْشِ الْكُفْرِ فَيَقْتُلُونَ بِهِ مَلِكَهُمْ.
فَهَذَا كُلُّهُ قُرْبَةٌ أَوْ يَصْنَعُهُ مَحَبَّةً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْمَلِكِ مَعَ جَيْشِ الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ كُلَّهَا فَالْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ جِدًّا.
قَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا قَالَ صَاحِبُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ
(الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] الْآيَةَ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إلَّا مَوْضِعٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ
(الثَّالِثُ) قَوْلُهُ عليه السلام «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَثَمَانِيَةٌ
(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ فَأَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَ مُقَامَ الرَّجُلَيْنِ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فَقَطْ إذْ لَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِجَوَازِهِمَا مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدَيْنِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا فَيَكُونَانِ مُرَادَيْنِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ لِوُجُودِ الِاسْمِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الرَّفْعِ فِي لَفْظِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِلَّا لَقَالَ فَرَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدَانِ رَجُلَيْنِ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ كَانَ تَقْدِيرُهُ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِحَذْفِ الْخَبَرِ
(الْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] أَطْلَقَ، وَمَا خَصَّ مَوْضِعًا فَيَعُمُّ جَوَابُهُ أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُرْتَبِطٌ بِأَوَّلِهَا، وَأَوَّلُهَا {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا الْعُمُومَ خَصَّصْنَاهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى جِرَاحِ الْقَوَدِ بِجَامِعِ عَدَمِ قَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ أَعْلَاهَا الزِّنَا، وَأَدْنَاهَا السَّرِقَةُ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُقْبَلُ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ الْأَبْدَانُ أَعْلَى مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا مَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَحَدُّ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَحَدُّ الْخَمْرِ لَيْسَ ثَبْتًا بِالنَّصِّ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ أَرْبَعَةٍ فِيهِ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ فَتَعَيَّنَ قِيَاسُهَا عَلَى الطَّلَاقِ
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا أُمُورٌ لَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَتُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ كَالْأَمْوَالِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ رُتْبَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُنْفَرِدَاتٍ فَلَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُطْلَقًا كَالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّا وَجَدْنَا النِّكَاحَ آكَدُ مِنْ الْأَمْوَالِ لِاشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِيهِ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ وَالْهِبَةُ
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ النِّكَاحَ وَالرَّجْعَةَ عَقْدُ مَنَافِعَ فَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ كَالْإِجَارَاتِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَالُ
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْخِيَارَ وَالْآجَالَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا، وَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ فَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ صُوَرِ النِّزَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا أَيْضًا الْمَالُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَجَلَ وَالْخِيَارَ لَا يَثْبُتَانِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ الْمَالِ
(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الطَّلَاقَ رَافِعٌ لِعَقْدٍ سَابِقٍ فَأَشْبَهَ الْإِقَالَةَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَقْصُودَ الطَّلَاقِ غَيْرُ الْمَالِ، وَمَقْصُودُ الْإِقَالَةِ الْمَالُ عَلَى أَنَّ حِلَّ عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ، وَالنُّكُولِ
(وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّهُ أَيْ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَالرَّضَاعِ
(وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ مِلْكٍ كَالْبَيْعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَأَيْضًا مَآلُ الْعِتْقِ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الْيَمِينُ الْوَاحِدَةُ فِي الشَّهَادَةِ]
(الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَكَوْنُهَا دَافِعَةً أَوْ جَالِبَةً، وَدَلِيلُ قَبُولِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ:(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الْقَضَاءُ بِالتَّحَالُفِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ، وَيَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَفْسَخُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الشَّرْعِ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ كَافِرٌ قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ، وَلَا يُخْبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ إنْسَانٍ بِالْكُفْرِ إلَّا إذَا كَفَرَ، وَقَوْلُهُمْ هُوَ دَلِيلُ الْكُفْرِ مَمْنُوعٌ، وَقَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قُلْنَا حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ السِّحْرِ لَا مُحَالٌ فِيهِ غَايَتُهُ دُخُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ بِالْقَوَاعِدِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُنَا فِي الْعُمُومَاتِ.
وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكُفْرِ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ، وَلَا شَاهِدَ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ، وَأَيُّ دَلِيلٍ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ أَوْ تَعْلِيمَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكُفْرِ وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] فَالْجَوَابُ عَنْهُ قَوْلُهُ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] نَمْنَعُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ إذَا كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةً لِلْأُولَى سَلَّمْنَا أَنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لَهَا لَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السِّحْرَ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ، وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَعْتَقِدُ مُوجِبَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا عَلَّمَ الْمُسْلِمَ دِينَهُ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ مُوجِبَهُ.
وَأَمَّا عِلْمُ الْمُسْلِمِ دِينَ النَّصْرَانِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَمَّلَ فَسَادَ قَوَاعِدِهِ فَلَا يَكْفُرُ الْمُعَلِّمُ وَلَا الْمُتَعَلِّمُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ.
وَأَمَّا جَعْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ مُطْلَقًا كُفْرًا فَخِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى غَوْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ نَقَلْتُ هَذَا الْفَصْلَ بِجُمْلَتِهِ لِافْتِقَارِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إلَى مُقَدِّمَةٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ تَمْهِيدُهَا وَهِيَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرٌ أَيَّ أَمْرٍ كَانَ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَزِمَهُ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ بِيَمِينِهِ، وَالْحُكْمُ بِالْفَسْخِ بَيْنَهُمَا يَدْخُلُ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْهُمَا اخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَاخْتِلَافُهُمَا يَرْجِعُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا يَقَعُ التَّحَالُفُ فِي أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا:(النَّوْعُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَخْتَلِفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا هَذِهِ دَنَانِيرُ، وَيَقُولُ الْآخَرُ ثَوْبٌ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إذْ لَيْسَ تَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَيَرُدُّ الْمُبْتَاعُ قِيمَةَ السِّلْعَةِ عِنْدَ الْفَوَاتِ نَعَمْ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ هِيَ الْأَثْمَانُ، وَبِهَا يَقَعُ الْبَيْعُ
(النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ يَخْتَلِفَا فِي نَوْعِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا هُوَ قَمْحٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ هُوَ شَعِيرٌ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَا
(النَّوْعُ الثَّالِثُ) أَنْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا بِعِشْرِينَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ بِعَشَرَةٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِذَا تَرَجَّحَتْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ السِّلْعَةِ فَفِيهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُصَدَّقُ فِي الثَّمَنِ مَعَ يَمِينِهِ لِقُوَّةِ الْيَدِ (الثَّانِيَةُ) أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَأَنْ قَبْضَهُمَا مَا لَمْ يَبْنِ بِهَا، وَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ بِالْبَيْنُونَةِ، وَالرِّوَايَتَانِ لِابْنِ وَهْبٍ (الثَّالِثَةُ) أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ قَبَضَهَا، وَبَانَ بِهَا مَا لَمْ تَفُتْ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَبِهَا أَخَذَ (الرَّابِعَةُ) أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ فَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ بَدَلَ الْعَيْنِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَبِهَا أَخَذَ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا، وَأَنَا أُفْتِي بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْقِيمَةَ مَا لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحَالُفِ فَالْبُدَاءَةُ بِالْبَائِعِ، وَقِيلَ بِالْمُشْتَرِي، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ تَنَاكَلَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ كَمَا إذَا تَحَالَفَا.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَمْضِي الْعَقْدُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُلْزِمَ صَاحِبَهُ الْبَيْعَ بِمَا ذَكَرَ؟ قَوْلَانِ، وَإِذْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهَلْ يَفْتَقِرُ الْبَائِعُ إلَى يَمِينٍ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ أَوْ يَفْتَقِرُ إلَى الْحُكْمِ؟ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ إنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنْ تَحَالَفَا بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ، وَإِلَّا انْفَسَخَ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ
(النَّوْعُ الرَّابِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي تَعْجِيلِ الثَّمَنِ، وَتَأْجِيلِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت بِنَقْدٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ بِنَسِيئَةٍ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْعُرْفَ مَعَ يَمِينٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ عُرْفٌ فَقَالَ الْقَاسِمُ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينٍ، وَإِنْ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ صُدِّقَ مَعَ يَمِينٍ، وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَقِيلَ إنْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَجَلًا قَرِيبًا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْفَوَاتِ، وَإِنْ ادَّعَى أَجَلًا بَعِيدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ مَعَ الْفَوَاتِ، وَيَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ، وَاخْتَلَفَا فِي انْقِضَائِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْقِضَاءِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِيهِ مَعَ يَمِينٍ
(النَّوْعُ الْخَامِسُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ، وَالْبَتِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي الْبَتُّ مَعَ يَمِينٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ، وَقِيلَ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ اخْتِلَافُهُمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ دُونَ الْآخَرِ فَاخْتَلَفَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ مَا هُوَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءً أَمْ إخْبَارًا فَإِذَا تَمَهَّدْت الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ مَا قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ مِنْ أَنَّ دَلِيلَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعَلُّمِهِ قَوْلٌ صَحِيحٌ وَاسْتِدْلَالُ الْمَالِكِيَّةِ بِذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ التَّعْلِيمِ لِعَدَمِ الْتِئَامِ قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْكُفْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَيْرُ التَّعَلُّمِ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذِهِ الْقَرِينَةِ نَصٌّ فِي أَنَّ التَّعَلُّمَ هُوَ الْكُفْرُ وَلَكِنْ يَبْقَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ قَبْلَنَا، وَخِطَابٌ عَنْ غَيْرِنَا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَمَا قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ أَيْضًا مِنْ أَنَّ السِّحْرَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ إلَّا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ مِثْلُ مَا حَكَاهُ الشِّهَابُ عَنْ الْفَخْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَا أَدْرِي صِحَّةَ ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْجَزْمَ بِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ كُفْرٌ قَوْلٌ صَحِيحٌ لِنِسْبَةِ التَّأْثِيرِ لِغَيْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا قَالَهُ مِنْ تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ الدَّاخِلِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ الدُّخُولَ كُفْرٌ، صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ مَا إنَّهُ كُفْرٌ مُخْبِرًا أَوْ مُنْشِئًا فَذَلِكَ الْأَمْرِ كُفْرٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
هَلْ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ أَوْ يَتَحَالَفَانِ، وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ
(النَّوْعُ السَّادِسُ) اخْتِلَافُهُمَا فِي الرَّهْنِ، وَالْحَمِيلِ، وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ مَعَ
نَقْدِهِمَا فَيَنْقُصُ مَعَ وُجُودِهِمَا
(النَّوْعُ السَّابِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَلْ هَذَا؛ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَدَدْته عَلَيْك بَعْدَ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ فَلَا يَزَالُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يُقِرَّ لَهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ
(النَّوْعُ الثَّامِنُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَثْمُونِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ، وَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ
(النَّوْعُ التَّاسِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ بِالْقُرْبِ مِنْ عَقْدِ السَّلَمِ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِيمَا يُشْبِهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ حَمْلًا عَلَى الْوَسَطِ مِمَّا يُشْبِهُ مِنْ سَلَمِ النَّاسِ
(النَّوْعُ الْعَاشِرُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ سَمْرَاءُ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَحْمُولَةٌ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَقَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ
(النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ) إذَا اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ صُدِّقَ مُدَّعِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنْ تَبَاعَدَ قَوْلُهُمَا، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا، وَذَلِكَ إذَا تَبَاعَدَتْ الْمَوَاضِعُ جِدًّا حَتَّى لَا يُشْبِهُ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَمِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّحَالُفُ، وَالتَّفَاسُخُ اخْتِلَافُ الْمُتَكَارِيَيْنِ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالدَّوَابِّ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ أَوْ فِي جِنْسِهَا أَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ رَبِّ الْحَائِطِ وَعَامِلِ الْمُسَاقَاتِ فِي غِلْمَانِ الْحَائِطِ، وَالدَّوَابِّ فَقَالَ الْعَامِلُ كَانُوا فِيهِ، وَأَنْكَرَ رَبُّ الْحَائِطِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي جُزْءِ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ الْعَمَلِ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْضًا اخْتِلَافُ الدَّائِنِ، وَالْمَدِينِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنَانِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ، وَالْآخَرُ بِغَيْرِ رَهْنٍ فَقَضَى أَحَدُهُمَا فِي أَنَّ الَّذِي قَضَاهُ أَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَالَ رَبُّ الدَّيْنِ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رَهْنٌ، وَقَالَ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الرَّهْنُ تَحَالَفَا، وَقُسِّمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَهَذَا إذَا ادَّعَيَا أَنَّهُمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ عِنْدَ دَفْعِ الْحَقِّ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَهُ الْمَطْلُوبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّهُ يُقَسِّمُ إذَا كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ الْحَالِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي نَوْعِ الصَّدَاقِ وَعَدَدِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَوَجَبَ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا تَنَازَعَا دَارًا لَيْسَتْ فِي أَيْدِهِمَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ إيمَانِهِمْ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ بِتَصَرُّفٍ.
وَقَوْلُهُ لَيْسَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ قَالَ هِيَ لَا تَعُدُّوهُمَا، وَقَوْلُهُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ إيمَانِهِمَا أَيْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِسَبَبِ إقْرَارِ الثَّالِثِ لَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُجَرَّدَةً عَنْ الْبَيِّنَاتِ أَوْ مَعَ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَوِيَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا كَانَتْ دَعْوَى كُلٍّ مُجَرَّدَةً أَوْ مَعَ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَوِيَةِ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ يَقْضِي لِكُلٍّ بِمُجَرَّدِ يَمِينِهِ لِوُجُودِ التَّرْجِيحِ بِالْيَمِينِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَمْ يَقُلْ مَا ذُكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا عَلَى نِسْبَةٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ هِيَ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ