الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى عَلَى الْجُبْنِ إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى عَلَى الشَّرِّ إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى عَلَى الْخَيْرِ إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى أَيُّ شَيْءٍ عَظَّمَتْهُ هَلَكَ وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَيْنِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُؤْذِي بِالْعَيْنِ وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ بِهَا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصِيدُ بِالْعَيْنِ الطَّيْرَ فِي الْهَوَى وَيَقْلَعُ الشَّجَرَ الْعَظِيمَ مِنْ الثَّرَى أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْعُدُولُ وَغَيْرُهُمْ وَآخَرُ لَا يَصِلُ بِعَيْنِهِ إلَى ذَلِكَ بَلْ التَّمْرِيضُ اللَّطِيفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ طُبِعَ عَلَى صِحَّةِ الْحَزْرِ فَلَا يُخْطِئُ الْغَيْبَ عِنْدَ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ تَجِدُ بَعْضَهُمْ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الرَّمَلِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي أَحْكَامِ النُّجُومِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الْكَتِفِ أَبَدًا، وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ السَّيْرِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ طُبِعَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُطْبَعْ عَلَى غَيْرِهِ فَمَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ لِطَلَبِ الْغَيْبِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْخَاصِّ أَدْرَكَتْهُ بِخَاصِّيَّتِهَا لَا؛ لِأَنَّ النُّجُومَ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَا الْكَتِفَ، وَلَا الرَّمَلَ، وَلَا بَقِيَّتَهَا بَلْ هِيَ خَوَاصُّ نُفُوسٍ، وَبَعْضُهُمْ يَجِدُ صِحَّةَ أَعْمَالِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ شَابٌّ فَإِذَا صَارَ كَبِيرًا فَقَدَهَا؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ نَقَصَتْ عَنْ تِلْكَ الْحِدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الشُّبُوبِيَّةِ وَقَدْ ذَهَبَتْ، وَمِنْ خَوَاصِّ النُّفُوسِ مَا يَقْتُلُ فَفِي الْهِنْدِ جَمَاعَةٌ إذَا وَجَّهُوا أَنْفُسَهُمْ لِقَتْلِ شَخْصٍ مَاتَ وَيُشَقُّ صَدْرُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ قَلْبُهُ بَلْ انْتَزَعُوهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ وَيُجَرِّبُونَ بِالرُّمَّانِ فَيَجْمَعُونَ عَلَيْهِ هِمَمَهُمْ فَلَا تُوجَدُ فِيهِ حَبَّةٌ وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَإِلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عليه السلام «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مِنْ الصَّحَابَةِ الْوَارِدِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ قَالَ وَيَرَيَانِ مَعًا تَخْصِيصَ الْقِيَاسِ، وَنَقْصَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ لِعِلَّةِ الشَّرْعِ إذَا ثَبَتَتْ تَخْصِيصًا.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الِاسْتِحْسَانُ إيثَارُك مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالتَّرَخُّصُ لِمُعَارَضَةِ مَا يُعَارَضُ بِهِ فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ، وَقَسَّمَهُ أَقْسَامًا عَدَّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، وَهِيَ تَرْكُ الدَّلِيلِ لِلْعُرْفِ، وَتَرْكُهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَتَرْكُهُ لِلْيَسِيرِ لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ، وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ وَحَدَّهُ غَيْرُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ اسْتِعْمَالُ مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ كُلِّيٍّ قَالَ فَهُوَ تَقْوِيمُ الِاسْتِدْلَالِ الْمُرْسَلِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ هُوَ أَنْ يَكُونَ طَرْحًا لِقِيَاسٍ يُؤَدِّي إلَى عُلُوٍّ فِي الْحُكْمِ وَمُبَالَغَةٍ فِيهِ فَعُدِلَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِمَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، وَهَذِهِ تَعْرِيفَاتٌ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَلَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْأَدِلَّةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ يُقَيَّدُ بَعْضُهَا، وَيُخَصَّصُ بَعْضُهَا كَمَا فِي الْأَدِلَّةِ السُّنِّيَّةِ مَعَ الْقُرْآنِيَّةِ، وَلَا يَرُدُّ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا أَصْلًا كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَرَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الِاسْتِحْسَانِ قَدْ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنْ الْقِيَاسِ، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَرْقَ فِي الْقِيَاسِ يَكَادُ يُفَارِقُ السُّنَّةَ اهـ.
الْمُرَادُ بِلَفْظِهِ مَعَ تَقْدِيمٍ، وَتَأْخِيرٍ وَقَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِتَوْضِيحِ مِنْ الْمَحَلِّيِّ، وَفَسَّرَ الِاسْتِحْسَانَ بِعُدُولٍ عَنْ الدَّلِيلِ إلَى الْعَادَةِ لِلْمَصْلَحَةِ.
وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيْ الْعَادَةَ حَقٌّ لِجَرَيَانِهَا فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ فَيُعْمَلُ بِهَا قَطْعًا، وَإِلَّا ثَبَتَتْ حَقِيقَتُهَا رُدَّتْ قَطْعًا أَيْ فَلَا تَصِحُّ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْعَلَّامَةُ الْعَطَّارُ بَلْ قَالَ فِيهِ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ بِلَفْظِهِ اهـ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ]
(الْبَابُ الرَّابِعُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ
(الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ الرُّعَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ، وَيَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَدَّعِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ أَيِّ السِّلَعِ كَانَ مِنْ دُورٍ أَوْ أَرَضِينَ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ مُقَارَضَةٍ أَوْ جُعْلٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ تَسَلُّفٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلثَّوَابِ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ حَبْسٍ أَيْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ سُكْنَى أَوْ خُدَّامٍ أَوْ صَدَاقٍ أَوْ صُلْحٍ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فِي عَمْدٍ، وَخَطَأٍ أَوْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ تَبَرٍّ مِنْ عَيْبٍ أَوْ رَضِيَ بِهِ بَعْد الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ تَبَرٍّ أَوْ وَكَالَةٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَكُونُ مَالًا أَوْ يَئُولُ إلَى مَالٍ فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا، وَحَلَفَ مَعَهُ أَخْذًا مَا يَدَّعِي، وَيَثْبُتُ فِي الْقَتْلِ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْقَسَامَةِ اهـ.
قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَكُونُ فِي الْمُشَاتَمَةِ مَا عَدَا الْحُدُودَ فِي الْفِرْيَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَكَالَةِ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ وَهْبٍ أَوْ لَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِمَا بَاشَرَتْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَكِنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ الْمَالَ فَأَجَازُوا فِي ذَلِكَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ
الْحَدِيثَ، إشَارَةً إلَى تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَالْخَلْقِ وَالسَّجَايَا وَالْقُوَى كَمَا أَنَّ الْمَعَادِنَ كَذَلِكَ.
(الْحَقِيقَةُ التَّاسِعَةُ) الرُّقَى وَهِيَ أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ يَحْدُثُ عِنْدَهَا الشِّفَاءُ مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْأَسْبَابِ الْمُهْلِكَةِ، وَلَا يُقَالُ لَفْظُ الرُّقَى عَلَى مَا يُحْدِثُ ضَرَرًا بَلْ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ السِّحْرُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَرُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمَا وَرُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّقَى بِالْعَجَمِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُحَرَّمٌ وَقَدْ نَهَى عُلَمَاءُ مِصْرَ عَنْ الرُّقْيَةِ الَّتِي تُكْتَبُ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ الْأَعْجَمِيِّ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِهَا عَنْ الْخُطْبَةِ وَيَحْصُلُ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مَفَاسِدُ.
(الْحَقِيقَةُ الْعَاشِرَةُ) الْعَزَائِمُ وَهِيَ كَلِمَاتٌ يَزْعُمُ أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام لَمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُلْكَ وَجَدَ الْجَانَّ يَعْبَثُونَ بِبَنِي آدَمَ وَيَسْخَرُونَ بِهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَخْطَفُونَهُمْ مِنْ الطُّرُقَاتِ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ الْجَانِّ مَلَكًا يَضْبِطُهُمْ عَنْ الْفَسَادِ فَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَلَى قَبَائِلِ الْجِنِّ فَمَنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَادِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَأَلْزَمَهُمْ سُلَيْمَانُ عليه السلام سُكْنَى الْقِفَارِ وَالْخَرَابِ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ الْعَامِرِ لِيَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِمْ فَإِذَا عَثَا بَعْضُهُمْ، وَأَفْسَدَ ذَكَرَ الْمُعَزِّمُ كَلِمَاتٍ تُعَظِّمُهَا تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَسْمَاءً أُمِرَتْ بِتَعْظِيمِهَا، وَمَتَى أُقْسِمَ عَلَيْهَا بِهَا أَطَاعَتْ، وَأَجَابَتْ وَفَعَلَتْ مَا طُلِبَ مِنْهَا فَالْمُعَزِّمُ يُقْسِمُ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فَلِذَلِكَ شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاعْتَبَرَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يُجِيزَا ذَلِكَ فِيهِمَا، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَى غَائِبٍ فِي وَكَالَةِ شَاهِدِ فَرَوَى أَنَّهُ يُحَلِّفُ الْوَكِيلَ، وَتَثْبُتُ وَكَالَتُهُ، وَالْأَكْثَرُ وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَلْزَمُ مَنْ أَجَازَ شَهَادَةً لِلنِّسَاءِ عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ أَنْ يُجِيزَ شَاهِدًا أَوْ يَمِينًا عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ.
وَزَادَهُ الْقَرَافِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ مِنْ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةٌ الْأَمْوَالُ وَالْكَفَالَةُ وَالْقِصَاصُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَالْخُلْطَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي التَّحْلِيفِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَأَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ بِهِمَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْوَلَاءُ، وَالْأَحْبَاسُ، وَالْوَصَايَا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ، وَاللَّوْثُ، وَالْقَذْفُ، وَالْإِيصَاءُ، وَتَرْشِيدُ السَّفِيهِ، وَنَقْلُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَالْمَوَاضِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا خَمْسَةٌ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَالتَّجْرِيحُ، وَالتَّعْدِيلُ، وَنِكَاحُ امْرَأَةٍ قَدْ مَاتَتْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ شَاهِدٌ أَوْ أَنَّ أَحَدَ الْوَارِثِينَ مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ.
وَيَثْبُتُ الْمِيرَاثُ أَوْ لَا؟ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُورَثُ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَأَشْهَبُ يَمْنَعُ لِتَرْتِيبِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَيَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ عَلَى مَوْضِعَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ
(الْأَوَّلُ) قَبُولُهُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي الْقِصَاصِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهَا يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِالْمَالِ فِي بَعْض الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ إلْغَاءٌ لِلْأَصْلِ، وَاعْتِبَارٌ لِلطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ فِي النَّفْسِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا.
(وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي) عَدَمُ قَبُولِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي الْأَحْبَاسِ مَعَ أَنَّهَا مَنَافِعُ، وَلَا فِي الْوَلَاءِ، وَمَآلُهُ إلَى الْإِرْثِ، وَهُوَ مَالٌ، وَلَا فِي الْوَصَايَا وَهِيَ مَالٌ، وَلَا فِي تَرْشِيدِ السَّفِيهِ الَّذِي يَئُولُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَالٌ بَلْ الْمَالُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَقْرَبُ مِنْ الْمَالِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ يُبِيحُ الْقِصَاصَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْغَالِبُ إذْ مَتَى يَقَعُ الصُّلْحُ فِيهَا، وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ مَا مَآلُهُ إلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ، وَكُلُّ مَا لَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ لَا يَثْبُتُ بِهَا فَعَدَمُ قَبُولِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُشْكِلٌ كَقَبُولِهَا فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْحَبْسِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهُنَّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ اهـ نَعَمْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْوَلَاءُ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ مَوْلَاهُ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَلَا الْوَلَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَلَاءَ قَالَ وَقَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ عَلَى مَا هُوَ مَالٌ تَئُولُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهَا تَبَعًا.
وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَالِ تُؤَدِّي إلَى الطَّلَاقِ مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا فَيَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَسْتَحِقُّهَا، وَيَكُونُ فِرَاقًا وَمِنْهَا أَنْ يُقِيمَ الْمُكَاتَبُ شَاهِدًا عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَتِمُّ الْعِتْقُ وَمِنْهَا مَا لَوْ ثَبَتَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الْعِتْقُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الدَّيْنُ وَمِنْهَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ رَجُلًا ظَاهِرَ الْحُرِّيَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي مَنْ يَسْتَحِقُّ رَقَبَةَ الْمَقْذُوفِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَيُسْقِطُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدَّ وَمِنْهَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ مُكَاتَبًا فَيَأْتِي الْمُكَاتَبُ بِشَاهِدٍ أَنَّهُ أَدَّى كِتَابَتَهُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ فَيَجِبُ الْحَدُّ لِتَمَامِ الْعِتْقِ اهـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ يَتَصَرَّفُ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ فَانْظُرْهُ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ
فَيُحْضِرُ لَهُ الْقَبِيلَ مِنْ الْجَانِّ الَّذِي طَلَبَهُ أَوْ الشَّخْصَ مِنْهُمْ فَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا الْبَابَ إنَّمَا دَخَلَهُ الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ ضَبْطِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ لَا يُدْرَى وَزْنُ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا يُشَكُّ فِيهِ هَلْ هُوَ بِالضَّمِّ أَوْ الْفَتْحِ أَوْ الْكَسْرِ وَرُبَّمَا أَسْقَطَ النُّسَّاخُ بَعْضَ حُرُوفِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَخْتَلُّ الْعَمَلُ فَإِنَّ الْمُقِيمَ لَفْظٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُهُ ذَلِكَ الْمَلِكُ فَلَا يُجِيبُ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُعَزِّمِ، هَذِهِ حَقِيقَةُ الْعَزَائِمِ.
(الْحَقِيقَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الِاسْتِخْدَامَاتُ وَهِيَ قِسْمَانِ الْكَوَاكِبُ وَالْجَانُّ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْكَوَاكِبِ إدْرَاكَاتٍ رُوحَانِيَّةٍ فَإِذَا قُوبِلَتْ الْكَوَاكِبُ بِبَخُورٍ خَاصٍّ وَلِبَاسٍ خَاصٍّ عَلَى الَّذِي يُبَاشِرُ الْبَخُورَ وَرُبَّمَا تَقَدَّمَتْ مِنْهُ أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرْعِ كَاللِّوَاطِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا الْكَوَاكِبَ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ فَيُنَادِيهِ بِلَفْظِ الْإِلَهِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْمَوْضُوعَةِ فِي كُتُبِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ مَعَ الْبَخُورِ مَعَ الْهَيْئَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ كَانَتْ رُوحَانِيَّةُ ذَلِكَ الْكَوَاكِبِ مُطِيعَةً لَهُ مَتَى أَرَادَ شَيْئًا فَعَلَتْهُ لَهُ عَلَى زَعْمِهِمْ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مُلُوكِ الْجَانِّ عَلَى زَعْمِهِمْ إذَا عَمِلُوا لَهُمْ تِلْكَ الْأَعْمَالَ الْخَاصَّةَ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْ الْمُلُوكِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَزْعُمُونَ بِالِاسْتِخْدَامِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْحَقِيقَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ الِاسْتِخْدَامَاتُ) إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ قُلْتُ لَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ حِكَايَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَهَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
حَيْثُ قُلْنَا يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَهَلْ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّاهِدِ فَقَطْ، وَالْيَمِينُ كَالِاسْتِظْهَارِ، وَالْيَمِينُ كَشَهَادَتَانِ فِيهِ خِلَافٌ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ الْخِلَافِ إذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ هَلْ يَغْرَمُ الْحَقَّ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ اهـ بِلَفْظِهِ.
(التَّنْبِيهُ الثَّانِي) حَيْثُ يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ أَوْ أَمَةٍ لَك يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ بِإِصْلَاحٍ.
(الْوَصْلُ الثَّانِي) الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَبَالَغَ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ أَنْ حَكَمَ بِهِ قَائِلًا هُوَ بِدْعَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ لَنَا وُجُوهٌ:
(الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ، وَرُوِيَ فِي الْمَسَانِيدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَضَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ.
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَقَوِيَ
جَانِبُهُ، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِشَاهِدِهِ.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ إذَا رَجَّحَ جَانِبُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) قِيَاسُ الشَّاهِدِ عَلَى الْيَدِ.
(الْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَكَمَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ فَيَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ لِدُخُولِهَا فِي اللِّعَانِ دُونَ الْمَرْأَتَيْنِ.
(الْوَجْهُ السَّابِعُ) قَوْلُهُ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْبَيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يُبَيِّنُ الْحَقَّ.
(الْوَجْهُ الثَّامِنُ) قَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَهَذَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا
(فَالْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَحَصَرَ الْمَشْرُوعَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينُ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ فِي الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ زِيَادَةٌ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ تُمْنَعُ أَنَّهُ نُسِخَ لِأُمُورٍ:(الْأَوَّلِ) النَّسْخُ الرَّفْعُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ شَيْءٌ، وَارْتِفَاعُ الْحَصْرِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ يَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ تُرَجَّحُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا.
(الثَّانِي) أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وَالشَّرْعُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ لِلتَّحَمُّلِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ فَالْحَصْرُ فِي التَّحَمُّلِ بَاقٍ، وَلَا نَسْخَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. (الثَّالِثِ) أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَجَمِيعَ الْأَمْنَاءِ، وَالْقَسَامَةَ وَاخْتِلَافَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَيَنْتَقِضُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِالنُّكُولِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي)«قَوْلُهُ عليه السلام لِحَضْرَمِيٍّ ادَّعَى عَلَى كِنْدِيٍّ: شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَلَمْ يَقُلْ شَاهِدَاك، وَيَمِينُك وُجُوبُهُ أَنَّ الْحَصْرَ لَيْسَ مُرَادًا بِدَلِيلِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءٌ يَخْتَصِرُ بِاثْنَيْنِ لِخُصُوصِ حَالِهِمَا فَيَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعُ، وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ تِلْكَ الصِّفَةُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا شَاهِدَانِ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُبَيِّنُوا أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ مِمَّا قُلْنَا نَحْنُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ.
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَحَصَرَ الْبَيِّنَةَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ
وَأَنَّهُ خَاصٌّ بِرُوحَانِيَّاتِ الْكَوَاكِبِ، وَمُلُوكِ الْجَانِّ وَشُرُوطُ هَذِهِ الْأُمُورِ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْكُفْرُ فَلَا جَرَمَ لَا يَشْتَغِلُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مُفْلِحٌ، وَهَاهُنَا قَدْ انْتَهَى الْعَدَدُ إلَى أَحَدَ عَشَرَ وَكَانَ أَصْلُهُ عَشَرَ بِسَبَبِ أَنَّ أَحَدَ بَعْضِ الْخَوَاصِّ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَاخْتَلَفَ الْعَدَدُ لِذَلِكَ.
وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) . قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُلَخَّصِ: السِّحْرُ وَالْعَيْنُ لَا يَكُونَانِ مِنْ فَاضِلٍ، وَلَا يَقَعَانِ وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السِّحْرِ الْجَزْمَ بِصُدُورِ الْأَثَرِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَعْمَالِ مِنْ شَرْطِهَا الْجَزْمُ وَالْفَاضِلُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعُلُومِ يَرَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُوجَدَ وَأَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا يَصِحُّ لَهُ عَمَلٌ أَصْلًا، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فَرْطِ التَّعْظِيمِ لِلْمَرْئِيِّ وَالنُّفُوسُ الْفَاضِلَةُ لَا تَصِلُ فِي تَعْظِيمِ مَا تَرَاهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ السِّحْرُ إلَّا مِنْ الْعَجَائِزِ وَالتُّرْكُمَانِ أَوْ السُّودَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السِّحْرُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَقَدْ يَمُوتُ الْمَسْحُورُ أَوْ يَتَغَيَّرُ طَبْعُهُ وَعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنْ وَصَلَ إلَى بَدَنِهِ كَالدُّخَانِ وَنَحْوِهِ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ، وَإِلَّا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى آخِرِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْفَخْرِ) قُلْتُ: لَا كَلَامَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ، وَمَا قَالَهُ الْفَخْرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ سَقَمِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ صَحِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي جِهَةِ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ مَحْصُورٌ فِي خَبَرِهِ، وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَلَمْ تَبْقَ يَمِينٌ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي.
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ نَقْلُ الْبَيِّنَةِ لِلْمُنْكِرِ تَعَذَّرَ نَقْلُ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي، وَجَوَابُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَى الْمُنْكِرِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَيْهِ هِيَ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ هِيَ الْجَالِبَةُ فَهِيَ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَصْرُ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ تَحْوِيلًا مِنْ يَمِينِ الْمُنْكِرِ بَلْ إثْبَاتٌ لِيَمِينٍ أُخْرَى بِالسُّنَّةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَمَّا تَتَحَوَّلُ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَتَحَوَّلْ الْيَمِينُ مَعَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ كَانَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَعَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالَيْنِ.
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّاهِدِ كَأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ، وَلَجَازَ إثْبَاتُ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّقْدِيمِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ لِتَقْوِيَةِ جِهَةِ الشَّاهِدِ فَقَبْلَهُ لَا قُوَّةَ فَلَا تَدْخُلُ، وَلَا تُشْرَعُ وَشُرِعَ الشَّاهِدَانِ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعَ الضَّعْفِ.
(وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) الْقِيَاسُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ، وَلَا نَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ بِحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ قِيَامِ شَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لَنَا وُجُوهٌ
(الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ عليه السلام «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا فَمَنْ قَالَ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَيَنْحَصِرُ الثُّبُوتُ فِيهَا عَمَلًا بِالْمَفْهُومِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فِي تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُ الْأَبْدَانِ بِهَا فَلَا تَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ.
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّهَا ادَّعَى عَلَيْهَا فَتُنْكِرُ فَيُحَلِّفُهَا فَتَنْكُلُ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّهَا بِتَوَاطُؤٍ مِنْهُمَا.
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكْرَهُ زَوْجَهَا فَتَدَّعِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُحَلِّفُهُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ.
وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا: (فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ) قَضِيَّةُ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، وَهِيَ فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ فِيهَا عليه السلام «تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا» ، وَجَوَابُهُ وَالْأَيْمَانُ تَثْبُتُ بَعْدَ اللَّوْثِ، وَهُوَ وُجُودُهُ مَطْرُوحًا بَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَعْدَاؤُهُ، وَغَلُظَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي الْمَقِيسِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ نَادِرٌ فِي الْخَلَوَاتِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ فَغَلُظَ أَمْرُهُ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَحْلِفُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَانْحَسَمَتْ الْمُدَّةُ.
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ بِيَمِينِ الزَّوْجِ، وَنُكُولُهَا عَنْ الْيَمِينِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ اللِّعَانَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِهَا وَضَرُورَةِ الْأَزْوَاجِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَحِفْظِ النَّسَبِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّرُورَاتِ، وَخَطَرِ الْبَابِ.
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْتَ بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةٌ فَقَالَ لَهُ عليه السلام اللَّهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً