الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا، وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي الْعَادَةِ مُشَاهَدٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينُ فَصَارَتْ هِيَ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّائِبَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا) قُلْتُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِقُدْرَتِهَا عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ. قَالَ: (وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ مُشَاهَدَةٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ) قُلْتُ لَيْسَ تَأْثِيرُ الْحَيَوَانِ بِمُشَاهَدٍ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لَا غَيْرُ.
قَالَ (وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا ذَلِكَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ) قُلْتُ ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينَ فَصَارَتْ هَذِهِ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ) قُلْتُ هُوَ كَمَا قَالَ مَوْضِعُ نَظَرٍ. قَالَ: (وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّابِئَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَا يُوجِبُ الشَّكَّ وَكَذَا يَلْزَمُهُ إنْ قَالَ إنْ قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ قَالَ
سَحْنُونٌ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ لَزِمَهُ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا شَيْئًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ، وَمَسَائِلُ هَذَا النَّوْعِ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا.
وَالشُّكْرُ مِثْلُ قَوْلِهِ اشْهَدُوا أَنِّي قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ قَضَائِي جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَقَالَ الدَّافِعُ إنَّمَا أَسْلَفْتهَا لَهُ فَاَلَّذِي قَالَ أَسْلَفْتهَا لَهُ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَاضَاهُ فِي دَيْنِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ هُوَ أَيْ الْآخَرُ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لِقَوْمٍ صُدُقٍ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّلَفِ وَقَضَائِهِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ، وَالثَّنَاءِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا طَالَ زَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا وَقْتُهُ قَرِيبٌ أَخَذَ بِإِقْرَارِهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ عِنْدَ قَوْمٍ فِي مَسَاقِ حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُمْ أَوْ شُكْرٍ شَكَرَ بِهِ أَحَدًا فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ لِمَا قَدَّمَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ قَدْ أَسْلَفْته كَمَا ذَكَرَ وَلَمْ أَقْبِضْ، وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ قَضَيْته، وَإِنَّمَا ذَكَرْت إحْسَانَهُ إلَيَّ، وَأَثْنَيْت عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْمُقِرُّ بِهِ إذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ فَإِنْ جَهِلُوا وَشَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى جِهَتِهِ وَكَانَ سَاقَهُ لَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ، وَهَكَذَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ فَأَسَاءَ تَقَاضِي ذَلِكَ لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَقَدْ دَفَعْته لَهُ فَقَالَ الْآخَرُ مَا تَقَاضَيْت مِنْك شَيْئًا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ الدِّينَارَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي كَالْمُقِرِّ عَلَى الشُّكْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ أَسْلَفَنِي فُلَانٌ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَضَيْته إيَّاهَا أَنَّهُ مُصَدَّقٌ، وَلَوْ قَالَهَا عِنْدَ سُلْطَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ جَرَّهُ الْحَدِيثُ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ الشُّكْرِ، وَالذَّمِّ فَلَا يَأْخُذُ بِهِ أَحَدٌ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ، وَالِاعْتِذَارُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلسُّلْطَانِ فِي الْجَارِيَةِ وَلَدْت مِنِّي أَوْ الْعَبْدُ مُدَبَّرٌ لِئَلَّا يَأْخُذَهُمَا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ مَنْزِلًا فَقَالَ هُوَ لِزَوْجَتِي ثُمَّ سَأَلَهُ فِيهِ ثَانٍ، وَثَالِثٌ مَنْ بَنِي عَمِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا قُلْته اعْتِذَارٌ قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ لَهَا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سُئِلَ أَنْ يَكْرِيَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ وَهُوَ لِابْنَتِي حَتَّى أُشَاوِرَهَا ثُمَّ مَاتَ فَقَامَتْ الِابْنَةُ فِيهِ قَالَ لَا يَنْفَعُهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَازَتْ ذَلِكَ، وَلَهَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالْحِيَازَةِ بَيِّنَةٌ قِيلَ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً قَالَ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ بِهَذَا يُرِيدُ مَنْعُهُ، وَفِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ، وَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ هُوَ لِفُلَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْإِقْرَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَهَبْته أَوْ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالرَّافِعُ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَعْقُبُهُ بِمَا يُبْطِلُهُ، وَيَرْفَعُ حُكْمَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُ الْمُقِرُّ لَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَالَ ابْنُ شَاسٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُقِرُّ لَهُ بَلْ هِيَ ثَمَنُ بُرٍّ فَيَلْزَمُ يَمِينُ الطَّالِبِ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ بِتَصَرُّفٍ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ.
[الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ]
(الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ. (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَفِي قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ، وَالْقَتْلُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ لِمَالِكٍ، وَالْمَنْعُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْجَوَازُ فِي الْجِرَاحِ دُونَ الْقَتْلِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَعَلَى الْجَوَازِ فَإِنَّمَا تَجُوزُ بِأَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْقِلُ الشَّهَادَةَ
(الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ
وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ السَّاحِرُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْفُتْيَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ بَعْدَ عَمَلِ هَذِهِ الْعَقَاقِيرِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ) قُلْتُ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ التَّفْصِيلِ، وَأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا كُفْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ السِّحْرِ كُفْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَذَلِكَ كُفْرٌ بِالْوَضْعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ: (وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ إلَى قَوْلِهِ خِلَافُ الْوَاقِعِ) قُلْتُ إذَا ثَبَتَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ شَرْطِ الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَعْمَلَ سِحْرًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيمَانُهُ إمَّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ كَانَ السِّحْرُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ الْمَمَالِيكِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ مَنْ يَشْهَدُ.
(الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا ذَكَرَيْنِ نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازُ قَبُولِ شَهَادَةِ إنَاثِ الْأَحْرَارِ اعْتِبَارًا بِالْبَالِغَاتِ فِي كَوْنِهَا لَوْثًا فِي الْقَسَامَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
(الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا لَهُمَا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقْبَلُ فِي قِتَالٍ، وَلَا فِي جِرَاحٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا دَعَتْ لِإِجْمَاعِ الصِّبْيَانِ لِأَجْلِ الْكُفَّارِ نَعَمْ قِيلَ تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ ضَعِيفَةٌ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى أَضْعَفِ الْأَمْرَيْنِ
(الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الصِّبْيَانِ لَا لِكَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ، وَلَا صَغِيرٍ عَلَى كَبِيرٍ
(السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُ حَالُهُمْ أَتَمَّ مِنْ الْكِبَارِ
(السَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ قَبْلَ تُفَرِّقْهُمْ لِئَلَّا يُلَقِّنَ الْكَذِبَ
(الثَّامِنُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ مُتَّفِقَةً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ
(التَّاسِعُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ لَا فِي الْأَمْوَالِ
(الْعَاشِرُ) أَنْ لَا يَحْضُرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْكِبَارِ فَمَتَى حَضَرَ كِبَارٌ فَشَهِدُوا سَقَطَ اعْتِبَارُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ كَانَ الْكِبَارُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ تَجُوزُ فِي الْخَطَأِ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ
(الْحَادِي عَشَرَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْجَسَدِ الْمَشْهُودِ بِقَتْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ مُؤَلِّفُ الْبَيَانِ، وَالْقَرِيبُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى رُؤْيَةِ الْجَسَدِ الْمَقْتُولِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى رُجُوعِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ بَلْ، وَلَوْ بَلَغُوا، وَشَكُّوا أُخِذَ بِقَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ نَعَمْ إنْ قَالُوا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَى بِهَا لَمْ يَقْضِ بِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّبْيَانِ الْعَدَالَةُ وَالْجَرْحُ، وَاخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَالَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَرِيبِ الْعَدُوِّ وَأَجَازَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَيَجُوزُ مَعَ الْقَرَابَةِ
(مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى) سِتَّةٌ صِبْيَةٌ فِي الْبَحْرِ غَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَلَزِمَتْ الدِّيَةُ عَوَاقِلَهُمْ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ مِنْ الصِّبْيَانِ فِي شَجَّةٍ هَلْ شَجَّهَا فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ سَقَطَتَا لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَنْفِي مَا يُثْبِتُهُ الْآخَرُ، وَأَرْشُ الشَّجَّةِ عَلَى جَمَاعَةِ الصِّبْيَانِ اهـ بِتَصَرُّفٍ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ
(الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ، وَفِي الْأَصْلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْجَوَازُ لِعِلَّةِ الِاضْطِرَارِ إذْ لَوْ أَهْمَلُوا الْأَذَى ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ كَبِيرٍ، وَهَدَرِ جِنَايَاتٍ تَعْظُمُ، وَدَلِيلُهُ وَجْهَانِ
(الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَاجْتِمَاعُ الصِّبْيَان لِلتَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ أَعْظَمِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَكُونُوا كِبَارًا أَهْلًا لِذَلِكَ، وَيَحْتَاجُونَ فِي ذَلِكَ لِحَمْلِ السِّلَاحِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمْ كَبِيرٌ، وَهَدَرُ دِمَائِهِمْ لَا يَجُوزُ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْغَالِبُ مَعَ تِلْكَ الشُّرُوطِ الصِّدْقُ، وَنُدْرَةُ الْكَذِبِ فَتُقَدَّمُ الْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ عَلَى الْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ لِأَنَّهُ دَأْبُ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ضَرُورَةً
(الْوَجْهُ الثَّانِي) إنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُرْوَةُ وَرَبِيعَةُ وَمُعَاوِيَةُ