الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي، وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ إنَّمَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ قَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا أَوْ شَهِدْتُ بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَكُونُ هَذَا أَدَاءَ شَهَادَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا مُخْبِرٌ عَنْ أَمْرٍ تَقَدَّمَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا مَنَعَ مِنْ الشَّهَادَةِ بِهِ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ حُدُوثِ رِيبَةٍ لِلشَّاهِدِ تَمْنَعُ الْأَدَاءَ فَلَا يَجُوزُ لِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الِاعْتِمَادُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فَالْخَبَرُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْأَخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا، وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
مُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ إنَّمَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ) .
قُلْت هَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يَفْهَمُ مُقْتَضَى الْكَلَامِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَنْ يَقُولُ لِلْقَاضِي أَنَا أُخْبِرُك بِأَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا مُخْبِرًا لِلْقَاضِي أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا بَلْ مُخْبِرًا بِأَنَّهُ مُخْبِرٌ وَهَلْ الْعِبَارَةُ عَنْ إخْبَارِهِ عَنْ الْخَبَرِ إلَّا عَيْنَ تِلْكَ، وَهِيَ أَنَا مُخْبِرُك أَنِّي مُخْبِرُك لَا أَنَا مُخْبِرُك بِكَذَا، هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لَا يَفُوهُ بِهِ مَنْ يَفْهَمُ شَيْئًا مِنْ مُضَمَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمُقْتَضَى مَسَاقِهَا قَالَ (فَظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ) قُلْت لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ أَصْلًا وَلَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ قَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا أَوْ شَهِدْت بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَكُونُ هَذَا أَدَاءَ شَهَادَةٍ إلَى قَوْلِهِ فَالْخَبَرُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ) قُلْت إذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الشَّاهِدِ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي لَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ شَهَادَةً فَلَا أَدْرِي بِأَيِّ لَفْظٍ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ وَمَا هَذَا كُلُّهُ إلَّا تَخْلِيطٌ وَوَسْوَاسٌ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ قَالَ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْأَخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا) قُلْت يَا لِلْعَجَبِ وَهَلْ إنْشَاءُ الْأَخْبَارِ إلَّا الْإِخْبَارَ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) قُلْت مِنْ هُنَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَهْمُ وَهُوَ أَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِنْشَاءِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَجْعُولُ لِمُتَوَلِّيهَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ قِيَامِهِ بِهَا لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ بِسَبَبِهِ مُقَصِّرًا عَادَةً، وَالْمُدَّةُ مَعَ ذَلِكَ يَسِيرَةٌ عُرْفًا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ فِي جَوَابٍ لَهُ مَذْكُورٍ فِي الْمِعْيَارِ، وَنَصُّهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا كُلُّ مَنْ جُعِلَ لَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى قِرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمُرَتَّبَ كَالْأَجِيرِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقُومُ بِحَقِّ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا عَطَّلَ مُدَّةً يَسِيرَةً كَخُرُوجِهِ إلَى ضَيْعَتِهِ، وَتَفَقُّدِ شُئُونِهِ أَوْ يَمْرَضُ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأُجْرَةُ اهـ.
وَمَثَّلَ لِلْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ فِي جَوَابٍ لَهُ آخَرَ مَذْكُورٍ فِيهِ أَيْضًا بِالْجُمْلَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ اُنْظُرْ الْقَوْلَ الْكَاشِفَ اهـ.
بِلَفْظِهَا، وَقَدْ قَدَّمْت فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةِ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْإِقْنَاعِ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ جَوَازُ اسْتِنَابَةِ الْأَجِيرِ فِي مِثْلِ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ، وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَا اُسْتُنِيبَ فِيهِ فَلَا تَغْفُلْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق مَا نَصَّهُ ابْنُ يُونُسَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْوَكَالَةِ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] وَقَوْلُهُ {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَالْأَوْصِيَاءُ كَالْوُكَلَاءِ، وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَجَعَلَ وَكِيلُهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ فَبَاعَ وَاحِدَةً بِدِينَارٍ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَرَكَةِ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالَةِ لِلْمَرِيضِ وَالْغَائِبِ وَالْحَاضِرُ مِثْلُ ذَلِكَ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ]
(الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ) أَقُولُ هَذَا الْفَرْقُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ.
وَقَدْ وَضَّحْته هُنَاكَ أَتَمَّ تَوْضِيحٍ، وَضَمَمْت مَا زَادَهُ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَلَمْ أَذْكُرْهَا هُنَاكَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ يَوْمَ الْغَصْبِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَأَنَّ صَدَاقَ الْمِثْلِ يَجِبُ لِلْمَوْطُوءَةِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوَّلَ يَوْمِ الشُّبْهَةِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَحُجَّتُنَا فِي الْغَصْبِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ:(الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
فَإِذَا قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ عِنْدَك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ إنْشَاءً، وَلَوْ قَالَ شَهِدْت لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً عَكْسُهُ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ أَبِيعُك لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ بَلْ إخْبَارَتُهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ بَيْعٌ بَلْ وَعْدٌ بِالْبَيْعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك كَانَ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ فَالْإِنْشَاءُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمُضَارِعِ، وَفِي الْعُقُودِ بِالْمَاضِي، وَفِي الطَّلَاقِ بِالْمَاضِي، وَاسْمُ الْفَاعِلِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَا يَقَعُ الْإِنْشَاءُ فِي الْبَيْعِ، وَالشَّهَادَةِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا شَاهِدٌ عِنْدَك بِكَذَا، وَأَنَا بَائِعُك بِكَذَا لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً، وَسَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الْوَضْعُ الْعُرْفِيُّ فَمَا وَضَعَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لِلْإِنْشَاءِ كَانَ إنْشَاءً، وَمَا لَا فَلَا فَاتَّفَقُوا أَنَّهُمْ وَضَعُوا لِلْإِنْشَاءِ الْمَاضِيَ فِي الْعُقُودِ وَالْمُضَارِعَ فِي الشَّهَادَةِ وَاسْمَ الْفَاعِلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةً لِلْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ صَحَّ مِنْ الْحَاكِمِ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْمُضَارِعِ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِ الصَّرِيحِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ مِنْهُ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَوَائِدَ تَغَيَّرَتْ.
وَصَارَ الْمَاضِي مَوْضُوعًا لِإِنْشَاءِ الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْخَبَرُ وَأَطْلَقَ لَفْظَ الْإِنْشَاءِ عَلَى قَسِيمِ الْخَبَرِ ثُمَّ تَخَيَّلَ أَنَّهُ أَطْلَقَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَحَكَمَ بِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي الْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْخَبَرِ وَغَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءُ الْخَبَرِ وَأَنْ يَكُونَ وَعْدًا بِأَنَّهُ يَشْهَدُ عِنْدَهُ لَا أَعْلَمُ لَهُ مَا الْخَبَرُ.
قَالَ (فَإِذَا قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ عِنْدَك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ إنْشَاءً) قُلْت وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا بِأَنَّهُ سَيَشْهَدُ عِنْدَهُ لَا أَعْلَمُ لَهُ مَانِعًا إلَّا التَّحَكُّمَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ لَفْظِ الْخَبَرِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ قَالَ (وَلَوْ قَالَ شَهِدْت لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً عَكْسُهُ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ أَبِيعُك لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَنَا شَاهِدٌ عِنْدَك بِكَذَا أَوْ أَنَا بَائِعُك بِكَذَا لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً) قُلْت لَقَدْ كَلَّفَ هَذَا الرَّجُلَ نَفْسَهُ شَطَطًا وَأَلْزَمَهَا مَا لَمْ يُلْزِمْهَا كَيْفَ وَهُوَ مَالِكِيٌّ وَالْمَالِكِيَّةُ يُجِيزُونَ الْعُقُودَ بِغَيْرِ لَفْظٍ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ لَفْظٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ يَشْتَرِطُونَ مُعَيِّنَاتِ الْأَلْفَاظِ قَالَ (وَسَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الْوَضْعُ الْعُرْفِيُّ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَرْقِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مُسَلَّمٌ وَصَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ أَرَادَ الشَّهَادَةَ بِالْإِنْشَاءِ لَا بِالْخَبَرِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْهُ الْغَلَطُ وَالْوَهْمُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فِي قَوْلِهِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» قَدْ رَتَّبَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَدِ فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَا أَخَذَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ قَوْلُنَا: عَلَى الزَّانِي الرَّجْمُ، وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ عَلَى سَبَبِيَّةِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ سَبَبًا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَا ذُكِرَ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ الْفِقْهِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ فَيَتَرَتَّبُ حِينَ وَضْعِ الْيَدِ لَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمَضْمُونُ لَا يُضْمَنُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا كَمَا لَا تُضْمَنُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ لَا يُضْمَنُ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ يَوْمِ الْغَصْبِ، وَحُجَّتُنَا فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ إمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَإِمَّا لِأَنَّ الصَّدَاقَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى.
وَالْأَصْلُ عَدَمُ انْتِقَالِهِ، وَمَا قَالَ أَحَدٌ بِوُجُوبِ صَدَاقَيْنِ، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا فَقَالَ تُعْتَبَرُ فِي الْمَغْصُوبِ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَعْلَى الْقِيَمِ، وَيُعْتَبَرُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَعْلَى الرُّتَبِ فَيَجِبُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي أَشْرَفِ أَحْوَالِهَا كَمَا يَجِبُ أَعْلَى الْقِيَمِ فِي الْغَصْبِ، وَوَافَقَهُ فِي تَضْمِينِ أَعْلَى الْقِيَمِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الْأَصْحَابِ اعْتَبَرُوا الْأَخْذَ بِأَرْفَعِ الْقِيَمِ فِي حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ حَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَخْذَ أَرْفَعِ الْقِيَمِ إذَا حَالَتْ الْأَسْوَاقُ وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَعْتَبِرْ التَّضْمِينَ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ كَمَا عَلِمْت، وَقَدْ يُفَرَّقُ لَهُ بَيْنَ حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَزِيَادَةُ صِفَاتِ السِّلَعِ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ وَالْأَسْوَاقَ رَغَبَاتُ النَّاسِ، وَهِيَ بَيْنَ النَّاسِ خَارِجَةٌ عَنْ السِّلَعِ فَلَا تُضْمَنُ بِخِلَافِ زِيَادَةِ صِفَاتِهَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ:(مِنْهَا) مَا إذَا غَصَبَهَا ضَعِيفَةً مُشَوَّهَةً مَعِيبَةً بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعُيُوبِ فَزَالَتْ تِلْكَ الْعُيُوبُ عِنْدَهُ فَعِنْدَنَا الْقِيمَةُ الْأُولَى، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا أَعْلَى، وَعَلَى مَذْهَبِهِ لَوْ تَعَلَّمَ الْعَبْدُ صَنْعَةً ثُمَّ نَسِيَهَا ضَمِنَهَا الْغَاصِبُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِوُجُوهٍ:(الْأَوَّلُ) بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ فَمَا لَمْ يَرُدَّهَا يَكُونُ غَاصِبًا لَهَا فَيَضْمَنُهَا.
(الثَّانِي) أَنَّ الزِّيَادَةَ نَشَأَتْ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ مِلْكَهُ، وَيَدُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا فَتَكُونُ مَغْصُوبَةً فَيَضْمَنُ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ ظَالِمٌ، وَالظُّلْمُ عِلَّةُ الضَّمَانِ فَيَضْمَنُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُسَلَّمَةً إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ، وَلَا مِنْ الظُّلْمِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا الضَّمَانُ لِعَدَمِ نَصْبِهَا شَرْعًا سَبَبًا لَهُ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ تَفْتَقِرُ إلَى نَصْبٍ شَرْعِيٍّ، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرْعِ إنَّمَا اقْتَضَى