الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّهُ أَيْمَانٌ وَالْأَيْمَانُ لَا تَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَلَوْ وَجَبَ لِجَمَاعَةٍ أَيْمَانٌ لَمْ تَتَدَاخَلْ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَلَوْ غَلَبَ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَمْ يَتَدَاخَلْ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَا لَمْ يَتَدَاخَلْ الْإِتْلَافُ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ.
(تَنْبِيهٌ) تَخَيَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَنَّ مُقَابَلَةَ جَمْعِ الْمُحْصَنَاتِ بِجِلْدِ ثَمَانِينَ يَقْتَضِي لُغَةً أَنَّ حَدَّ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ حَدًّا وَاحِدًا وَيَحْصُلُ التَّدَاخُلُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي اللُّغَةِ تَارَةً تُوَزِّعُ الْأَفْرَادَ عَلَى الْأَفْرَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَا يَصِحُّ إلَّا التَّوْزِيعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رَهْنٌ يُؤْمَرُ بِهِ وَكَقَوْلِنَا الدَّنَانِيرُ لِلْوَرَثَةِ وَتَارَةً لَا يُوَزِّعُ الْجَمْعَ بَلْ يُثْبِتُ أَحَدَ الْجَمْعَيْنِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْجَمْعِ الْآخَرِ نَحْوَ الثَّمَانِينَ جَلْدُ الْقَذْفِ أَوْ جَلْدُ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ وَتَارَةً يُثْبِتُ الْجَمْعَ لِلْجَمْعِ، وَلَا يَحْكُمُ عَلَى الْأَفْرَادِ نَحْوَ الْحُدُودِ لِلْجِنَايَاتِ إذَا قَصَدَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لِلْمَجْمُوعِ وَتَارَةً يَرِدُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلتَّوْزِيعِ وَعَدَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ} [لقمان: 8] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَدَدُ جَنَّاتٍ بِمَعْنَى بَسَاتِينَ دَاخِلَ الْجَنَّةِ وَمَنَازِلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُوَزَّعَ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَلِبَعْضِهِمْ جَنَّةُ الْمَأْوَى وَلِبَعْضِهِمْ أَهْلُ عِلِّيِّينَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ أَحْوَالُ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
(الْمِثَالُ الثَّامِنُ) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ فِي الرِّوَايَةِ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الْمُتَدَيِّنِينَ الْمُعْتَقِدِينَ لِتَحْرِيمِ الْكَذِبِ فِي دِينِهِمْ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّرْعُ صِدْقَهُمْ لُطْفًا بِالْعِبَادِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ
(الْمِثَالُ التَّاسِعُ) الْغَالِبُ صِدْقُ رِوَايَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْفَسَقَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَنُهْبَةِ الْأَمْوَالِ، وَهُمْ رُؤَسَاءُ عُظَمَاءُ فِي الْوُجُودِ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الرِّوَايَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا سِيَّمَا إنْ مَنَعُوا مِنْ الْكَذِبِ لِوَازِعٍ طَبِيعِيٍّ لَا تَدَيُّنًا لَمْ يَقْبَلْ الشَّرْعُ رِوَايَتَهُمْ صَوْنًا لِلْعِبَادِ عَنْ أَنْ يُدْخِلَ فِي دِينِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهُ بَلْ جَعَلَ الضَّابِطَ الْعَدَالَةَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ
(الْمِثَالُ الْعَاشِرُ) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْجَاهِلِينَ فِي رِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِمْ وَلَا بِكَذِبِهِمْ لُطْفًا بِالْعِبَادِ
(الْمِثَالُ الْحَادِي عَشَرَ) الْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ السُّرَّاقِ الْمُتَّهَمِينَ بِالتُّهَمِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ دُونَ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ وَالْبَيِّنَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ مُصَادِفًا لِلصَّوَابِ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَاهُ الشَّرْعُ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ عَنْ الْقَطْعِ
(الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ) الْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْحَاكِمِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ التَّظَلُّمِ وَكَثْرَةِ الشَّكْوَى وَالْبُكَاءِ مَعَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ وَالْعِنَادِ مُصَادِفًا لِلْحَقِّ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَنَعَهُ الشَّارِعُ مِنْهُ وَحَرَّمَهُ إذْ لَا يَضُرُّ الْحَاكِمَ ضَيَاعُ حَقٍّ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ
(الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ) الْغَالِبُ عَلَى مَنْ وُجِدَ بَيْنَ فَخِذَيْ امْرَأَةٍ، وَهُوَ مُتَحَرِّكٌ حَرَكَةَ الْوَاطِئِ وَطَالَ الزَّمَانُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْلَجَ، وَالنَّادِرُ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّارِعُ بِوَطْئِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَأَلْغَى هَذَا الْغَالِبَ سَتْرًا عَلَى الْعِبَادِ
(الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ لِوَلَدِهِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَلَمْ يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ، وَلَا بِكَذِبِهِ بَلْ أَلْغَاهَا جُمْلَةً
(الْمِثَالُ السَّادِسَ عَشَرَ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ عَلَى خَصْمِهِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَأَلْغَى الشَّارِعُ صِدْقَهُ وَكَذِبَهُ
(الْمِثَالُ السَّابِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْحَاكِمِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إذَا عُزِلَ، وَصِدْقُ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ مُطْلَقًا إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فِيهَا فَأَلْغَى الشَّارِعُ صِدْقَهُ وَكَذِبَهُ
(الْمِثَالُ الثَّامِنَ عَشَرَ) الْغَالِبُ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ وَهُوَ عَدْلٌ مُبَرَّزٌ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَقِّ، وَالنَّادِرُ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ فَأَلْغَى الشَّرْعُ اعْتِبَارَ صِحَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَبُطْلَانِهِ مَعًا
(الْمِثَالُ التَّاسِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ فِي الْعَدَدِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَالنَّادِرُ شَغْلُهُ مَعَهُ فَأَلْغَى الشَّارِعُ اعْتِبَارَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَحْكُمْ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مَعَهُ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ قُرْءَانِ آخَرَانِ
(الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ) الْغَالِبُ بَرَاءَةُ رَحِمِ مَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا سِنِينَ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَالنَّادِرُ شَغْلُهُ بِالْوَلَدِ فَأَلْغَى الشَّرْعُ اعْتِبَارَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ وُقُوعَ الْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ قَالَ وَنَظَائِرُ هَذَا الْغَالِبِ الَّذِي أَلْغَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ - إمَّا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي إلْغَائِهِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ نَادِرِهِ أَيْضًا كَمَا هُنَا، وَإِمَّا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي إلْغَائِهِ بِاعْتِبَارِ نَادِرِهِ دُونَهُ كَمَا تَقَدَّمَ - كَثِيرَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَهَذِهِ أَرْبَعُونَ مِثَالًا قَدْ سُرِدَتْ فِي ذَلِكَ مِنْ أَرْبَعِينَ جِنْسًا فَهِيَ أَرْبَعُونَ جِنْسًا أُلْغِيَتْ اهـ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ]
(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ)
وَضَابِطُهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ أَنَّ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ شَرْطَانِ (الْأَوَّلُ) تَسَاوِي الْحُقُوقِ وَالْمَصَالِحِ (وَالثَّانِي) قَبُولُ
الثَّلَاثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْمَجَازُ فَيَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مُقَابَلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَقْذُوفَةِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ كَمَا تَخَيَّلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ الْمَقْذُوفَةِ وَالزَّوْجَاتِ بِأَنَّهُ أَيْمَانٌ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ أَحْكَامَ اللِّعَانِ تُعَدُّ فِي تَوَجُّهِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَانْتِفَاءِ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ وَتَأَبُّدِ التَّحْرِيمِ وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَمَقْصُودٌ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِجَلْدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ أَمْكَنَ ثُبُوتُ بَرَاءَةِ هَذِهِ دُونَ هَذِهِ أَوْ بِحَدٍّ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَاسَبَ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ بِلِعَانٍ لِتَوَقُّعِ ثُبُوتِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فِي بَعْضٍ دُونَ الْبَاقِي. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ لِلْبَقَاءِ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِالتَّعَدُّدِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ.
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُدُودِ وَقَاعِدَةِ التَّعَازِيرِ مِنْ وُجُوهٍ عَشَرَةٍ) . (أَحَدِهَا) أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ أَكْثَرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ تَحْدِيدِ أَقَلِّهِ فَعِنْدَنَا هُوَ غَيْرُ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُدُودِ وَقَاعِدَةِ التَّعَازِيرِ مِنْ وُجُوهٍ) قُلْتُ جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ أَغْفَلَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» أَصَحَّهَا، وَأَقْوَاهَا وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْحُدُودِ فِي لَفْظِ الشَّرْعِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الزِّنَا وَشَبَهِهِ بَلْ لَفْظُ الْحُدُودِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَالتَّعْلِيقُ عَلَى هَذَا مِنْ جُمْلَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ أَنَّهُ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الرِّضَا بِالنَّقْلِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْقُرْعَةِ عِنْدَ الشَّارِعِ دَفْعًا لِلضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ، وَالرِّضَا بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ، وَمَا فُقِدَ فِيهِ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْقُرْعَةُ فَمَتَى تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْحَقُّ فِي جِهَةٍ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِي الْقُرْعَةِ ضَيَاعَ ذَلِكَ الْحَقِّ الْمُتَعَيَّنِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَيَّنَةِ وَمَتَى لَمْ يَقْبَلْ الشَّيْءُ الرِّضَا بِالنَّقْلِ كَحُرِّيَّةِ الرَّقِيقِ حَالَةَ الصِّحَّةِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ فِيهِ كَمَا سَيَتَّضِحُ مِنْ الْمَبَاحِثِ وَالِاخْتِلَافَاتِ وَالِاتِّفَاقَاتِ الْآتِيَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي مَوَاضِعَ:
(أَحَدِهِمَا) بَيْنَ الْخُلَفَاءِ إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمْ الْأَهْلِيَّةُ لِلْوِلَايَةِ
(ثَانِيهِمَا) بَيْنَ الْأَئِمَّةِ لِلصَّلَاةِ إذَا اسْتَوَوْا
(ثَالِثِهَا) بَيْنَ الْمُؤَذِّنِينَ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ
(رَابِعِهَا) فِي التَّقَدُّمِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ عِنْدَ الزِّحَامِ
(خَامِسِهَا) فِي تَغْسِيلِ الْأَمْوَاتِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَسَاوِيهِمْ فِي الطَّبَقَاتِ
(سَادِسِهَا) فِي الْحَضَانَةِ فَفِي التَّوْضِيحِ، وَتَدْخُلُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ إثْغَارِ الذَّكَرِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا اُنْظُرْهُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ
(سَابِعِهَا) بَيْنَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ
(ثَامِنُهَا) فِي بَابِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأُصُولِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنُّقُودِ إذَا اسْتَوَى فِيهِ الْوَزْنُ وَالْقِيمَةُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَاخْتِلَافٌ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفِقْهِ
(تَاسِعِهَا) بَيْنَ الْخُصُومِ فِي التَّقَدُّمِ إلَى الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ
(عَاشِرُهَا) بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَيَمِينٌ تَكُونُ مُحَاكَمَتُهَا عِنْدَهُ
(حَادِي عَشَرَتِهَا) إذَا ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى اللَّقِيطِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ
(ثَانِي عَشَرَتِهَا) إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَقُلْنَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَاخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَشْهُورُ تَقْدِمَةُ الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ يَخْتَلِفَانِ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ فَيَتَحَالَفَانِ
(ثَالِثِ عَشَرَتِهَا) فِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّ كِتَابَةَ الْوَثَائِقِ وَالْمَكَاتِيبِ فَرْضٌ عَلَى مَنْ يَعْلَمْهَا إذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَتْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ قَامَ بِهَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ امْتَنَعُوا جَمِيعُهُمْ اقْتَرَعُوا فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ كَتَبَ
(رَابِعَ عَشَرَتِهَا) فِي شَرْعِ الْجَلَّابِ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ مِنْ الْوَصَايَا إذَا اجْتَمَعَ عِتْقُ الظِّهَارِ، وَعِتْقُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَضَاقَ الثُّلُثُ فَأَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَيَصِحُّ الْعِتْقُ لِأَحَدِهِمَا
(خَامِسُ عَشَرَتِهَا) إذَا انْكَسَرَتْ يَمِينٌ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عَلَى أَكْثَرِهِمْ نَصِيبًا مِنْ الْأَيْمَانِ، وَقِيلَ أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْ الْكَسْرِ، وَقِيلَ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ عَلَيْهَا
(سَادِسِ عَشَرَتِهَا) إذَا تَقَارَبَتْ الْأَنَادِرُ وَأَرَادُوا الذَّرْوَ وَكَانَ يَخْتَلِطُ نَبْتُهُمْ إذَا ذَرُّوا جَمِيعًا فَيُقَالُ اقْتَرِعُوا عَلَى الذَّرْوِ فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى قَطْعِ أَنْدَرِهِ، وَيُقَالُ لِمَنْ أَذْرَى عَلَى صَاحِبِهِ أَتْلَفْت نَبْتَك لَا شَيْءَ لَك مِنْ الطُّرَرِ
(سَابِعَ عَشَرَتِهَا) إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ فِي لَيْلَةٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ يَخْتَارُ
(ثَامِنَ عَشَرَتِهَا) يُقْرِعُ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِيمَنْ هُوَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا، وَأَشْكَلَ عَلَى الْحَاكِمِ مَعْرِفَةُ الْمُدَّعِي
(تَاسِعَ عَشَرَتِهَا) تَقْسِيمُ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ فَإِذَا اعْتَدَلَتْ ضَرَبَ عَلَيْهَا بِالْقُرْعَةِ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْخُمُسُ أُفْرِدَ ثُمَّ جُمِعَتْ الْأَرْبَعَةُ فَبِيعَتْ، وَقُسِّمَ ثَمَنُهَا أَوْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ
بِأَعْيَانِهَا بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ فَانْظُرْ شَرْحَ الرِّسَالَةِ لِلتَّادَلِيِّ فِي بَابِ الْجِهَادِ (الْمُوفِي عِشْرِينَ) إذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَوَتْ الْأَوْلِيَاءُ فِي الْفَضْلِ، وَتَشَاحُّوا فِي التَّقَدُّمِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ
(الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ) إذَا اجْتَمَعَ الْخُصُومُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَفِيهِمْ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ، وَخَافَ الْمُسَافِرُونَ فَوَاتَ الرُّفْقَةِ قُدِّمُوا إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا
مَحْدُودٍ بَلْ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجَاوِزُ بِهِ أَقَلَّ الْحُدُودِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ حَدُّ الْعَبْدِ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ زَوَّرَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه وَنَقَشَ خَاتَمًا مِثْلَ خَاتَمِهِ فَجُلِدَ مِائَةً فَشَفَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ أَذْكَرُونِي الطَّعْنَ وَكُنْت نَاسِيًا فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ مُسَاوَاةُ الْعُقُوبَاتِ لِلْجِنَايَاتِ احْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرٍ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى عَشْرٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى طِبَاعِ السَّلَفِ رضي الله عنهم كَمَا قَالَ الْحَسَنُ إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ أُمُورًا هِيَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ إنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
يُجْلَدُ عَشْرَ جَلَدَاتٍ فَمَا دُونَهَا فِي غَيْرِ الْحُدُودِ فَمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَلْدُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَغْفَلَ أَيْضًا التَّنْبِيهَ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْحَقِيرَةَ تَسْقُطُ عُقُوبَتُهَا وَبَيَانُ ضَعْفِ ذَلِكَ الْقَوْلِ بَلْ بُطْلَانِهِ أَنَّ قَوْلَهُ الْعُقُوبَةُ الصَّالِحَةُ لَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا رَدْعًا، قَوْلٌ مُتَنَافٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْعُقُوبَةِ صَالِحَةً لِلْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ رَدْعًا فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُؤَثِّرُ رَدْعًا فَلَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لَهَا هَذَا أَمْرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَا إشْكَالَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَثْرَةً يَلْحَقُ الْمُقِيمِينَ مِنْهَا ضَرَرٌ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ
(الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ) فِي عِتْقِ الْعَبِيدِ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ أَوْ بِثُلُثِهِمْ فِي الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ عَتَقَ مَبْلَغُ الثُّلُثِ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ اهـ زَادَ الْأَصْلُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ غَيْرُهُمْ عَتَقَ ثُلُثِهِمْ أَيْضًا بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنهما، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِهِمْ، وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَيُسْتَسْعَى فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا فَيَعْتِقُ، لَنَا سِتَّةٌ وُجُوهٍ
(الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَعْتَقَ ثُلُثَ الْعَبِيدِ» قَالَ مَالِكٌ
، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ
(الثَّانِي) مَا فِي الصِّحَاحِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمَالِيكَ لَهُ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ اثْنَيْنِ، وَرَقَّ أَرْبَعَةً»
(الثَّالِثُ) إجْمَاعُ التَّابِعِينَ رضي الله عنهم عَلَى ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَابْنُ سِيرِينَ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ مِنْ مِصْرِهِمْ أَحَدٌ
(الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى قِسْمَةِ الْأَرْضِ الَّتِي وَافَقْنَا فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه إذْ لَا مُرَجِّحَ
(الْخَامِسُ) أَنَّ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مَشَقَّةً وَضَرَرًا عَلَى الْعَبِيدِ بِالْإِلْزَامِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ، وَتَعْجِيلِ حَقِّ الْمُوصِي لَهُ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ حَقِّ الْوَارِثِ لِأَنَّ لَهُ الثُّلُثَيْنِ
(السَّادِسُ) أَنَّ مَقْصُودَ الْوَصِيِّ كَمَالُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ لِيَتَفَرَّغَ لِلطَّلَعَاتِ، وَيَحُوزَ الِاكْتِسَابَ وَالْمَنَافِعَ مِنْ نَفْسِهِ، وَتَجْزِئَةُ الْعِتْقِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْكَمَالُ أَبَدًا، وَأَمَّا الْأَوْجُهُ السِّتَّةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا
(فَالْأَوَّلُ) قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ، وَالْمَرِيضُ مَالِكُ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ اثْنَيْنِ يَحْتَمِلُ شَائِعَيْنِ لَا مُعَيَّنَيْنِ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي اخْتِلَافَ قِيَمِ الْعَبِيدِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مُعَيَّنَانِ ثُلُثَ مَالِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا يَمْلِكُ وَمَا قَالَ الْعِتْقُ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُ فَإِذَا نَفَذَ الْعِتْقُ فِي عَبْدَيْنِ وَقَعَ الْعِتْقُ فِيمَا يَمْلِكُ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَنَقُولُ هِيَ وَرَدَتْ فِي تَمْهِيدِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ كَالرَّجْمِ وَغَيْرِهِ فَتَعُمُّ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَائِعًا بَاطِلٌ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا لَا مَعْنًى لَهَا مَعَ الْإِشَاعَةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ فِي الْقِيمَةِ لَيْسَ مُتَعَذِّرًا عَادَةً لَا سِيَّمَا مَعَ الْجَلْبِ وَوَخْشِ الرَّقِيقِ
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْقُرْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَيْسِرِ، وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ فِيهِ الْحُرِّيَّةَ بِالْقُرْعَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَيْسِرَ هُوَ الْقِمَارُ، وَتَمْيِيزُ الْحُقُوقِ لَيْسَ قِمَارًا، وَقَدْ أَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتُعْمِلَتْ الْقُرْعَةُ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] الْآيَةَ و {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وَلَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ عَتَقَ الْجَمِيعُ، وَإِنْ طَرَأَتْ دُيُونٌ بَطَلَ، وَإِنْ مَاتَ، وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَمْ يَقَعْ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعِتْقِ إلَّا مَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ
(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ فَيَنْفُذُ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى حَالِ الصِّحَّةِ
(وَجَوَابُهُ) أَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي مِلْكِ الشَّائِعِ كَغَيْرِهِ، وَمَقْصُودُ الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ لِلطَّاعَاتِ وَالِاكْتِسَابِ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّبْعِيضِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ شَائِعًا لَا يُؤَخِّرُ حَقَّ الْوَارِثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَاهُنَا يَتَأَخَّرُ بِالِاسْتِسْعَاءِ
(وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ جَازَ، وَالْبَيْعُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْعِتْقُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقُرْعَةِ لِأَنَّ فِيهَا تَحْوِيلَ الْعِتْقِ كَمَا تَقَدَّمَ
(وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ)