الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ فَإِذَا عَرَضَ التَّطَيُّرُ حَصَلَ بِهِ الضَّرَرُ عُقُوبَةً لِمَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ فِيهِ وَاعْتَقَدَ فِي مِلْكِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَصَرُّفِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مَعَ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ كَشَقِّ الْأَغْنَامِ وَالْعُبُورِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَشِرَاءِ الصَّابُونِ يَوْمَ السَّبْتِ وَنَحْوِ هَذَا مِنْ هَذَيَانِ الْعَوَامّ الْمُتَطَيِّرِينَ فَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْحَرَامُ الْمَخُوفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، وَمِنْ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ.
وَلَمْ يَتَمَحَّضْ كَالْعَدْوَى فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ وَنَحْوِهِ فَالْوَرَعُ تَرْكُ الْخَوْفِ مِنْهُ حَذَرًا مِنْ الطِّيَرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ الشُّؤْمُ الْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ عليه السلام «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ الدَّارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ» وَفِي بَعْضِهَا «إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ - كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - إنْ كَانَ النَّاسُ يَعْتَقِدُونَ الشُّؤْمَ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَوْ إنْ كَانَ الشُّؤْمُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ وَقِيلَ: أَخْبَرَ عليه السلام بِذَلِكَ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ وَاقِعًا فِي الثَّلَاثِ؛ فَلِذَلِكَ أَجْمَلَ ثُمَّ فَصَّلَ وَجَزَمَ كَمَا «قَالَ عليه السلام فِي الدَّجَّالِ إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ فِيكُمْ فَالْمَرْءُ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ أَخْبَرَ» عليه السلام أَنَّ الدَّجَّالَ إنَّمَا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَأَخْبَرَ بِالدَّجَّالِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا عَلَى حَسَبِ مَا وَرَدَ الْوَحْيُ بِهِ، وَكَذَلِكَ «سُئِلَ عليه السلام عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ مُسِخَتْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ» أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَمْ يَعْقُبْ فَقَدْ أَخْبَرَ بِالْمَسْخِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي السُّنَّةِ فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبِهَا يَحْصُلُ لَك الْجَمْعُ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُجْرِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَادَتَهُ بِجَعْلِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَحْيَانًا سَبَبًا لِلضَّرَرِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه السلام «قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَارٌ سَكَنَّاهَا، وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ، وَالْمَالُ وَافِرٌ فَقَلَّ الْعَدَدُ وَذَهَبَ الْمَالُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم دَعُوهَا ذَمِيمَةً» وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّمَا تَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَقْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ قَالَ الْبَاجِيَّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً، وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ عليه السلام «لَا عَدْوَى، وَلَا هَامَ، وَلَا صَفَرَ» ، وَلَا يَحُلُّ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ وَلْيَحِلَّ الْمُصِحُّ حَيْثُ شَاءَ قَالَ الْبَاجِيَّ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: لَا يُعْدِي مَرِيضٌ مَرِيضًا خِلَافًا لِمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُهُ فَبَيَّنَ عليه السلام أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَا هَامَةَ قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ لَا تَطَيُّرَ بِالْهَامَةِ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
النَّقِيضَانِ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ. اهـ. فَهُوَ وَإِنْ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ وَالتَّضَادَّ لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَالْمُتَعَلَّقِ وَالْإِضَافَةِ لَا صِحَّةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي التَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ صَحِيحًا، وَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ وَمُقَلِّدَهُ مُوَافَقَةُ اجْتِهَادِهِ فِي عَمَلِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مُقَلِّدِهِ مُخَالَفَتُهُ فَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يُدْخِلُ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا جَمِيعَ رَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ فَقَدْ تَرَكَ النَّدْبَ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ بَلْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ.
وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْوُجُوبَ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ إلَّا بِنِيَّةِ النَّدْبِ فَمَا حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّ إذَا بَسْمَلَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. اهـ. وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
[الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْوَرَعِ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ جَمِيعَ رَأْسِهِ]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
قَالَ الْأَصْلُ الْوَرَعُ فِي تَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا مَالِكًا فِي تَدَلُّكِهِ فِي غُسْلِهِ، وَفِي مَسْحِهِ جَمِيعَ رَأْسِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَالِكِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَتَدَلَّك فِي غُسْلِهِ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ مَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ إذَا لَمْ يُبَسْمِلْ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَالْوَرَعَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِصَوْنِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا عَنْ الْبُطْلَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ بَلْ عِبَادَةُ كُلِّ مُقَلِّدٍ لِإِمَامٍ مُعْتَبَرٍ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُجْمِعْ كُلُّ فَرِيقٍ مَعَ خَصْمِهِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّقْلِيدِ الْمُعْتَبَرِ بَلْ كَانَ الْمَالِكِيُّ مَثَلًا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ وَبِالْعَكْسِ لَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ عِنْدَ الْأُخْرَى مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فِسْقًا لِتَرْكِهَا الصَّلَاةَ طُولَ عُمْرِهَا وَلَا تَقْبَلُ لَهَا شَهَادَةً وَتُجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامَ الْفُسَّاقِ أَبَدَ الدَّهْرِ وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْفِرَقِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ مُخَالِفِهَا، وَهَذَا فَسَادٌ عَظِيمٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَعْدَلِ النَّاسِ، وَلَا يَقُولُ بِفِسْقِ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مُنَافِقٌ مَارِقٌ مِنْ الدِّينِ. اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَرَعَ مَا فَائِدَتُهُ وَكَيْفَ يُشْرَعُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ الْوَاقِعَةُ صَحِيحَةً.
وَلَا يَصِحُّ دَفْعُ الشِّهَابُ لَهُ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْوَرَعِ وَسَبَبَ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ أَدِلَّةِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلِّ دَلِيلٍ فَلَا يَبْقَى فِي النُّفُوسِ تَوَهُّمٌ أَنَّهُ قَدْ أَهْمَلَ دَلِيلًا لَعَلَّ مُقْتَضَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْجَمْعِ يَنْتَفِي ذَلِكَ فَأَثَرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَدِلَّةِ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ. اهـ. إذْ كَيْفَ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ مُقْتَضَى دَلِيلَيْنِ مُوجِبٌ وَمُحَرِّمٌ، وَأَحَدُهُمَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْفِعْلِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي لُزُومَ التَّرْكِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ، وَلَا يُغْنِي فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُ اخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامَيْنِ اهـ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ هَلْ يَدْخُلُ الْوَرَعُ وَالزُّهْدُ فِي الْمُبَاحَاتِ أَمْ لَا]
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)
قَالَ الْأَصْلُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فِي دُخُولِ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فِي الْمُبَاحَاتِ وَعَدَمِ
وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ إذَا قُتِلَ أَحَدٌ خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ طَائِرٌ لَا يَزَالُ يَقُولُ اسْقُونِي حَتَّى يَقْتُلَ قَاتِلَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْخَبَرُ نَهْيًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ تَكْذِيبًا، وَلَا صَفَرَ هُوَ النَّسِيءُ الَّتِي كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تُحَرِّمُ فِيهِ صَفَرَ لِتُبِيحَ بِهِ الْمُحَرَّمَ وَقِيلَ: كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَقُولُ: هُوَ دَاءٌ فِي الْجَوْفِ يَقْتُلُ قَالَ عليه السلام لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ وَالْمُمْرِضُ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ الْمَرِيضَةِ وَالْمُصِحُّ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ وَمَعْنَى الْمُمْرِضِ الْمُصِحِّ بِإِيرَادِ مَاشِيَةٍ عَلَى مَاشِيَةٍ فَيُؤْذِيهِ بِذَلِكَ فَنُسِخَ بِقَوْلِهِ «لَا عَدْوَى» وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ الْمَجْذُومُ مَحَلَّ الصَّحِيحِ مَعَهُ يُؤْذِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي فَالنَّفْسُ تَكْرَهُهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الضَّرَرِ لَا مِنْ الْعَدْوَى وَقِيلَ: هُوَ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا عَدْوَى»
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ، وَقَاعِدَةِ الْفَأْلِ الْحَلَالِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ)
أَمَّا التَّطَيُّرُ وَالطِّيَرَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَتُهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا، وَأَمَّا الْفَأْلُ فَهُوَ مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ الْخَيْرُ عَكْسُ الطِّيَرَةِ وَالتَّطَيُّرِ غَيْرَ أَنَّهُ تَارَةً يَتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ، وَتَارَةً لِلشَّرِّ وَتَارَةً مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا فَالْمُتَعَيِّنُ لِلْخَيْرِ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا فَلَّاحُ يَا مَسْعُودُ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ حَتَّى مَتَى سَمِعَ اسْتَبْشَرَ الْقَلْبُ فَهَذَا فَأْلٌ حَسَنٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه السلام حَوَّلَ أَسْمَاءَ مَكْرُوهَةً مِنْ أَقْوَامٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَسْمَاءٍ حَسَنَةٍ فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ هُمَا الْفَأْلُ الْمُبَاحُ وَعَلَيْهِمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ:«إنَّهُ عليه السلام كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ» وَأَمَّا الْفَأْلُ الْحَرَامُ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّ أَخْذَ: الْفَأْلِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَضَرْبَ الرَّمْلِ وَالْقُرْعَةِ وَالضَّرْبِ بِالشَّعِيرِ وَجَمِيعَ هَذَا النَّوْعِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ.
وَالْأَزْلَامُ أَعْوَادٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَكْتُوبٌ عَلَى أَحَدِهِمَا افْعَلْ وَعَلَى الْآخَرِ لَا تَفْعَلْ وَعَلَى الْآخَرِ غُفْلٌ فَيَخْرُجُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ افْعَلْ أَقْدَمَ عَلَى حَاجَتِهِ الَّتِي يَقْصِدُهَا أَوْ لَا تَفْعَلْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا ذَمِيمَةٌ، أَوْ خَرَجَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ غُفْلٌ أَعَادَ الضَّرْبَ فَهُوَ يَطْلُبُ قَسْمَهُ مِنْ الْغَيْبِ بِتِلْكَ الْأَعْوَادِ فَهُوَ اسْتِقْسَامٌ أَيْ طَلَبُ الْقَسْمِ الْجَيِّدِ يَتْبَعُهُ، وَالرَّدِيءِ يَتْرُكُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَ الْفَأْلَ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَعْتَقِدُ هَذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
دُخُولِهَا فِيهَا خِلَافٌ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْعَصْرِ الَّذِي أَدْرَكْته يَعْنِي أَوَائِلَ الْقَرْنِ السَّابِعِ فَادَّعَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَضَيَّقَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَكْثَرُوا التَّشْنِيعَ فَقَالَ الْأَبْيَانِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ: لَا يَدْخُلُ الْوَرَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيْهَا، وَالْوَرَعُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالنَّدْبُ مَعَ التَّسْوِيَةِ مُتَعَذِّرٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ الْحِمْيَرِيُّ: يَدْخُلُ الْوَرَعُ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمَا زَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى الزُّهْدِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] وَغَيْرُهُ مِنْ النُّصُوصِ وَكُلٌّ مِنْ الشَّيْخَيْنِ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ؛ إذْ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي الْكَلَامِ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا زُهْدَ فِيهَا، وَلَا وَرَعَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مُبَاحَاتٌ، وَفِيهَا الزُّهْدُ وَالْوَرَعُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ يَحُوجُ إلَى كَثْرَةِ الِاكْتِسَابِ الْمُوقِعِ فِي الشُّبُهَاتِ بَلْ قَدْ يُوقِعُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَكَثْرَةُ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا تَقْضِي إلَى بَطَرِ النُّفُوسِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْعَبِيدِ وَالْخَيْلِ وَالْخَوَلِ وَالْمَسَاكِنِ الْعَلِيَّةِ وَالْمَآكِلِ الشَّهِيَّةِ وَالْمَلَابِسِ اللَّيِّنَةِ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ صَاحِبُهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَوْقِفِ الْعُبُودِيَّةِ، وَعَنْ التَّضَرُّعِ لِعِزِّ الرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفُقَرَاءُ أَهْلُ الْحَاجَاتِ وَالْفَاقَاتِ وَالضَّرُورَاتِ، وَمَا يَلْزَمُ قُلُوبَهُمْ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ لِذِي الْجَلَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ مِنْ نَوَالِهِ وَفَضْلِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الضَّرُورَاتِ تَبْعَثُ عَلَى ذَلِكَ قَهْرًا، وَالْأَغْنِيَاءُ بَعِيدُونَ عَنْ هَذِهِ الْخُطَّةِ فَدُخُولُ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُبَاحَاتٌ، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى فِيهَا قَوْله تَعَالَى {كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6] {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] وقَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: 258] أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَلَوْ كَانَ النُّمْرُودُ فَقِيرًا حَقِيرًا مُبْتَلًى بِالْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ لَمْ يَحْتَدَّ نَفْسَهُ إلَى مُنَازَعَةِ إبْرَاهِيمَ وَدَعْوَاهُ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ وَتَعَرُّضِهِ لِإِحْرَاقِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام بِالنِّيرَانِ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْمَعَاطِبِ وَالْمَهَالِكِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَلِكٌ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمُبَادِرِينَ إلَى تَصْدِيقِهِمْ إنَّمَا هُمْ الْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ وَأَنَّ أَعْدَاءَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُعَانِدَيْهِمْ إنَّمَا هُمْ الْأَغْنِيَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] .
وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} [سبأ: 34] وَلَمْ يَقُلْ إلَّا قَالَ فُقَرَاؤُهَا فَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ فِي هَذِهِ الدَّارِ هُمْ الْأَقَلُّونَ فِي تِلْكَ الدَّارِ، وَأَنَّ الْأَقَلِّينَ فِي هَذِهِ