الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى مُحَرَّمَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ فَهَذِهِ كُلُّهَا أَدْعِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ إمَّا كَبِيرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ، إنْ تَكَرَّرَتْ صَارَتْ كَبِيرَةً وَفِسْقًا وَالْعَاقِلُ الْحَرِيصُ عَلَى دِينِهِ أَوَّلُ مَا يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ السَّلَامَةِ وَالْخُلُوصِ مِنْ الْمَهَالِكِ وَحِينَئِذٍ يَطْلُبُ الْأَرْبَاحَ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْمُحَرَّمَةِ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهَذَا الْفَرْقُ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ فِي الْكُتُبِ بَلْ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ تُوجَدُ فِي بَعْضِهَا مُشِيرَةٌ إلَيْهَا أَمَّا التَّصْرِيحُ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَلِيلٌ أَوْ مَعْدُومٌ فَتَأَمَّلْهُ وَأَلْحِقْ مَا تَجِدُهُ بِنَظِيرِهِ فَيَنْضَبِطُ لَك الْمُبَاحُ مِنْ غَيْرِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِهِ نَفْسَهُ كَاسْتِئْنَافِ الْعِلْمِ فِي الدُّعَاءِ الثَّالِثِ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ.
(وَالثَّالِثُ) أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَرِدْ الْإِذْنُ بِهِ وَلَا بِنَظِيرِهِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ كَقَوْلِ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَلَا وُجُودَ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْوُجُودِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كُفْرٌ فَهَذِهِ الْأَدْعِيَةُ الَّتِي فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ كُلِّهَا أَدْعِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ إمَّا كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً إنْ تَكَرَّرَتْ صَارَتْ كَبِيرَةً وَفِسْقًا بِاتِّفَاقِ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَالسِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَقْسَامِ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الَّتِي اسْتَقْرَأَهَا الْأَصْلُ لَمْ يُسَلِّمْ ابْنُ الشَّاطِّ مَا ادَّعَاهُ الْأَصْلُ فِي وَجْهِ تَحْرِيمِهَا، وَقَالَ وَالْعَاقِلُ الْحَرِيصُ عَلَى دِينِهِ أَوَّلُ مَا يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ السَّلَامِ وَالْخُلُوصِ مِنْ الْمَهَالِكِ وَحِينَئِذٍ يَطْلُبُ الْأَرْبَاحَ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْمُحَرَّمَةِ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهَذَا الْفَرْقُ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ فِي الْكُتُبِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي بَعْضِهَا كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ مُشِيرَةٌ إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ وَأَلْحِقْ مَا تَجِدُهُ بِنَظِيرِهِ فَيَنْضَبِطُ لَك الْمُبَاحُ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى.
2 -
(وَصْلٌ) فِي بَيَانِ وَجْهِ تَحْرِيمِ الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْأَصْلُ وَبَيَانِ مَا تَعَقَّبَهُ بِهِ ابْنُ الشَّاطِّ:
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي لَا تُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ كَأَنْ يَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِيَكُونَ مُطَّلِعًا عَلَى أَحْوَالِ الْإِقْلِيمَيْنِ أَوْ يَطْلُبَ مِنْهُ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ فِي ذَاتِهِ عَنْ الْأَعْرَاضِ لِيَسْلَمَ طُولُ عُمْرِهِ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَنْكَادِ وَالْمَخَاوِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَلَايَا فَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا لَكِنْ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْعُرُوَّ عَنْ الْأَعْرَاضِ لَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ فَافْهَمْ ادَّعَى الْأَصْلُ تَحْرِيمَهُ مُطْلَقًا نَظَرًا لِكَوْنِهِ سُوءَ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُلُوكَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ إلَّا مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي قُدْرَتِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ عَرَّضَهُمْ لِلْعَجْزِ لَا سِيَّمَا وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَطْلُبَ إلَّا مَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مُتَهَكِّمًا بِالرُّبُوبِيَّةِ اهـ، وَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ تَحْرِيمِ الدُّعَاءِ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَطْلُبَ إلَّا مَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ التَّهَكُّمُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَا وَجْهَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقِيَاسَ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَوَازِ الْعَجْزِ عَلَيْهِمْ وَامْتِنَاعِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى. قَالَ وَمَا بَالُهُ يَقِيسُهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِ التَّعْجِيزِ وَالتَّهَكُّمِ وَلَا يَقِيسُهُ عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ وَالْغُلُوِّ فِي التَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ فَقَدْ خُوطِبَ الْمُلُوكُ بِنِسْبَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ إلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الْغُلُوِّ فِي تَرْفِيقِهِمْ لَا عَلَى قَصْدِ تَعْجِيزِهِمْ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَنْ خَاطَبَ اللَّهَ تَعَالَى بِمِثْلِ ذَلِكَ تَعَيَّنَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْظِيمِ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِ فَيَكُونَ مُطِيعًا مَأْجُورًا لَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِلتَّعْجِيزِ فَيَكُونَ عَاصِيًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِهَذَا وَلَا لِهَذَا فَيَكُونَ مُطِيعًا بِصُورَةِ الدُّعَاءِ مُثَابًا عَلَيْهِ غَيْرَ مُطِيعٍ وَلَا عَاصٍ بِالْقَصْدِ لِعُرُوِّهِ عَنْهُ اهـ.
[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَكُونُ كُفْرًا أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ]
(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا كَمَا قَالَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَنْتَفِعَ بِقُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ وَأَعْضَائِهِ أَبَدَ الدَّهْرِ أَوْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ الثِّمَارَ مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ وَغِرَاسٍ، أَوْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَرْمِ بِنَا فِي شِدَّةٍ أَوْ أَعْطِنَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى عُمُومِهِ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَفُوتَهُ رُتْبَةُ النُّبُوَّةِ وَمَرْتَبَةُ الْمَلَائِكَةِ وَدَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ وَوَحْشَةُ الْقَبْرِ، وَمِنْهَا كَمَالٌ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ دَوَامَ إصَابَةِ كَلَامِهِ مِنْ الْحِكَمِ الدَّقِيقَةِ وَالْعُلُومِ الشَّرِيفَةِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَفْتَخِرَ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْفُضَلَاءِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْأَصْلُ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ نَظَائِرَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَفْهَمَ عَوَائِدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَرَبْطِهِ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعَ إمْكَانِ صُدُورِهَا عَنْ قُدْرَتِهِ بِغَيْرِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى مَمْلَكَتَهُ عَلَى نِظَامٍ دَبَّرَهُ وَوَضَعَهَا عَلَى قَانُونٍ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَإِذَا سَأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَغْيِيرَ مَمْلَكَتِهِ وَنَقْضَ نِظَامِهِ وَسُلُوكَ غَيْرِ عَوَائِدِهِ فِي مُلْكِهِ كَانَ مُسِيئًا الْأَدَبَ عَلَيْهِ عز وجل بَلْ ذَلِكَ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى أَدْنَى الْمُلُوكِ بَلْ الْوُلَاةِ.
قَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجْلَالِ فَوْقَ مَا يَجِبُ لِخَلْقِهِ فَمَا نَافَى إجْلَالَ خَلْفِهِ أَوْلَى أَنْ يُنَافِيَ فِي جَلَالِهِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ بَلْ قَدْ عَابَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دُعَاءٌ النَّدْبُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِهَةِ مُتَعَلِّقِهِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ خَمْسَةٌ:
(السَّبَب الْأَوَّلُ) الْأَمَاكِنُ كَالدُّعَاءِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْحَمَّامَاتِ وَمَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَمَوَاضِعِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ كَالْحَانَاتِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَسْوَاقُ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا وُقُوعُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» أَيْ ثَنَاؤُك الْمُسْتَحَقُّ ثَنَاؤُك عَلَى نَفْسِك أَمَّا ثَنَاءُ الْخَلْقِ فَلَا لِأَنَّهُ دُونَ الْمُسْتَحَقِّ قَالَ وَلِذَلِكَ عَابَ الْعُلَمَاءُ وَغَلَّطُوا جَمَاعَةً مِنْ الْعُبَّادِ حَيْثُ تَوَسَّطُوا الْقِفَارَ مِنْ غَيْرِ زَادٍ وَلَجَّجُوا فِي الْبِحَارِ فِي زَمَنِ الْهَوْلِ أَوْ فِي غَيْرِ الزَّمَنِ الْمُعْتَادِ طَالِبِينَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَرْقَ عَوَائِدِهِ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ سَائِرُونَ إلَى اللَّهِ وَهُمْ ذَاهِبُونَ عَنْهُ ظَانِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ وَأَنَّ مَا عَدَاهَا يُنَافِي الِاعْتِمَادَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فَقَدْ دَخَلَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ مَخْفُوقًا بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَقَالَ أَوَّلَ أَمْرِهِ مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَكَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ يَدَّخِرُ لِعِيَالِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ.
وَتَحْقِيقُ هَذَا الْبَابِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ التَّوَكُّلَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ يَكْرَهُهُ مِنْ ضَيْرٍ لِأَجْلِ أَنَّهُ الْمُسْتَوْلِي بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْكَائِنَاتِ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ عَوَائِدُ فِي مُلْكِهِ رَتَّبَهَا بِحِكْمَةٍ، فَمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ انْقِطَاعُ الْقَلْبِ عَنْ غَيْرِهِ وَمُقْتَضَى سُلُوكِ أَدَبِهِ الْتِمَاسُ فَضْلِهِ مِنْ عَوَائِدِهِ، وَقَدْ انْقَسَمَ الْخَلْقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَحَصَلُوا عَلَى حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ فَفَاتَهُمْ الْأَدَبُ الْوَاجِبُ الِاتِّبَاعِ وَقِسْمٌ لَاحَظُوا الْأَسْبَابَ وَاسْتَوْلَتْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَحَجَبَتْهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهَؤُلَاءِ فَاتَهُمْ التَّوَكُّلُ وَالْأَدَبُ وَهَذَا هُوَ الْمَهْيَعُ الْعَامُّ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ أَكْثَرُ الْخَلَائِقِ، وَقِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ وَعَوَائِدِهِ فِي مَمْلَكَتِهِ فَهَؤُلَاءِ جَامِعُونَ بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ وَهَذَا مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ خَوَاصِّ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْأَصْفِيَاءِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ قَلِيلَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ هَلَكَ إبْلِيسُ وَضَاعَ أَكْثَرُ عَمَلِهِ بِقِلَّةِ أَدَبِهِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا، أَيْ لِيَكُنْ اسْتِكْثَارُك مِنْ الْأَدَبِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِكْثَارِك مِنْ الْعَمَلِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ وَنَفَاسَةِ مَعْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَبِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَيْ لَا تَرْكَبُوا الْأَخْطَارَ الَّتِي دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهَا مُهْلِكَةٌ وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] أَيْ الْوَاقِيَةُ لَكُمْ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ فَرُبَّمَا وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي إحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْتِزَامِ الْعَوَائِدِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ ضِدِّهِ بَلْ إضْدَادِهِ، وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ إنْ كُنْت مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَوَاثِقًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَأَلْقِ نَفْسَك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُك إلَّا مَا قُدِّرَ لَك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ عِبَادَهُ لِيُجَرِّبَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ لَا لِيُجَرِّبُوهُ وَيَمْتَحِنُوهُ إشَارَةً إلَى سُلُوكِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مَعَهُ وَمَعَ عِبَادِهِ حَتَّى نَلْقَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. نَعَمْ يَجُوزُ طَلَبُ خَرْقِ الْعَادَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرْقَهَا، وَكَذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِرَقِهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِجَرَيَانِهِ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قِلَّةُ أَدَبٍ، وَكَذَلِكَ لِمَنْ لَا يَكُونُ وَلِيًّا حَيْثُ أَرَادَ بِسُؤَالِهِ خَرْقَهَا أَنْ يَجْعَلَهُ وَلِيًّا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ خَرْقَ الْعَادَةِ. فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ حَرَامًا انْتَهَى.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ طَلَبَ خَرْقِ الْعَوَائِدِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إسَاءَةُ أَدَبٍ عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ إلَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا شَكَّ فِي فَسَادِهِ وَالْعَيْبُ وَالذَّمُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا أُحْصِي ثَنَاءً الْحَدِيثَ لَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ إلَّا إنْ كَانَ الثَّنَاءُ اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ تَعَالَى مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ اكْتِسَابِهِمْ ثُمَّ قَصَّرُوا فِيهِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ ذَمٌّ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] قَالَ وَتَغْلِيطُ مَنْ غَلَّطَ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَمَاعَةَ الْعُبَّادِ فِيمَا ذَكَرَهُ غَلَطٌ مِنْ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إسَاءَتِهِمْ الظَّنَّ بِأُولَئِكَ الْعُبَّادِ وَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا فَكَيْفَ بِالْعُبَّادِ مِنْهُمْ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُبَّادَ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَعَوَّدَ خَرْقَ الْعَادَةِ لَهُ فَلَا عَيْبَ عَلَيْهِمْ أَوْ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَوَّدْ ذَلِكَ فَلَا عَيْبَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا إنْ كَانُوا مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَحْوَالٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهَا وَإِلَّا لَحِقَهُمْ الْعَيْبُ لِارْتِكَابِهِمْ حِينَئِذٍ لِمَمْنُوعٍ فَمَا بَالُ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ حَكَمُوا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ هَذَا الْأَخِيرِ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَلَيْسَ ذَلِكَ إسَاءَةَ ظَنٍّ فِي
وَالْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْقُرْبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ فِي أَحْسَنِ الْبِقَاعِ وَالْأَزْمَانِ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى «نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ» ، فَإِنْ أَعْجَزَهُ الْخُلُوصُ مِنْ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ الدُّعَاءُ مَعَ فَوَاتِ رُتْبَةِ الدُّعَاءِ كَالصَّلَاةِ فِي الْبِقَاعِ الْمَكْرُوهَةِ.
(السَّبَبُ الثَّانِي) لِلْكَرَاهَةِ الْهَيْئَاتُ كَالدُّعَاءِ مَعَ النُّعَاسِ وَفَرْطِ الشِّبَعِ وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ مُلَابَسَةِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ الَّتِي لَا تُنَاسَبُ التَّقَرُّبَ إلَى ذِي الْجَلَالِ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ مَعَ فَوَاتِ رُتْبَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَوْطِنٍ يُمْكِنُ فِيهِ تَحْسِينُهُ وَعَدَمُ إسَاءَتِهِ فَيُظَنُّ أَنَّهُمْ ظَانُّونَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ بَلْ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ وَأَنَّهُ كَمَا لَا يُنَافِي التَّسَبُّبَ كَذَلِكَ لَا يُنَافِي عَدَمَ التَّسَبُّبِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّسَبُّبِ إذْ مَسَاقُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّوَكُّلَ يَصِحُّ مَعَ التَّسَبُّبِ وَمَعَ عَدَمِهِ، وَمَا عَدَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى التَّوَكُّلِ مَعَ التَّسَبُّبِ إلَّا لِأَنَّهُ الْمُعَلِّمُ الْمُقْتَدَى بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْخَوَاصِّ بَلْ يَعُمُّهُمْ وَغَيْرَهُمْ، وَالْجُمْهُورُ قَلَّمَا تَطْمَئِنُّ نُفُوسُهُمْ إلَّا مَعَ التَّسَبُّبِ. اهـ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَقَدْ سَمِعْت أَبَا الْمَعَالِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّ مَنْ جَرَى مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ جَرَى اللَّهُ مَعَهُ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ النَّاسِ فِي كِفَايَةِ الْمُؤْنَةِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ جِدًّا وَفِيهِ فَوَائِدُ جَمَّةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا اهـ بِلَفْظِهِ قُلْت يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَرَى مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ كِفَايَةَ الْمُؤْنَةِ بِالسَّبَبِ جَرَى اللَّهُ مَعَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ بِالسَّبَبِ وَمَنْ جَرَى مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ كِفَايَتَهَا بِدُونِ السَّبَبِ جَرَى اللَّهُ مَعَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ بِدُونِ السَّبَبِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْغَالِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ مَعَ أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّوَكُّلَ، وَإِنْ صَحَّ مَعَ التَّسَبُّبِ وَعَدَمِهِ فَالتَّوَكُّلُ مَعَ التَّسَبُّبِ رَاجِحٌ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَاجَةِ لِتَعْلِيمِ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَلَا مِنْهُ مِنْ شَائِبَةِ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لِعِصْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّوَكُّلُ مَعَ عَدَمِ التَّسَبُّبِ رَاجِحٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ أَمْنِهِ مِنْ شَائِبَةِ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ اهـ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْهَاجُ الْعَابِدِينَ إنَّ أَخْذَ الزَّادِ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ لِمُقْتَدًى بِهِ يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ أَخْذَ الزَّادِ مُبَاحٌ أَوْ يَنْوِيَ بِهِ عَوْنَ مُسْلِمٍ أَوْ إغَاثَةَ مَلْهُوفٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْ أَخْذِهِ لِمَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا قَوِيَّ الْقَلْبِ بِاَللَّهِ سبحانه وتعالى لِشَغْلِهِ بِالزَّادِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَالشَّأْنُ إذًا فِي الْقَلْبِ لَا فِي حَمْلِ الزَّادِ وَتَرْكِهِ، فَكَمْ مِنْ حَامِلٍ لِلزَّادِ وَقَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الزَّادِ يَقُولُ الرِّزْقُ مَقْسُومٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ أَقَامَ بِنْيَتِي بِهَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ يَنْوِيَ بِحَمْلِهِ أَنْ يُعِينَ بِهِ مُسْلِمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَكَمْ مِنْ تَارِكٍ لِلزَّادِ وَقَلْبُهُ مَعَ الزَّادِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَحَمْلُ الزَّادِ مُبَاحٌ غَيْرُ حَرَامٍ لِوُقُوعِهِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ تَعْلِيقُ الْقَلْبِ بِالزَّادِ وَتَرْكُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ ذَلِكَ ثُمَّ مَا ظَنُّك بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] أَعَصَاهُ فِي ذَلِكَ وَعَلَّقَ قَلْبَهُ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ؟ كَلًّا وَحَاشَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَلْ كَانَ قَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوَكُّلُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَمَرَهُ فَإِنَّهُ الَّذِي لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا وَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى مَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا كَانَ أَخْذُ الزَّادِ مِنْهُ وَمِنْ السَّلَفِ الصَّالِح بِنِيَّاتِ الْخَيْرِ لَا لِمَيْلِ قُلُوبِهِمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الزَّادِ وَالْمُعْتَبَرُ الْقَصْدُ عَلَى مَا أَعْلَمْنَاك فَافْهَمْ وَانْتَبِهْ اهـ بِتَصَرُّفٍ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ بَيَانِ حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ الْمُعَامَلَةُ بِمُقْتَضَى شُمُولِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَسْبَابِ وَهُوَ عَيْنُ مَا عَابَ عَلَى الْعُبَّادِ حَيْثُ قَالَ ظَانِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ فَقَوْلُهُ هُنَا مُنَاقِضٌ لِظَاهِرِهِ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ إنَّ قِلَّةَ الْأَدَبِ مَمْنُوعَةٌ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدْعِيَةِ مِنْ جُمْلَةِ قِلَّةِ الْأَدَبِ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] لَيْسَ فِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ الْمُسْتَحِيلِ، وَإِنَّمَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ارْتِكَابِ الْعَمَلِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ مُغَايِرٌ لِطَلَبِ خَرْقِهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ الْآخَرِ اهـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْغَزَالِيَّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ إنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا} [البقرة: 197] إلَخْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ زَادُ الْآخِرَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ {خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] وَلَمْ يَقُلْ حُطَامَ الدُّنْيَا وَأَسْبَابَهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ قَوْمٌ لَا يَأْخُذُونَ زَادًا فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لِأَنْفُسِهِمْ اتِّكَالًا عَلَى النَّاسِ وَيَسْأَلُونَ النَّاسَ وَيَشْكُونَ وَيُلِحُّونَ وَيُؤْذُونَ النَّاسَ فَأُمِرُوا بِالزَّادِ أَمْرَ تَنْبِيهٍ عَلَى أَنَّ أَخْذَ الزَّادِ مِنْ مَالِكٍ خَيْرٌ مِنْ أَخْذِ مَالِ النَّاسِ وَالِاتِّكَالِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ اهـ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَى أَنَّ إجَازَةَ الْأَصْلِ دُعَاءُ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ بِخِرَقِ الْعَادَةِ إجَازَةٌ لِلدُّعَاءِ بِخَرْقِ الْعَادَةِ فَكُلُّ مَا أَنْكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِذَا أَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَقَدْ أَجَازَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ مَنْعُهُ بَعْدَ