الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَمَالِ.
(السَّبَبُ الثَّالِثُ) الْكَرَامَةُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِتَوَقُّعِ فَسَادِ الْقُلُوبِ وَحُصُولِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ كَمَا كَرِهَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ رحمهم الله لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ الدُّعَاءَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ فَيَجْتَمِعُ لِهَذَا الْإِمَامِ التَّقَدُّمُ فِي الصَّلَاةِ وَشَرَفُ كَوْنِهِ نَصَّبَ نَفْسَهُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ عَلَى يَدِهِ بِالدُّعَاءِ، وَيُوشِكُ أَنْ تَعْظُمَ نَفْسُهُ عِنْدَهُ فَيَفْسُدَ قَلْبُهُ وَيَعْصِيَ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُطِيعُهُ وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمِهِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ بِدَعَوَاتٍ فَقَالَ لَا إنِّي أَخْشَى أَنْ تَشْمَخَ حَتَّى تَصِلَ إلَى الثُّرَيَّا إشَارَةً
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْثِيرِهِ الْأَمْثِلَةَ اهـ، وَقَدْ أَطَالَ الْغَزَالِيُّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ فِي مِنْهَاجِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَعَلَّك تَقُولُ أَطْنَبْت فِي هَذَا الْفَصْلِ خِلَافَ شَرْطِ الْكِتَابِ فَأَقُولُ لَعَمْرُ اللَّهِ إنَّهُ لَقَلِيلٌ فِي جَنْبِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى إذْ هُوَ أَهَمُّ شَأْنًا فِي الْعِبَادَةِ بَلْ عَلَيْهِ مَدَارُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْعُبُودِيَّةِ فَمَنْ لَهُ هِمَّةٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلْيَسْتَمْسِكْ بِذَلِكَ وَلْيُرَاعِهِ حَقَّهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ الْمَقْصُودِ بِمَعْزُولٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى بَصِيرَةِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ أَنَّهُمْ بَنَوْا أَمْرَهُمْ عَلَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَقَطْعِ الْعَلَائِقِ كُلِّهَا فَكَمْ صَنَّفُوا مِنْ كِتَابٍ وَكَمْ أَوْصَوْا بِوَصِيَّةٍ وَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُمْ أَعْوَانًا مِنْ السَّادَةِ وَأَصْحَابًا حَتَّى يَتَمَشَّى لَهُمْ مِنْ الْخَيْرِ الْمَحْضِ مَا لَمْ يَتَمَشَّ لِطَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْأَئِمَّةِ الْأَزْهَادِ الْكَرَامِيَّةِ فَإِنَّهُمْ بَنَوْا مَذَاهِبَهُمْ عَلَى أُصُولٍ غَيْرِ مُسْتَقِيَةٍ وَمَا زِلْنَا أَعِزَّةً مَا دُمْنَا عَلَى مِنْهَاجِ أَئِمَّتِنَا اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ.
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ]
(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لَا تُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْخَسْفِ الْعَامِّ وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَنَا، وَمِنْهَا أَنْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَسْتَأْصِلُهَا، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ لِمَرِيضٍ أَوْ مُصَابٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ هَذِهِ الْمِرْضَةَ أَوْ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِفُلَانٍ الْكَافِرِ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الْخَمْسَةِ حَرَامٌ لَيْسَ بِكُفْرٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ.
(أَمَّا الْأَوَّلُ) فَلِأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ.
(أَمَّا الثَّانِي) فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ رَبَّهُ فِي إعْفَاءِ أُمَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ.
(أَمَّا الثَّالِثُ) فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
(وَأَمَّا الرَّابِعُ) فَلِأَنَّ النُّصُوصَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ السُّخْطِ لَا يُخِلُّ بِذَلِكَ التَّكْفِيرِ بَلْ يُجَدِّدُ ذَنْبًا آخَرَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ اسْتَدَانَ فَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ الْمُصَاب لَا يُقَالُ أَنَّهُ بِسُخْطِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا بَلْ يُقَالُ بَرِئَ مِنْ عُهْدَةِ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَدَّدَ ذَنْبًا آخَرَ بِسُخْطِهِ.
(وَأَمَّا الْخَامِسُ) فَلِأَنَّ السَّمْعَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قَالَ وَطَلَبُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ تَعَالَى إذْ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ التَّأْدِيبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَأَوْجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجْعَلْ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا لَبَادَرْنَا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ لِقُبْحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ فِي دُعَائِهِ. نَعَمْ مَحِلُّ حُرْمَةِ قَوْلِ الدَّاعِي {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} [البقرة: 286] وَقَوْلِهِ {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] إنْ أَرَادَ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ الْغَفْلَةِ الَّذِي هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصْرِ وَالْإِجْمَاعِ وَأَرَادَ بِمَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ التَّكَالِيفَ الشَّرْعِيَّةَ فَإِنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] أَمَّا إنْ أَرَادَ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ التَّعَمُّدِ وقَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] وقَوْله تَعَالَى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ فَهَذَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ مِنْ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَالْمَكْرُوهَاتِ جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ تَدُلَّ النُّصُوصُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْعُمُومَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لَا بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْعَادَةِ عَصَى لِاشْتِمَالِ الْعُمُومِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ فِيهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194] وَإِنْ كَانَ طَلَبَ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ.
وَقَدْ مَدَحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ سُؤَالَ مَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ بِهِ إنَّمَا جَازَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ لَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ وَهَذَا شَرْطٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ فَمَا طَلَبُوا إلَّا مَشْكُوكًا فِي حُصُولِهِ لَا مَعْلُومَ
إلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْكِبْرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ لَهُ التَّرْكُ حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ السَّلَامَةُ.
(السَّبَبُ الرَّابِعُ) كَوْنُ مُتَعَلِّقِهِ مَكْرُوهًا فَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ لَا كَرَاهَةَ الْمَقَاصِدِ كَالدُّعَاءِ بِالْإِعَانَةِ عَلَى اكْتِسَابِ الرِّزْقِ بِالْحِجَامَةِ وَنُزُوِّ الدَّوَابِّ وَالْعَمَلِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيَّاتِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ بِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الدُّعَاءِ بِكُلِّ مَا نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهِ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ.
(السَّبَبُ الْخَامِسُ) لِلْكَرَاهَةِ عَدَمُ تَعْيِينِهِ قُرْبَةً بَلْ يُطْلَقُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ فِي الْكَلَامِ وَتَحْسِينِ اللَّفْظِ مِنْ الَّذِي يُلَابِسُهُ كَمَا يَجْرِي
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْحُصُولِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْعَكْسِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ بِالضَّرُورَةِ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ مُطْلَقًا.
وَكَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ إنَّ كَوْنَ الدَّاعِي يَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أُمَّتِهِ مَجْهُولٌ فَمَا طَلَبَ إلَّا مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى التَّقْرِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي هَذَا الرَّفْعِ وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَ الْمَفْهُومِ حُجَّةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ هَاهُنَا إجْمَاعًا، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ الْكَفَّارَةُ إمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا فَالرَّفْعُ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْفُرُوعِ النِّسْيَانِ وَغَيْرِهِ فَيَبْطُلُ الْمَفْهُومُ وَاسْتَوَتْ الْخَلَائِقُ فِي الرَّفْعِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ فَلَا يَكُونُ قَدْ شُرِعَ فِي حَقِّهِمْ مَا لَيْسَ سَبَبًا فِي حَقِّنَا بَلْ كُلُّ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ التَّرْخِيصِ أَوْ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّنَا لَهُوَ سَبَبُ مَا ذُكِرَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ خُصُوصُ الْأُمَّةِ شَرْطًا فِي الرَّفْعِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْكُفَّارَ فِي الْفُرُوعِ أَشَدُّ حَالًا مِنْ الْأُمَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَلَيْسَ هُنَالِكَ فِي النِّسْيَانِ وَالْخَطَإِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الشَّارِعُ قَدْ أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ فِي الْأُمُورِ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِهِ.
وَأَمَّا إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 47] وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُمْ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْ يَكُونُ فِي الْأَعْرَافِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ وَلَمْ يُعْلَمْ فِي هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ قَدْ سَمِعُوا تِلْكَ النُّصُوصَ فِي الدُّنْيَا وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنْ النَّارِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لَا يَدْخُلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ لَهُمْ، فَلَا يَرِدُ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لِقَوْلِ الْمُفَسَّرَيْنِ إنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَهُمْ عَلَى خَوْفٍ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ وَأَهْوَالُ الْقِيَامَةِ تُوجِبُ الدَّهَشَ عَنْ الْمَعْلُومَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّسُلَ عليهم السلام لَمَّا قِيلَ لَهُمْ {مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} [المائدة: 109] لِاسْتِيلَاءِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ جِهَةِ هَوْلِ الْمَنْظَرِ، عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ وَلَا ذَمَّ إلَّا مَعَ التَّكْلِيفِ. اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَعْصِيَةٌ إلَّا مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَكَيْفَ يُقَاسُ الْخَالِقُ بِالْمَخْلُوقِ وَالرَّبُّ بِالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ النَّقْصُ وَالْمَخْلُوقُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّقْصُ، ثُمَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ عَرِيٌّ عَنْ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى طَلَبِ مِثْلِهِ أَوْ الْإِجَابَةِ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ وَلِمَ لَا يَكُونُ الدُّعَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ وَبِمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَمْتَنِعُ وَيَتَعَذَّرُ عَقْلًا وَعَادَةً مُتَنَوِّعًا بِحَسَبِ الدَّاعِي بِهِ فَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ تَعَذُّرِهِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْغَافِلِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ غَافِلٍ فَإِنْ كَانَ قَاصِدُ الطَّلَبِ ذَلِكَ الْمُتَعَذِّرَ بِعَيْنِهِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْعِوَضَ كَمَا إذَا طَلَبَ غَيْرَ الْمُتَعَذِّرِ وَكَانَ مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ جَزَاءً لَهُ عَلَى لَجْئِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِهَالِهِ إلَى عَظِيمِ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا التَّلَاعُبَ وَالِاسْتِهْزَاءَ أَوْ أَوْ التَّعْجِيزَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَاهُنَا يَكُونُ عَاصِيًا بِسَبَبِ قَصْدِهِ ذَلِكَ وَبِمُجَرَّدِ دُعَائِهِ بِالْمُتَعَذِّرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّهَابِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ.
وَإِنْكَارُ السَّامِعِ لِقَوْلِ الدَّاعِي اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِسَبَقِ الظَّنِّ السَّيْءِ بِذَلِكَ الدَّاعِي إلَى نَفْسِ السَّامِعِ لِذَلِكَ الدُّعَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ حَالُ الدَّاعِي فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ بَلْ إنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ كَانَ عَاصِيًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّسْيَانَ الْعُرْفِيَّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِمَّا لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَأَنَّ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ عَنْ التَّسَبُّبِ، وَطَلَبُ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ طَلَبٌ لِلْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ عَنْهُ اهـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْجَلَالَ السُّيُوطِيّ فِي تَكْمِلَتِهِ لِتَفْسِيرِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ قَالَ مَا تَوْضِيحُهُ مِنْ حَاشِيَةِ الْجَمَلِ عَلَيْهِ إنَّ طَلَبَ رَفْعِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ اعْتِرَافًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ قَالَ الْجَمَلُ أَيْ فَالْقَصْدُ مِنْ سُؤَالِ هَذَا الرَّفْعُ وَطَلَبُهُ الْإِقْرَارَ وَالِاعْتِرَافَ