الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في آخر سورة البقرة]
قوله [كفتاه] أي عن حق قراءة القرآن، فلو قرأ قارئ كل يوم آيتين لم يعد تاركًا للقراءة، وفيه وجوه أخر (1).
قوله [وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم] يعني أنه صلى الله عليه وسلم شبههما بثلاثة أشياء للتقرير في ذهن السامع، والمراد أن التشبيه صحيح بأي الثلاثة شئت ولكن أحفظ الثلاثة معًا لم أنس شيئًا منها. قوله [كأنهما غيايتان] الغياية (2) ما أظلك
(1) ففي البذل: كفتاه أي أجزأنا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل: أجزأنا عنه يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالًا، وقيل: معناه كفتاه كل سوء، وقيل: كفتاه شر الشيطان، وقبل: دفعا عنه شر الإنس والجن، وقيل: كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر، ويجوز أن يراد جميع ما تقدم، قاله الحافظ والنووي، انتهى.
(2)
ذكر في المجمع: هي بتحتيتين كل ما أظلك، وقال القارئ:(فإنهما) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما، أو هما يتصوران ويتجسدان ويتشكلان (تأتيان) أي تحضران (يوم القيامة كأنهما غمامتان) أي سحابتان تظلاني صاحبهما عن حر الموقف، قيل: هي ما يغم الضوء ويمحوه لشدة كثافته (أو غيابتان) بالبائين ما يكون أدون منهما في الكثافة، وأقرب إلى رأس صاحبهما كما يفعل بالملوك، فيحصل عند الظل والضوء جمعيًا (أو فرقان) بكسر الفاء أي طائفتان (من طير) جمع طائر (صواف) جمع صافة، وهي الجماعة الواقفة على الصف أو الباسطان أجنحتها متصلًا بعضها ببعض، وهذا أبين من الأولين إذ لا نظير له في الدنيا إلا ما وقع لسليمان، وأو يحتمل التخيير في التشبيه، والأولى أن يكون لتقسيم التالين، قال الطبي: أو للتنويع، فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما، والثاني لمن جمع بينهما، والثالث لمن ضم إليهما تعليم الغير، انتهى، وذكرت تمام الكلام لما فيه من الفوائد، انتهى.
وأحاط بك، فإنهما يحيطان القارئ، ويحفظانه عن العذاب والهول.
قوله [وبينهما شرق] بفتح الشين (1) أي شبه فرجة تفصل بينهما
(1) قال في المجمع: الشرق ها هنا الضوء، الشرق ها هنا الضوء، وهو الشمس والشق أيضًا، وسكون الراء أشهر من فتحها، أي ضوء أو شق أي فرجة وفصل ليميزها بالبسملة، انتهى. قال النووي: هو بفتح الراء وإسكانها، أي ضياء ونور، وممن حكى الفتح والإسكان القاضي وآخرون، والأشهر في الرواية واللغة الإسكان، انتهى. وقال القاري: بفتح الشين المعجمة وسكون الراء أشهر من الفتح بعدها قاف، أي ضوء ونور الشرق هو الشمس تنبيهًا على أنهما مع الكثافة لا يستران الضوء، وقيل: أراد بالشرق الشق، وهو الانفراج، أي بينهما فرجة وفصل ليميزها بالبسملة في المصحف والأول أشبه، وهو أنه أراد به الضوء لاستغنائه بقوله ظلتان عن بيان البينونة، فإنهما لا تسميان ظلتين إلا وبينهما فاصلة، اللهم إلا أن يقال: فيه تبيان أنه ليست ظلة فوق ظلة، بل متقابلتان بينهما بينونة مع أنه يحتمل أن يكونا ظلتين متصلتين في الإبصار منفصلتين بالاعتبار، انتهى. ولعلك قد عرفت أن المحصول من المجموع ثلاثة توجيهات للحديث: الأول أن بينهما فرجة كمقدار فرجة البسملة بين السورتين، والثاني بينهما ضوء ونور ولعله ثواب البسملة. والثالث أن لفظه بينهما بمعنى فيهما يعني أن الغيايتين مع كثافتهما فيهما شيء من الضياء أيضًا.
ليعلم (1) أنهما آيتان بمنزلة البسملة. قوله [طير صواف] أي لاصقة (2) أجنحتها بأجنحة الأخرى كالصف الواحد وباسطها.
قوله [ومعنى ها الحديث عند أهل العلم أنه يجيء ثواب العمل إلخ] لما كان لمتوهم أن يتوهم أن القرآن كلام الله من أعظم الأشياء فكيف يتصور تحيزه بما هو محاط منحاز كالغيابة وأختيها، أولوا هذا الحديث بأن المراد (3) ثواب العمل لا نفس ذات القرآن، ثم أراد أن يورد سندًا على دعواه ذلك من كلام أحد من القدماء فقال: وأخبرني محمد بن إسماعيل إلخ فعلم أن آية الكرسي لما كانت كذلك وهي أصغر بكثير من البقرة وآل عمران فأنى يتصور تمثل البقرة وآل عمران بالغياية أو الغمامة المحيطة للقارئ مع عظمهما واستخراج له إشارة من الرواية أيضًا وهي قوله: الذين يعملون بهما، فإن المذكور لما كان هو العامل، فالظاهر أن
(1) هكذا في المنقول عنه، ولم أتحصله حق التحصيل، ولعله ليعلم أنهما آيتان بمنزلة البسملة، وعلى هذا فالمعنى أن السورتين آيتان بمرتبة البسملة وثوابهما أيضًا، ويحتمل أن يكون اثنان بمنزلة البسملة، وعلى هذا فقوله بمنزلة البسملة بيان فرجة أي فرجة بمقدار البسملة، وفرج بينهما ليعلم أنهما سورتان، وفيه احتمالات أخر تظهر بالتأمل.
(2)
كما تقدم قريبًا في كلام القاري.
(3)
وبذلك جزم النووي إذ قال: قال العلماء: المراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين، انتهى.
الساتر عليه إنما هو ثواب عمله وأنت تعلم أنه لا يفتقر في تأويل الحديث المذكور في الباب، وكذا ما ورد من أمثاله إلى هذا التكلف، فإن تجلي العظيم كيفما كان في صورة صغيرة (1) أو الغير المحاط بشيء في هيئة محاطة غير بعيد، أو ما ترى حديث (2) الساق. فإنه قد ورد فيه أن الرب سبحانه وتعالى يتجلى لهم في غير صورته التي علموها فيقولون معاذ الله إلخ، فلما ثبت تجليه سبحانه، وهو أعظم من كل عظيم فأنى يستبعد مجيء القرآن وهو كلامه، وتجليه على القاري في هيئة محوزة مع أن المتاوليس هو كلام الله القديم المعبر بالكلام النفسي، بل الألفاظ
(1) وهو أحد الاحتمالين المذكورين في كلام القاري إذ قال: أو هما يتصوران ويتجسدان ويتشكلان، انتهى. وهكذا في (نفع القوت) عن الطيبي إذ قال: أو يصور صورة ترى يوم القيامة كما تصور كل أعمال العباد خيرًا وشرًا فتوزن فليقبل المؤمن أمثال هذا، ويعتقده بإيمانه كما أراده تعالى إذ لا سبيل للعقل في مثله، انتهى.
(2)
وهو حديث طويل مشهور في الحشر ذكره في (جمع الفوائد) بطوله برواية الشيخين وغيرهما عن أبي سعيد، وفيه بعد ذكر تساقط اليهود والنصارى في النار: حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال فيما تنظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم تصاحبهم فيقول أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا، فيقول: هل بينكم وينه آية فتعرفونه بها، فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، الحديث. وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مختصرًا بلفظ: يأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، الحديث.