المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه - الكوكب الدري على جامع الترمذي - جـ ٤

[رشيد الكنكوهي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في فضل فاتحة الكتاب]

- ‌[باب في آخر سورة البقرة]

- ‌[باب في سورة الكهف]

- ‌[باب ما جاء في يس]

- ‌[باب ما جاء في سورة الملك]

- ‌[باب في إذا زلزلت]

- ‌[باب في سورة الإخلاص]

- ‌[باب في المعوذتين]

- ‌[باب في فضل قارئ القرآن]

- ‌[باب في تعليم القرآن]

- ‌[باب من قرأ حرفاً من القرآن]

- ‌أبواب القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[من سورة آل عمران]

- ‌[سورة النساء]

- ‌[سورة المائدة]

- ‌[ومن سورة الأنعام]

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌[سورة التوبة]

- ‌[من سورة يونس]

- ‌[من سورة هود]

- ‌[من سورة يوسف]

- ‌[من سورة الرعد]

- ‌[من سورة إبراهيم]

- ‌[من سورة الحجر]

- ‌[من سورة النحل]

- ‌[من سورة بني إسرائيل]

- ‌[سورة الكهف]

- ‌[من سورة مري

- ‌[من سورة طه]

- ‌[من سورة الأنبياء]

- ‌[من سورة الحج]

- ‌[من سورة المؤمني

- ‌[سورة النور]

- ‌[من سورة الفرقان]

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌[سورة النمل]

- ‌[من سورة الروم]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌[سورة سبأ]

- ‌[سورة الملائكة]

- ‌[سورة يس]

- ‌[سورة الصافات]

- ‌[سورة ص]

- ‌[سورة الزمر]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الشورى]

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌[سورة الدخان]

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[سورة الفتح]

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌[سورة ق]

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌[سورة النجم]

- ‌[سورة القمر]

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌[سورة الحديد]

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌[سورة الحشر]

- ‌[سورة المممتحنة]

- ‌[سورة الصف]

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌[سورة المنافقين]

- ‌[سورة التغابن]

- ‌[سورة التحريم]

- ‌[سورة ن والقلم

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌[سورة سأل سائل

- ‌[سورة الجن]

- ‌[سورة المدثر]

- ‌[سورة القيامة]

- ‌[سورة عبس]

- ‌[سورة المطففي

- ‌[سورة إذا السماء انشقت]

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة ألم نشرح]

- ‌[سورة القدر]

- ‌[سورة لم يكن]

- ‌[سورة ألهاكم التكاثر

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الفتح

- ‌[سورة المعوذتين]

- ‌[باب]

- ‌أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب الداعي يبدأ بنفسه]

- ‌[باب ما يقول إذا رأى الباكورة]

- ‌[باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إل

- ‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

- ‌باب الصدقة مشتمل على أبواب شتى

- ‌[مناقب عمر]

- ‌[مناقب عثمان]

- ‌[مناقب علي]

- ‌[مناقب الحسن والحسي

- ‌[مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه

- ‌[باب في فضل فاطمة]

- ‌[فضل عائشة]

- ‌[باب في فضل المدينة]

- ‌[باب فضل مكة]

الفصل: ‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

قوله [أبرأ إلى كل خليل من خله (1)] يعني لو كان لأحد خلة بي فإني

(1) قال المجد: الخل والخلة بكسرهما أي المصادقة والإخاء، انتهى. وفي الحديث عدة أبحاث مفيدة لا يسع المحل الكلام على جملتها بالتفصيل، ونذكر بعضًا منها مختصرًا: الأول في معنى الخلة، قال الزمخشري: الخليل هو الذي يوافقك في خلالك ويسايرك في طريقك، أو الذي يسد خللك وتسد خلله، أو يداخلك خلال منزلك، وقيل: أصل الخلة انقطاع الخليل إلى خليله، وقيل: الخليل من يتخلل سرك، وقيل: من لا يسع قلبه غيرك، وقيل: أصل الخلة الاستصفاء، وقيل: المختص بالمودة، وقيل: اشتقاق الخليل من الخلة وهي الحاجة، فعلى هذا فهو المحتاج إلى من يخاله، وهذا كله بالنسبة إلى الإنسان. أما خلة الله للعبد فبمعنى نصره له ومعاونته، كذا في الفتح، والثاني اختلف في المودة والخلة والمحبة والصداقة هل هي مترادفة أو مختلفة، قال أهل اللغة: الخلة الصداقة والمودة، ويقال: الخلة أرفع رتبة وهو الذي يشعر به حديث الباب، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي، فإنه يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم، وقد ثبت محبته لجماعة من أصحابه كأبي بكر وفاطمة وعائشة والحسنين وغيرهما، إلى آخر ما بسطه الحافظ وغيره، والثالث اتصاف إبراهيم عليه السلام بالخلة، ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمحبة، ويشكل إذا كانت الخلة أرفع، وأجاب الحافظ بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم ثبت له الأمران معًا فيكون رجحانه من الجهتين، والرابع ما قال الحافظ أيضًا: قد تواردت الأحاديث على نفي الخلة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس، وأما ما روى عن أبي بن كعب قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول: إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً وإن خليلي أبو بكر، ألا وإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، أخرجه أبو الحسن الحربي، ويعارضه ما في رواية جندب عند مسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن ثبت حديث أبي أمكن أن يجمع بينهما بأنه لما برئ من ذلك تواضعًا لربه وإعظامًا له أذن الله تعالى له فيه من ذلك اليوم لما رأى من تشوقه إليه وإكرامًا لأبي بكر بذلك، فلا يتنافى الخبران، أشار إلى ذلك المحب الطبري، وقد روى من حديث أبي أمامه نحو حديث أبي بن كعب دون التقييد بالخمس، أخرجه الواحدي في تفسيره، والخبران واهيان، انتهى. والخامس ما قال الداودي: لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما: أخبرني خليلي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك جائز لهم، ولا يجوز للواحد منهم أن يقول: أنا خليل النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا يقال: إبراهيم خليل الله، ولا يقال: الله خليل إبراهيم، قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه، انتهى. وفيه أبحاث أخر.

ص: 394

أبرأ إليه من أن أتخذه خليلاً ويرجع إليه خلتي، بل الخلة لي مع الله سبحانه، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر، لكونه أحرى بذاك وأولى من كل مؤمن. قوله [قالت: ثم أبو عبيدة بن الجراح] فأما إن لم تكن عالمة (1) بالترتيب

(1) فإن الترتيب عند الجمهور أن الخلفاء الراشدين أفضل الأمة على ترتيب الخلافة، قال الحافظ بعد ما بسط الكلام في التخيير بعد الشيخين: نقل البيهقي في الاعتقاد بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي: أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، انتهى. وقال السيوطي في التدريب: أفضلهم على الإطلاق أبو بكر ثم عمر بإجماع أهل السنة، وممن حكى الإجماع القرطبي، وقال: لا مبالاة بأقوال أهل الشيع ولا أهل البدع، وكذا حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين على ذلك، انتهى. وقد أجاب شيخ المشايخ الدهلوي في الإنجاح عن حديث الباب بأن المحبة تختلف بالأسباب والأشخاص، فقد يكون للجزئية، وقد يكون بسبب الإحسان، وقد يكون بسبب الحسن والجمال وأسباب أخر لا يمكن تفصيلها، ومحبته صلى الله عليه وسلم لفاطمة للجزئية والزهد، ومحبته لعائشة للزوجية والتفقه، ومحبة أبي بكر =وعمر وأبي عبيدة بسبب القدم في الإسلام وإعلاء الدين ووفور العلم، فإن الشيخين لا يخفى حالهما، وأما أبو عبيدة فقد فتح الله على يديه فتوحًا كثيرة في خلافة الشيخين، وسماه صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة، والمراد في هذا الحديث محبته صلى الله عليه وسلم لهذا السبب، فلا يضر ما جاء في الأحاديث الأخر إلخ.

ص: 395

كملا، أو كانت قد علمت أن الترتيب إنما هو أبو بكر وعمر وعثمان إلا أنها ذكرت أبا عبيدة بصفة مخصوصة فيه كالأمانة أو غيرها مما هي عالمة بها، فقالت: إن الشيخين فضلهما على سائر الصحابة كلي، وفي كل فضيلة، وفضل أبي عبيدة على من وراءهما من الصحابة جزئي، ولا ضير في كون أبي عبيدة أفضل من عثمان في صفة مخصوصة.

قوله [وأنعما] أي صارا ذا نعمة في إحراز ذلك فيكون يانا لما سبق، أي إنهما فيما أوتي لهما منعمان، أو يكون زائدًا على ما أثبته لهما أولاً، والمعنى أنهما أحرزا نعمًا وراء ما ذكر، وصارا ذا نعمة فوق الذي ذكرت من شأنهما.

قوله [ألا تعجبون من هذا الشيخ إلخ] لم يكن ذلك اعتراضًا عليه رضي

ص: 396

الله عنه بل استكشافًا عما خفيت علته، واستفهامًا لما لم يتبين سببه، وتعجبًا (1) عن رقة قلبه. قوله [فكان أبو بكر أعلمهم] وكان من علمه أنه لما سمع القصة علم أن المخير هو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخير بينهما إلا نبي، ولا نبي في زمانه سواه.

قوله [ولكن ود وإخاء إيمان] ولما كان سببه الإيمان كما يشعر به الإضافة إلى الإيمان كان أكملهم إيمانًا أحب إليه صلى الله عليه وسلم وهو أبو بكر رضي الله عنه، لأنه قارب أن يبلغ الصداقة معه والخلة، وكاد أن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً.

قوله [لا تبقين في المسجد خوخة إلخ] وقد ورد (2) في بعض الروايات:

(1) قال العيني: يعني كانوا يتعجبون من تفديته إذ لم يفهموا المناسبة بين الكلاميين، وفي الحديث الذي في كتاب الصلاة من البخاري: فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ؟ والقائل أبو سعيد، وجاء في حديث ابن عباس عند البلاذري: فقال له أبو سعيد: ما يبكيك يا أبا بكر! فذكر الحديث، انتهى.

(2)

قال الحافظ: جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب، ثم ذكر الروايات التي فيها استثناء باب على من حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد والنسائي بإسناد قوي، قال: وفي رواية للطبراني في الأوسط برجال ثقات قال: يا رسول الله سدت أبوابنا، فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها، ومن رواية زيد بن أرقم عند أحمد والنسائي والحاكم برجال ثقات، ومن حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي برجال ثقات بلفظ: أمر بسد الأبواب غير باب علي، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره، وغير ذلك من الروايات، ثم قال: وهذه الأحاديث يقوى بعضها بعضًا، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها، وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرًا على بعض طرقه عنهم، وأعله لبعض من تكلم فيه، وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق، وأعله أيضًا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر، انتهى. وأخطأ في ذلك خطأ شنيعًا، فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن، وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال: ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي رضي الله عنه، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري، يعني الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك، والمعنى أن =باب علي رضي الله عنه كان إلى جهة المسجد، ولم= يكن =لبيته باب غيره، فلذلك لم يؤمر بسده، ويؤيد ذلك ما أخرجه إسمعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي رضي الله عنه لأن بيته كان في المسجد، ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين، ففي الأول استثنى على لما ذكر، وفي الأخرى استثني أبو بكر، ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة، كما صرح في بعض طرقه، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخًا يستقربون الدخول إلى المسجد منها، فأمروا بعد ذلك بسدها، فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع الطحاوي في مشكل الآثار، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار، وصرح بأن بيت أبي بكر رضي الله عنه كان له باب من خارج المسجد، وخوخة إلى داخل المسجد، وبيت علي رضي الله عنه لم يكن له باب إلا من داخل المسجد، انتهى.

ص: 397

لا يبقين إلا باب علي، وظن التعارض وليس بشيء، فإن الوقعة متعددة واستثناء علي رضي الله عنه كان في الأول حين أمر أ، لا يبقى في المسجد باب لأحد إلا باب النبي صلى الله عليه وسلم وباب علي رضي الله عنه، فسد الناس أبوابهم وأخذوا في المسجد خوخات، فلما كان أيام وفاته صلى الله عليه وسلم أمر بسد الخوخات وسد باب على كلها إلا خوخة أبي بكر، فليكن منك على ذكر.

قوله [لا أدري ما بقائي فيكم] يعني مع علمه إجمالاً بقرب أجله لم يكن له علم بأيام بقائه فينا تفصيلاً.

قوله [سيدا كهول أهل الجنة] لا شك (1) أن حصول درجات الجنة

(1) الكهول بضمتين جمع الكهل، وهو على ما في القاموس من جاوز الثلاثين أو أربعًا وثلاثين إلى إحدى وخمسين، فاعتبر ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث، وإلا لم يكن في الجنة كهل، كقوله تعالى:{وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} وقال الشارح: يعني الكهول عند الدخول، وهو معلول مدخول، وقيل: سيدا من مات كهلاً من المسلمين فدخل الجنة، لأنه ليس فيها كهل بل من يدخلها ابن ثلاث وثلاثين، وإذا كانا سيدي الكهول فأولى أن يكونا سيدا شباب أهلها، انتهى. وفيه بحثان لا يخفيان قاله القاري، وقال أيضًا: إنما قال: سيدا كهول أهل الجنة مع أن أهل الجنة شباب إشارة إلى كمال الحال، فإن الكهل أكمل الإنسانية عقلاً من الشباب، ومدارج الجنة على قدر العقول، انتهى. قلت: وعلى القول بأن الكهل من جاوز الثلاثين أهل الجنة كلهم كهول، ففي كهول أهل الجنة على القول الثاني.

ص: 399

ومراتبها على حسب الكمالات العلمية والعملية التي حصلها المرء في أيام بقائه في الدنيا، فمن نشأ في عبادة الله وشب فيها حتى بلغ سن الكهولة تكون قوته العلمية والعملية أزيد ممن ليس كذلك، فلما فضل النبي صلى الله عليه وسلم صاحبيه على كهول الجنة وليس هناك كهل وإنما أهل الجنة جرد مرد، كان المقصود تفضيلهما على من أكمل قوتيه العلمية والعملية في دار الدنيا، وأما إذا فضلا على من كان كذلك كان فضلهما على من (1) ليس كذلك أوضح وأبين، فما ورد في شأن الحسنين رضي الله عنهما (2) دون ما ورد في شأن الشيخين رضي الله عنهما، فلا يلزم المعارضة، فهما سيدان لمن مات شابًا، وهذان للكل.

(1) ويؤيد ذلك ما ورد من الزيادة في بعض الروايات، فقد قال القاري: وفي الجامع الصغير: رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن علي، وابن ماجة عن أبي جحيفة، وأبو يعلى والضياء في المختارة عن أنس، والطبراني في الأوسط عن جابر وأبي سعيد، وفي الرياض عن علي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، يا علي لا تخبرهما، أخرجه الترمذي وقال: غريب، وأخرجه عن أنس وقال: حسن غريب، وأخرجه أحمد وقال: سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين، وأخرجه المخلص الذهبي ولم يقل شبابها، انتهى.

(2)

وهو ما سيأتي عند المصنف برواية أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، انتهى. وروى عن غير واحد من الصحابة كما ذكرها القاري.

ص: 400

قوله [يا على لا تخبرهما] أما توجيه (1) ذلك بأنه لئلا يدركهما العجب فمنقصة لهما وسوء ظن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحط لهما عن درجتهما، فأما أن يقال: إن النهي ليكون النبي صلى الله عليه وسلم هو المخبر إياهما بذلك فيكون العلم الحاصل لهما بخبره علم يقين، بخلاف إخبار علي فإن العلم الحاصل به لكان ظنيًا، أو يقال: إنما نهى عن الأخبار ليكون ما يحصل لهما بعد الحشر نعمة غير مترقبة، فيكون السرور به أوفر منه إذا كان وجدانه على انتظار منهما وترقب، أو يقال: إنما نهى لئلا يكون لهما استضرار بكثرة السرور ولا يأخذهما الحمام لشدة الفرح، فإن ذلك نعمة ليس فوقها (2) نعمة، فعس أن لا يأخذهما تحمل إذا أخبروا به فيخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا يخاف ذلك منهما.

قوله [إنكن لأنتن صواحب يوسف] أي في إزلالي (3) عما أردت (4)

(1) وبذلك جزم القاري إذ قال: ربما سبق إلى الوهم أنه عليه السلام خشي عليهما العجب، وذلك وإن كان من طبع البشرية إلا أن منزلتهما عنده صلى الله عليه وسلم أعلى من ذلك، وإنما معناه لا تخبرهما قبلي لأبشرهما بنفسي فيبلغهما السرور مني، انتهى.

(2)

وذلك لأن كل نعمة تحصل لأحد من أهل الجنة تكون لسيدهم أولاً وبالذات وللاتباع ثانيًا وبالعرض، كما لا يخفى.

(3)

قال المجد: زلت تزل وزللت كمللت: زلقت في طين أو منطق، وأزله غيره واستزله، انتهى.

(4)

وفي المجمع: أراد تشبيه عائشة بزليخا وحدها وإن جمع في الطرفين، ووجهه إظهار خلاف ما أرادنا، فعائشة أرادت ألا يتشاءم الناس به وأظهرت كونه لا يسمع المأمومين، وزليخا أرادت أن ينظرن حسين يوسف ليعذرنها في محبته وأظهرت الإكرام في الضيافة، وقيل: أرادت صواحبها بإتيانهن ليعتبنها ومقصودهن أن يدعون يوسف لأنفسهن، أو أراد أنتن تشوشن الأمر علي كما أنهن يشوشن على يوسف، انتهى.

ص: 401

كما أزللن يوسف حين قلن له ما قلن، أو المعنى إنكن صواحب يوسف حين أظهرن له أن يلتفت إلى زليخا وهن يقصدن لفتته (1) إليهن أنفسهن، فكذلك أنتن تبدين لي أشياء وفي قلوبكم (2) غيرها، وذلك أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن لا يتشاءم الناس بأبي بكر، وحفصة أرادت تقدم أبيها على القوم، وكلتاهما مظهرة له صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر بتقدمه لا يكاد يسمعهم القرآن رقة.

قوله [نودي من أبواب الجنة (3)] أي من أبواب الصدقة كلها، فإن

(1) قال المجد: لفته يلفته لواه وصرفه عن رأيه، وقال الصاوي: وورد ما من امرأة إلا دعته لنفسها.

(2)

قلت: ويحتمل أن يكون التشبيه فيما حكى عامة المفسرين في قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} سمى مكرًا لأنهن طلبن بذلك رؤية يوسف لأنه قد وصف لهن حسنه وجماله فتعلقن به وأجبن أن يريه.

(3)

ليس هذا لفظ الترمذي في النسخ التي بأيدينا، بل لفظه: من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير، ولعل الشيخ ذكر هذا اللفظ على سبيل التفسير، فإن ذلك هو المراد لما ورد في عامة الروايات كما في البخاري وغيره بهذا اللفظ، وحاصل ما أفاد الشيخ في تقريره جواب لطيف لا يراد يقع على ظاهر الحديث، فإن ظاهره أن المتفق يدعى من الأبواب كلها، وعلى هذا فيشكل سؤال أبي بكر، فإن منفق الزوجين لا يعد ولا يحصى في الأمة، فكيف سؤال أفهم الناس وأعلمهم، وأيضًا فيشكل ما ورد في الروايات الأخر من التخصيص، كما في صوم البخاري برواية سهل مرفوعًا: إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد، وذكر الحافظ برواية أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي هريرة: لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل، وحاصل ما أجاب الشيخ بأن للجنة أبوابًا كبارًا وتحت كل باب منها أبواب صغار، فالمراد في الحديث الأبواب الصغار الداخلية تحت باب الصدقة، وعلى هذا فلا إشكال بالروايات الأخر، وأيضًا لا إشكال في سؤال أبي بكر فإن مراده الدعاء من الأبواب كلها الكبار والصغار، وهذا أسهل مما اختاره الشراح من المعاني في توجيه الحديث، مثل ما قال القاري: أي دعته الخزنة من جميع أبوابها، وفيه تنبيه أنه عمل عملا يوازي الأعمال يستحق بها الدخول من تلك الأبواب على أجمل الأحوال، ويمكن أن يكون التقدير من أحد أبوابها لما ورد أن للصدقة بابًا، ويقويه سؤال الصديق، انتهى. ومثل ما قال العيني وغيره: المراد بهذه الأبواب غير الأبواب الثمانية، ومثل ما تكلفوا بأن الانفاق في الصلاة قوت المصلى وثوبه، أو أن يبنى مسجدًا، والنفقة في الصيام أن يفطر صائمًا وغير ذلك. نعم بقى في الحديث إشكال وهو أن الوارد على الحوض لا يظمأ أبدًا فأي فاقة له إلى باب الريان، ومن يدخل من باب الريان لابد أن يسبقه على الحوض، وهذا ضروري وإن لم يكن عكسه ضروريًا كما في الأوجز.

ص: 402