المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب فضل مكة] - الكوكب الدري على جامع الترمذي - جـ ٤

[رشيد الكنكوهي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في فضل فاتحة الكتاب]

- ‌[باب في آخر سورة البقرة]

- ‌[باب في سورة الكهف]

- ‌[باب ما جاء في يس]

- ‌[باب ما جاء في سورة الملك]

- ‌[باب في إذا زلزلت]

- ‌[باب في سورة الإخلاص]

- ‌[باب في المعوذتين]

- ‌[باب في فضل قارئ القرآن]

- ‌[باب في تعليم القرآن]

- ‌[باب من قرأ حرفاً من القرآن]

- ‌أبواب القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[من سورة آل عمران]

- ‌[سورة النساء]

- ‌[سورة المائدة]

- ‌[ومن سورة الأنعام]

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌[سورة التوبة]

- ‌[من سورة يونس]

- ‌[من سورة هود]

- ‌[من سورة يوسف]

- ‌[من سورة الرعد]

- ‌[من سورة إبراهيم]

- ‌[من سورة الحجر]

- ‌[من سورة النحل]

- ‌[من سورة بني إسرائيل]

- ‌[سورة الكهف]

- ‌[من سورة مري

- ‌[من سورة طه]

- ‌[من سورة الأنبياء]

- ‌[من سورة الحج]

- ‌[من سورة المؤمني

- ‌[سورة النور]

- ‌[من سورة الفرقان]

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌[سورة النمل]

- ‌[من سورة الروم]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌[سورة سبأ]

- ‌[سورة الملائكة]

- ‌[سورة يس]

- ‌[سورة الصافات]

- ‌[سورة ص]

- ‌[سورة الزمر]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الشورى]

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌[سورة الدخان]

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[سورة الفتح]

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌[سورة ق]

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌[سورة النجم]

- ‌[سورة القمر]

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌[سورة الحديد]

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌[سورة الحشر]

- ‌[سورة المممتحنة]

- ‌[سورة الصف]

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌[سورة المنافقين]

- ‌[سورة التغابن]

- ‌[سورة التحريم]

- ‌[سورة ن والقلم

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌[سورة سأل سائل

- ‌[سورة الجن]

- ‌[سورة المدثر]

- ‌[سورة القيامة]

- ‌[سورة عبس]

- ‌[سورة المطففي

- ‌[سورة إذا السماء انشقت]

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة ألم نشرح]

- ‌[سورة القدر]

- ‌[سورة لم يكن]

- ‌[سورة ألهاكم التكاثر

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الفتح

- ‌[سورة المعوذتين]

- ‌[باب]

- ‌أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب الداعي يبدأ بنفسه]

- ‌[باب ما يقول إذا رأى الباكورة]

- ‌[باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إل

- ‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

- ‌باب الصدقة مشتمل على أبواب شتى

- ‌[مناقب عمر]

- ‌[مناقب عثمان]

- ‌[مناقب علي]

- ‌[مناقب الحسن والحسي

- ‌[مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه

- ‌[باب في فضل فاطمة]

- ‌[فضل عائشة]

- ‌[باب في فضل المدينة]

- ‌[باب فضل مكة]

الفصل: ‌[باب فضل مكة]

والأصل المترتب على حرمته تغليظ الجناية فيه لو سيئة، وتكثير الأجر لو حسنة.

[باب فضل مكة]

قوله [واقفًا على الحزورة (1)] وكان ذلك حين رجع من عمرة القضاء (2).

(1) قال ياقوت الحموي: بالفتح ثم السكون وفتح الواو وراء وهاء، هو في اللغة: الرابية الصغيرة، قال الدارقطني: كذا صوابه، والمحدثون يفتحون الزاي ويشددون الواو، وهو تصحيف، وكانت الحزورة سوق مكة، وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه، ثم ذكر حديث الباب وقال الدمنتي: بحاء فزاي كقسورة: موضع بمكة عند باب الحناطين، قال الشافعي: الناس يشددون الحزورة والحديدية وهما مخففتان، وفي الأمثال للمدائني: إن وكيع بن سلمة - وقد كان ولى البيت بعد جرهم - بنى صرحًا بأسفل مكة، وجعل أمة له تسمى حزورة، فبها سميت حزورة بمكة، انتهى. وهكذا في المرقاة، وزاد: وهو في الأصل التل الصغير، سميت بذلك لأنه هناك كان تلًا صغيرًا، وقيل: اسم سوق بمكة وهو الآن معروف بالغرورة، وهو باب الوداع، انتهى.

(2)

هكذا كتب الشيخ على هامش كتابه من ابن ماجة، وجزم القاري في المرقاة تحت حديث ابن عباس في هذا المعنى: قالها خطابًا لها حين وداعها، وذلك يوم فتح مكة. انتهى. ثم قال القاري: وفي الحديث دليل للجمهور على أن مكة أفضل من المدينة خلافًا للإمام مالك، وقد صنف السيوطى رسالة في هذه المسألة، وقال أيضًا بعد حديث الباب: فيه تصريح بأن مكة أفضل من المدينة كما عليه الجمهور، إلا البقعة التي ضمت أعضاءه صلى الله عليه وسلم فإنها أفضل من مكة، بل من الكعبة، بل من العرش إجماعًا، وتمحل المالكية في رد هذا الحديث من جهة المبنى والمعنى. انتهى. قلت: وتقدم شيء منه قريبًا في فضل المدينة، ثم قال الحافظ في الإصابة: انفرد برواية حديثه الزهري، واختلف عليه، فقال الأكثر: عنه عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي، وقال معمر فيه: عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ومرة أرسله، قال البغوي: لا أعلم له غيره. انتهى.

ص: 462

قوله [وأين العرب يومئذ] كأنها استبعدت وقوع ذلك الأمر والعرب (1) شجاعتهم وحميتهم تأبى أن يفورا منه إلى الجبال.

قوله [لأنا بهم أو ببعضهم (2)] والمعنى على تقدير الوثوق ببعض العجم نسبة إلى بعض العرب مستغن عن التأويل، إذ لا بعد فيه، وأما على تقدير كون العبارة لأنا بهم أوثق مني بكم فباعتبار أمور جزئية وكمالات (3) شخصية،

(1) وظاهر كلام الشيخ أن العرب جملتهم تكون قليلة إذ ذاك، لا يستطيعون المقاومة بمن مع الدجال، منهم سبعون ألفًا من يهود أصفهان عليهم الطيالسة، والله أعلم غيرهم. ويؤيد ذلك لفظ أحمد قال: كلهم قليل، وحكى القاري عن الطيبي أنه قال: الفاء جزاء شرط محذوف، أي إذا كان هذا حال الناس فأين المجاهدون في سبيل الله الذابون عن حريم الإسلام، فكنى عنهم بها، انتهى. قلت: والأوجه عندي الأول كما يشير إليه ذكر المصنف الحديث في فضل العرب، ويؤيده أيضًا حديث أم الجرير المتقدم، بخلاف ما أفاد الطيبي فإنه يشير إلى قلة المجاهدين لا إلى قلة العرب.

(2)

بسط القاري في تعلق هذه الجوار والصلات فأرجع إليه لو شئت التفصيل، والمعنى ظاهر، وهو أن وثوقي بهم أو ببعضهم أكثر من وثوقي بكم أو ببعضكم.

(3)

وهذا أوجه مما قال الطيبي من أن المخاطبين بقوله: بكم أو ببعضكم، قوم مخصوصون دعوا إلى الاتفاق في سبيل الله فتقاعدوا عنه، فهو كالتأنيب والتعبير عليهم، ويدل عليه قوله تعالى في الحديث السابق:{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} الآية، فإنه جاء عقيب قوله تعالى:{هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية، يعني أنتم هؤلاء المشاهدون بعد ممارستكم الأحوال وعلمكم بأن الإنفاق في سبيل الله خير لكم تدعون إليه فتثبطون عنه وتتولون، فإن استمر توليكم يستبدل الله قومًا غيركم بذالون لأرواحهم وأموالهم في سبيل الله، ولا يكونوا أمثالكم في الشح المبالغ، فهو تعرض، وبعث لهم على الإنفاق، فلا يلزم منه التفضيل. قال القاري: إن كان مراده أنه لا يلزم التفضيل: مطلقًا =فهو خلاف الكتاب والسنة، مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كان مراده أنه لا يلزم التفضيل المطلق فهو صحيح، إذ يدل على أنهم في بعض الصفات أفضل من العرب، ولا بدع أن يوجد في المفضول زيادة فضيلة بالنسبة إلى بعض فضائل الفاضل، فجنس العرب أفضل من جنس العجم بلا شبهة، وإنما الكلام في بعض الأفراد، انتهى. قلت: وما اختاره القاري هذا هو مفاد كلام الشيخ، والحديث السابق الذي أشار إليه الطيبي هو ما تقدم عند المصنف في تفسير سورة محمد من حديث أبي هريرة، وفيه: لو كان الدين بالثريا لتناوله رجال من فارس.

ص: 463

أو يقال: حكم على الكل بالفضل، وهو الوثوق بهم لفضيلة ذلك البعض، فاللفظ وإن كان عامًا لكن الفاصل هو ذلك المخصوص، وباعتباره تتعدى الكرامة إلى قومه قوله [هم أضعف قلوبًا وأرق أفئدة] أما الفرق (1) بين القلب

(1) اختلفوا في الفرق بينهما، قال العيني: الأفئدة جمع فؤاد، قال الخطابي: وصعب الأفئدة بالرقبة، والقلوب باللين؛ لأن الفؤاد غشاء القلب إذا رق نفذ القول فيه، وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ تعذر وصوله إلى داخله، فإذا صادف القلب شيئًا علق به، أي إذا كان لينًا، والمشهور أن الفؤاد هو القلب، فعلى هذا تكرار لفظ القلب بلفظين أولى من تكرره بلفظ واحد، وقيل: الفؤاد غير القلب وهو عين القلب، وقيل: غشاء القلب، انتهى.

ص: 464

الفؤاد ففرق الظاهر والباطن، فالأول القبول الظاهري، والثاني ظهور آثاره بحيث يعلم وصول الأمر إلى سويدائه، وليس المراد بالضعف هو الخور والجبن فإنهما قد أستعيذ منهما، فكيف يعدان منقبة ومدحًا، بل المراد هو ضد القساوة، والرقة واللين وإن كانا متقاربين لكنه قد يفرق بينهما ها هنا بأن (1) قوله [الملك (2)

(1) بياض في الأصل بعد ذلك، وحكى القاري عن القاضي: الرقة ضد الغلظة والصفاقة، واللين مقابل القساوة، انتهى. قلت: والروايات في ذلك مختلفة، ففي رواية للبخاري: هم أرق أفئدة وألين قلوبًا، وفي أخرى له: أضعف قلوبًا وارق أفئدة، قال العيني: قوله أضعف قلوبًا، وذكر فيما مضى ألين قلوبًا، لأن الضعف عبارة عن السلامة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصفت بها قلوب الآخرين. واللين عبارة عن الاستكانة وسرعة الإيجاب والتأثر بقوارع التذكير، انتهى. قلت: وتقدم الكلام على قوله: الإيمان يمان في أبواب الفتن.

(2)

قال القاري: قوله (الملك) بالضم أي الخلافة (في قريش) أي غالبًا، أو ينبغي أن تكون فيهم، وهو الأظهر المطابق لبقية القرائن الآتية، انتهى. قلت: وقد تقدم في (باب الخلفاء من قريش) الإجماع على أنهم مستحقون لذلك، ثم قال القاري:(والقضاء في الأنصار) أي الحكم الجزئي، قاله تطيبًا لقلوبهم، لأنهم آووا ونصروا، وبهم قام عمود الإسلام، ذكره ابن الملك، وقال في الأزهار: قيل المراد بالقضاء النقابة لأن القباء كانوا منهم، وقيل: القضاء الجزئي، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: أعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وقيل: القضاء المعروف لبعثه صلى الله عليه وسلم معاذًا قاضيًا، قال القاري: والأخير أظهر لقوله (الأذان في الحبشة) أي لأن رئيس مؤذنيه صلى الله عليه وسلم كان بلالًا وهو حبشي، والأمانة في الأزد أي أزد شنوءة، وهم حي من اليمن، ولا ينافي قول بعض الرواة، يعني (اليمن) لكن الظاهر المتبادر من كلامه إرادة عموم أهل اليمن، فإنهم أرق أفئدة وأهل أمن وإيمان، انتهى.

ص: 465

في قريش الخ] هذا بيان (1) لما كان الأمر وقع عليه إذ ذاك سواء كان للأبد كما في كون الملك لقريش، أو لا كما في الأذان.

قوله [يا ليت أبي كان الخ] سواء (2) كان تمنيه ذلك لمناقب باطنة أو مآثر

(1) وهذا المعنى لا غبار فيه ولا إشكال، ويؤيد ذلك ترجيح الترمذي وقفه، فان كان موقوفًا فالظاهر أن الصحابي بين ما رأى من تعامله صلى الله عليه وسلم في هذه الأمور قولًا وفعلًا.

(2)

وأشار الشيخ بذلك إلى ما اختلفوا فيه من سبب مدحهم، والباعث لهم بتلقيب أزد الله، قال القاضي: يريد بالأزد أزد شنوءة، وهو حي من اليمن أولاد أزد بن الغوث بن ليث بن مالك بن كهلان بن سبأ، وأضافهم إلى الله من حيث أنهم حزبه وأهل نصرة رسوله، وقال الطيبي: قوله أزد الله يحتمل وجوهًا: أحدها اشتهارهم بهذا الاسم لأنهم ثابتون في الحرب لا يفرون، وعليه كلام للقاضي، وثانيها أن تكون الإضافة للاختصاص والتشريف، كبيت الله وناقة الله، على ما يدل عليه قوله: يريد الناس أن يصنعوهم الخ، وثالثها أن يراد بها الشجاعة، والكلام على التشبيه، أي الأسد أسد الله، فجاء به إما مشاكلة، أو قلب السين زايًا، انتهى. وتبعه صاحب الأزهار من شراح المصابيح، لكن إنما يتم هذا لو كان الأسد بالفتح والسكون لغة في الأسد بفتحتين، وهو ليس كذلك على ما يفهم من القاموس، هكذا في المرقاة.

ص: 466

ظاهرة. قوله [وهو يكره ثلاثة أحياء] لما علم (3) من شيوع الفساد من بعضهم ولم تكن كراهة إلا لعلة، وإن كان يحبهم ويمدحهم لأخرى، ولا تنافي (4). قوله [ليس هكذا قال] إنما أنكره تخمينًا منه وحملًا للفظ: أنا منهم على الحقيقة، وظاهر أنه لا يصح، فلما أصر الراوي وهو عامر على أن اللفظة المنقولة هي التي قلتها سلم معاوية رضي الله عنه وحمل على المجاز، ومعاوية هذا هو صاحب علي رضي الله عنهم أجمعين (5).

(3) قال القاري: قوله (أحياء) جمع حي بمعنى قبيلة (ثقيف) كأمير أبو قبيلة من هوازن واسمه قسي بن منبه بن بكر بن هوازن (وبني حنيفة) كسفينة لقب أثال بن لجبم أبو حي (وبني أمية) بضم ففتح فتشديد تحتية قبيلة من قريش، قال العلماء: إنما كره ثقيفًا للحجاج، وبني حنيفة لمسيلمة، وبني أمية لعبيد الله بن زياد الذي أتي برأس الحسين فجعله في طست وجعل ينكته بقضيب، انتهى. قلت: وما ورد في أمراء بني أمية وما مضى من أحوالهم غير مخفي على ناظري كتب الحديث والسير.

(4)

يعني لا منافاة بين أن تكون المحبة لشيء بسبب والكراهة بسبب آخر، فلولا الاعتبارات لبطلت الحكمة.

(5)

أي مخاصمة، قال الراغب: الصاحب الملازم إنسانًا كان أو حيوانًا، أو مكانًا أو زمانًا، ولا فرق بين أن تكون المصاحبة بالبدن وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية والهمة، انتهى. والحديث أخرجه أحمد، ثم قال: قال عبد الله: هذا من أجود الحديث ما رواه إلا جرير. انتهى.

ص: 467

قوله [ويقال الأسد هم الأزد] وإنما قال ذلك لكون بني أسد (1) قبيلة أخرى أيضًا، فكان اللفظ مشتركًا بينهما، فبين المراد من هم. قوله [خير عند الله يوم القيامة الخ]، وذلك لتقدمهم في الإسلام (2). قوله [بشرتنا فأعطنا] حملوه (3)

(1) قال المجد: الأسد الأزد وأسد بن خزيمة محركة أبو قبيلة من مضر، وابن ربيعة بن نزار أبو أخرى، انتهى.

(2)

قال القاري في حديث أبي بكرة بمعنى حديث الباب: قال النووي: تفضيل تلك القبائل لسبقهم إلى الإسلام، وحسن آثارهم في الأحكام، انتهى. قلت: وقد ورد في بعض الروايات أن الأقرع بن حابس قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما تابعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة - وأحسبه - وجهينة، فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن كان أسلم وغفار بنحوه، ويشكل عليه أن أهل التفسير فسروا قوله تعالى:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} ، الآية، بهذه القبائل، قال الخازن: ذكر جماعة من المفسرين المتأخرين كالبغوي والواحدي وابن الجوزي أنهم من أعراب مزينة وجهينة وأشجع وغفار واسلم، وكانت منازلهم حول المدينة، وما ذكروه مشكل لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهذه القبائل ومدحهم، فان صح نقل المفسرين فحمل قوله سبحانه وتعالى على القليل، لأن لفظة من للتبعيض، ويحمل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم على الأكثر والأغلب، انتهى مختصرًا.

(3)

قال الحافظ: القائل منهم الأقرع بن حابس، وذكر في آخر المغازي في وفد بني تميم أسماء هذا الوفد، وقال أيضًا: قوله جاء أهل اليمن هم الأشعريون قوم أبي موسى، وقد أورد البخاري حديث عمران هذا وفيه ما يستأنس به لذلك، ثم ظهر لي أن المراد بأهل اليمن ها هنا نافع بن =زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير، انتهى. وقال القاري:(اقبلوا) بفتح الموحدة أي تقبلوا مني (البشرى) بضم الموحدة أي البشارة المطلقة أو المعهودة (يا بني تميم) وهم لما لم يفهموا الإشارة بالبشارة ولم يعرفوا طريق استقبالها بالقبول المرتب عليه حصول كل وصول (قالوا: بشرتنا فأعطنا) فحملوا البشارة على الإحسان العرفي، فطلبوا ما يترتب عليه من العطاء الحسي، وهذا بمقتضى ما غلب عليهم من حب الدنيا العاجلة وغفلتهم عن المراتب الآجلة، فكل إناء يترشح بما فيه، وقال الطبيي: أي اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا بالجنة من التفقه في الدين والعمل به، ولما لم يكن جل اهتمامهم إلا بشأن الدنيا والاستعطاء دون دينهم، قالوا: بشرتنا بالتفقه وإنما جئنا للاستعطاء فأعطنا، انتهى.

ص: 468

على العاجل، وكان المراد هو الآجل قوله [فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم] لكونه رآهم مشغوفين بحب العاجل (1). قوله [قالوا (2): وفي نجدنا]

(1) قال الحافظ: تغير وجهه صلى الله عليه وسلم إما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا، وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به، أو لكل منهما، انتهى. وقال القاري: قال العسقلاني: بشرتنا دال على إسلامهم، وإنما راموا العاجل وغفلوا عن الآجل، وسبب غضبه صلى الله عليه وسلم ونفيه قبولهم البشرى إشعاره بقلة علمهم وضعف قابليتهم لكونهم علقوا آمالهم بعاجل الدنيا الفانية، وقدموا ذلك على التفقه في الدين الموصل إلى ثواب الآخرة، انتهى.

(2)

قال القاري: قوله (اللهم بارك لنا في شامنا) لعل تقديمه على اليمن مشير إلى أنه مبارك في أصله، لقوله تعالى:{الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} ، ولوجود كثير من الأنبياء فيه، فالمراد زيادة البركة، أو البركة الحاصلة لأهل المدينة وسائر المؤمنين على الخصوص اللهم بارك لنا في يمننا) بركة ظاهرية ومعنوية، ولذا كثر الأولياء فهم، والظاهر في وجه: تخصيص المكانين بالبركة لأن طعام أهل المدينة مجلوب منهما، وقال الأشرف: إنما دعا لهما بالبركة لأن مولده بمكة وهو من اليمن، ومسكنه ومدفنه بالمدينة وهي من الشام، وناهيك من فضل الناحيتين، فانه أضافهما إلى نفسه وأتى بضمير الجمع تعظيمًا، انتهى.

ص: 469

ولعل الوجه (1) في سكوته عن الدعاء له أن الفتن لما كانت مقدرة خروجها منه فالدعاء بالبركة لا يزيد إلا ما هو فيه، فلو قال ذلك لانعكس المقصود، والفتن غير مقصودة في زيادتها، وقرن الشيطان (2) قيل: يخرج الدجال ويمر من هناك، وفيه بعض بعد؛ لأن نفس مروره من ثمة لا يقتضي (3) نسبته إليها،

(1) وبذلك جزم المهلب إذ قال: إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن، هكذا في الفتح.

(2)

ذهب الداودي أن للشيطان قرنين على الحقيقة، وذكر الهروى أن قرنيه ناحيتا رابه، وقيل: هذا مثل، أي حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط، وقيل: القرن القوة، وإنما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشرق لأن أهله يومئذ كانوا أهل كفر، فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية، وكذلك كانت، وهي وقعة الجمل وقعة صفين، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، وكانت الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين قتل عثمان، كذا قاله العيني، قلت: إطلاق الشرق على هذه المواضع تجوز لاسيما على مخرج الخوارج وهو حروراء قرية بظاهر الكوفة، قال: على ميلين منها كما في معجم البلدان، وشتان بين نجد والكوفة.

(3)

لا سيما وقد ورد أنه يدخل القرى كلها غير مكة والمدينة فإنهما حرمتا عليه.

ص: 470

إلا أن يقال: لما تسلط فيه وأقام هناك كثيرًا أو قليلًا عد من أهله (1)، وصار من أهله، فلو دعا لنجد- والدعاء لمكان ليس في الحقيقة إلا لأهله لكانت الدعاء تشمل (2) عليه، وليس مقصودًا، وقال البعض: هذا إشارة

(1) هذا إذا كان المراد بالنجد الناحية المخصوصة، وهذا مختلف عند الشراح، قال الحافظ: كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببًا للفرقة بين المسلمين، وذلك ما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذاك البدع نشأت من تلك الجهة، وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل الجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور، فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة، انتهى. قال الحافظ: عرف بهذا وماء ما قاله الداودي: إن نجدًا من ناحية العراق، فإنه توهم أن نجدًا موضع مخصوص، وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدًا والمنخفض غورًا، انتهى.

(2)

أي تشمل الدجال أيضًا، والأوجه عندي أن يقال: إن المراد بقرن الشيطان إن كان الدجال فالمراد بالنجد جهة الشرق على العموم، وخروجه من الشرق متعين، قال الحافظ في ذكر الدجال: أما من أين يخرج؟ فمن قبل المشرق جزمًا، ثم جاء في رواية أنه يخرج من خراسان، أخرج ذلك أحمد والحاكم من حديث أبي بكر، وفي أخرى أنه يخرج من أصفهان، أخرجها مسلم، انتهى

ص: 471

إلى محمد بن عبد الوهاب النجدي، ولا يضر (1) فإن الفتنة قد وقعت (2) لا ريب منه، وإن كان أكثر ما يقوله موافقًا للسنة (3)، إلا أنه تعدى فيه بحسب ما تجاوز الغاية المقصودة، فكان ذمًا وفتنة، فقد كان يقتل الرجل إذا لم يحضر الجماعة للصلاة إلى غير ذلك.

قوله [لينتهين أقوام يفتخرون الخ] لما أثبت الفضل في القبائل والأشخاص أراد أن لا يفتخر بذلك أحد (4) فيحتقر الآخرين، أو يتكل على نسبه،

(1) والظاهر أنه يضر، وما أفاده الشيخ مبني على ما اشتهر في الهند من أحواله، والناس فيه مختلفون جدًا، فن مادح له يبلغونه إلى درجة الخلفاء الراشدين، ومن ثالب له لا يقتصرون عن تكفيره، وكم من موثق له وجارح عليه، والحق متوقف على كشف خلص أحواله، وهذا كله بعد تسليم أن المراد بالنجد الناحية المخصوصة، وتقدم أن السلف مختلفون في ذلك، ورجح الحافظ خلافه.

(2)

على ما ذكر شيئًا منه صاحب الرحلة الحجازية، وصاحب روضة المحتاجين، وغيرهما.

(3)

ولذا وثقه الشيخ في فتاواه، نورد كلامه بلفظه فقال: محمد ابن عبد الوهاب كولو وهابي كهتے هين، وہ اجھاآدمي تها، سنا هـے كه مذهب حنبلي ركهتا تها، اور عامل بالحديث تها، بدعت وشرك سے روكتا تها، مكر تشدد اس كے مزاج مين تهي، والله اعلم، انتهى بلفظه.

(4)

يعنى أراد المصنف بذكر هذه الرواية التنبيه على أن ما تقدم من الفضائل لا ينبغي أن يكون موجبًا لإعجاب نفسه، أو سببًا للاتكال عليه، فمن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

ص: 472

فيكون ممن ليس لم يوم الجزاء إلا الندامة، فنهاهم (1) عن ذلك.

قوله [من الجعل] دويبة صغيرة يجعل الخرء والنجاسة كشيء مستدير ثم يدهدهه إلى بيته، شبه المفتخرين بالأنساب بها في الافتخار (2) والتنقير عما لا يفيد، فإن الذي يفتخر بآبائه إن كان هؤلاء كافرين كان باحثًا نجاسته (3)، وإن كانوا على خير وكان على غير طريقتهم كان مظهرًا خباثة نفسه، أنه كيف صار خلف سوء لهم ولم يكن أحدًا من جملتهم، وأما إذا كانوا كذلك وكان مثلهم فظاهر أنه لا يفتخر ولا يعد نفسه شيئًا حتى يفتخر، وإنما هو مشتغل (4) بمحاسبة نفسه، بصير بقبائحه في يومه وأمسه.

(1) وقد ورد النهي عن ذلك في روايات كثيرة بسطها السيوطي في تفسير قوله عز اسمه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} ، الآية.

(2)

اشتبه الأصل هاهنا، والظاهر أنه بالخاء المعجمة، ويحتمل أن يكون بالحاء المهملة، من افتحر الكلام والرأى إذا أتى به من قصد نفسه ولم يتابعه عليه أحد، كذا في القاموس، وكذلك اللفظ الآتي الظاهر أنه بالقاف، ويحتمل أن يكون بالفاء.

(3)

أي حافرًا نجاسة كفرهم، فإنه كلما ذكرهم وهم كافرون فهو مشيع لكفرهم ومفتخر به.

(4)

ففي المشكاة برواية الترمذي وغيره عن أبي ذر مرفوعًا: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرشات، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، قال أبو ذر: يا ليتني كنت شجرة تعضد. وبرواية رزين عن أبي هريرة مرفوعًا: أمرني ربي بتسع، الحديث. وفيه: أن يكون صمتي فكرًا، ونطقي ذكرًا، ونظري عبرة، رزقنيها الله تعالى بمزيد لطفه وعموم كرمه.

ص: 473

هذا (1) والحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين، وعلى سائر الأنبياء والصالحين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ووقفنا الله لسلوك سبل المهتدين.

(1) وهذا آخر ما أفاده الشيخ على الجامع الإمام الترمذي رحم الله تعالى عليه، وعلى مفيد هذا التقرير الأنيق البديع، وعلى جامعه ومشيعه وأعوانه رحمة واسعة لا غاية لها ولا أمد.

وقد تم ها هنا الجامع الترمذي كما يدل عليه ما في آخر الباب من النسخ الهندية: (آخر المسند والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين) ولا يوجد ذلك في النسخة المصرية "ولعل ذلك من تصرف النساخ، أو اختلاف الرواة".

ص: 474

كتاب (1) العلل (2)

(1) ويقال: إن هذا تأليف مستقل للإمام الترمذي، يسمى بالعلل الصغرى، ألحق في آخر المسند الجامع لمناسبة تامة له بذلك، كما ألحق بعد ذلك في النسخ الهندية تأليف له ثالث يسمى بالشمائل، ويدل على ذلك ابتداء السند عن الكروخي في النسخ الهندية، ولفظه: أخبرنا الكروخي، نا القاضي أبو عامر الأزدي والشيخ أبو بكر الغورجي وأبو المظفر الدهان، قالوا: نا أبو محمد الجراحي، نا أبو العباس المحبوبي، أنا أبو عيسى الترمذي، قال: إن جميع ما في هذا الكتاب .... إلى آخره، ولا يوجد هذا السند في النسخة المصرية، قلت: ولعل السر في أن الدمنتي لم يذكر هذا الكتاب في تعليقه على الترمذي تبعًا للسيوطي أنهما جعلاه كتابًا مستقلًا مستأنفًا.

(2)

العلة في الاصطلاح عبارة عن سبب غامض خفي قادح في الحديث، مع أن الظاهر السلامة منه، ويتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحية ظاهرًا، وتدرك بتفرد راو وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف على وهم وقع، وتقع في الإسناد وهو الأكثر، وقد تقع في المتن، وقد تطلق العلة على غير مقتضاها ككذب الراوي وفسقه وغفلته ونحوها من أسباب ضعف الحديث، وسمي الترمذي النسخ علة، قال العراقي: فان أراد أنه علة في العمل بالحديث فصحيح، أو في صحته فلا، لأن في الصحيح أحاديث كثيرة صحيحة منسوخة، وأطلق بعضهم العلة على مخالفة لا تقدح في صحة الحديث، وقسم الحاكم في (علوم الحديث) أجناس الملل إلى عشرة، لخصها السيوطي في التدريب.

ص: 475

والعلة هي السبب، يعني (1) بها علل قبول الروايات وردها، والمراد التنبيه على بعضها لا استقصاؤها. قوله [وقد بينا علة الحديثين] أي وجه كونهما لم يعمل بهما وهو النسخ (2)، أو ثبوت خلافه (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن الراوي، وهذا إذا (4) حمل لفظ الحديثين على ظاهر معناهما، وإلا فقد بينا لك أن الجمع كان بحسب الصورة لا الحقيقة، وكذلك القتل كان الأمر فيه إذا رأى الإمام ذلك تعزيزًا وهو معمول به، وإنما المتروك كونه تشريعًا وأمر وجوب.

قوله [ومنه ما روي عن أبي وهب (5)] على صيغة المعلوم (6) وفاعله

(1) فسر الشيخ بذلك لما أن المذكور في هذا الكتاب ليس مجرد أسباب القدح، بل فيه ما يدل على التوثيق والصحة أيضًا، فعمم الشيخ الكتاب، ولو فسر الكتاب بالعلل الاصطلاحية فيوجه ما ذكر فيها بالتبع والاستطراد.

(2)

كما جزم به المصنف في بيان ذكر حديث القتل.

(3)

كما أشار إليه المصنف في حديث الجمع بين الصلاتين، والمصنف وإن حكم على حديث الخلاف بالضعف لكنه جعله معمولًا به عند أهل العلم.

(4)

يعني أن ترك العمل بالحديثين باعتبار ظاهر الألفاظ، وإلا فالحنفية شكر الله سعيهم عملوا بهما أيضًا بعد حملهما على محمل لا يخالف الروايات الأخر جمعًا بين الروايات.

(5)

هكذا في جميع النسخ الهندية، وفي المصرية: منه ما روي عن ابن وهب محمد بن مزاحم عن ابن المبارك، والظاهر أن الصواب الأول؛ لأن محمد بن مزاحم يكنى بأبي وهب لا بابن وهب.

(6)

توهم بعض من اعتنى بحل الترمذي في حمله على البناء للمجهول نظرًا على الظاهر، والصواب ما أفاده الشيخ كما يؤمي إليه النظر الدقيق، لأن المصنف رام بيان إسناد الأقوال التي حكى في جامعه عن ابن المبارك، فلو كان هذا اللفظ بالبناء للمجهول لا يتم عرضه لانقطاع السند بين الترمذي وبين أبي وهب، ويؤيده أيضًا أن ما ذكر المصنف من أقوال الشافعي وابن حنبل ذكر أسانيد متصلة كما سيأتي، ويؤيده أيضًا أن الحافظ ذكر في تهذيبه محمد بن مزاحم العامري أبا وهب المروزي ورقم عليه الترمذي، وحكى في مشايخه ابن المبارك، وفي الآخذين عنه أحمد بن عبدة، وهكذا حكى في مشايخ أحمد بن عبدة حبان بن موسى، وعلي بن الحسن ابن شيقق، وعبدان، وغيرهم، فتأمل، وللتوجيه مجال.

ص: 476

أحمد بن عبدة، وهذه الجملة كالتفصيل لما قبله.

قوله [ما لم يسبقوا إليه] يعني أني كنت أتردد فيه لكون ذلك لم يسبق إليه أحد، فكنت أخاف الإقدام على ما ليس له سابقة لئلا أكون صاحب أمر محدث، ولكني لما رأيت هؤلاء الكرام فعلوا ما لم يفعله من قبلهم قوي بذلك عزمي واندفع ما كان يختلج في من وهمي.

قوله [وقد عاب بعض من لا يفهم الخ] فائدة (1) ثالثة، والثانية

(1) يعني أن المصنف ذكر في كتابه هذا كتاب العلل عدة فوائد: والفائدة الثالثة منها هي هذه، والفائدة الثانية ما تقدم قبيل ذلك من وجه التصنيف على هذا النهج العجيب مع ذكر أقوال الفقهاء وبيان علل الحديث، والفائدة الأولى ما تقدم قبل الثانية من ذكر أسانيد أقوال الفقهاء التي وضعها في هذا الكتاب، وحاصل هذه الفائدة الثالثة أن بعض من لا فهم لهم عابوا التكلم في حق الرجال ظنًا منهم أن ذلك غيبة، والحال أن جماعة من أهل العلم السلف تكلموا وضعفوا رجالًا. ولا يظن بهم لعلو شأنهم أن ارتكبوا الغيبة، بل الأمر أن ذلك بمنزلة تزكية الشهداء لإظهار الحق، قال السخاوي: وقد أوجب الله تبارك وتعالى التكشف والتبين عند خبر الفاسق بقوله عز اسمه: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الجرح: بس أخو العشيرة، وفي التعديل: إن عبد الله رجل صالح، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في الطرفين، ولذا استثنوا هذا: من الغيبة المحرمة، واجمع المسلمون على جوازه بل عد من الواجبات للحاجة إليه، وتكلم في الرجال جماعة من الصحابة ثم من التابعين، انتهى.

ص: 477

وجه التصنيف. والأولى (1) أسانيد المذاهب إجمالًا. قوله [من الشهادة في الحقوق والأموال] وظاهر أن التزكية للشهود من أحكام الشرع حق على القاضي، ولا يمكن أن يعاب بها، فكذلك ها هنا. قوله [والمبتدع لا يذكر] فيه الشاهد (2) لكنه خفي، والمراد أن صاحب بدعة لا ينبغي أن يأخذ العلماء منه، ولا أن

(1) ولو عد ما في مبدأ الكتاب من قوله: جميع ما في هذا الكتاب معمول به

الخ فائدة مستقلة فهي أولى بالفوائد، والثانية الأسانيد، والثالثة وجه التصنيف، والرابعة هي التي نحن بصددها.

(2)

يعني أن المصنف ذكره أيضًا شاهدًا على ما هو بصدده من جواز الجرح، ولذا ذكره في جملة الشواهد الدالة على ذلك، لكن شهادة هذا الأثر على مدعاة محتاج إلى توضيح، ولذا فسر الشيخ هذا الأثر ببيان المراد، وحاصله أن المبتدع ينبغي أن لا يذكر في الناس أصلًا، وفي أخذ الرواية عنه ترويج لذكره في الأسانيد إلى آخر الدهر، فينبغي أن لا يؤخذ عنه الرواية، ويظهر ابتداعه لينزجر عنه الناس، وعلى هذا يطابق الجواب على السؤال أيضًا بأحسن مطابقة، والذين منعوا الرواية عن المبتدع علوا بذلك، قال السيوطي في التدريب: من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق، وقيل: دعوى الاتفاق ممنوعة، ومن لا يكفر ففيه خلاف، قيل: لا يحتج به مطلقًا، ونسبة الخطيب لمالك، لأن في رواية عنه ترويجًا لأمره وتنويهًا لذكره، إلى آخر ما بسطه، وهكذا في فتح المغيث، وقال: أكثر ما علل به أن في الرواية عنه ترويجًا لأمره وتنويهًا لذكره، وانتهى.

ص: 478

يتركوا العامة يسألون عنه، ويجلسون إليه، فلما كان كذلك لا يتحدث عنه أحد فيموت ذكره، ولا يشتهر أمره، فعلم أن العلماء يجوز لهم، بل يجب عليهم أن يظهروا للناس عيبه ويمنعوهم عن الأخذ عنه.

قوله [وعمرو بن ثابت](1) ترك بعده اسم راو وهو أيوب بن خوط، فليكتب (2). قوله [وقد روى غير واحد من الأئمة عن الضعفاء]

(1) يعني في النسخة الأحمدية، وهو موجود في غيرها من النسخ الهندية والمصرية، لكنها مختلفة في لفظها، ففي الهندية: أيوب بن خوط، وفي المصرية: أبوب بن خويطة، والصواب الأول كما يظهر من ملاحظة كتب الرجال من التهذيب والميزان وغيرهما، قال في التقريب: أيوب ابن خوط بفتح المعجمة متروك من الخامسة، وفي التهذيب عن البخاري: تركه ابن المبارك.

(2)

قلت: وكذلك يسقط من آخر هذا الكلام عبارة توجد في المصرية: وهي: (حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو يحي الحماني، قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت أحدًا أكذب من جابر الجعفي، ولا أفضل من عطاء ابن أبي رباح. قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث، ولولا حماد لكان بغير فقه) وذكره الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة إمام الأئمة فقال: وله في كتاب الترمذي من رواية عبد الحميد الحماني عنه، قال: ما رأيت اكذب من جابر الجعفي، ولا أفضل من عطاء، انتهى. قلت: وقد علم من ذلك عدة أمور: منها أن الإمام أبا حنيفة من أئمة الجرح والتعديل أيضا، استدل بقوله الترمذي في كتابه، ومنها أن إطلاقهم لفظ أهل الكوفة لا يختص بالحنفية، بل قد يطلقون على غيرهم أيضًا كما هاهنا. ومنها غير ذلك كما لا يخفي.

ص: 479

شروع في الفائدة الرابعة (1) وهو أن الأئمة قد يرون عمن يذكر بضعف وذلك لأسباب (2)، إما ثبوت قوته عند من روى عنه، أو تمييز الآخذ صحيحه من سقيمه، أو بيان روايته مع بيان ضعفه، أو بيان الرواية بعد وجدان المتابع والشاهد لها لا إذا كانت منفردة.

قوله [فقرأه على كله عن الحسن] ولما (3) كان فيه بعد ما وهو كونه يروي عن الحسن قدر ما يرويه جملة تلامذه كان كذبًا ظاهرًا، فلذلك تركه.

قوله [وزاد فيه: قال عبد الله الخ] وهذا وإن كان ممكنًا (4) أن

(1) هذا على ما عده الشيخ ونبه عليه قريبًا، وعلى عداد الحاشية هي فائدة خامسة.

(2)

كما أشار إليها المصنف في آثار آتية، أما عدالته عند الراوي عنه فقد جزم بذلك شراح الصحيحين في الأجوبة عما يرد عليهما، وكتب الحديث مملوءة من ذلك، وأما تمييز الضعيف من القوي حكاه الملف عن الثوري، وهكذا في أمور أخر.

(3)

ولفظ مسلم أوضح من ذلك إذ قال: ما بلغني عن الحسن حديث إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه علي، قال النووي: معنى هذا الكلام أنه كان يحدث عن الحسن بكل ما يسال عنه وهو كاذب في ذلك.

(4)

بل هو المتعين في هذه القصة، فان حديث ابن مسعود هذا أخرجه الدارقطني برواية يزيد بن هارون عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: بت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يقنت في وتره، فقنت قبل الركوع، ثم بعثت أمي أم عبد فقلت: تبيتي مع نسائه وانظري كيف يقنت في وتره، فأتتنى فأخبرتني أنه قنت قبل الركوع، ثم ذكره برواية سفيان عن أبان هذا السند قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر قبل الركعة، قال: فأرسلت أمي إليه القابلة فأخبرتني أنه فعل ذلك، ثم قال: أبان متروك، قلت: وحديث بزبد بن هارون عن أبان أخرجه البيهقي في سننه نحو ذلك، ثم قال: ورواه سفيان الثوري عن أبان بن أبي عياش، ومدار الحديث عليه، وأبان متروك، انتهى. قلت: وتعقب ابن التركماني كلام البيهقي وذكر له متابعة، وذكر الزيلعي في نصب الراية حديث أبان برواية الدارقطني وابن أبي شيبة، وذكر كلام الدارقطني، ثم قال: طريق آخر رواه الخطيب البغدادي في كتاب القنوت له، ثم ذكر سنده إلى منصور عن إبراهيم عن علقمة بنحوه، ثم قال: ذكره ابن الجوزي في التحقيق من جهة الخطيب وسكت عنه، إلا أنه قال: أحاديثنا مقدمة، انتهى. قلت: فما أفاده الشيخ من التوجيه احتمالًا هو الحق المتعين.

ص: 480

يكون ابن مسعود رآه صلى الله عليه وسلم بعينه وسمعه بأذنه قنت قبل الركوع، وسمع من أمه أيضًا، إلا أن ذلك لما كان منفردًا (1) بروايته ابن عياش بخلاف سائر الثقات، فإن أحدًا منهم لم يذكره، صار متهمًا.

وقوله [وقد تكلم بعض أهل الحديث في قوم من أجلة أهل العلم] بيان

(1) يعني على رأى الترمذي والبيهقي ومن وافقهما، ثم ظاهر كلام الترمذي أن رواية سفيان توافق رواية الجماعة، وليس فيها ذكر الأم، وقد تقدم عن البيهقي والدارقطني أن رواية سفيان مثل رواية يزيد بن هارون بذكر الأم أيضًا، فتأمل.

ص: 481

لأن في التوثيق مراتب، فبعضهم (1) شدد في أمر التعديل فعد الجرح القليل الذي أحرى أن يغضى عليه جرحًا وتركه، وبعضهم جعله عفوًا فأخذ عنه، وقد يفعل مثل ذلك واحد (2) منهم بأن يبين ضعفه إذا اعتبر الشدة، ثم يروى

(1) ففي زهر الربى: قال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح: ما حكاه عن الباوردي أن النسائي يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه فإنه أراد بذلك إجماعًا خاصًا، وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا يخلو من متشدد ومتوسط، فمن الأولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه، ومن الثانية يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد منه، ومن الثالثة يحيى ابن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد منه، ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد منه، انتهى.

(2)

وفي الرفع والتكميل: كثيرًا ما تجد الاختلاف عن ابن معين وغيره من أئمة النقد في حق راو، وهو قد يكون لتغير الاجتهاد، وقد يكون لاختلاف كيفية السؤال. قال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون في فضل الطاعون: وقد وثقه أي أبا بلح يحيى بن معين والنسائي، ومحمد بن سعد والدارقطني، ونقل ابن الجوزي عن ابن معين أنه ضعفه، فإن ثبت ذلك فقد يكون سئل عنه وعمن فوقه فضعفه بالنسبة إليه، وهذه قاعدة جليلة فيمن اختلف النقل عن ابن معين فيه، نبه عليه أبو الوليد الباجي في كتابه رجال البخاري، انتهى. وقال تلميذه السخاوي في فتح المغيث: ما ينبه عليه أنه ينبغي أن تتأمل أقوال المزكين ومخارجها، فيقولون: فلان ثقة أو ضعيف، ولا يريدون به أنه من يحتج بحديثه، ولا ممن يرد، وإنما ذلك بالنسبة لمن قرن معه على وفق ما وجه إلى القائل من السؤال، وأمثلة ذلك كثيرة لا نطيل بها، منها ما قال عثمان الدارمي: سألت ابن معين من العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه كيف حديثهما؟ فقال: ليس به بأس، قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقبري؟ قال: سعيد أوثق والعلاء ضعيف، فهذا لم يرد به ابن معين أن العلاء ضعيف مطلقًا بدليل أنه قال: لا بأس به. وإنما أراد به ضعفه بالنسبة لسعيد المقبري، إلى آخر ما بسطه.

ص: 482

عنه إذا نظر إلى العفو، والدليل عليه قوله: حدثنا أبو بكر الخ وقوله: قد تكلم يحيى بن سعيد القطان في محمد بن عمرو ثم روى عنه.

قوله [فصيرتها عن سعيد عن أبي هريرة الخ] وإنما فعل ذلك لأن زيادة الراوي حيث لا يكون هو مضر (1) للإسناد بخلاف تركه من حيث كان، فإن الغاية فيه أن يكون مرسلًا، والإرسال مقبول (2) من هؤلاء سيما في القدماء، وأما قوله: عن رجل عن أبي هريرة، فليس يعني به أن الرجل كان مجهولًا، بل الوسائط عن أبي هريرة كانت مختلفة ومعلومة كانت عنده ومعتبرة، لا أنه كان مجهولًا، وإلا لما صح روايته عنه (3).

(1) وبذلك جزم ابن حبان، فقد قال الحافظ في تهذيبه: قال يحيى القطان عن ابن عجلان: كان سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة، فاختلطت عليه فجعلها كلها عن أبي هريرة، ولما ذكر ابن حبان في كتاب الثقات هذه القصة قال: ليس هذا بوهن يوهن الإنسان به، لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة، انتهى.

(2)

وبسط الكلام في قبول المرسل في مقدمة الأوجز، فارجع إليه.

(3)

وسعيد المقبري من الثقات، ورواه الستة حتى قال النووي في تهذيبه: اتفقوا على توثيقه، فالظاهر أنه لا يروي إلا عن الثقة كما لا يخفى.

ص: 483

قوله [في ابن أبي ليلى] هو محمد بن أبي ليلى (1) لا عبد الرحمن بن أبي ليلى.

قوله [فأما من أقام الإسناد الخ] فائدة خامسة، حاصلها جواز الرواية (2) بالمعنى إذا لم يتغير المراد، وكون الرواية حرفًا حرفًا أعلى مرتبة وأولى درجة.

قوله [عليك بالسماع الأول] لأنه كان يرويه أولًا بحسب ألفاظه (3).

قوله [كثير أحد] هو مثل كبير أحد في المعنى. قوله [أتم حديثًا منك] وهذا يفيد أولوية الرواية بالألفاظ، وإلا لم يكن لذلك مدح، وبهذه المناسبة (4)

(1) يعني المشهور بابن أبي ليلى عدة رجال، ففي التقريب: ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن، وابناه محمد وعيسى، وابن ابنه عبد الله بن عيسى، انتهى. فمراد الترمذي هاهنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو الذي تكلم أهل الرجال في حفظه كثيرًا، كما بسطه الحافظ في تهذيبه، وهو الذي يروي عن أخيه عيسى.

(2)

وفيه خلاف وأقوال السلف ذكرت في مقدمة الأوجز، والذي عليه جمهور السلف والخلف ومنهم الأئمة الأربعة جواز ذلك إذا قطع بأدائه، وذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم للقصة الواحدة بألفاظ مختلفة.

(3)

ولأن كل ما يكون أقرب إلى الأخذ من الشيخ أقرب إلى الحفظ.

(4)

ظاهر كلام الشيخ أنه داخل في الفائدة الخامسة في الرواية بالمعنى، وما يظهر للعبد المعترف بالتقصير أن المصنف شرع من قوله: وإنما تفاضل أهل العلم بالحفظ والإتقان، فائدة مستقلة وهي سادسة، والمقصود التنبيه على مراتب أهل الحديث، وبيان الفرق في تفاضلهم، وكلام وكيع انقرض على قوله: هلك الناس، وإليه حكى السبوطي كلام وكيع في التدريب، ويؤيده ما سيأتي من كلام المصنف: وإنما بينا أشياء منه على الاختصار، بل سباق النسخة المصرية صريح في ذلك، وفيها بعد قول وكيع: فقد هلك الناس، قال أبو عيسى: وإنما تفاضل أهل العلم الخ. فله الحمد.

ص: 484

ذكره ها هنا [ما رويت عن رجل حديثًا الخ] يعني به تثبتهم في الروايات وتحقيقهم وترددهم في التفتيش عن المعاني.

قوله [فكرهت أن آخذ الحديث وأنا قائم] وذلك (1) لأنه يوجب انتشارًا في الطبيعة، فلعلي لا أتحمل على وجهه ويتغير على لفظه. قوله [فيقدم ويؤخر الخ (2)].

(1) وبذلك جزم المحشي، وأيضًا فيه إساءة أدب، قال السيوطي في آداب المحدث: يستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ويتطيب ويسرح لحيته، ويجلس متمكنًا بوقار وهيبة، وقد كان مالك يفعل ذلك، فقيل له، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدث إلا على طهارة متمكنًا، وكان يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم، أسنده البيهقي، وعن ابن المسيب أنه سئل عن حديث وهو مضطجع في مرضه، فلس وحدث به، فقيل له: وددت أنك لم تتعن، فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع، وعن بشر بن الحارث أن ابن المبارك سئل عن حديث وهو يمشي فقال: ليس هذا من توفير العلم، وعن مالك قال: مجالس العلم تحتضر بالخشوع والسكينة والوقار، انتهى.

(2)

وغرض المصنف بذكر هذا الأثر مساواة القراءة على الشيخ والسماع منه، كما يدل عليه كلام ابن عباس الأخير: اقرأوا علي، والمسألة خلافية، قال السيوطي في التدريب: اختلفوا في مساواتها (أي القراءة على الشيخ) للسماع من لفظ الشيخ في المرتبة على ثلاثة مذاهب، فحكى المساواة عن مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة، ومعظم علماء الحجاز والكوفة والبخاري وغيرهم، وحكي ترجيح السماع على القراءة عن جمهور أهل الشرق، وهو الصحيح وحكي ترجيح القراءة على السماع عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما، وهو رواية عن مالك، إلى آخر ما بسطه من اختبار جماعة من السلف لذلك.

ص: 485

يعني أن أحدًا كان جمعها عن ابن عباس فوقعت بأيدي أهل الطائف، فأرادوا أن يقرأها عليهم ابن عباس ليرووا عنه، فأخذ يقرأ ابن عباس ولم يكن حفظ على ما كتب في الكتاب من الترتيب، فقرأ رواية ثم إذا أراد الثانية لم يكن موافقًا للرواية التي هي مكتوبة بعدها؛ فلذلك اعتذر ابن عباس من قراءتها، وقال: إني حرت بتلك الداهية، أي عدم الموافقة (1)، فكان ذلك سببًا للتراخي والتمهل في أخذ الروايات، لما كانوا يتفحصون الروايات في الكتاب.

قوله [وقد أجاز بعض أهل العلم الإجازة الخ] شروع في أن الإجازة من غير الرواية (2) معتبرة أيضًا، وقد بين قبل ذلك أن القراء على العالم وكذا

(1) ولا يبعد أن تكون الإشارة بذلك إلى ذهاب البصر كما يؤمي إليه سياق الطحاوي بسنده إلى عكرمة عن ابن عباس: أن ناسًا من أهل الطائف أتوه بصحف من صحفه ليقراها عليهم، فلما أخذها لم ينطلق. فقال: إني لما ذهب بصري بلهت فاقرؤوها علي، ولا يكن في أنفسكم من ذلك حرج، فان قراءتكم علي كقراءتي عليكم.

(2)

يعني أن ذلك فائدة مستقلة، وهي أن الإجازة بدون الرواية معتبرة، وبين قبل ذلك فائدة أخرى، وهي أن القراءة على الشيخ والسماع منه معتبرتان وتقدم الكلام على ذلك قريبًا بالاختصار، والمسالتان خلافيتان مبسوطتان في الأصول، وترك الشيخ تمييز الفوائد لحصول المقصود، وهو التنبيه على أن كتاب العلل متضمن لفوائد شتي، وهي من فرائد مسائل أصول الحديث والجرح والتعديل، ثم الإجازة على تسعة أضرب بسطها السيوطي في التدريب.

ص: 486

قراءة التلميذ على العالم كلاهما معتبر.

قوله [كتب كتابًا عن أبي هريرة] الجار مع المجرور متعلق بقوله كتابًا لا بقوله كتبت، وإلا لم يكن موافقًا لما أورد له (1)، فالمعنى أني كتبت عن (2) أحد مرويات أبي هريرة، ثم أتيت بها أبا هريرة، فأجازني أن أرويها عنه وإن لم أكن

(1) لأن المصنف ذكره في ذيل الإجازة بدون الرواية، والزيادة التي زادها الحافظ في تهذيبه في رواية يحيى القطان عن عمران بن حدير يدل على غير ما حمل عليه المصنف ذكره، ولفظه: عن بشير قال: أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبت عنه فقرأته عليه، فقلت: هذا سمعته منك؟ قال: نعم، انتهى. فعلم أن المسألة ليست من باب الإجازة المجردة، بل من باب القراءة على المحدث، ولفظ السخاوي في المقاصد: روى عن بشير ابن نهيك قال: كنت آتي أبا هريرة فأكتب عنه، فلما أردت فراقه أتيته فقلت: هذا حديثك أحدث به عنك؟ قال: نعم، ولفظ الطحاوي: عن بشري بن نهيك قال: كنت آخذ الكتب عن أبي هريرة فأكتبها فإذا فرغت قرأتها عليه، فأقول: الذي قرأته عليم أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: نعم.

(2)

أو عن كتاب أبي هريرة، وأيًا ما كان فالظاهر أنه لم يكتب الكتاب بسماعه عن أبي هريرة، وإلا لم يكن لسؤاله معنى، ويمكن أن يوجه الكلام بأن المسألة من باب اشتراط الإجازة للقراءة أو الكتابة، كما في سياق التهذيب والسخاوي، قال الحافظ في الفتح: وقد كان بعض السلف لا يعتدون إلا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يُقرأ عليهم، ولذا بوب البخاري في صحيحه على جوازه، انتهى. ثم قال: وسوغ الجمهور الرواية بالمناولة، وردها من رد عرض القراءة من باب الأولى.

ص: 487

أقرأها عليه (1). قوله [لا أدري أيهما أعجب أمرًا] أي القراءة أو المناولة (2) من غير إجازة، ثم بيّن بعد ذلك ما هو الصحيح عنده من كون المناولة الصرفة غير معتبرة، أو الإشارة إلى القراءة والمناولة مع إجازة، كأنهما لما كانتا جائزتين عنده تردد في الأولى منهما، ورد المناولة (3) الصرفة بتقريب ذكر

(1) وهذا على ظاهر سياق المصنف، بخلاف ما تقدم من سياق التهذيب وغيره، ففيها تصريح بالقراءة على أبي هريرة.

(2)

وجزم محشي المجتبائية أي من القراءة والإجازة، انتهى. والأوجه عندي أن المراد الاحتمال الثاني من الاحتمالين الذين ذكرهما الشيخ. لأن المناولة مع الإجازة جعلها بعضهم أرفع من السماع، كما سيأتي عن كلام السيوطي في التدريب، وأما التردد في القراءة والمناولة أو في القراءة والإجازة فليس مما ينبغي لشأن المصنف.

(3)

أي المجردة عن الإجازة، قال السيوطي في التدريب: القسم الرابع من أقسام التحمل المناولة وهي ضربان: مقرونة بالإجازة، ومجردة عنها، فالمقرونة بالإجازة أعلى أنواع الإجازة مطلقًا، ونقل عياض الاتفاق على صحتها، ومن صورها وهو أعلاها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعًا مقابلًا به ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلان فأروه عني، أو أجزت لك روايته، ومنها أن يدفع إلى الشيخ الطالب سماعه فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إلى الطالب ويقول: هو حديثي فأروه عني أو أجزت لك روايته، وهذه المناولة كالسماع في القوة والرتبة عند الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومجاهد والشعبي، ومالك وابن وهب، وجماعة عدها السيوطي، ثم قال: ونقل ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول أن بعض أصحاب الحديث جعلها أرفع من السماع لأن الثقة بكتاب الشيخ مع إذنه فوق الثقة بالسماع منه، والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة، وهو قول الثوري والأوزاعي، وأبي حنيفة والشافعي، والمزني وأحمد وإسحاق، وأسنده الرامهرمزي عن مالك، ومن صورها أن يأتيه الطالب بكتاب ويقول له: هذه روايتك فناولنيه وأجز لي روايته، فيجيبه إليه اعتمادًا عليه من غير نظر فيه ولا تحقق لروايته، فهذا باطل، فإن وثق بخبر الطالب ومعرفته اعتمده وصحت الإجازة والمناولة، والضرب الثاني المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب مقتصرًا على قوله: هذا سماعي أو من حديثي، ولا يقول له: أروه عني، ولا أجزت لك روايته. فلا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول، وعابوا المحدثين المجوزين لها، إلى آخر ما بسط من الاختلاف في ذلك.

ص: 488

المناولة (1) استطرادًا بقوله: لا شيء إنما هو كتاب دفعه إليه، يعني به أن المناولة الصرفة غير كافية، وأما المناولة مع الإجازة فلا أدري أهي أحب أم القراءة.

قوله [والحديث إذا كان مرسلًا] شروع (2) في بيان الاختلاف في

(1) أي المناولة مع الإجازة، فهي كانت مقصودة بالذكر، وذكر المناولة المجردة استطرادًا.

(2)

فائدة مستقلة، وأشار الشيخ بقوله: المراد بالمرسل ما هو أعم، إلى أن المرسل يطلق على معان، قال السيوطي في التدريب: اتفق علماء الطوائف على أن قول التابعي الكبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعله، يسمى مرسلًا، فإن قبل الصحابي واحد أو أكثر لا يسمى مرسلًا، بل يختص المرسل بالتابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن سقط قبله واحد فهو منقطع، وإن كان أكثر فمعضل ومنقطع، والمشهور في الفقه والأصول أن الكل مرسل، وبه قطع الخطيب، وأما قول الزهري وغيره من صغار التابعين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمشهور عند من خصه بالتابعي أنه مرسل كالكبير، وقيل: ليس بمرسل بل منقطع، لأن أكثر رواياتهم عن التابعي، وأما إذا قال فلان عن رجل، أو شيخ عن فلان، فقال الحاكم: هو منقطع، وقال غيره: هو مرسل، وقال العراقي: كل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون، فإنهم ذهبوا إلى أنه متصل في سند مجهول، انتهى.

ص: 489

المرسل بعد بيان المناولة، والمعنى بالمرسل ما هو أعم من المرسل الاصطلاحي.

قوله [مرسلات مجاهد إلخ] يعني به (1) أن الحكم الكلي من كل منهما (2) غير سديد، بل الأولى في قبول المراسيل وعدم قبولها هو التفصيل بأن الراوي إذا علم من حاله أنه لا يرسل إلا من ثقة قبلت مراسيله.

قوله [والأعمش والتيمي يحيى بن أبي كثير] أي كذلك (3)

(1) يعني أن المصنف ذكر أولًا ترجيح بعضهم على بعض في المراسيل، ولما لم يكن هذا مختاره بين بعد ذلك بقوله: قال أبو عيسى الضابطة في قبول المرسل وترجيحه بأن المدار على حال الراوي. ومن ضعف المرسل إنما ضعف لأنهم يأخذون عن كل ضرب، وعلم منه أن من لا يرسل إلا عن ثقة يعتبر مرسله، ولذا قال الشيخ: بل الأولى في قبولها التفصيل.

(2)

الظاهر أن المرجح (قابلو المرسل ورادوها) المفهوم من الآثار المختلفة التي أوردها المصنف.

(3)

إشارة إلى أن لفظ (الأعمش) معطوف على (أبي إسحاق)، ولفظ السيوطي في التدريب: عن يحيى بن سعيد أنه قال: مرسلات أبي إسحاق الهمذاني والأعمش والتيمي ويحيى بن أبي كثير شبه لا شيء.

ص: 490

قوله [إي الله وسفيان بن سعيد] أي كذلك (1). قوله [قد تكلم الحسن البصري إلخ] شاهد لما قاله من رواية العلماء عن غير الثقات أيضًا.

قوله [فهو الذي سمعت] أي من فيه (2) بغير وسيط. قوله [وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف إلخ] يعني قد يختلف العلماء (3) في الرجل فيقويه أحدهم فروي عنه، ويضعفه آخر فيتركه.

قوله [وقد ثبت غير واحد إلخ] بتشديد الباء من التثبيت ومفعوله أبو الزبير (4)

(1) أي شبه الريح، والمراد بسفيان بن سعيد الثوري.

(2)

هذا هو الظاهر من جميع النسخ الهندية التي بأيدينا، والصواب أن فيها سقوطًا، والصحيح ما في المصرية، ولفظها: قال إبراهيم: إذا حدثتك عن رجل عن عبد الله فهو الذي سميت، وإذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله، انتهى. وهكذا حكى كلام الأعمش الحافظ في التهذيب.

(3)

وهذا لا خفاء فيه، وكتب الرجال مملوءة من ذلك، كم من رجال وثقهم جماعة وضعفهم آخرون.

(4)

والأوجه عندي أن مفعوله محذوف، وهو الضمير العائد إلى عبد الله، والمعنى أن شعبة تركه لأجل هذا الحديث، مع أنه وثقه غير واحد من الأئمة، ويؤيد ذلك ما تقدم في أبواب الشفعة من قوله: عبد الملك ثقة مأمون عند أهل الحديث، لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث، انتهى. ثم ذكر الكلام الاتي تأئيدًا وتوضيحًا لذلك، يعني هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم روى عنه غير واحد من أئمة الحديث، ولعله ذكر الثلاثة لأن شعبة تكلم في كل واحد منها، والعامة رووا عنهم، أما أبو الزبير فقد قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، إلا أن شعبة تركه لشيء زعم أنه رآه فعله في معاملة، وقال الساجي: صدق حجة في الأحكام، قد روي عنه أهل النقل وقبلوه واحتجوا به، قلت: وكذا وثقة غير واحد كما بسط في التهذيب، وأما عبد الملك فقد تقدم عن الترمذي في (باب الشفعة للغائب) أنه قال: لا نعلم أحدًا تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث، وأما حكيم بن جبير فقال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عنه فقال: كم روى؟ إنما روى شيئًا يسيرًا، قلت: من تركه؟ قال: شعبة من أجل حديث الصدقة، يعني ذكر من تكلم عليه، وسيأتي حديث الصدقة في كلام المصنف أيضًا قريبًا.

ص: 491

الذي انجر بدخول (عن) عليه. قوله [أحفظ لهم الحديث] متكلم (1) والحديث مفعوله. قوله [يقول: حدثني أبو الزبير إلخ] يعني أن سفيان (2)

(1) يعني بصيغة المتكلم من المضارع، والمعنى أنه لما كان أحفظهم كما تقدم في الأثر الماضي كان عطاء يقدمه في المجلس ليكون أقرب إلى السماع لحفظه.

(2)

حاصل ما أفاد الشيخ أنه حمل تكرار لفظ (أبي الزبير) والعد بقبض اليد على تكرار الروايات، وظاهر أقوال أئمة الرجال أنهم حملوه على تكرار لفظ أبي الزبير في الرواية، ثم اختلفوا في غرضه، فحمله الترمذي على المدح والإتقان كما سيصرح به. وهكذا حكى الحافظ عن الترمذي أنه حمله على حفظه وإتقانه، وقال عبد الله بن أحمد: قال أبي: كان أيوب يقول: حدثنا أبو الزبير وأبو الزبير وأبو الزبير، قلت لأبي: يضعفه؟ قال: نعم، وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن عيينة يقول: حدثنا أبو الزبير وهو أبو الزبير، أي كأن يضعفه، انتهى.

ص: 492

أخذ يعد روايات أيوب السختياني عن أبي الزبير، فجعل بعدا بأنامله، فجعل يقبض أنامله واحدة بعد واحدة، يعني أن رواياته منه لم تكن قلائل [لو غير حكيم حدث بهذا] فإنه لم يكن شعبة يأخذ منه تمنى تلميذ شعبة أن تكون الرواية من غيره لتعتبر (1)، فقال له سفيان: وما لحكيم؟ أي ما أمره وشأنه وكيف حاله؟ وليس هذا متصلًا بما بعده حتى يكون كلامه: "وما لحكيم لا يحدث عنه شعبة" كلامًا واحدًا، إذ على هذا لا يرتبط قوله في الجواب: نعم، بل الاستفهام أولًا عن حال الحكيم فحسب بأن ماله لا يعتبره الناس، ثم قال بعد ذلك مشيرًا برأسه بالإنكار: لا يحدث شعبة عنه بحذف حرف الاستفهام، أي ألا يحدث عنه شعبة؟ قال: نعم، أي لا يحدث، فلما كان كذلك بين سفيان للرواية إسنادًا آخر ليس فيه عن حكيم، فقال: سمعت (2) زبيدًا إلخ والعرض بإيراد القصة إظهار اختلاف الأئمة (3) في توثيق الرجال وتضعيفهم.

(1) والحديث أخرجه أبو داود من طريق يحيى بن آدم، نا سفيان، عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عب الرحمن بن يزيد، ثم قال: قال يحيى، فقال عبد الله بن سفيان: حفظي أن شعبة لا يروى عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: فقد حدثناه زيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد.

(2)

وتكلم عليه الذهبي في الميزان إذ حكى عن غيره قال: لا أعلم أحدًا يرويه غير يحيى بن آدم، وهذا وهم، ولو كان كذا لحدث به الناس عن سفيان، ولكنه حديث منكر، يعني إنما المعروف برواية حكيم، انتهى. وتقدم شيء من الكلام على ذلك في كتاب الزكاة.

(3)

فقد روى عنه الثوري وزائدة، ولم ير يحيى بحديثه بأسًا كما حكاه المصنف، وتركه شعبة وضعفه جماعة، كما بسطه الحافظ في تهذيبه.

ص: 493

قوله [فهو عندنا حديث حسن] أي لغيره (1) لأن حسنه بتعدد الطرق، إذ

(1) اختلف شراح الحديث وأئمة الرجال في غرض الترمذي بهذا الكلام في أنه أي أنواع الحسن أردا بذلك، وحاصل ما أفاده الشيخ أنه عرف بذلك الحسن لغيره، وقال الحافظ في شرح النخبة:(خبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته) وهذا أول تقسيم المقبول إلى أربعة أنواع، لأنه إما أن يشمل من صفات القبول على أعلاها أو لا، الأول الصحيح لذاته، والثاني إن وُجد ما يجبر ذلك القصور ككثرة الطرق فهو الصحيح أيضًا لكن لا لذاته، وحيث لا جبران فهو الحسن لذاته، وإن قامت قرينة ترجح جانب قبول ما يتوقف فيه فهو الحسن أيضًا لكن لا لذاته. ثم قال:(فإن خف الضبط) مع بقية الشروط المتقدمة (فهو الحسن لذاته) وخرج باشتراط باقي الأوصاف الضعيف (وبكثرة طرقه يصحح) فإن قيل: قد صرح الترمذي بأن شرط الحسن أن يروى من غير وجه، فكيف يقول في بعض الأحاديث: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، فالجواب أن الترمذي لم يعرف مطلقًا، وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه، وهو ما يقول فيه: حسن، من غير صفة أخرى، وعبارته ترشد إلى ذلك، حيث قال في أواخر كتابه: وما قلنا في كتابنا: حسنـ فإنما أردنا به إلخ، فعرف بهذا أنه إنما عرف الذي يقول: حسن فقط، أما ما يقول فيه: حسن صحيح، أو حسن غريب، فلم يعرج على تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه: أو حسن غريب، فلم يعرج على تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه: صحيح فقط، فكأنه ترك ذلك استغناء بشهرته عند أهل الفن. واقتصر على تعريف ما يقول في كتابه: حسن فقط، إما لغموضه وإما لأنه اصطلاح جديد، ولذلك قيده بقوله "عندنا" ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي، وبهذا التقرير يندفع كثير من الإيرادات التي طال البحث فيها، ولم يستقر وجه توجيههاـ فلله الحمد على ما ألهم وعلم، انتهى. وما أفاده الشيخ من التوجيه حكاه صاحب لقط الدرر عن البقاعي إذ قال: استعمل الترمذي الحسن لذته في المواضع التي يقول فيها: حسن غريب ونحو ذلك، وعرف ما رأى أنه مشكل، لأنه يخرج الحديث أحيانًا ويقول: فلان ضعيف في سنده، ثم يقول: هذا حديث حسن، فخشى أن يشكل ذلك على الناظر فيعترض عليه بأنه كيف يحسن ما صرح بضعف راويه أو انقطاعه ونحو ذلك، فعرفه أنه إنما حسنه لكونه اعتضد بتعدد طرقه، انتهى. قال الملا: وهو يفيد جواز أن يراد بقوله: (ونحو ذلك) ما يشمل دونه أيضًا، وأستفيد منه أنه أراد بالحسن المطلق الحسن لغيره، انتهى. قلت: وحمله بعضهم على أنه عرف لمطلق الحسن فوقعوا في الأشكال، كما بسط في التدريب.

ص: 494

لو كان حسنًا لذاته لصار بعد روايته بطرق متعددة صحيحًا، وليس كذلك.

قوله [وروى يحيى بن سليم إلخ] جوب عما يتوهم من أنكم نسبتم الرواية إلى الغرابة لتفرد عبد الله بن دينار مع أنه ليس منفردًا بها، بل يرويها أيضًا نافع كما يرويها عبد الله بن دينار، بأن هذا (1) وهم من يحيى، والصحيح هو

(1) هكذا جزم المصنف بوهم يحيى، وتقدم نحو ذلك في المجلد الثاني في (باب كراهية بيع الولاء وهبته) ووجه ذلك أن الحديث مشهور عن عبد الله ابن دينار، فقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار، فأورده عن خمسة وثلاثين نفسًا، لكن قال الحافظ: وصل رواية يحيى ابن سليم ابن ماجه، ولم ينفرد به يحيى بن سليم، فقد تابعه أبو ضمرة أنس بن عياض، ويحيى بن سعيد الأموي، كلاهما عن عبيد الله بن عمر، أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقهما، لكن قرن كل منهما نافعًا بعيد الله بن دينار، وأخرجه ابن حبان في الثقات في ترجمة أحمد ابن أبي أوفى، وساقه من طريقه عن شعبة عبد الله بن دينار وعمرو بن دينار جميعًا، عن ابن عمر، وقال: عمرو بن دينار غريب، انتهى. قلت: ومع ذلك مثل الحافظ في شرح النخبة الفرد المطلق بهذا الحديث، إذ قال: ثم الغرابة إما أن تكون في أصل السند، أي في الموضع الذي يدور الإسناد إليه، أو لا تكون كذلك بأن يكون التفرد في أثنائه، فالأول الفرد المطلق كحديث النهي عن بيع الولاء، تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر، انتهى.

ص: 495

عبد الله أيضًا موضع نافع.

قوله [وقد روى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك إلخ] جواب (1) عما

(1) قد بيّن المصنف أولا أن الحديث يعد غريبًا بوجوه: منها تفرد راو بزيادة لا يتابعه عليها غيره من الرواة، وهذه الزيادة تكوون صحيحة إذا كان الراوي المتفرد ثقة، ومثل له بزيادة لفظ المسلمين في حديث صدقة الفطر، تفرد بها الإمام مالك، ولم يذكرها أيوب وعبيد الله وغير واحد من الأئمة، وأورد على مثاله أن الإمام مالكًا ليس بمتفر في هذه الزيادة بل له متابعة، وأجاب عنه أن من تابعه ليس ممن يعتمد على حفظه، فبقى تفرد الإمام مالك على حاله، ولذا قال الحافظ في الفتح بعد ما بسط الكلام على هذه الزيادة: وفي الجملة ليس فيمن روى هذه الزيادة أحد مثل مالك، انتهى. قلت: وقد بسط الكلام على اختلاف الأئمة في ذلك، واستدلال من استدل بها، والجواب عمن لم يستدل بها، في الأوجز، فأرجع لو شئت الإحصاء مع الإيجاز.

ص: 496

يورد على الحكم بالغرابة بأن مالكًا لم يتفرد بالزيادة بل رواها غيره أيضًا، وحاصل الجواب أن الكلام في الثقات، وهو ليس منهم.

قوله [وإنما يستغرب إلخ] يعني أن (1) الحديث قد يحكم عليه

(1) توضيح ذلك موقوف على تفسير أنواع الغريب، قال الزرقاني في شرح البيقونية: الغريب ما روى ارو فقط منفردًا بروايته عن كل أحد، إما بجميع الحديث كحديث النهي عن بيع الولاء وهبته، فانه لم يصح إلا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر، أو ببعضه كحديث زكاة الفطر، حيث قيل: إن مالكًا انفرد عن سائر رواته بقوله (المسلمين)، أو ببعض السند كحديث أم زرع، إذ المحفوظ فيه رواية عيسى بن يونس وغيره، عن هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله عن أبيهما عن عائشة، رضي الله عنها ورواه الطبراني من حديث الدراوردي عن هشام بدون واسطة أخيه به، سواء انفرد به مطلقًا، أو بقيد كونه عن إمام شأنه أن يجمع حديث لجلالته، كالزهري وقتادة، خلافًا لابن مندة، ثم الحديث قد يغرب متنًا كحديث انفرد بروايته واحد، وقد يغرب إسنادًا فقط، كأن يكون معروفًا برواية جماعة من الصحابة، فينفرد به ارو من صحابي آخر، فهو من جهته غريب مع أن متنه غير غريب، قال ابن الصلاح: ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة، قال: وهذا الذي يقول فيه الترمذي غريب من هذا الوجه، ومن ثم ابن سيد الناس فيما شرحه من الترمذي: الغريب أقسام، غريب سندًا ومتنًا، أو متنًا لا سندًا، أو سندًا لا متنًا، وغريب بعض السند، وغريب بعض المتن، ثم قال بعد ذلك: إن النوع الثاني لا وجود له، وقال الحافظ: الغرابة قد تكون في أصل السند، وهو طرفه الذي فيه الصحابي، أو لا يكون بأن يكون التفرد في أثنائه، فالأول الفرد المطلق كحديث النهي عن بيع الولاء، والثاني الفرد النسبي، ويقل إطلاق الفردية عليه، لأن الغريب الفرد مترادفان لغة واصطلاحًا، إلا أنهم غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق، والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي، انتهى. وقال السيوطي: يدخل في الغريب ما انفرد راو براويته، أو بزيادة في متنه، أو إسناده: وينقسم أيضًا إلى غريب متنًا وإسنادًا كما لو انفرد راو واحد، وإلى غريب إسنادًا لا متنًا كحديث روى متنه جماعة من الصحابة وانفرد واحد براويته عن صحابي آخر، ويه يقول الترمذي: غريب من هذا الوجه انتهى. إذا عرفت ذلك فوضح كلام المصنف أن الغرابة تُطلق على الحديث بعدة أوجه: منها أن يكون غريبًا باعتبار سند خاص، ومثل له بحديث أبي موسى الأشعري الآتي، وبذلك مثله السخاوي في شرح الألفية، إذ قال: أو يغرب إسنادًا فقط كأن يكون المتن معروفًا برواية جماعة من الصحابة فينفرد به راو من حديث صحابي آخر، فهو من جهته غريب مع أن متنه غير غريب، ومن أمثلته حديث أبي بردة عن أبيه رفعه: الكافر يأكل في سبعة أمعاء، فإنه غريب من حديث أبي موسى مع كونه معروفًا من حديث غيره، قال ابن الصلاح: ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة يعني كأن ينفرد به من حديث شعبة بخصوصه غندر، قال: وهو الذي يقول فيه الترمذي: غريب من هذا الوجه، انتهى. قلت: ومثل الترمذي لهذا الأخير بما سيأتي من حديث شبابة عن شعبة.

ص: 497

بالغرابة باعتبار إسناد من أسانيده المتعددة، فالغرابة إذًا ليست إلا في طريق من

ص: 498

طرقه، وباعتبار السند يحكم على المتن (1) أيضًا لا لأن الغرابة ثابتة له، بل توصيفًا له بوصف إسناده وطريقه. قوله [في المذاكرة] لا كما يأخذ التلميذ من الأستاذ. قوله [فهذا الحديث المعروف أصح] لما اتفق (2) في روايته اثنان: شعبة وسفيان. قوله [وإنما يستغرب هذا الحديث] لحال إسناده لرواية السائب إلخ يعني أن حديث القيراط المذكور من قبل يروى عن أبي هريرة (3)

(1) هذا إشارة إلى جواب عما يرد على قولهم: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحاصل الأشكال أن الغرابة إذا وقعت في سند خاص فكيف يوصف به الحديث مع أنه ليس بغريب بل له أسانيد أخر، وحاصل الجواب أن النسبة إلى الحديث مجازي باعتبار سنده المخصوص.

(2)

يعني أن الأصح بالسند المذكور هو حديث الحج لا حدث الدباء، قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن عبد الله وقيل له: روى شبابة عن شعبة عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر في الدباء، فقال علي: أي شيء تقدر أن تقول في ذاك يعني شبابة كان شيخًا صدوقًا إلا أنه كان يقول بالإرجاء، ولا ينكر لرجل سمع من رجل ألفُا أو ألفين أن يجيء بحيث غريب، وقال يعقوب: هذا حديث لم يبلغني أن أحد رواه عن شعبة غير شبابة، هكذا في التهذيب، وقال الذهبي: قال ابن المديني: لا ينكر لمن سمع ألوفًا أن يجيء بخبر غريب، وقد انفرد شبابة عن شعبة بحديث في الدباء، انتهى.

(3)

وقد أخرج روايتي أبي هريرة وعائشة البخاري في صحيحه، وقال الحافظ: وقع لي حديث الباب من رواية عشرة من الصحابة فير أبي هريرة وعائشة، ثم بسط أسماءهم، وقال الذهبي في الميزان: حمزة ابن سفينة بصري له شيء عن السائب في تشييع الجناة، لا نعرف أن أحدًا روى عنه سوى أبي سعيد مولى المهرى، لكنه أتى بصدق، انتهى. يعني ما أتى بالحديث ليس بكذب، لكنه غريب منه هذا السند.

ص: 499

وعن عائشة رضي الله عنهما، فأما طرقها عن أبي هريرة فكلها لا غرابة فيها، وأما يروى عن عائشة فكذلك إلا طريقًا واحدًا وهو السائب عن عائشة.

قوله [وقد روى عن عمرو بن أمية الضمري] يعني أن هذه الرواية المذكورة غريبة (1) إذا نسبت إلى أنس، وإذا رويت عن عمرو بن أمية فهي

(1) قال العراقي في تخريج الأحياء: حديث: أعقلها وتوكل، رواه الترمذي من حديث أنس، قال يحيى القطان: منكر ورواه ابن خزيمة في التوكل، والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري بإسناد جيد بلفظ: قيدها، انتهى. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة: رواه الترمذي في الزهد والعلل، والبيهقي في الشعب، وأبو نعيم في الحلية، وابن أبي الدنيا في التوكل، من حديث المغيرة بن أبي قرة: سمعت أنسًا، وقال الترمذي: قال عمرو بن علي يعني الفلاس: قال يحيى القطان: إنه منكر، ثم الترمذي: هو غريب لا نعرفه من حيث أنس إلا من هذا الوجه، وإنما أنكره القطان من حديث أنس، وقد روى عن عمرو بن أمية الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، يشير إلى ما أخرجه ابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم من حديث جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه ورواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب، وجعلا في روايتهما القائل عمروًا نفسه، وكذا عند أبي القاسم بن بشران في أماليه، وأخرجه البيهقي كذلك من حديث جعفر لكن مرسلًا، قال: قال عمرو بن أمية: يا رسول الله، الحديث،

ص: 500

مشهورة لا غرابة فيها.

قوله [وقد وضعنا هذا الكتاب على الاختصار] يعني (1) لم أكثر فيه الأخبار والروايات وإن طال بسبب ذكر المذاهب والآثار رجاء المنفعة في اختصاره، فإن الطبائع تميل من الطويل، والنفع أرجى في المختصر القليل، أو المعنى اقتصرت على هذا المقدار من الأحاديث والأخبار واختلافات المذاهب والآثار، ولم أطول الكتاب بما بقي من هاتيك الأبواب رجاء فيه، ونيل الثواب، والفرق بين المعنيين أن الأول عذر عن قلة إيراد الروايات فقط، والثاني عذر من إيراد كل ذلك مقتصرًا على ذكر شيء من كل باب.

والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد أفضل من نطق بالصواب، المخصص بجوامع الكلم وفصل الخطاب، وعلى الآل والأصحاب، صلاة تنجي قائلها يوم الحساب، وتظفره النعيم المقيم يوم يُكشف الحجاب، والحمد لله على التمام، وهو المسئول حسن الختام، والفوز في دار السلام مؤرخه 18/ ذي الحجة سنة 1312 روز بنجشنبه يكهزار وسه صد ودوازده هجري صلى الله عليه وسلم (2).

(3)

(1) ظاهر الكلام الشيخ أن الإشارة إلى جامع الترمذي وهو وجيه، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كتاب العلل خاصة احترازًا عن العلل الكبير، فإن هذا الكتاب يسمى عللًا صغيرًا، وله كتاب آخر جليل يسمى بالعلل الكبير.

(2)

هكذا في آخر الأصل، أبقيته على حاله اعتناءً لتحريره، ومعناه: أنه وقع الفراغ للشيخ من تسويد هذا التقرير الأنيق لم ينسج على منواله يوم الخميس، ثامن عشر ذي الحجة، سنة اثني عشرة وثلاث مائة وألف من هجرة سيد ولد آدم عليه وعلى آله وصحبة وأتباعه أفضل الصلاة والسلام.

ص: 501

_________

(3)

هذا وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الحواشي التي لا تستحق أن تسمى بالحواشي آخر ساعة من يوم الجمعة، ساعة مباركة مستجابة، سادس عشر من رجب المرجب، سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها ألف ألف صلوات وتحية، وأضيف بعض الحواشي على ذلك في صفر 1382 هـ، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، سبحان الله وبحمده، سبحان العلي العظيم، وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، الحنان المنان بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام.

ص: 502