الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النجم]
قوله [المقحمات] أي من غير توبة (1) وهذا باعتبار بعض أفراد الأمة، فإن سائرهم لا يغفر لهم. بل الرجاء إنما هولهم كلهم لقوله تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . قوله [فأرعدها] أراد بأرعاد اليد تصوير ما هناك من التنور وغلبة الضياء، وما يقال له بالهندية: جك مك كرنًا وجهلمل جهلمل كونًا.
قوله [فكبر] أراد بذلك استعباد ما سئل، أو السكوت عن ذلك والاشتغال
(1) ففي شرح العقائد: الله تعالى لا يغفر أن يشرك به بإجماع المسلمين، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من الصغائر والكبائر مع التوبة أو بدونها خلافًا للمعتزلة، يعني فإنهم يقولون: لا يغفر الكبيرة بدون التوبة، قلت: وحاصل ما أفاده الشيخ ثلاثة أمور: الأول أن الكبائر تغفر بغير توبة لبعض الأفراد جزمًا، والثاني لا تغفر لجميعهم جزمًا، والثالث ينبغي لكل مؤمن أن يرجو الله العفو، وكل من هذه الثلاثة مؤيد بالآيات والروايات، أما الأول فلقوله تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ولقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} الآية، ولأحاديث النجوى والبطاقة، ومن أوصى أن يحرق بعد موته فبذر في الهواء، ولغير ذلك من الروايات الكثيرة التي لا تحصى، وأما الثاني فلأحاديث الشفاعة الشهيرة، والإخراج من النار بعد ما امتحشوا، وهي روايات كثيرة، وأما الثالث فلآيات المنع عن القنوط، ولما في الدر برواية أحمد وغيره عن أبي ذر مرفوعًا: إن الله تعالى يقول: يا عبدي ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك، الحديث. وللحديث المشهور: أنا عند ظن عبدي بي، ولحديث استجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في الجمع في المظالم أيضًا، كما تقدم في (باب مثل الصلوات الخمس) مفصلا.
بما يلهيه عما سأل، فلماذا قال (1): إنا بنو هاشم عني (2) بذلك أنا لسنا بساكتين عما
(1) هكذا في الأصل، وجزاؤه ساقط من تصرف الناسخ أو محذوف، أي فلما قال ذلك أجابه عن سؤاله.
(2)
ولفظ السيوطي في الدر برواية عبد بن حميد والترمذي والحاكم وغيرهم: فكبر حتى جاوبته الجبال، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمدًا قد رأى ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته، الحديث. وقال الحافظ بعد ما ساق حديث الترمذي: هكذا في سياق الترمذي، وعند عبد الرزاق من هذا الوجه فقال ابن عباس: [إنا بنو هاشم نقول: إن محمدًا رأى وبه مرتين، فكبر كعب وقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه، الحديث. وفي المجمع: قوله: فكبر حتى جاوبه الجبال، أي جاوبه بالصدا كأنه استعظم ما سئل عنه فكبر، ولعل السؤال كان عن رؤية الرب، وقوله: إنا بنو هاشم بعث له على التسكين وترك الغيظ والتفكر في الجواب، فإن بني هاشم أهل علم لا يسألون عن أمر مستعبد، أو من ثم لما تفكر أجاب بأنه سبحانه وتعالى قسم رؤيته وكلامه، انتهى. قلت: والظاهر مما سبق من لفظ السيوطي والحافظ أن في حديث الترمذي اختصارًا، ثم اختلفت الروايات عن ابن عباس، قال الحافظ: جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيحب حمل مطلقها على مقيدها، فمن ذلك ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح وصححه الحاكم أيضًا من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد، وأخرجه ابن خزيمة بلفظ: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، الحديث. وأخرج ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس هل رأى محمد ربه، فأرسل إليه أن نعم، وأخرج مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس قال: رأى ربه بفؤاده مرتين، وله من طريق عطاء عنه قال: رآه بقلبه، وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن مردوديه من طريق عطاء عنه قال: لم يره رسول الله صلى الله =عليه وسلم بعينه، إنما رآه بقلبه، وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة، بأن يحمل نفيها على رؤية البصر، وإثباته على رؤية القلب، انتهى. قلت: وقد جاءت عن ابن عباس رواية ثالثة ذكرها السيوطي في الدر برواية الطبراني وابن مردوديه عن ابن عباس قال: إن محمدًا رأى ربه مرتين: مرة ببصره ومرة بفؤاده.
سألنا ولا هين عنه بفعلك هذا، أو لسنا سائلين عن أمر مستبعد.
قوله [نيهان] بتقديم النون على الباء الموحدة. قوله [نوراني أراه] فيه تأويلان: أي هو نور فكيف أراه، أو الذي رأيته نور، وأما الرب تبارك وتعالى فكيف أراه، وقيل:(1) هو بتمامه لفظ واحد، أي نوراني أراه،
(1) فقد قال القاري: أنى بفتح الهمزة وتشديد النون على ما في أكثر النسخ، أي كيف أراه، أي هو نور عظيم كيف أبصره، فإن كمال النور يمنع الإدراك، وفي بعض السنخ: نوراني: بتشديد الياء للنسبة لزيادة الألف والنون للمبالغة كالرياني، وحينئذ قوله: أراه بمعنى أظنه من الرؤية بمعنى الرأي، فلو قرئ بضم الهمزة لكان أظهر في هذا المعنى، ويمكن أن يكون بمعنى أبصره إيماء إلى أنه ما رآه في الدنيا وسيراه في الآخرة، أو مراده أبصرته والعدول إلى الاستقبال لحكاية الحال الماضية، فكأنه يستحضره ويتلذذ به، قال ابن الملك: اختلف في رؤيته في تلك الليلة، وفي الحديث دليل للفريقين على اختلاف الروايتين لأنه روى بفتح الهمزة وتشديد النون المفتوحة، فيكون استفهامًا على سبيل الإنكار، وروى بكسر النون فيكون دليلاً للمثبتين، ويكون حكاية عن الماضي بالحال، وقال الإمام أحمد: بتشديد النون يعني على طريق الإيجاب، قال الطيبي: أراد ليس الاستفهام على معنى الإنكار المستفيد للنفي، بل للتقرير المستلزم للإيجاب أي نور حيث أراه، انتهى.