الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الذاريات]
له [فذكرت عنده] بصيغة المتكلم، ثم أورد (1) القرينة التي ذكر لها
(1) يعني ذكر الباعث على ذكره وافد عاد، وهو تعوذه من أن يكون كوافدهم، وحديث الترمذي مختصر يوضحه ما أخرجه أحمد من الرواية المفصلة، فأخرج بسنده إلى أبي وائل عن الحارث بن يزيد البكري قال: خرجت أشكو العلاء ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قررت بالربذة فإذا عجوز (والعجوزة هذه هي قبلة بنت مخرمة كما يظهر مما أخرجه أبو داود في باب إقطاع الأرضين، وحكى الشيخ في البذل أن بعث عمرو بن العاص كان إلى غزوة السلاسل) من بني تميم منقطع بها، فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فهل أنت مبلغي إليه، قال: فحملتها فأنبت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وبلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجهًا، قال: فجلست، قال: فدخل منزله أو قال رحله، فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال: هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم، قال: وكانت لنا الديرة عليهم، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب، فأذن لها، فدخلت، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزًا فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت، قالت: يا رسول الله، فأين تضطر مضرك؟ قال قلت: مثلي ما قال الأول: معزاء حملت حتفها، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصمًا، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد، قال: هيه وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه ولكن يستطعمه، قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له قيل، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة فنادى: اللهم إنك تعلم أني لم أجيء إلى مريض فأداويه، الحديث. فعلم أنه تعوذ عن كونه مثل وافد عاد في أخذه الهلاكة باختياره.
وافد عاد (1)، فقال: فقلت: أعوذ بالله إلخ وهو مثل
(1) وقصته مسطورة مبسوطة في كتب السير والتفسير، لاسيما في المعالم والخازن وإجمالها: أن عادًا لما فسقوا في الأرض وقهروا أهل بفضل قوتهم التي جعلها الله فيهم، بعث الله عز وجل فيهم هودًا عليه السلام، فأمرهم أن يوحدوا الله عز وجل، وأن يكفوا عن ظلم الناس، ولم يأمرهم بغير ذلك فيما ذكر، فأبوا عليه وكذبوه وقالوا: من أشد منا قوة، وأتبعه منهم ناس يسير يكتمون إيمانهم، فلما عتوا على الله وكذبوا نبيهم أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، حتى جهدهم ذلك، وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم جهد وبلاء يطلبون الفرج عند بيت الله الحرام، فيجتمع بمكة ناس كثير شتى مختلفة أديانهم، وكلهم معظم لمكة معترف بحرمتها، وكان سكان مكة يومئذ العماليق وسيدهم رجل يقال له معاوية بن بكر، فلما قحطت عاد وقل عنهم المطر قالوا: جهزوا منكم وفدًا إلى مكة ليستسقوا لكم، فإنكم قد هلكتم، فبعثوا قيل بن عنز، ونعيم ابن بزال وعقيل بن صفدين بن عاد الأكبر، ومرئد بن سعد وكان مسلمًا بكتم إيمانه، وجلهمة بن الخيبري، ولقمان بن عاد، فانطلق كل رجل من هؤلاء ومعه جماعة من قومه فبلغ عدد وفد عاد سبعين رجلاً، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارج الحرم، فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وأصهاره، فأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية، فلما رأى معاوية طول مقامهم عنده وقد بعثهم قومهم يتغوثون لهم من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه، وقال: هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي نازلون على، والله ما أدرى كيف أصنع، فإني أستحبي أن آمرهم بالخروج لما بعثوا إليه فيظنوا أنه ضيق مني بمكانهم عندي، فتغنت الجاريتان تعيرانهم على فعلهم أن نسوا قومهم بأبيات أولها:
ألا يا قيل ويحك قم فهيتم
…
لعل الله يسقينًا غمامًا
فلما غنت الجرادتان بذلك قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم ليتغوثوا بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم وقد أبطأتم عليه، فادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم، فقال مرئد بن سعد: إنكم الله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى ربكم سقيتم، وأظهر إسلامه وأنشد أبياتًا، فأجابه جلهمة بأبيات، ثم قال جلهمة لمعاوية وأبيه بكر: احبسا عنا مرئدًا لا يقدمن معنا مكة، فإنه قد تبع دين هود وترك ديننا، ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد، فقام قيل بن عنز رأس وفد عاد يدعو، فقال: اللهم أعط قيلاً ما سألك. وقال الوفد معه: واجعل سئولنا معه، وقال قيل حين دعا: يا إلهنا إن كان هودًا صادقًا فاسقنا فأنا قد هلكنا، فأنشأ الله تعالى سحائب ثلاثًا: بيضاء، وحمراء، وسوداء، ثم نادى مناد من السماء: يا قيل اختر لقومك ولنفسك من هذه الثلاثة، فقال قيل: قد اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماءًا، فناداه مناد اخترت رمادًا رمددًا لا يبقى من آل عاد أحدًا، وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت إليهم من واد يقال له المغيث، فلما رأوها استبشروا بها، وقالوا: هذا عارض ممطرنا، يقول الله عز وجل:{بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح مهلكة امرأة من عاد يقال لها مهدد، فلما عرفت ما فيها من العذاب صاحت ثم صعقت، فلما أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت؟ قالت: رأيت فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، إلى أخر ما في المعالم والخازن، وهذا أيضًا ملخص منهما، وعلم من ذلك أن المراد بوافد عاد في الحديث قبل بن عنز رأس وفدهم أعاذنا الله من نقمته.
يضرب (1) لمن اكتسب هلاكًا وشرًا من حيث يرجى الخير والبركة.
قوله [بكر بن معاوية] وكان له (2) قرابة معه. قوله [جبال مهرة] وكانت (3) بقرب مكان البيت وفي جهته [فقال اللهم إلخ] وكانوا يتبركون
(1) يعني صارت بعد ذلك مثلاً يضرب به، ففي آخر رواية أحمد المذكورة المفصلة: قال: فكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد.
(2)
فقد تقدم قريبًا في القصة المفصلة أن عادًا كانوا أخواله وأصهاره، وفي المعالم والخازن: وكان سيد العماليق يومئذ رجلاً يقال له معاوية بن بكر، وكانت أم معاوية كلهدة بنت الخبيري، وهو رجل من عاد، وكانت عاد أخواله معاوية سيد العماليق، انتهى ثم لا يذهب عليك أن اسم الرجل ذكره أهل التفسير معاوية بن بكر كما في الخازن والمعالم وغيرهما، وهكذا في كتب الرجال من أسد الغاية، والروايتين في مسند أحمد، ووقع في الترمذي بكر بن معاوية، وهكذا ذكره صاحب التيسير وجمع الفوائد برواية الترمذي، وكذا في الدر برواية الترمذي وأحمد وغيرهما.
(3)
ذكر في الحاشية: جبال مهرة منسوب إلى مهرة بن حيدان أبي قبيلة، ولفظ رواية أحمد: فلما مضى الأجل خرج إلى جبال تهامة فنادى: اللهم، الحديث.
بالمكان الذي بنى ثم بيت الله، ولم يكن بني بعد (1) بل كانت أكمات يدعون عندها فيجابون، وكانت السحب الثلاثة فيها رحمة لهم إن آمنوا، ونقمة إن بقوا على كفرهم. قوله [وذكر النبي (2) صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسل] أي لم يخرج من مسدها وبابها الذي كانت تخرج منه إلا قدر حلقة الخاتم مع ما كانت تخرج منه دائمًا،
(1) فقد ورد في الروايات وكتب السير أن أول من بني الكعبة بعد الطوفان سيدنا إبراهيم عليه السلام، وفي الدر برواية البخاري وغيره من جماعة المخرجين في حديث طويل في بناء الكعبة: قال إبراهيم: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتًا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفع القواعد من البيت، الحديث. وبرواية ابن جرير والطبراني وغيرهما عن عمرو بن العاص قال: لما كان زمن الطوفان رفعه الله إليه، فكانت الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله بعد لإبراهيم وأعلمه مكانه فبناه، وغير ذلك من الروايات الكثيرة صريحة في أن أول من بناء بعد الطوفان إبراهيم عليه السلام، فكان في زمن عاد أكمة، ولذا ورد الدعاء في جبال مهرة أو جبال تهامة.
(2)
إشارة إلى أن قوله: وذكر أنه لم يرسل مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبه جزم المحشى، ويؤيده ما في جمع الفوائد برواية الترمذي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يرسل الريح إلا مقدار هذه الحلقة، وكذا في تيسير الوصول بروايته، فقال صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إنه لم يرسل الريح إلا من مقدار هذه الحلقة. لكن في مسند أحمد برواية عفان عن سلام قال أبو وائل: فبلغني أن ما أرسل عليهم، الحديث. وهكذا في أسد الغابة برواية أحمد.
أو زيد على منفذها القديم هذا القدر. قوله [ويقال الحارث بن حسان](1).
(1) بياض في الأصل بعد ذلك، وقال الحافظ في تهذيبه: الحارث بن حسان ابن كلدة البكري الذهلي الربعي، ويقال العامري، ويقال حريث، ووقع في رواية الترمذي عن رجل من ربيعة، ثم علقه من وجه آخر فسماه الحارث بن حسان، ثم ساقه من طريق أخرى فقال: الحارث بن يزيد، ثم قال: ويقال له الحارث بن حسان، وصحح ابن عبد البر أن اسمه حريث، انتهى. وفي مبهمات التقريب: أبو وائل عن رجل من ربيعة هو الحارث بن حسان، انتهى. وفي الإصابة: يقال اسمه حريث ولعله تصغير، وقال ابن الأثير: الحارث بن حسان الربعي البكري، وقيل حويرث، وقال: من يرى قوله بكري وربعي وذهلي يظن أنه اختلاف وليس كذلك، فإن ذهل بن شيبان من بكر، وبكر من ربيعة، انتهى. وفي الاستيعاب: الأكثر يقولون: الحارث بن حسان البكري وهو الصحيح إن شاء الله، انتهى. ثم قال ابن عبد البر: اختلف في حديثه، =منهم من يجعله عن عاصم بن بهدلة عن الحارث بن حسان لا يذكر فيه أبا وائل، والصحيح فيه عن عاصم عن أبي وائل عن الحارث بن حسان، انتهى. وفي التهذيب: الحارث بن حسان روى عنه عاصم بن بهدلة، والصحيح عنه عن أبي وائل عن الحارث، انتهى. وقال ابن الأثير بعد ذكر رواية أحمد عن عفان بواسطة أبي وائل: رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عفان عن أبي المنذر عن عاصم عن أبي وائل مثله، ورواه زيد بن الحباب عن أبي المنذر، ورواه أحمد بن حنبل أيضًا، وسعيد الأموي، ويحى الحماني، وعبد الحميد بن صالح، وأبو بكر بن أبي شيبة، كلهم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحارث، ولم يذكر أبا وائل، انتهى.