الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صوته، فكان مدحًا له حسن صوته لذلك.
[باب في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه
(1)].
قوله [لا تمس النار مسلمًا الخ] والموت على الإسلام شرط، وإلا لم يصدق عليه أنه مسلم، ووجه عدم المس مع أن وقوع المعاصي غير منكر، ما هم عليه من شدة مراقبة الله تعالى، فلا يتراخون في المتاب، أو رجحان (2) الحسنات
(1) لعل المصنف أشار بهذا اللفظ إلى أن المراد بمن رأى هو الصحابي، لا مطلق الرائي، وإليه أشار الشيخ في تقريره إذ قال: والموت على الإسلام شرط، فإنهم اتفقوا على هذا الشرط في تعريف الصحابي، كما بسط أهل الفن سيما الحافظ في مبدأ الإصابة إذ قال: أصح ما وقفت عليه في تعريف الصحابي: هو من لقي النبي صل الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على الإسلام، ثم بسط الكلام على ذلك.
(2)
وقد اشتهر قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا لما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، وإنفاقهم رضي الله عنهم بأقصى ما يمكنهم معلوم مشهور. وأجمل الحافظ الكلام على فضلهم في مبدأ الإصابة فقال: اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلًا نفيسا في ذلك فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} ، الآية، وقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ، الآية، وقوله تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} ، الآية، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} ، وقوله تعالى:{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ} - إلى قوله - إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}، في آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء ما ذكرنا لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع على تعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتمد قوله، ثم قال: وقال أبو محمد بن حزم: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعًا، قال الله تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون} ، فان قلت: التقيد بالإنفاق والقتال يخرج من ليس كذلك، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة، قلنا: إن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة، وروى البزار في مسنده بسند رجاله موثقون من حديث سعيد بن المسيب عن جار مرفوعًا: إن الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين، وروي عن سفيان يقول في قوله تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ} هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والأخبار في هذا كثيرة جدًا، فاقتصر على هذا القدر ففيه مقنع، انتهى مختصرًا.
على السيئات لو سلم الموت من غير توبة، ولكن يشكل عليه بعض ما ورد في
الأخبار من القصص التي هي مشعرة بخلاف ذلك كما ورد (1).
قوله [أو شهادتهم أيمانهم] أي مرة كذا ومرة كذا، والمعنى بذلك قلة المبالاة فيما يأتون، فلا يتأملون فيما يقترفون عما لا يفعلون هل هو حق أم غير واقع. قوله [مد أحدهم] الظاهر أن المراد بالمد ما يوزن ويكال به عادة، وهي الأطعمة والحبوب، وإن كان يمكن على بعد إرادة مد الذهب بقرينه
(1) بياض في الأصل بعد ذلك، ولعل الشيخ لم يذكر الروايات في ذلك عمدًا فإن خاطري أيضًا لا يطيب باحصاءها، لكنها لا تخفى على من نظر كتب الحديث، كحديث الشملة، والمعذبين في القبر بالنميمة والبول على القول بإسلامهما، وغير ذلك، وكذا ما ورد في قاتل عمار، ومبغض علي والحسين رضي الله عنهم أجمعين، والجواب عن حديث الباب ظاهر، على أن المرجو من كرمه تعالى أن لا يدخل النار أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كما يدل عليه ما ورد في الروايات من فضلهم، كما تقدم شيء من ذلك، وأخرج أبو داود عن سعيد بن زيد: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فتنة فعظم أمرها، فقلنا أو قالوا: يا رسول الله لئن أدركتنا هذه لتهلكنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا إن بحسبكم القتل، الحديث. وعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمتي هذه مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة، وعذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل.
مقابلة أحد الذهب، والفضل (1) لهم ثابت على المعنيين كليهما، وإن كان في
(1) وظاهر هذا الحديث والتي تقدمت من الروايات أن الصحابة أفضل من التابعين، وهم من أتباعهم، قال الحافظ في الفتح: هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، والذي يظهر أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه بأمره، أو أنفق شيئًا من ماله بسببه، لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا من كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث. والأصل في ذلك قوله تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ، الآية، واحتج ابن عبد البر بحديث: مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره، وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة، وأغرب النووي فعزاه في فتاواه إلى مسند أبي يعلى من حديث أنس بإسناد ضعيف، مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس، وصححه ابن حبان من حديث عمار. وأجاب عنه النووي بما حاصله أن المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى، ويرون ما في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير، وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم: خير القرون قرني، وقد روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جفر أحد التابعين بإسناد حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليدركن المسيح أقوامًا إنهم لمثلكم أو خير ثلاثًا، الحديث. وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه: تأتى أيام للعامل فيهن أجر خمسين، قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: بل منكم، وهو شاهد لحديث: مثل أمتي مثل المطر، واحتج ابن عبد البر أيضًا بحديث عمر رفعه: أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني، الحديث أخرجه الطيالسي وغيره، لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه، وروى أحمد والدرامي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله أأحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني، إسناده حسن، وقد صححه الحاكم، وتعقب كلام ابن عبد البر بأن مقتضى كلامه أن يكون في من يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة، وبذلك صرح القرطبي، لكن كلام ابن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية، نعم الذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده؛ لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر فضلهم، ومحل النزاع يتمحض في من لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما تقدم، فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجهًا على أن حديث: للعامل منهم أجر خمسين منكم، لا يدل على أفضيلة غير الصحابة على الصحابة؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضًا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد، فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة، وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه، فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم، ورواه بعضهم: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من قوم أعظم منا أجرًا؟ الحديث. أخرجه الطبراني وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة، وهي توافق حديث أبي ثعلبة، وتقدم الجواب عنه، انتهى. قلت: وتقدم بعض ما يتعلق بحديث الشهادة في أبوابها.
الأول ما ليس في الثاني. قوله [إلا صاحب الجمل الأحمر] استثناه مع كونه لم يدخل فيهم (1) دفعًا لما عسى أن يتوهم أحد قياسه على عثمان رضي الله عنه،
(1) كما هو نص الرواية المفصلة عند مسلم، ولفظها: عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يصعد الثنية ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل قال: فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر، فأتيناه فقلنا: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لئن أجد ضالتي أحب إلى من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجل يشد ضالة له، وفي رواية أخرى- إذا هو أعرابي جاء ينشد صالة له، وذكر في حاشية الترمذي: صاحب الجمل الأحمر هو جد بن قيس، كان منافقًا يطلب جمله ولم يبايع، والاستثناء منقطع، انتهى. وحكى النووي عن القاضي عياض قيل: هذا الرجل هو الجد بن قيس المنافق، انتهى. وقال ابن الأثير: حضر يوم الحديبية فبايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الجد بن قيس، فانه استتر تحت بطن ناقته، وعن ابن إسحاق قال: لم يتخلف عن بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد يعني في الحديبية من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة، قال جابر: كأني أنظر إليه لاصق بإبط ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صبأ إليها =يستتر بها من الناس، وقيل: إنه تاب وحسنت توبته، انتهى. وجزم القاري في شرح المشكاة بأن صاحب الجمل الأحر هذا هو عبد الله بن أبي المنافق المشهور.