الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]
حتى بلغت غايته وتجاوزت منه إلى أهل بيته (1)، ولزم من ذلك حب أحاديثه صلى الله عليه وسلم والعمل بمقتضاها، وعدم الضلالة على هذا التقدير ظاهر، فكان المعنى كتاب الله وسنة رسوله، أو يقال: العترة هم الذين كانوا على هديه كما يشعر به الرواية الآتية، وهو قوله (2): ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، ففي هذا دليل على أن المراد بالعترة هم الذين وافق أمرهم كتاب الله.
قوله [وعلى خلف ظهره] ولم يكن خارجًا عن الرداء بل داخلا فيها، ولإظهار ذلك كرر قوله: فجللهم (3) بكساء. قوله [اللهم هؤلاء أهل بيتي] قد مر تقريره. قوله [وأعطيت أنا أربعة عشر] ولم يذكر فيهم عثمان (4)
(1) قال التوربشتي: عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: أهل بيتي، ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه، انتهى. والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل بروايتهم، والاعتماد على مقالتهم، وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: أصحابي كالنجو بأيهم اقتديتم اهتديتم، إلى آخر ما في المرقاة.
(2)
قلت: وأوضح منه ما في أبي داود من حديث ابن عمر في فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، الحديث.
(3)
هكذا في جميع النسخ الهندية والمصرية بضمير الجمع، والحديث مكرر بسنده ومتنه تقدم في تفسير سورة الأحزاب، وفيه: وعلى خلف طهره فجاله بكساء بإفراد الضمير لعلي، فدخوله في الرداء ظاهر،
(4)
لله در الشيخ ما أجاد، ثم لا يذهب عليك أن الحديث ذكره صاحب المشكاة برواية الترمذي وفيه ذكر أبي ذر موضع حذيفة، ونسخ الترمذي الهندية متظافرة بهذا السياق التي بأيدينا، وليست في المصرية (*) هذه الرواية، ومثل الترمذي ذكرها في جمع الفوائد.
(*) ثم وجد في المصرية في مناقب الحسن والحسين على سياق المشكاة
لأن النقيب وهو المراد بالنجيب هو الذي يتقدم الإمام ويتكلم بين يديه، وأما عثمان فقد بلغ حياؤه منزلة ليس يمكن لهم التكلم بين يديه صلى الله عليه وسلم إلا لضرورة، فلا يتأتى منه تلك الخدمة، وليس ذلك لمنقصة فيه نسبة عمن ذكر ها هنا.
قوله [وأصدقهم حياء] يعني أنها ليست منه تكلفًا. قوله [وأعلمهم بالحلال والحرام] أي من أعلمهم (1).
(1) إشارة إلى أ، لفظ (من) مقدر على صيغ التفضيل في هذا الحديث، وعلى هذا فلا يشكل بشركة غيرهم في هذه الأوصاف، وأجاب النووي بجواب آخر كما حكاه عنه القاري إذ قال: قال النووي في فتاواه: قوله أقضاكم علي، لا يقتضي أنه أقضى من أبي بكر وعمر، لأنه لم يثبت كونهما من المخاطبين، وإن ثبت فلا يلزم من كون واحد أقضى من جماعة كونه أقضى من كل واحد، يعني لاحتمال التساوي مع بعضهم، =ولا يلزم من كون واحد أقضى أن يكون أعلم من غيره، ولا يلزم من كونه أعلم كونه أفضل، انتهى. وفي المجمع: قوله أقرؤكم أبي، قبل: أراد من جماعة مخصوصين أو في وقت مخصوص فإن غيره كان أقرأ منه، ويجوز إرادة أكثرهم قراءة، ويجوز كونه عامًا وأنه أقرأ الصحابة، أي أتقن للقرآن وأحفظ، انتهى. قلت: فلو سلم عمومه ففي تقديمه صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى، ولذا مال ابن الهمام وابن حجر في شرح المنهاج وغير واحد من أهل العلم إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم، منسوخ بإمامة أبي بكر، ومال الزيلعي على الكنز إلى أن الروايات في قوله: أقرؤهم وأعلمهم مختلفة، والفعل مرجح، وقال أيضًا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم كان في الابتداء، وكان يستدل بحفظه على علمه لقرب العهد بالإسلام، ولما طال الزمان وتفقهوا قدم الأعلم نصًا، وكان أبو بكر أعلمهم، ألا ترى إلى قول أبي سعيد: كان أبو بكر أعلمنا، انتهى وقال القارئ: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدم أبا بكر لكونه جامعًا للقرآن والسنة، والسبق والهجرة، والسن والورع، وغير ذلك مما لم يجتمع في غيره من الصحابة، وبهذا صار أفضلهم، ولا ينافي أن يكون في المفضول مزية من وجه على الأفضل، انتهى قلت: ومقتضى ذلك أيضًا عموم حديث الباب وحمله على الفضيلة الجزئية، والأوجه عندي أن الأقرأ يطلق على معنيين، كما جزم به عامة شراح الحديث وعلماء الفقه: بمعنى أكثرهم حفظًا للقرآن وأخذًا له، والثاني أجودهم قراءة وأعلمهم بوجوه القراءات، والمراد في حديث الباب الثاني، كيف وقد ثبت أن جماعة من الصحابة كانوا حفاظ القرآن كما سيأتي قريبًا. فلو لم يكن المراد ذلك يكون قوله: أقرؤكم أبي، مشكلاً، والمراد في حديث الإمامة هو المعنى الأول، فإن مدار الإمامة على العلم بالمسائل، وكانوا أهل لسان، فكل من كان أكثرهم قرآنًا كان أعلمهم بالمسائل، ولي على ذلك قرائن كثيرة لا يسعها هذا المختصر.
قوله [لم يكن الذين كفروا] وكانت (1) أطول من هذا بكثير فنسخت،
(1) ففي الاتقان برواية الحاكم عن أبي بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وبارك وسلم: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} ومن بقيتها: لو أن ابن آدم سأل واديًا من مال فأعطيه سأل ثانيًا، وإن سأل ثانيًا فأعطيه سأل ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن ذات الدين عند الله الحنفية غير اليهودية ولا النصرانية، ومن يعمل خيرًا فلن يكفره، وقال أبو عبيد بسنده إلى أبي موسى الأشعري، قال: نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت، وحفظ منها: إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لأخلاق له، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديًا ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، انتهى. فالظاهر أن المراد بالسورة في الحديث الثاني هي سورة لم يكن، لاشتراك معنى الروايتين، وقال الحافظ: زاد الحاكم من وجه آخر عن زرعن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه لم يكن، وقرأ فيها: إن ذات الدين عند الله الحنفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية، من يفعل خيرًا فلم يكفره، انتهى.
والمناسبة (1) ما فيها من ذكر أهل الكتاب. قوله [فبكى] شوقًا وتلذذًا (2)
(1) قال الحافظ: قال القرطبي: خص هذه السورة بالذكر لما اشتملت عليه من التوحيد والرسالة، والإخلاص والصحف، والكتب المنزلة على الأنبياء، وذكر الصلاة والزكاة والمعاد، وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها، انتهى. وقال العيني: تخصيص هذه السورة لأنها مع وجازتها جامعة لأصول وقواعد ومهمات عظيمة، انتهى.
(2)
قال الحافظ: قوله سماني، أي هل نص على اسمي؟ أو قال: اقرأ على واحد من أصحابك فاخترتني أنت؟ قال: نعم، بكى إما فرحًا وسرورًا بذلك، وإما خشوعًا وخوفًا من التقصير في شكر تلك النعمة، وفي رواية الطبراني بوجه آخر عن أبي قال: نعم باسمك = ونسبك في الملأ الأعلى، قال القرطبي: تعجب أبي من ذلك لأنه تسمية الله له ونصه عليه ليقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم تشريف عظيم، ولذلك بكى إما فرحًا وإما خشوعًا، انتهى.
بأمر الله. قوله [جمع القرآن] أي (1) حفظه جميعًا، وليس فيه نفي لجمع غيرهم.
(1) وبهذا جزم الحافظ إذ قال: قوله جمع القرآن، أي استظهره حفظًا، ثم قال: وليس في هذا ما يعارض حديث عبد الله بن عمرو: استقرؤا القرآن من أربعة، فذكر اثنين من الأربعة ولم يذكر اثنين، لأنه إما أن يقال: لا يلزم من الأمر بأخذ القراءة عنهم أن يكونوا كلهم استظهروه جميعه، وإما أن لا يؤخذ بمفهوم حديث أنس، لأنه لا يلزم من قوله: جمعه أربعة أن لا يكون جمعه غيرهم، فلعله أراد أنه لم يقع جمعه لأربعة من قبيلة =واحدة إلا لهذه القبيلة وهي الأنصار، انتهى، قلت: والمراد بحديث عبد الله بن عمرو ما أخرج البخاري عنه وقد ذكر ابن مسعود عنده، فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استقرؤا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود فبدأ به، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، لا أدري بدأ بأبي أو بمعاذ، وذكره في باب القراء بلفظ: خذوا القرآن من أربعة، الحديث. قال الحافظ: ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن، بل كان الذين يحفظون مثل الذين حفظوه وأزيد، منهم جماعة من الصحابة، وقد تقدم في غزوة موتة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء وكانوا سبعين رجلاً، انتهى. ثم ذكر بعد ذلك أسماء جماعة من حفاظ الصحابة، وبعضهم أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال القاري في حديث الباب: أراد أنس بالأربعة أربعة من رهطه وهم الخزرجيون، إذ روى أن جمعًا من المهاجرين أيضًا جمعوا القرآن، وقال المازري: هذا الحديث مما تعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن، وجوابه من وجهين: أحدهما أنه ليس في تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه، فيكون المراد الذين علمهم من الأنصار أربعة، والمراد نفي علمه لا نفي غيره، وقد روى مسلم حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر منهم المازري خمسة عشر صحابيًا، وثبت في الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمع القرآن، فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه، فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها وممن لم يحضرها، وثانيهما أنه لو ثبت أنه لم يجمع إلا أربعة لم يقدح في تواتره، إذ ليس من شرط التواتر أن ينقل جميعهم جميعه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك، قال التوربشتي: المراد من الأربعة أربعة من رهط أنس وهم الخزرجيون، انتهى. وفي التلقيح: من جمع القرآن حفظًا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي ابن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد الأنصاري، وأبو الدرداء، وذكر فيهم عثمان وتمم الداري، وعبادة بن الصامت وأبو أيوب الأنصاري، انتهى. قلت: وزاد صاحب روضة المحتاجين على بعض المذكورين عليًا وزيد بن ثابت وخالدًا، وزاد العيني أبا بكر وعبد الله بن مسعود.
قوله [بين أمرين] أي في الطاعات، فيصح رواية أشدهما (1)، لأن
(1) اختلفت النسخ والروايات في لفظ (إلا اختار أشدهما) ففي النسخة الأحمدية التي بأيدينا (أرشدهما) بالراء المهملة والشين المعجمة من الرشد. وهكذا في رواية الحاكم من رواية عائشة وكذا فيه برواية ابن مسعود بلفظ: (ما عرض عليه أمران قط إلا أخذ بالأرشد) وهكذا في ابن ماجة من حديث عائشة بلفظ (الأرشد منهما) وفي هامش الأحمدية بطريق النسخة (أشدهما بالمعجمة من الشدة، وكذا في جمع الفوائد برواية الترمذي، وفي النسخة المصرية من الترمذي بلفظ (أسدهما) بالمهملة من السداد، وفي تيسير الوصول برواية الترمذي (إلا اختار أيسرهما) وفي المشكاة برواية الترمذي (أشدهما) وفي هامشه نسخة (أرشدهما) قال القاري: قوله أرشدهما هو أصل الترمذي، أي أصلحهما، وفي نسخة صحيحة وهو أصل المصابيح (أشدهما) أي أصعبهما، فقيل: هذا بالنظر إلى نفسه، فلا ينافي رواية (أيسرهما) فإنه بالنظر إلى غيره، وفي نسخة (أسدهما) بالسين المهملة أي أصوبهما، والأظهر في الجمع بين الروايات أنه كان يختار أصلحهما وأصوبهما فيما تبين ترجيحه وإلا اختار أيسرهما، انتهى. قلت: لم يظهر الجمع في كلامه برواية (أشدهما) وقد عرفت أن الأكثر باعتبار النقل لفظ الأرشد.
المحنة في الطاعات توجب المنحة. قوله [أصدق من أبي ذر] فمن سواه (1) يساويه في الصدق أو هو دونه.
قوله [كالحاسد] يعني به مغتبطًا، لأن الغبطة يشبه الحسد. قوله [أفتعرف ذلك]. بصيغة الخطاب من الأفعال، ويمكن أن يكون متكلمًا من المجرد.
قوله [مكانهما] أي هما موجودان ولم ينعدما، أو المراد هما موجودان في المدينة ولم ينعدما منها. قوله [وقد علم المحفوظون من أصحاب إلخ] فيه إشارة (2) إلى أن الخلفاء قربتهم معلومة لكل أحد. قوله [وحذيفة صاحب سر رسول
(1) قال التوربشتي: قوله أصدق من أبي ذر مبالغة في صدقه لا أنه أصدق من كل على الاطلاق، لأنه لا يكون أصدق من أبي بكر بالإجماع، فيكون عامًا قد خص، وقال الطبي: يمكن أن يراد به أنه لا يذهب إلى التورية والمعاريض في الكلام، إلى آخر ما في المرقاة.
(2)
فإنه يدل على أنهم يعرفون درجات الصحابة ومراتب فضلهم، فلابد أن يعرفوا فضل الخلفاء الذين فضلهم مأثور يعرفهم كل من يأتي بعدهم، وقد عرف اهتمامهم بمعرفة مراتب الناس، فقد أخرج البخاري بروايات وطرق سؤالهم: من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم لله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني، الحديث. وأخرج أيضًا عن ابن عمر: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان، وحديث الباب أخرجه أحمد برواية حسين عن إسرائيل نحو الترمذي، وأخرج أيضًا عن شقيق عن حذيفة بلفظ آخر، وفيه: من حين يخرج من بيته حتى يرجع، فلا أدري ما يصنع في أهله، الحديث.
الله صلى الله عليه وسلم] وقد أسر إليه أشياء لم يعلمها (1) أحد، منها حال المنافقين.
قوله [وعمار الذي أجاره الله إلخ](2). قوله [لم فضلت أسامة علي]
(1) كما هو نص حديث البخاري عن أبي الدرداء بمعنى حديث الباب، ولفظه: أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره، قال الحافظ: والمراد بالسر ما أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم من أحوال المنافقين، انتهى. وفي الإصابة: روى عنه مسلم قال: لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان وما يكون حتى تقوم الساعة، انتهى. قلت: وقد اشتهرت الروايات عنه في الفتن أن الناس كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
(2)
بياض في الأصل بعد ذلك، وقال الحافظ: زعم ابن التين أن المراد بقوله: على لسان نبيه، قوله صلى الله عليه وسلم: ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وهو محتمل، ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعًا: ما خير عمار إلا اختار أرشدهما، فكونه يختار أرشد الأمرين دائمًا يقتضي أنه قد أجير من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالغي، ولابن سعد في الطبقات من طريق الحسن قال: قال عمار: نزلنا منزلاً فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سيأتيك من يمنعك من الماء، فلما كنت على رأس الماء إذا رجل أسود كأنه مرس، فصرعته، الحديث. وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك الشيطان، فلعله أشار إلى هذه القصة، ويحتمل أن تكون الإشارة بالإجارة إلى ثباته على الإيمان لما أكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر، فنزلت فيه:"إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، انتهى.
وكان سؤاله ذلك حرصًا على العلم لا على المال، وطلبًا لاستكشاف ما خفى عليه (1) من فضله لا طمعًا فيما ناله أسامة من طوله، لأن عمر رضي الله عنه (2) إنما كان يفضلهم فيما بينهم بالعطاء، إما لكثرة المشاهد أو لقدم الهجرة، ولما لم يره في شيء منهما أفضل من نفسه سأل، فأجيب أن ذلك لحبه صلى الله عليه وسلم إياه، وإنما كان دليلاً على محبة عمر أنه اختار حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب نفسه. ولا يذهب عليك أن للمحبة أنواعًا ومراتب وجهات مختلفة، فلا يلتبس عليك حب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر، وعائشة وخديجة، وحسنًا وحسينًا، وعليًا وفاطمة، وأسامة وزيدًا، وبين هؤلاء بون لا يكتنهه مقياس، ولا يحصى كنهه وهم ولا قياس.
قوله [فرأيت رأي أخي إلخ] لأنه (3) اختار ما عند الله من العلم
(1) وبذلك جزم القاري إذ قال: لم فضلت أسامة، أي في الوظيفة المشعرة بزيادة الفضلة، انتهى.
(2)
وذلك لما أخرج أبو داود عنه برواية مالك بن أوس قال: ذكر عمر بن الخطاب يومًا الفيء فقال: ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم، وما أحد منا أحق به من أحد، إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل وقسم رسوله، فالرجل وقدمه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته، انتهى.
(3)
قال القاري: قوله (عن جبلة) بفتح الجيم والموحدة (ابن حارثة) وهو أكبر من أخيه زيد بن حارثة، (هو ذا)"هو" عائد إلى زيد و "ذا" إشارة إليه، أي هو حاضر مخير، قوله (لم أمنعه) أي فإني أعتقته، قال جبلة:(فرأيت) أي فعلمت بعد ذلك (رأى أخي) أي زيد (أفضل) من رأيي، حيث اختار الملازمة لحضرة المتفرغ عليه خير الدنيا والآخرة، انتهى.
والطاعة، وملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففاز بالدرجات العلى. قوله [أي أهلك أحب إليك] وكان يراد بالأهل (1) معان متعددة، ولم يكونوا سألوه عن تفضيل أهل بيته فيما بينهم، ولعله عليه الصلاة والسلام علم ما كان السائل أراد بأهل البيت، إلا أنه أجاب بحسب ظاهر اللفظ تكثيرًا للفائدة وتتميمًا للعائدة.
قوله [نسألك عن أهلك] أي وراء ذلك، فإن كل أحد يعلم أن الرجل يحب أولاده ما لا يحب غيرهم، وكذلك الأزواج المطهرات، وإنما السؤال عمن يدانيه ويتعلق به (2) من الحواشي والخدام، والأخوة وبني الأعمام، وسائر
(1) قال الراغب: أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد، ثم تجوز به فقيل: أهل الرجل لمن يجمعه وإياهم نسب، وتعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقًا إذا قيل: أهل البيت، لقوله عز وجل:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} وعبر بأهل الرجل عن امرأته وأهل الإسلام الذين يجمعهم، انتهى.
(2)
وبذلك جزم من شرح الحديث، قال القاري: ما جئناك نسألك عن أهلك، أي عن أزواجك وأولادك، بل نسألك عن أقاربك ومتعلقيك، ثم في الحديث إشكال ذكره الشيخ خليل أحمد المهاجر على هامش كتابه: يشكل عليه بأن أسامة بن زيد لم يكن من قد أنعم الله عليه وأنعمت عليه، بل مصداقه أبوه زيد، فأوفق السياق هو الذي أخرجه السيوطي في الدر المنثور برواية البزار، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أسامة في هذا الحديث بلفظ: قالا ما نسألك عن فاطمة، قال: فأسامة بن زيد الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه، الحديث. انتهى بزيادة. وفي المرقاة: قال الطبي: أي أهلك أحب إليك مطلق، ويراد به المقيد، أي من الرجال، بينه ما بعده وهو قوله: أحب أهلي إلى من قد أنعم الله عليه، وفي نسخ المصابيح: قوله ما جئناك نسألك عن أهلك، مقيد بقوله: من النساء، وليس في جامع الترمذي وجامع الأصول هذه الزيادة، ولم يكن أحد من الصحابة إلا وقد أنعم الله عليه، وأنعم عليه رسوله، إلا أن المراد المنصوص عليه في الكتاب، وهو قوله تعالى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} وهو زيد لا خلاف في ذلك ولا شك، وهو وإن نزل في حق زيد لكنه لا يبعد أن يجعل أسامة تابعًا لأبيه في هاتين النعمتين، انتهى.
الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى يوم القيامة.
قوله [ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي إن كان (1) في الرجال أمر يطلبني،
(1) قال الحافظ: ما حجبني أي ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته فاستأذنت عليه، وليس كما حمله بعضهم على إطلاقه فقال: كيف جاز له أن يدخل على محرم بغير حجاب، ثم تكلف في الجواب أن المراد مجلسه المختص بالرجال، أو أن المراد بالحجاب منع ما يطلبه منه، قال الحافظ: وقوله ما حجبني يتناول الجميع مع بعد إرادة الأخير، انتهى. وقال العيني: أي ما منعني مما التمست منه أو من دخول الدار، ولا يلزم منه النظر إلى أمهات المؤمنين، انتهى.
ولم يمنعني إذا استأذنت، وإن كان في نساء حجبهن وأذن لي، أو خرج بنفسه النفيسة إلى قوله [فإنك لن تأخذ عن أحد أوثق مني] لأن جيل الصحابة (1) قد انقرضوا فلم يبق إلا من أخذ منهم، وبكثرة الوسائط يختل الوثوق.
قوله [فما نسيت شيئًا حدثني به] أي في مجلسه (2) ذاك وغيره.
(1) وقد تعددت الروايات بنحو ذلك عن أنس بالألفاظ المختلفة، وبمثل ما أفاده الشيخ فسرها الشراح، فقد أخرج البخاري في (باب رفع العلم) عن قتادة عن أنس قال: لأحدثنكم حديثًا لا يحدثنكم أحد بعدي، الحديث.
قال الحافظ: عرف أنس أنه لم يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره؛ لأنه كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة، فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة، أو كان عامًا، وكان تحديثه بذلك في آخر عمره؛ لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، إلا النادر ممن لم يكن هذا المتن في مرويه، وقال ابن بطال: يحتمل أنه قال ذلك لما رأى من التغيير ونقص العلم، يعني فانقضى ذلك عنده أنه لفساد الحال أيحدثهم أحد بالحق، انتهى.
(2)
يعني ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجلس أوغيره ما نسيت شيئًا من ذلك، والمقصود التعميم، وهذا هـ والوجه في معنى الحديث، واختلفت ألفاظ الرواية، ولفظ البخاري في (باب حفظ العلم) برواية المقبري عن أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه، قال: ابسط رداءك، فبسطته، قال: فغرف بيديه، ثم قال: ضم! فضممته، فما نسيت شيئًا بعد، قال الحافظ: تنكير شيئًا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شيء من الحديث وغيره، ووقع في رواية ابن عيينة وغيره عن الزهري عند البخاري: فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه، وفي رواية يونس عند مسلم: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدثني به، وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث، ووقع في رواية شعيب عند البخاري في البيوع: فما نسيت من مقالته تلك من شيء، وهذا يقتضي عدم النسيان بتلك المقالة فقط، لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن أبا هريرة نبه به على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان، فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة، والقضية التي رواها المقبرى عامة، وأما ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمر وبن أمية قال: تحدث عند أبي هريرة بحديث فأنكره، فقلت: إني سمعته منك، فقال: إن كنت سمعته مني فه ومكتوب عندي، فقد يتمسك به في تخصص النسيان بتلك المقولة، لكن سنده ضعيف، ويلتحق به حديث أبي سلمة عنه: لا عدوى، فإنه قال فيه: إن أبا هريرة أنكره، قال: فما رايته نسى شيئًا غيره، انتهى.
قوله [إما أن يكون سمع] أن ناصبة وهو مبتدأ محذوف الخبر، أي أحرى به وأليق، قوله [ولا تجد أحدًا فيه خير الخ] فكيف بأبي هريرة وهو من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قوله [إما أن يكون سمع] أن ناصبة، وهو مبتدأ محذوف الخبر، أي أحرى به وأليق. قوله [ولا تجد أحدًا فيه خير الخ] فكيف بأبي هريرة وهو من كبار الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قوله [إلا عبد الله بن عمرو] هو ابن العاص، وكان قوله ذلك نسبة إلى ما سمعه قبل القصة التي ذكرها قبل، وأما بعدها فلم ينس أبو هريرة شيئًا حتى يلزم فضل لابن عمرو عليه، والحاصل أن أبا هريرة فضل عبد الله بن عمرو بن العاص فيما سمعه قبل القصة، واستويا بعدها، فكان في أحاديث ابن عمرو زيادة على أحاديث أبي هريرة، وهذا وإن كان ثابتًا في الآخذ (1) والتحمل لكنه لم يشتهر
(1) أشار الشيخ بذلك إلى جواب إشكال يرد على ظاهر الحديث من أن مقتضاه أن تكون مرويات عبد الله بن عمر وأكثر من أبي هريرة والواقعة خلاف ذلك، كما تقدم مبسوطٍا في هامش (باب الرخصة في كتابة العلم). فان الحديث مكرر.
روايات ابن عمر، وعلى اشتهار روايات أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
قوله [أسلم الناس وآمن عمرو الخ] المراد بالناس مؤمنو يوم الفتح، ولم يكن إسلام هؤلاء في ظاهر الأمر إلا للسيف، وأما عمرو (1) فقد آمن بقلبه ظاهرًا وباطنًا؛ لأنه أتى مؤمنًا من نفسه من غير خوف ولا دهشة.
قوله [اهتز له عرش الرحمن] إما فرحًا بوصول روحه إليه، أو ترحًا (2) على مفارقة مثل هذا الرجل نبي الله صلى الله عليه وسلم. قوله [إن الملائكة كانت تحمله] ويكون
(1) ذكر في الحاشية عن اللمعات: خصه بالإيمان لأنه آمن رغبة، لأنه وقع الإسلام في قلبه في الحبشة حين اعترف النجاشي بنبوته، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا من غير أن يدعوه أحد إليه، فجاء إلى المدينة ساعيًا فآمن به، وكان قبل إسلامه مبالغًا في عداوته صلى الله عليه وسلم، والمراد بالناس من أسلم يوم الفتح من مكة، فإنهم أسلموا جبرًا وقهرًا، ثم حسن إسلام من شاء الله منهم، وه وآمن طائعًا راغبًا مهاجرًا، فلذلك خصه بينهم بالإيمان، انتهى. قلت: وبذلك جزم القارئ إذ قال: (أسلم الناس) التعريف فيه للعهد والمعهود مسلمة الفتح من أهل مكة، وآمن عمر وبن العاص قبل الفتح بسنة أو سنتين طائعًا راغبًا مهاجرًا إلى المدينة، انتهى.
(2)
الترح محركة: الهم، ذكر هذا الوجه في هامش المشكاة عن اللمعات بلفظ (قيل) وجزم بالأول الحافظ في الفتح، وأيده بالرواية، وقيل في ذلك بوجوه أخر ذكرها القاري وغيره.
حمل الملائكة غير جنازته، بحيث لا يبدو أثره (1) في عالمنا هذا.
قوله [يعني مما يلى من أموره] ترك (2) لفظة مما يلي من النساخ فليكتب،
(1) يعني ما يكون من حمل الملائكة لأشياء أخر من الأعمال والجنائز وغيرهما، لا يظهر لحملهم أثر في الدنيا بخلاف هذه الجنازة، فكان أثر حملهم ظاهرًا وهو التخفيف.
(2)
يعني في النسخة الأحمدية التي بين يدي الشيخ، وهو موجود في النسخ الأخر كالمصرية وغيرها، وكذلك فيما حكى ابن الأثير في أسد الغابة من رواية الترمذي، وما أفاده الشيخ من المعنى هو نص رواية الإسماعيلى بلفظ: لما ينفذ من أموره، قال الحافظ: ترجم ابن حبان لهذا الحديث (احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا عليه) وهذا يدل على أنه فهم من الحديث أن ذلك وقع لقيس بن سعد على سبيل الوظيفة الراتبة، وهو الذي فهمه الأنصاري راوي الحديث، لكن يعكر عليه ما زاد الإسماعيلى ولفظه: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان قيس بن سعد في مقدمته بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم في قيس أن يصرفه من الموضع الذي وضعه فيه مخافة أن يقدم على شيء، فصرفه عن ذلك، والمراد بصاحب الشرطة كبيرهم، فقيل: سموا بذلك لأنهم رذلة الجند، ومنه حديث الزكاة: ولا الشرط اللئيمة، أي ردي المال، وقيل: لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند، ومنه حديث الملاحم: وتشترط شرطة للموت، وقال الأزهري: شرط كل شيء خياره، ومنه الشرط لأنهم نخبة الجند، وقيل: هم أو طائفة تتقدم الجيش وتشهد الوقعة، وقيل: سموا شرطًا لأن لهم علامات يعرفون بها من هيئة وملبس، وهو اختيار الأصمعي، ويقال: إنهم أعدوا أنفسهم لذلك، يقال: أشرط فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدها، قاله أبو عبيد، وقيل: مأخوذ من الشريط، وهو الحبل المبرم لما فيه من الشدة، انتهى
والمعنى أنه كان بمنزلة صاحب الشرط لأجل ما يتولاه من أموره صلى الله عليه وسلم.
قوله [جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم] وقد ذهب إليه يعوده في مرضه، وبيته على أميال من المدينة، ثلاث أو نحوها (1). قوله [استغفر لي الخ]، فقال (2) في أثناء كلامه: غفر الله لك مرارًا. قوله [يبر جابرًا الخ] وكان شراء البعير أيضًا برًا وصلة معه لا أنه كان قصد شراء البعير؛ ولذلك رد البعير عليه بعد ما أوفى له القيمة، إلا أنه عليه الصلاة والسلام جعل امتنانه في (3) لئلا يستحي
(1) واختلفت الروايات في المسافة بين بني سلمة وبين المدينة، فورد قدر ميل، وروي قدر ميلين، أخرجها أحمد في مسنده في أسانيد جابر، وقيل غير ذلك، وأيًا ما كان فمسكنه كان بعيدًا عن المدينة، أي من منزله صلى الله عليه وسلم.
(2)
قال الحافظ في أثناء اختلاف الروايات في هذه القصة: زاد النسائي من طريق أبي الزبير، قال: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ولابن ماجة من طريق أبي نضرة عن جابر، فقال: أتبيع ناضحك هذا والله يغفر لك، زاد النسائي من هذا الوجه: وكانت كلمة تقولها العرب: افعل كذا والله يغفر لك، ولأحمد: قال سليمان - يعني بعض رواته - فلا أدري كم مرة يعني قال له: والله يغفر لك، وللنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة، انتهى. وفي المجمع: هي ليلة اشترى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من جابر جملًا في السفر.
(3)
بياض في الأصل، والظاهر «في صورة الشراء» .
منه. قوله [لم يأكل من أجره شيئًا] أي في دار الدنيا، فبقي له سالمًا بوفيه الله يوم القيامة. قوله [ولم يترك إلا ثوبًا] ولم يكن لمن معه من الثياب ما يزيد حاجته، وإلا لم يبخل بمواساته، فإن إتمام الكفن فرض (1) على المسلمين كفاية.
قوله [لقد أعطيت مزمارًا الخ] وسمع النبي صلى الله عليه وسلم منه (2) قرآنًا، لحسن
(1) في الدر المختار: كفن الضرورة لهما ما يوجد، وأقله ما يعم البدن، وعند الشافعي ما يستر العورة كالحي، انتهى. قال ابن عابدين: قوله ما يعم البدن، ظاهره أنه لو لم يوجد له ذلك سألوا الناس له ثوبًا يعمه، وأن ما دون ذلك بمنزلة العدم، وأنه لا يسقط به الفرض عر المكلفين وإن كان ساترًا للعورة ما لم يعم البدن، لكن لا يخفى أن كفن الضرورة ما لا يصار إليه إلا عند العجز، فلا يناسب تقييده بشيء، ولذا عبر المصنف بما يوجد، نعم ما يعم البدن هو كفن الفرض، كما صرح به في شر المنية، فيسقط به الفرض عن المكلفين، لا بقيد كونه عند الضرورة، ولذا لما استشهد مصعب بن عمير بوم أحد ولم يكن عنده إلا نمرة إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه وبالعكس، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغطية رأسه بها ورجليه بالإذخر، إلا أن يقال: إن ما لا يستر البدن لا يكفي عند الضرورة أيضًا، بل يجب ستر باقيه بنحو حشيش كالإذخر، ولذا قال الزيلعي بعد سوقه حديث مصعب: وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي خلافًا للشافعي، انتهى.
(2)
قال الحافظ: أخرج مسلم من طريق طلحة عن أبي بردة بلفظ: لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة، الحديث. وأخرجه أبو يعلى من طريق سعيد ابن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة مرا بأبي موسى وهو يقرأ في بيته، فقاما يستمعان لقراءته، ثم إنها مضيا، فلما أصبح لقي أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا موسى مررت بك، الحديث، فقال: أما إنه لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرًا، قال الخطابي: قوله آل داود يريد داود نفسه، لأنه لم ينقل أن أحدًا من أولاد داود ولا من أقاربه كان أعطى من حسن الصوت ما أعطى.