الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنفسه ويتفكر في الآية ومنعه الجواب، وقيل: آية الصيف هي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وعلى هذا فالمعنى أن الدين لما كان قد تم، وليس مسألة شرعية خارجة عن الكتاب والسنة، فعليكم بالاجتهاد والاستنباط والنظر في موارد الأحكام فأنها المناط، وأما السؤال غي في جزيئات المسائل في حياتي فاني على (1) وشك الرحيل فحسبكم كلام الملك الجليل وسنة نبيكم محمد الحبيب الخليل، فيهما غنية عن كل سؤال وكل ما أبهم من الأمر ففيهما حل كل ما قول (2)
[سورة المائدة]
.
قوله [لو علينا أنزلت هذه الآية] كأنه عرض بعمر بن الخطاب أنكم معشر المسلمين لم تعرفوا قدر هذه الآية ولو أنها نزلت فينا لجعلنا يوم نزولها يوم فرح وسرور، وحاصل الجواب (3) أنكم معشر اليهود جعلتم أمر دينكم بيديكم (4) ففرحتم بما
(1) قال المجد: وشك الأمر ككرم سرع، وأوشك أسرع السير، وأوشك الفراق وشكانه ويضمان: سرعته، انتهى.
(2)
قال المجد: العاقول معظم البحر أو موجه، ومعطف الوادي والنهر، وما التبس من الأمور، انتهى.
(3)
وهذا أجود ما وجهت الشراح جواب عمر، قال الحافظ: فان قيل كيف طابق الجواب السؤال، لأنه قال اتخذناه عيداً، وأجاب عمر بمعرفة الوقت والمكان، ولم يقل جعلناه عيداً، والجواب عن هذا أنها نزلت في أخريات نهار عرفة ويوم العيد إنما يتحقق بآوله، وقد قال الفقهاء: إن رؤية الهلال بعد الزوال للقابلة، هكذا قاله بعض من تقدم قال: وعندي أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة، وإلا فرواية إسحق عن قبيصة قد نصت على المراد، ولفظه: نزلت يوم جمعة يوم عرفة، وكلاهما بمحمد الله لنا عيد، وكذا عند الترمذي من حديث ابن عباس أن يهودياً سأله عن ذلك فقال: نزلت في يوم عيدين يوم جمعة ويوم عرفة، فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيداً، وهو يوم الجمعة، واتخذوا يوم عرفة عيداً لأنه ليلة العيد، انتهى.
(4)
بضم الياء وكسر الدال، فان اليد يجمع على الأيدي واليدي، وجمع الجمع الأيادي.
شئتم وترحتم بما شئتم، وجعلتم ما قصدته أهواؤكم سروراً، وآخر مما لم ترضوه ويلا على أنفسكم وثبوراً، وأما نحن (1) فليس لنا من الأمر شئ إلا ما قضى الله لنا، فنسر بما عينه لنا للمسرة فيه، وليس ترضى من الأمر إلا ما يرتضيه، فأنه تعالى وتبارك أنزل هذه الآية يوم عيدين فلم يحوجنا إلى أن نعين لها يوم عيد، ولو لم يفعل ذلك لما عيدنا لهما أيضاً، فإنما نحن مطيعوه وعبيده وليس لنا التعييد إلا عبده فرماهم عمر رضي الله عنه بالزندقة والفسق. قوله [الليل والنهار] مرفوعان على الفاعلية لقوله: لا يغيض، أو منصوبان على الظرفية والفاعل إما ما يفهم من
(1) يعني ليس سبب ذلك أنا أهملناها، كلا بل م خفى علينا زمان نزولها، ولا مكان نزولها، وضبطنا جميع ما يتعلق بها حتى صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وموضعه في زمان النزول، وهو كونه صلى الله عليه وسلم قائماً حينئذ، كما ذكره العيني ومع ذلك لم نبتدع تعييد يوم النزول لعدم الأمر بذلك.
السح (1) أو محذوف. قوله [فضرب الله قلوب بعضهم] أي تأثر (2) خيارهم من شرارهم. قوله
[عن أبي عبيدة] هو بفتح العين المهملة ولد لعبد الله (3) بن مسعود. قوله [فقال لا حى إلخ] أي لا تنجون ولا تؤمنون حق الإيمان حتى الخ.
قوله [وأملاه على] أي حدثني واكتبني. قوله [فحرمت على اللحم الخ] وفرق ما بين تركه شيئاً وتحريمه على نفسه، ففي الثاني ورد النص وهو حرام دون (4) الأول. قوله [فهل أنتم منتهون] أي من السؤال عن بيان شفاء في الخمر،
(1) وهو الصب، قال الحافظ: سحاء بفتح المهملتين مثقل ممدود أي دائمة الصب، يقال: سح بفتح أوله مثقل يسح بكسر السين في المضارع، ويجوز ضمهما، وضبط في مسلم سحاً بلفظ المصدر، ولا يغيضها بالمعجمتين بفتح أوله أي لا ينقصها، يقال: غاض الماء يغيض إذا نقص، والليل والنهار بالنصب على الظرف أي فيهما، ويجوز الرفع، انتهى. وفي المجمع: ينصبهما على أنهما ظرفان، ورفعهما على أنهما فاعلان، انتهى. واقتصر القاري على الأول، وقال: سحاء صفة لنفقة أو ليد، وهو الأصح، انتهى.
(2)
قال القاري: يقال ضرب اللين بعضه ببعض أي خلط، ذكره الراغب، وقال ابن الملك: الباء للسببية أي سود الله قلب من لم يعض بشوم من عصى فصارت قلوب جميعهم قاسية بعيدة عن قبول الحق والخير أو الرحمة بسبب المعاصي ومخالطة بعضهم بعضاً، انتهى.
(3)
قال الحافظ: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود اسمه عامر، وما ضبطه الشيخ من الفتح لم أجده في كتب الرجال، بل الظاهر من أصولهم أنه بالضم، وكذا بالضم ضبطه في جامع الأصول.
(4)
فلا يشكل بما حكى عن بعض المشايخ ترك التنعم والتلذذ والاجتناب عن الثياب الفاخرة ونحو ذلك، قال صاحب الجمل: أي لا تعتقدوا تحريم الطيبات المباحات، فان من اعتقد تحريم شيء أحله الله فقد كفر، إما ترك لذات الدنيا وشهواتها والانقطاع إلى الله والتفريغ لعبادته من غير إضرار بالنفس ولا تفويت حق الغير، ففضيلة لا منع فيها، انتهى.
فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا عن السؤال لما ظفرنا بالمأموال، وهذا أوجه مما قاله بعضهم: انتهينا وإن لم نجد شفاء، فأي مرتبة وسعة بقيت بعد قوله تعالى {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} حتى يقال: إنا لم نجد شفاء. قوله [كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر إلخ] وهذه الشبهة ليست كالتي وقعت لهم في الصلاة إلى بيت المقدس فان الصلاة إلى البيت إنما كانت بأمره سبحانه فاحتجنا ثم إلى التأويل، وأما هاهنا فلم يكونوا مأمورين بشربها حتى يعذروا، فلما كانت مقدرة حرمتها في علم الله تعالى وقد قال لهم قبل التحريم ما يشير إليه فلعلهم يعاتبوا على شربها، فهذا هو الذي أحوجهم إلى السؤال. قوله [ولو قلت نعم لو جبت] إما لأنه كان خير (1) إذا في أمر أمته، أو لما أنه إذا أمر بشئ مجتهداً فيه وقائساً فأما أن يثبت على ذلك الحكم، أو ينفي هذا الحكم، فالمعنى لو قلت نعم لاحتمل أن يجب (2) عليكم فتتضرروا. قوله [فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا] هذا من قبيل ما قلنا إن الإنزال قد يطلق ويراد به (3) دخوله في جزئياته، وإلا فنزول هذه الآية
(1) تقدم الكلام في ذلك في أبواب الحج.
(2)
أي وجوب بقاء ودوام، وإلا فمجرد الوجوب يتحقق بأمره صلى الله عليه وسلم، ولو كان أمره بالاجتهاد ولم يبق على ذلك الاجتهاد، فيكون مغيره كالناسخ، قال النووي: في الحديث دليل على المذهب الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام، ولا يشترط في حكمه أن يكون بوحي، إلى آخر ما قاله.
(3)
فلا يشكل بمختلف ما روى في سبب نزول الآية، فقد ذكر الحافظ فيه خمسة أقوال: منها حديث الباب، ومنها ما روى عن أ [ي هريرة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان محمار وجهه، حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل فقال: أين أنا؟ فقال: في النار، فقام آخر، فقلا: من أبى؟ قال: حذافة، ثم قال: ولا منافاة بينهما لاحتمال أن تكون نزلت في الأمرين، ولعل مراجعتهم في الحج هي سبب غضبه، وجاء في سبب نزولها قول ثالث، وهو ما يدل عليه حديث ابن عباس عند البخاري، قال: كان قوم يسألون رسول الله استهزاءً، فيقول الرجل: من أبى؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله هذه الآية، وجاء فيه قولان آخران: فأخرج الطبري عن ابن عباس أن المراد بالأشياء البحيرة، والوصيلة، والسائبة، قال: فكان عكرمة يقول: إنهم كانوا يسألون عن الآيات، فنهوا عن ذلك، والمراد بالآيات نحو سؤال قريش أن يجعل الصفا لهم ذهباً، وسؤال اليهود {أن ينزل عليهم كتاباً من السماء} ونحو ذلك، وذكر صاحب البحر المحيط أقوالا أخر أيضاً غير ذلك، قال الحافظ: ورجح أن المنير نزولها في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن، واستند إلى كثير بما أورده البخاري في باب ما يكره من كثرة السؤال. قال الحافظ: وهو متجه لكن لا مانع أن تتعدد الأسباب، انتهى.
ليس (1) في السؤال عن الحج. قوله [قال رجل: يا رسول الله من أبى] وكانوا قد اجترأوا لكمال خلقه صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن أمثال هذه الأشياء التي لا تغنيهم ولا تتعلق بالشرع، حتى غضب النبي صلى الله عليه وسلم يوما وقال: ليسأل كل عما بدا له أو
(1) وذلك لما تقدم في كتاب الحج في كلام الشيخ أن نزولها كان قبل السؤال بالحج هل هو في كل عام أم لا؟ والظاهر من مجموع كلام الشيخ أن المرجح عنده في سبب النزول هو كثرة السؤال، ورجحه ابن المنير كما تقدم، وهو مختار صاحب الجلالين.
كما قال (1)، فسأل الرجل عن أبيه لأن العرب كانوا يرمونه بغير أبيه، ثم لما تبينوا غضبه قام عمر رضي الله تعالى عنه فأخذ في الاعتذار، وكان يقول: رضينا بالله ربا وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} .
قوله [إنكم تقرأون هذه الآية] أي وتريدون بها ما نطق به ظاهرها مع أن الاهتداء لا يتحقق ما لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، وهذان يجبان ما لم يقنط من الانتجاع، وأما إذا تيقن أنه ليس بمجد فلا (2)، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فجعله غاية للقيام بهما، لأن المرأ ما لم يعجب برأيه ولم يطمئن إليه كان مظنة لقبول أمر الغير ونهيه، وأما إذا (3) فلا، بخلاف ما عده النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور قبله من كون الشح مطاعاً وغيره، فإنها ليست بهذه
(1) فقد أخرج البخاري في العلم برواية أبى موسى، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوني عما شئتمن قال رجل: من أبى؟ قال: أبوك حذافة، فقام آخر فقال: من أبى يا رسول الله؟ قال: أبوك سالم، فلما رأى عمر ما في وجهه قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله، وفي رواية أنس: ثم أكثر أن يقول: سلوني، فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيناً، فسكت- وفي حديث موسى بن أنس عن أنس في التفسير: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنين، فقال رجل: من أبى؟ قال: فلان فنزلت هذه الآية.
(2)
أي فلا يبقى الوجوب، وإن بقى الجواز بعد ذلك أيضاً.
(3)
حذف الكلام لقيام القرينة، والمعنى حينما تحقق إعجاب كل ذي رأى برأيه فلا تبقى مظنة للقبول.
المثابة بل المرء بعد الاتصاف بكل منهما منتجع الائتمار والانتهاء ومرمى (1) طلب الارتداع والاهتداء، فان الشحيح لا يأنف عن القيام بأمور الخير التي ليست فيها نفقة، وكذلك إتباع الهوى لا يمنعه عن تعاطي أمور دينه، غير أنه ليس ينتهي عن مأثم تعودها، ومع ذلك فأنه مستغفر الله مقر بخطائه، راجي عفو مولاه وعطائه، وهذا هو القياس في استيثار الدنيا فأنه لا يمنعه عن القيام بجميع ما أمر وانتهاء عن كل ما نهى عنه، غير أنه لحبه الدنيا لا يتركها تذهب عنه، وأما إذا أعجب برأيه وسره فهمه، وما أبلاه الله به من سوء الاختيار فانه لا يعد نفسه خاطئا حتى يفكر، ولا مذنباً حتى يقلع، ولا مقصراً حتى يجتهد.
قوله [فان من ورائكم أياماً] كأنه جواب لمن تعجب أن يعم المسلمين هذه الكيفية السيئة التي ذكرها بقوله: حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً الخ بأن لا عجب في مثل هذا الزمان الذي هو آت عن ذلك، لأن الصبر على دينه لما كان شديداً لا محالة يبتلون بما يبتلون. قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} (2) الشهادة
(1) هكذا في الأصل، فيحتمل أن يكون من رمى الشئ ألقاه أو يكون مرصى من أرصي بالمكان لزمه ولا يمرح به كما في القاموس.
(2)
قال صاحب الجمل: هذه الآية واللتان بعدها من أشكل القرآن حكماً وإعراباً وتفسيراً، ولم يزل العلماء يستشكلونها ويكفون عنها، حتى قال مكي ابن أبي طالب رحمة الله في كتابه المسمى بالكشف: هذه الآيات في قرامتها وتفسيرها وإعرابها ومعاينها وأحكامها من أصعب آي القرآن وأشكله، قال ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر، قال: وقد ذكرناها مشروحة في كتاب مفرد. وقال الشخاوي: لم أر أحداً من العلماء تخلص كلامه فيها من أولها إلى آخرها، قلت: وأنا أستعين الله في توجيه إعرابها واشتقاق مفرداتها وتصريف كلماتها وقراءاتها ومعرفة تأليفها، وأما بقية علومها فنسأل الله العون في تهذيبه، إلى آخر ما في عبارة السمين، انتهى.
هي الوصية هاهنا، وقيل: اليمين (1) والقصة تقتضى بشطاً في الكلام، وسيرد عليك تفصيله في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى، والمقصود في هذا الحديث إنما هو التنبيه (2) على تخليط الراوي وذكره إياه من غير أن يرتب.
ومعنى قوله [بريء الناس منها] يعني أنها نزلت فينا والناس عن الجريرة المذكورة فيها برءا (3).
قوله [يريد به الملك] لأن إهداء مثل تيك الأشياء للملوك رابحة أفضل مما تربحه التجارة. قوله [وفقدوا الجام] لأنهم علموا (4) كونه معه. كيف وقد قال: إنه
(1) ففي البحر المحيط: الشهادة هاهنا هل هي التي تقام بها الحقوق عند الحكام، أو الحضور، أو اليمين؟ ثلثة أقوال: آخرها للطبرى والقفال. وقيل: تأتي الشهادة بمعنى الإقرار وبمعنى العلم وبمعنى الوصية، وخرجت هذه الآية عليه، فيكون فيها أربعة أقوال، انتهى. وفي الجمل: اختلفوا في هذه الشهادة فقيل: هي الشهادة المعروفة التي هي الإخبار بحق الغير على الغير، وقيل: هي حضور وصية المحتضر وقال البيضاوي: المراد بالشهادة الإشهاد في الوصية.
(2)
ولعل ذلك لما أن المصنف تكلم على هذا الحديث وحسن الحديث الآتي، وبين سياقيهما فرق ظاهر، وأيضاً فلما كان الحديث الآتي أخرجه البخاري في صحيحة وأبو داود في سننه جعله الشيخ أصلا وأول هذا الحديث إلى الثاني.
(3)
جمع بريء كالفقهاء.
(4)
وفي بعض الراويات كما ذكرها السيوطي في الدر، والحافظ في الفتح: أن السهمي المذكور مرض فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه فوجدوا الوصية وفقدوا أشياء الحديث.
عظم تجارته، ومع ذلك فلما لم تقع (1) الورثة منه على أثر ولا وجدوا في تفاصيل حسابه ذكر القيمة وغير ذلك مع القرائن كثيرة. قوله [فلما أسلمت بعد قدوم الخ] ليس المعنى ما يتبادر منه من أن الوقعة (2) كانت قبل قدومه صلى الله عليه وسلم وإنما أسلم بعد قدومه، بل المعنى أن كل ذلك المذكور كان بعد قدومه، أو المعنى أنه ذكر إسلامه بعد قدومه، ولا يلزم من ذلك أن يكون باقي القصة قبل قدومه صلى الله عليه وسلم.
قوله [تأثمت من ذلك] ليس المراد (3) هو التأثم من أخذ الجام وإيتاء (4) قيمته لورثه بديل، بل المراد التأثم من غصب (5) دراهم المشتري الذي كان اشتراه منهما، ثم أخذ منه (6) الجام ولم يؤت له ثمنه.
قوله [فأتيت أهله] أي أهل الحق أو أهل المشتري الذي كنا بعنا الجام منه، ثم أخذ منه الجام ولم يصل إليه ثمنه الذي
(1) هكذا في الأصل، ولم يذكر في الكلام جزاء (لما) وللتقدير مساغ، ويحتمل أن يكون (لما) زائدة لتأكيد النفي.
(2)
لم يتحقق لي أن القصة متى وقعت، وذكرها صاحب الخميس في السنة العاشرة، وحكى أهل الرجال إسلام عدى في سنة تسع، وجزم الحافظ في الفتح بأن ذلك كان قبل أن يسلم، قال: ويحتمل أن تكون القصة وقعت قبل الإسلام ثم تأخرت المحاكمة حتى أسلموا كلهم، فان في القصة ما يشعر بأن الجميع تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلعلها كانت بمكة سنة الفتح، انتهى. قلت: وما سيأتي من مرسل عكرمة نص في أن القصة وقعت قبل إسلامه.
(3)
ولا مانع من أن يكون التأثم من كلا الفعلين: من سرقة الجام استداء وعدم أعطاء الثمن انتهاء.
(4)
الظاهر (من عدم إيتاء قيمته) فترك لفظ العدم تصحيف من الناسخ.
(5)
إطلاق الغصب مجاز والمراد حبس دراهم المشترى.
(6)
كما هو نص الزيادة الآتية في رواية السيوطي في الدر.
كان أدى إلينا، وأما لو حمل على أفي أتيت أهله أي أهل البديل السهمي يكون كذباً، لأنه (1) لم يأت أهله بل أهله هم الذين كانوا قد ادعوا عليه، ثم إنه لم يدفع إليهم
(1) ويمكن الجمع بأنهم أتوه أولا، ثم بعد التأثم أتاهم تميم وأخبرهم بنفسه كما هو ظاهر السياق، والروايات في هذه القصة مختلفة جداً، ذكر الترمذي منها الروايتين: أما الأولى فقال السيوطي في الدر: أخرج الترمذي وضعفه، وابن جرير وابن أبى حاتم والنحاس في ناسخة، وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة، من طريق أبى النضر وهو الكلبي عن بأذان مولى أم هانئ عن ابن عباس، ثم ذكر الرواية بلفظ الترمذي، ثم قال: وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردوية والبيهقي في سننه، عن ابن عباس ثم ذكر الرواية الثانية، وفيها زيادتان على لفظ الترمذي: الأولى فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتمتماها ولا أطلعتما، والثانية في آخر الحديث: وإن الجام لصاحبهم وأخذ الجام، قلت: وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحة وأبو داؤد في سننه بلفظ الترمذي، ثم ذكر السيوطي رواية ثالثة فقال: وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمه قال: كان تميم الداري وعدى بن بداء رجلين نصرانيين يتجران إلى مكة في الجاهلية ويطيلان الإقامة بها، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حولا متجرهما إلى المدينة، فخرج بديل بن أبي ماريه مولى عمرو بن العاص تاجراً حتى قدم المدينة، فخرجوا جميعاً تجاراً إلى الشام، حتى إذا كانوا ببعض الطريق أشتكى بديل فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه وأوصى إليهما، فلما مات فتحا متاعه فأخذا منه شيئا ثم حجراه كما كان وقدما المدينة على أهله فدفعا متاعه، ففتح أهله متاعه فوجدوا كتابة وعهده وما خرج به وفقدوا شيئاً، فسألوهما عنه فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا، فقالوا لهما: هذا كتابة بيده، قالوا: ما كنمنا له شيئاً، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} إلى قوله {إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دبر صلاة العصر: بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا، فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموه يذهب، فقال أهله: هذا من متاعه؟ قالا: نعم ولكنا اشترينا منه ونسينا أن نذكره حين حلفنا فكرهنا أن نكذب نفوسنا، فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية الأخرى {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ} فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبا ويستحقانه، ثم إن تميماً الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول: صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء، الحديث.
الخمس مائة لأنهم قد دفع إليهم جامهم فأنهم مالهم وما للدراهم. قوله [وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها] فلعلهم إذا سألوا منه دفعة إلا أن الراوي لم يذكر منه غير هذا القدر. وقوله [فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم] تأخير بياني لما تقدم المذكور من القصة، والمراد إما تحليف منكري الشراء أو الهبة وهو (1) قوله [وليس إسناده بصحيح] لكون محمد بن السائب فيه وهو غير معتمد (2) عليه، فأما أن يقال:
(1) بياض بعد ذلك في الأصل، وظاهر رواية الكلبي أنه صلى الله عليه وسلم أحلف عدياً بعد ذلك، وظاهر الرواية الآتية حلف الرجلين من أولياء السهمي فقط ويؤيده مرسل عكرمة، واختلف أهل التفسير في الحالف ووجه التحليف جداً لا يسعه المقام.
(2)
فقد بسط الحافظ في تهذيبه تضعيفه أشد. البسط حتى حكى عن بعضهم تكفيره أيضاً، وكذا بسط الذهبي في الميزان.
إن الراوي لما لم يتذكر لبس القضية بعضها ببعض فلا يعتبر على خلاف ما بينه الثقاف، وهو موافق لمفهوم النص أيضاً، أو يحمل (1) على ما ذكرنا لك من قبل.
قوله [فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم] لأن أهل بديل لما ادعوا عليهما أم مورثهم سلم إليهما الجام وأنكراه، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أهل بديل بينه على التسليم، فلما (2) تقم بينه إذا لم يكن ثم من يعرفونه، فوجب تحليفهما لكونهما نكرا التسليم. قوله [ثم وجدوا الجام بمكة (3)] ولما وجد الجام وقيل: إنهما باعاه سئل عنهما وقد اتهما بذلك فادعيا أن بديلا باعه منهما، أو ادعيا هبته لهما، وكان عليهما إقامة بينه على الهبة أو الشراء، إلا أنهما لما عجزا عن ذلك وكانت ورثة بديل منكرين لأن يكون مورثهم وهبهما أوباعه منهما، وجب إذا تحلفيهم والتحليف هاهنا على العلم. قوله [وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا] والفرق أن الأول خيانة من كل واحد على حدة من غير أن يعلم به الآخر، بخلاف الثاني فأنه (4) إثم يشترك فيه جمع. قوله [فلقاه الله حجته (5)] هذا زائد ولا يرتبط فليسأل. قوله [آخر سورة] أي كملا (6)
(1) يعني ما أفاده الشيخ من توجيه الحديث مبني على صحته.
(2)
بمعنى (لم)
(3)
وتقدم في مرسل عكرمه: ثم ظهر معهما على إناء، وعامة المفسرين بنوا تفسيرهم على هذا المرسل. وجمع الفتوى بينهما ناقلا عن الكشاف بأنه لما وجد الإناء بمكة وقالوا: إنا اشترينا من تميم وعدى فكأنه في أيديهما.
(4)
لما في الذخيرة من معنى الكثرة التي يصعب لواحد حفظها.
(5)
لأن هذا هو مؤدي الجملة السابقة، وهي قوله: يلقى عيسى حجته، لأن معناها أيضاً أن الله عز اسمه لقاه حجته، لكن في النسخة المصرية: تلقى عيسى حجته، وهذا ظاهر لا غبار فيه، وأما على النسخة الهندية لو صحت يكون هذا كالتأكيد لما قبله وإظهار الملقي نصاً، وكان في الجملة السابقة مفهوماً.
(6)
وقد اختلفت الروايات في آخر سورة نزلت كما بسطها السيوطي في الإتقان، وقال: ليس شئ من ذلك مرفوعاً، بل كل أخبر حسب ما علمه.