الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله [على ولده] أي لضرره كما هو مفاد كلمة على (1)، فإن دعوة الوالد وإن كانت مستجابة في حق الولد خيرًا وشرًا إلا أن دعاءه في الشر أشد، وذلك لأنه لا يدعو عليه إلى بعد شدة يقاسيها منه، فكان مظلومًا أيما مظلوم، وقبول دعوة المظلوم مسلم معلوم.
قوله [وزاد فيه] أي زاد فيه لفظ لا شك فيهن. قوله [وعافنا قبل ذلك] أي قبل أن يصيبنا العذاب، يعني أنه إذا أتى فلا مرد له فيدعو أن يصحبه العافية قبل إتيانه فلا يصيبه شيء منه. قوله [حتى عرف الغضب] على زنة المجهول.
[باب ما يقول إذا رأى الباكورة]
قوله [ثم يدعو أصغر وليد يراه (2)] لما بينهما من مناسبة في حدثان العهد، ولأنها لا تقع من الكبير بمنزلة والصبي يفرح به.
(1) وهو كذلك في رواية الترمذي إذ هي بلفظ (على) وأما رواية أبي داود وغيره فخالية من هذه الكلمة، فهي محتملة للنفع والضرر معًا، ولذا فسر بهما معًا القاري وغيره، ثم اختلفوا هل يدخل في ذلك الوالدة أيضًا؟ فقيل: بالأولى كما هو مختار القاري وغيره، وقيل: لا لأنها لا تريد بدعائها عليه وقوعه، كذا ذكره زين العرب.
(2)
وفي المشكاة برواية مسلم: يدعو أصغر وليد له فيعطيه، قال الطيبي: هذه مقيدة والأولى مطلقة، فأما أن يأول هذه الرواية وهو الأنسب، أو يحمل المطلق على المقيد، وقال العصام: لعل قوله (له) متعلق بيدعو وليس قيدًا للوليد، أي يدعو للتمر، فلا يخالف الإطلاق، قال القاري: وبعده لا يخفى، والتحقيق أن الروايتين محمولتان على الحالتين، والمعنى أنه إذا كان عنده وليد له أو وليد آخر من غير أهله أعطاه، وإذا لم يكن أحد عنده حاضرًا فلا شبهة أنه ينادي أحدًا من أولاده، لأنه أحق ببره من غيره، انتهى مختصرًا.
قوله [ليس شيء يجزئ] تنبيه على العلة التي صارت سببًا في طلب الزيادة من اللين.
قوله [ولا يصح] أي كل واحد من القولين، وقال في الشمائل: الصحيح عمر بن أبي حرملة، انتهى. يعني كما تقدم في أول السند (زكريا).
قوله [ربنا] منصوب (1) بحذف حرف النداء، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي أنت ربنا. وقوله [غير مودع ولا مستغني عنه] حال (2).
قوله [إن ربكم ليس بأصم] استدل بذلك من منع الجهر بالذكر ولا يتم، فقد ورد (3) أنه كان ثم عدو فأراد أن لا يعلموا بهم، فكان الممانعة لأمر خارج
(1) قال القاري: روى بالرفع والنصب والجر، فالرفع على تقدير هو ربنا، أو أنت ربنا، أو على أنه مبتدأ وخبره (غير) بالرفع مقدم عليه، والنصب على أنه منادي حذف منه حرف النداء، أو على المدح، أو الاختصاص، وإضمار أعني، والجر على أنه بدل من الله، انتهى.
(2)
ولفظ المشكاة برواية البخاري: غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا، قال القاري: بنصب (غير) في الأصول المعتمدة على أنه حال من الله، أو من الحمد، وهو أقرب، وفي نسخة: برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي (هو).
(3)
وقد بوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث في كتاب الجهاد (باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير) قال الحافظ: تصرف البخاري يقتضي أن ذلك خاص بالتكبير عند القتال، قلت: ويؤيده سياق الحديث في مغازي البخاري عن أبي موسى، قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير، الحديث. وما قال الحافظ أن هذا السياق يوهم أنه وقع وهم ذاهبون إلى خيبر وليس كذلك، بل إنما وقع حال رجوعهم، لأن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر، انتهى. لا ينافي توجيه الشيخ، لأن قرب العدو في البداية والرجوع سواء، وأجاب عنه في البذل بأنهم بالغوا في الجهر وفي رفع أصواتهم، فلا يلزم منه المنع من الجهر مطلقًا، لأن النهي للتيسير والإرفاق لا لكون الجهر غير مشروع، انتهى. وأجاب عنه في روح البيان بأنه يختلف باختلاف المشارب والمقامات، واللائق بحال أهل الغفلات الجهر، وبأحوال أهل الظهور الخفاء، قلت: ولذا ترى الصوفية يمنعون عن الجهر بالذكر لمن ترقى إلى درجة المشاهدة ويأمرونه بالمراقبة، وأنت خبير بأن الصحابة ببركة الصحبة قد ترقوا على الدرجة القصوى، وهذا هو السر في أنهم لا يحتاجون إلى الضربات والأربعينات.
لا لشيء في نفس الذكر، وهذا هو الحق، فإن الذكر ليس شيء من أنواعه متهيأ عنه (1)، وإنما ذلك لأمر خارج عنه، فإن كان في جهره إضرار بأحد مثلاً كره وإلا لا.
(1) كيف وقد رد في الجامع الصغير: اذكروا الله ذكرًا يقول المنافقون تراءون، وضعفه منجبر بالشواهد الكثيرة، منها ما في المقاصد الحسنة عن أبي الجوزاء مرسلاً بمعناه، وعن أبي سعيد مرفوعًا: أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون، رواه أحمد والبيهقي وغيرهما، وصحه الحاكم، أفترى يقولون مجنون بدون الجهر المتداول، وقد قال عز اسمه: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، الحديث. وقال عليه السلام: ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند ملكيكم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله، وقال: ما صدقة أفضل من ذكر الله، وقال رجل: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت على فأنبئني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله، وقال معاذ بن جبل: آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قلت: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله، وعنه قلت: يا رسول الله أوصني، قال: عليك بتقوى الله ما استعطت، واذكر الله عند كل حجر وشجر، الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، قاله ثلاث مرات، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر، ويقول الله عز وجل: سيعلم أهل الجمع اليوم من أهل الكرم، قيل: من أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذكر من المساجد، وقال: سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات، وقال: إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة وهم يضحكون، وغير ذلك من الروايات الكثيرة الشهيرة بسطها صاحب الحصن وغيرها، وهي بعمومها تعم الجهر والأسرار، وبعضها صريحة في الجهر.
قوله [ألا أعلمك كنزًا إلخ] وقد ورد في غيره من الروايات أنه كان يقول: لا حول ولا قو إلا بالله سرًا (1)، فأما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه (2) يتلوها فبين له
(1) كما في دعوات البخاري بلفظ: وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، الحديث.
(2)
كما في سياق المغازي من البخاري بلفظة: وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، الحديث.
فضيلتها ليكون على بصيرة من منزاتها حين يقرأ، أو وقع ذلك اتفاقًا. قوله [وإنها قيعان] ظاهره مخالف لقوله تعالى:{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} والجواب (1) أن أشجارها في مواضعها مجتمعة وليست منثورة في جملة أراضيها كما هو دأب أصحاب البساتين أنهم يغرسون صنفًا من الأشجار في قطعة من الأرض صغيرة بحيث لا يكون بينها كثير فصل، ثم لما أرادوا قلعوها من هناك وأثبتوها حيث شاءوا، فكذلك أشجار الجنة إنما هي في قطاعات من الجنة، وليست في كل أراضيها بحيث لا يشذ منها أرض إلا وفيها شجر بل هي بأصنافها منبتة في موضع معلوم، فإذا سبح الرجل أو فعل غير ذلك مما هو موجب للغراس نقلت الشجرة إلى مقامه الذي أعد له، فاغتنم هذا.
قوله [لم يأت أحد يوم القيامة] إلى قوله [مثل ما قال أو زاد عليه]
(1) وهذا أجود مما أجاب به الشراح كما قال ابن الملك، يعني أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة، فأطلق السبب وأراد المسبب، وقال الطيبي: إنها كانت قيعانًا، ثم إن الله تعالى بفضله أوجد فيها أشجارًا وقصورًا بحسب أعمال العاملين، لكل عامل ما يختص به بسبب عمله، ثم إنه تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال بذلك الثواب، جعله كالغارس لتلك الأشجار مجازًا، إطلاقًا للسبب على المسبب، وأجاب غيره بأنه لا دلالة في الحديث على الخلو الكلي من الشجار والقصور، لأن معنى كونها قيعانًا أن أكثرها مغروس، وما عداه منها أمكنة واسعة بلا غرس لينغرس بتلك الكلمات، ويتميز غرسها الأصلي الذي لا سبب وغرسها المسبب بتلك الكلمات، وقال القاري: إن أقل أهل الجنة من له جنتان، كما قال تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الآية، فيقال: جنة فيها أشجار وقصور وأنهار وحور خلقت بطريق الفضل، وجنة يوجد فيها ما ذكر بسبب حدوث الأعمال، كذا في المرقاة.
فيه حذف (1) تركه مختصرًا أنكالاً على الفهم، والمراد لم يأت أحد يوم القيامة بمثل ما جاء إلا أحد قال مثل ما قال، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا أحد زاد عليه، وهكذا فيما بعد، فافهم. قوله [ولم ينبغ لذنب أن يدركه إلخ] وليس المراد نفي تلك الفضيلة عن غير تلك الكلمة، بل إثباتها لها مع كون غيرها أيضًا كذلك فيها، ووجه الفضيلة ما فيها من معاني التوحيد والتكبير وغيرها، ولم يتدنس (2) بعد بمشاغل دنيوية.
قول [باسمه الأعظم إلخ] وكل أسمائه (3) تبارك وتعالى أعظم، إلا أن لبعضها
(1) وبذلك جزم صاحب اللمعات كما في هامش المشكاة، إذ قال: لابد من تمحل في بيان معناه بأن يقال: تقدير العبارة لم يأت أحد بمساو له ولا جاء بأفضل مما جاء إلا أحد زاد عليه، فإنه يأتي بأفضل منه، انتهى. وقال القاري: أجيب عن الاعتراض المشهور بأن الاستثناء منقطع، أو كلمة أو بمعنى الواو، قال الطيبي: أي يكون ما جاء به أفضل من كل ما جاء به غيره، إلا مما جاء به من قال مثله، أو زاد عليه، قبل: الاستثناء منقطع. والتقدير لم يأت أحد بأفضل مما جاء به لكن رجل قال مثل ما قاله، فإنه يأتي بمساواته، فلا يستقيم أن يكون متصلاً إلا على تأويل نحو قوله:
وبلدة ليس بها أنيس
وقيل: بتقدير لم يأت أحد بمثل ما جاء به، أو بأفضل مما جاء به إلخ، والاستثناء متصل. انتهى.
(2)
كما يشير إليه قوله: قبل أن يتكلم، فإنه في إبان يومه يكون خاليًا عن الذنوب غالبًا.
(3)
إشارة إلى الجمع بين مختلف ما ورد في الاسم الأعظم، ولذا اختلفت في تعيينه أقوال السلف، ذكر شيئًا منها القاري في المرقاة، وقال: قد استوعب السيوطي الأقوال في رسالته، وقيل: إنه مخفي في الأسماء الحسنى، وأنكر قوم ترجيح بعض الأسماء الإلهية على بعض وقالوا: ذلك لا يجوز لأنه يؤذن باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل، وأولوا ما ورد عن ذلك بأن المراد بالأعظم العظيم، إذ أسمائه كلها عظيمة، وقال أبو جعفر الطبراني: اختلفت الآثار في تعيينه، وعندي أن الأقوال كلها صحيحة، إذ لم يرد في خبر أنه الاسم الأعظم ولا شيء أعظم منه، فكأنه يقول: كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم فيرجع لمعنى عظيم، وقال ابن حبان: الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد الداعي في ثوابه إذا دعا بها، وقيل: المراد بالاسم الأعظم كل اسم من أسمائه تعالى دعا به العبد مستغرقًا بحيث لا يكون في خاطره وفكره حالئذ غير الله، انتهى مختصرًا.
تناسبًا ببعض الأوقات وبعض الأشخاص وبحسبها يعظم التأثير، فلذلك تراه صلى الله عليه وسلم أمر كل سائل بما يناسبه. قوله [القداح] فعال (1) أي صناع القداح.
قوله [فأحمد الله إلخ] ولا يتوهم (2) بذلك نسخ إطلاق الآية {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]؛ لأن الرواية إنما بينت فرده الكامل الأولى من غيره بالإجابة، لما أن في الآية لما ترتب الإجابة على الدعاء كان كمال الإجابة بكمال الدعاء، ونقصانها، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبه على أدب الدعاء لتكون أقرب إلى الإجابة، لا أن الدعاء ليست بمجابة دونه.
(1) ضبطه السمعاني بفتح القاف وتشديد الدال المهملة، في آخرها حاء مهملة أيضًا، وعد في المشهورين به هذا، وقال المجد: القدح بالكسر السهم قبل أن يراش، وبالتحريك آنية تروى الرجلين، أواسم بجمع الصغار والكبار جمعه أقداح، ومتخذه قداح.
(2)
إشارة إلى دفع ما يرد على الحديث من أن ظاهرة ناسخ لعموم قوله عز اسمه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فإن عمومه وعد الإجابة مطلقًا كيفما يدعو بتقديم الحمد والثناء أو بغيره، انتهى.
قوله [وأنتم موقنون إلخ] بإيجاد كيفية القبول فيكم، أو بتحري مواقع الإجابة زمانًا ومكانًا، أو لكثرة رجائكم بالقبول، أو لمبالغة في الدعاء حتى لا يظن الخيبة والحرمان. قوله [لا يستجيب دعاء] استجابة كاملة (1)، فلا يضره إطلاق الآية. قوله [أو لغيره] والغرض إسماعه (2).
قوله [واجعله الوارث مني] أي السمع (3) والبصر، أي أبقى متمتعًا
(1) فقد قال الجزري: ما أحسن قول الربيع بن خيثم: لا يقل أحدكم: أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبًا وكذبًا، بل يقول: اللهم أغفر لي وتب علي، فإنه إذا استغفر عن قلب لاه لا يستحضر طلب المغفرة ولا يلجأ إلى الله بقلبه فإن ذلك ذنب عقابه الحرمان، وإذا قال: أتوب إلى الله ولم يتب فلا شك أنه كذب، وأما الدعاء بالمغفرة والتوبة فإنه وإن كان غافلًا فقد يصادف وقتً فيقبل، فمن أكثر طرق الباب يوشك أن يلج. وفي كتاب الزهد عن لقمان: عود لسانك باللهم اغفر لي، فإنه لله ساعات لا يرد فيهم سائلًان انتهى. قلت: وفي المشكاة برواية مسلم عن جابر مرفوعًا: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم، انتهى.
(2)
يعني إن كانت المخاطبة للغير فالمقصود كان إسماع الرجل الداعي لأنه كان إذا ذاك الرجل الداعي لأنه كان إذ ذاك محتاجًا، وهذا على السياق الذي بأيدينا من النسخ الهندية بلفظ أو للشك، وهكذا في أبي داود برواية أحمد بن حنبل عن المقرئ، وأما في النسخة المصرية من الترمذي: فقال له ولغيره بالواو بدون الشك، وهكذا في مسند أحمد بسند أبي داود بدون الشك.
(3)
وذكر في الحاشية عن اللمعات: الضمير فيه المصدر الذي هو الجعل، أي اجعل الجعل، وعلى هذا الوارث مفعول أول، ومنى مفعول ثان، أي اجعل الوارث من نسلى لا كلالة خارجة مني، والكلالة قرابة ليست من جهة الولادة، وهذا الوجه قد ذكر بعض النحاة في قولهم: المفعول المطلق قد يضمر ولكن لا يتبادر إلى الفهم من اللفظ ولا ينساق الذهن إليه كما لا يخفى، والثاني أن الضمير فيه للتمتع الذي هو مدلول متعتى، والمعنى اجعل تمتعي بها باقيًا مأثورًا في من بعدنا، لأن وارث المرأ لا يكون إلا الذي يبقى بعده، فالمفعول الثاني الوارث، ومنا صلة، وهذا المعنى يشبه قول خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام:«واجعل لي لسان صدق في الآخرين» وقيل: وراثته دوامه إلى يوم الحاجة، يعني بوم القيامة، والثالث أن الضميران للأسماع والأبصار والقوى، وإفراد الضمير وتذكيره بتأويل المذكور، ومثل هذا شائع في العبارات لا كثير تكلف فيها، وإنما التكلف فيما قيل: إن الضمير إلى حد المذكورات، ويدل ذلك على وجود الحكم في الباقي، لأن كل شيئين تقاربا في معنييهما فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر، والمعنى بوراثتها لزومها إلى موته، لأن الوارث من يلزم على وقت موتهن انتهى بتغير.
بهما ما دامت حياتي باقية، ويبقيان كأنهما وارثان مني، أو متعنى بمسموعاتي ومبصراتي بعد مماتي، أو أبق فيضانا بعدي لأهل العالم، كقول إبراهيم:«واجعل لي لسان صدق في الآخرين» .
قوله [ومن الماء البارد] يعني أن أحبك فوق ما أحب نفسي وما تحبه نفسي، فبين بعض مشتهيات النفس وضرورياتها في بقاء شخصها ونوعها، فالأول الماء البارد، والثاني الأهل، فتدبر.
قوله [كان أعبد البشر] ولا يلزم تفصيله (1) على سائر الأنبياء أو على
(1) وفي الحاشية: يعني في عصره، انتهى. وعلى هذا فلا إشكال في الحديث بنبي آخر.
نبينا عليهما الصلاة والسلام، لأن هذه الفضيلة جزئية، ولا ينكر فضل الأنبياء فيما بينهم بصفات مخصوصة، والكمال العلمي فوق الكمال العملي، وهو مختص بنبينا صلى الله عليه وسلم. قوله [فتنة النار وعذاب النار] فالأول ما يصيب من لهبها وهولها وحزنها والخوف من دخولها، والثاني ظاهر، أو الأول (1) المآثم والمعاصي وسائر ما يوجبها، وعذاب النار ما يبدو بعد الموت.
قوله [فوقع يدى على قدميه] فيه دلالة على عدم انتقاض الظهارة بمس المرأة، فإن المحدثين يحملون المس واللمس عليهما (2) من دون حائل، فأما أن يلزمهم تلك المسألة أو يلزم رفض تيك القاعدة، وهو مفيد لنا في مواضع شيء. قوله [فإنه لا مكره له] يعني أن الأمر حقيقة على ما سأله السائل إلا أن فيه إيهامًا لأن التعليق بالمشيئة كما يكون لاستبداد المسئول عنه بالاختيار فكذلك قد يكون لاستغناء السائل، فالمراد وإن كان هو الأول لكن لما أوهم بالثاني وجب تركه، فلتكن على ذكر منه.
(1) وبذلك حزم عامة الشراح، قال القارئ: قوله: من عذاب النار أي من أن أكون من أهل النار وهم الكفار، فإنهم هم المعذبون، وأما الموحدون فإنهم مؤدبون ومهذبون بالنار لا معذبون بها، وقوله: فتنة النار أي فتنة تؤدي إلى النار لئلا يتكررن ويحتمل أن يراد بفتنة النار سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ، انتهي.
(2)
الظاهر أن الضمير إلى الرجل والمرأة، ولم يحتج إلى ذكرهما لمقام القرينة، والمعنى أنهم يحملون هذين اللفظين إذا أطلقا عليهما على المس بدون الحائل، كما جزموا به في قوله: نت مس ذكره، فإنهم يوجبون الوضوء بدون الحائل، فإما يتركوا هذه المسألة يعني إيجاب الوضوء بمس المرأة، أو يتركوا هذه القاعدة، يعني أن المس يراد به بدون الحائل.
قوله [حتى يبقى] وما بعد حتى داخل (1) في حكم ما قبلها، واختلفت الروايات (2) في وقت النزول، والجمع أنه يبتدأ حين يذهب الثلث الأول ثم يزيد حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى الصبح. قوله [نشهدك ونشهد حملة عرشك إلخ] أي نسألك أن تشهدهم فإنهم لم يشهدوا ولم يحضروا، وفائدة شهادة هؤلاء -والله عالم- هو الاعتبار في أعين الحضار. قوله [في داري] أي في دار دنياي ودار عقباي، لا لأنه تثنية فإنه مفرد بل لأنه صادق عليهما.
(1) كما هو نص الروايات الواردة في الباب، منها ما تقدم عند المصنف في أبواب الصلاة من زيادة قوله: فلا يزال كذلك حتى يضيئ الفجر، ويؤيده أيضًا ما ورد في طريق هذا الحديث عند الجماعة لا سيما الشيخين من قوله: حين يبقى ثلث الليل الآخر، الحديث. فهو وقت النزول، وهذا كله على سياق النسخ الهندية، أما على المصرية بلفظ (حين يبقى) موضع (حتى يبقى) فالحديث موافق للروايات الأخر.
(2)
قال العيني: وقع في ذلك خمس روايات، ثم بسطها فقال: أصحها ما صححه الترمذي وقد اتفق عليها مالك بن أنس وغيره جماعة من الرواة عن ابن شهاب عن أبي سلمة وأبي عبد الله عن أبي هيرة بلفظ: حين يبقى ثلث الليل الآخر، والثانية ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا بلفظ: حين يمضى ثلث الليل الأول. والثالثة: حين يبقى نصف الليل الآخر، والرابعة التقييد بالشطر أو الثلث الأخير، والخامسة التقييد بمضي نصف الليل أو ثلثه، انتهى. وما أفاده الشيخ من الجمع أوجه مما اختاره الشراح، قال العيني: اختلفت ظواهر رواياتهم، فقد صار بعض العلماء إلى الترجيح كالترمذي على ما ذكرنا، إلا أنه عبر بالأصح فلا يقتضى تضعيف غير تلك الرواية لما يقتضيه صيغة أفعل، وأما القاضي عياض فعبر في الترجيح بالصحيح فاقتضى ضعف الرواية الأخرى، ورده النووي بأن مسلمًا رواها في صحيحه بإسناد لا مطعن فيه عن صحابيين فكيف يضعفها؟ وغذا أمكن الجمع ولو على وجه فلا يصار إلى التضعيف. وقال النووي: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر بهن ثم بالآخر في وقت آخر فأعلم به. انتهى. ثم ذكر في البذل عن المرقاة: قال ابن حجر: ينزل أمره ورحمته، أو ملائكتهن وهذا تأويل الإمام مالك وغيره، ويدل له الحديث الصحيح: إن الله عز وجل يمهل شطر الليل، ثم يأمر مناديًا فيقول: هل من داع فيستجاب له، الحديث والتأويل الثاني -ونسب إلى مالك أيضًا- أنه على سبيل الاستعارة، ومعناه الإقبال على الداعي بالإجابة والطف والرحمة كما هو عادة الكرماء سيما الملوك، إلى آخر ما بسطه.
قوله [وإن كنت مغفورًا لك] أي قل هذه الكلمات وإن كنت كذا أو غفر لك وإن كنت مغفورًا لك، فالمغفرة للمغفور زيادة في درجاته. قوله [مائة غير واحدة] يعني (1) أن تسعة وتسعين ليس بكثير، أو إنما هو تحديد وليس فيه حصر للأسماء (2)، فإن مفهوم العدد غير معتبر. قوله [المقيت]
(1) يعني أن قوله: مائة غير واحدة، بعد قوله: تسعة وتسعين، إشارة إلى أن هذا المقدار ليس بكثير حتى لا يبلغ المائة أيضًا، ويحتمل أن يكون إشارة إلى التحديد في هذا المقدار، فذكر هذا القول تأكيدًا للعدد، وقوله: ليس فيه حصر، إشارة إلى الجمع بين مختلف الروايات في هذا الباب.
(2)
ويدل على ذلك اختلاف الروايات في الأسماء، فقد قال الحافظ: قد تكرر في رواية الوليد عن زهير ثلاثة أسماء، وهي الأحد الصمد الهادي، ووقع بدلها في رواية عبد الملك: المقسط القادر الوالي. وعند الوليد أيضًا: الوالي الرشيد، وعند عبد الملك: الولي الراشد، وعند الوليد: العادل المنير، وعند عبد الملك: الفاطر القاهر، وقد أخرج الطبراني عن أبي زرعة الدمشقي عن صفوان بن صالح، فخالف في عدة أسماء فقال: القائم الدائم، بدل القابض الباسط، والشديد بدل الرشيد، والأعلى المحيط مالك يوم الدين بدل المجيد الودود الحكيم، إلى آخر ما بسط من اختلاف الروايات في ذلك، وبسط أيضًا في أن تعيين الأسماء. مرفوع أو مدرج من الرواة، فارجع إليه لو شئت تفصيل الكلام في ذلك.
معطى (1) الأقوات، ثم الإحصاء (2) أول مراتبه الإيمان بجملتها إجمالًا، وهو حاصل لكل مؤمن حيث يؤمن بالله كما هو بأسمائه وصفاته، وثانيها حفظ ألفاظها وإن لم يفهم معانيها، وثالثها الإيمان بتفاصيلها، ورابعها التذك بمعانيها مع حفظ ألفاظها، وخامسها- وهو أعلاها -أن يستوفي منكل منها حظه الذي وضع فيها،
(1) قال القاري: المقيت بضم الميم وكسر القاف وسكون التحتية أي خالق الأقوات البدنية والأرزاق المعنوية، وموصلها إلى الأشباح ومعطيها للأرواح، من أقاته يقيته إذا أعطاه قوته، وقيل: هو المقتدر بلغة قريش، وقيل: هو الشاهد المطلع على الشيء، من أٌقات الشيء اطلع عليه، وقال بعضهم: المقيت اسم جامع لمعنى الاقتدار على حكم الموازنة من حيث إحاطة العلم وإقامة الكفاف بالقوت المقدر للحاجة من غير نقص وزيادة، وهو في غاية من الحسن، وقول ابن حجر: فيه ما فيه لم يظهر ما فيه، انتهى.
(2)
كما بسطها شراح الحديث لا سيما الحافظ في الفتح، وقال القاري: قوله: من أحصاها أي من آمن بها، أو حفظ مبانها وعلم معانيها وتخلق بما فيها، انتهى.
والحظ في جملتها ليس على نسق واحد بل التخلق (1) بها مختلف، ففي بعضها التخلق بمؤدى ألفاظها كما في الرحمن والرحيم، فإن التخلق فيها التكلف بالرحمة على الموافق والمخالف على حسب الشرع، حتى يصير التطبع فيه طباعًا والتكلف له هوى مطاعًا، وفي بعضها قطع الرجاء عن الغير وتوكيل أمره إليه في الشر والخير، كالمالك والرازق والوهاب وغير ذلك من الأمور كثيرة، ثم قد يتركب بعضها فيلاحظ في الاسم الواحد فوائد شتى.
قوله [إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا] أردا برياض الجنة، واقع الذكر (2) ومواضعه، وإنما كان تفسيرها بالمسجد بيان بعض أفرادها تمثيلًا، وليس المراد الحصر، ولذلك صح تفسيرها فيما بعد بحلق (3) الذكر، والرتع للحيوان، فيه إشارة إلى أن المرأ ينبغي أن يكون حرصه على اقتناء المكاسب الدينية كحرص البهائم والدواب على مراعيها لا تقصر منها ما أمكنها، ولئن أردا أحد أن يصرفها عنها شق ذلك عليها، حتى أنها كثيرًا ما لا تزول عن موضعها الذي اشتغلت بالعري فيها وإن نالتها بذلك ضربات وصدمات بالعصى وأجماع الأكف، فكذلك الذاكر ينبغي أن لا تأخذه في ذلك لومة لائم ولا يزله عن ما قصده شهوات الملابس
(1) وهو أن يعتبر معانيها فيطالب نفسه بما تتضمن من صفات الربوبية وأحكام العبودية فيتخلق بها، قال ابن الملك: مثل أن يعلم أنه سميع بصير فكيف لسانه وسمعه عما لا يجوز، وكذا في باقي السماء، والتخلق بأسمائه الحسنى، فبسطه الغزالي في المقصد الأسنى. وقيل: كل اسم للتخلق إلا اسم الله تعالى فإنه للتعلق، كذا في المرقاة.
(2)
قال القاري: من باب تسمية الشيء باسم ما يؤل إليه، أو بما يوصل إليه.
(3)
وقيل: هذا الحديث مطلق في المكان والذكر فيحمل على المقيد المذكور في باب المساجد، قال القاري: والأظهر حمله على العموم.
والمطاعم، ولا يكون له عنه شبع وإعراض، ولا يصدر عنه من ذلك استحياء وإغماض.
قوله [قال: فإذا أعطيت العافية إلخ] فإن السائل لما كرر عليه المسألة بعد الجواب علم أنه لعله استحقر الدعاء التي ذكرها لها فنبين فضيلتها بأنها جامع الدعوات (1)، وإنما لم يبين أول مرة ليكون أوقع في النفس.
قوله [اللهم خر لي إلخ] لعل المراد بالأول أن يقدر له الخير، وبالثاني أن يختار له من بين الأمور خيرًا، فالأول إشارة على محو الشر لو كتب له وثبت الخير مكانه، والثاني إلى إرجاع الخير إليه من حيث كان، أو يكون اللام زائدة، أي خرني اجعلني خيرًا، والتفاوت على هذا التقدير بين السؤالين ظاهر، فالأول سؤال عن أن يجعل الله ذاته ونفسه خيرًا، والثاني أن يجعل ما يكسبه ويحمله ويرد عليه من الأحوال والكيفيات وما يعامل به من الديانات والبياعات ومن يفتقر إليه في تمدنه وغير ذلك خيرًا لا شرًا خبيثًا.
قوله [الوضوء شطر الإيمان] وكذلك قوله في الرواية الثانية: الطهور شطر الإيمان، إن كان المراد بهما مطلق الطهارة فالشطر هو النصف (2)، وتنصيفه أن الإيمان الكامل إنما هو تحلية عن الرذائل وتحلية بالفضائل فحسبن والطهارة لها مرتب (3): طهارة الباطن عن الشرك، وطهارته عن المعاصي، وطهارته عن
(1) فقد قيل: ليس في الشريعة كلمة أجمع من الفلاح إلا العافية، وكذا النصيحة، كذا في المرقاة.
(2)
كما حكاه القاري عن بعض المحققين أن الطهور تزكية عن العقائد الزائغة والأخلاق الذميمة، وهي شطر الإيمان الكامل فإنه تحلية، انتهى.
(3)
كما بسطها الغزالي في الإحياء بأن الطهارة لها مراتبك الأولى تطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث والفضلات، الثانية تطهير الجوارح عن الجرائم= =والآثام، الثالثة تطهير القلب عن الخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة، الرابعة تطهير السر عما سوى الله. والطهارة في كل مرتبة نصف العمل، إلى آخر ما بسطه
ما يحول بينه وبين ربه، وطهارة الجسم عن الأحداث الحقيقية والحكمية، وهذه كلها تخلية ومتاركة، ثم بعج ذلك مراتب للتحلية والارتكابات من الإقبال على الطاعات وغيرها، ولا شك أن هذه الجملة نصف الإيمان، وإليه الإشارة في قوله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فقوله {الْمُتَطَهِّرِينَ} كالتعميم بعد التخصيص، وكالإشارة إلى ما تضمنه إجمالًا قوله {التَّوَّابِينَ} . أما إن كان الوضوء والطهور هما الاصطلاحيان فالشطر بمعنى (1) الجزء مطلقًا لا النصف، وجزئيته للإيمان ظاهرة، فإنه يتوقف عليه صحة الصلاة التي هي أعظم أركان الإيمان، أو يقال: الإيمان ها هنا (2) بمعنى الصلاة، كقوله سبحانه:
(1) كما حكاه أيضًا القاري ولفظه: قيل: المراد بالشطر مطلق الجزء لا النصف الحقيقي، قلت: كقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ثم إما أن يراد بالإيمان الصلاة فلا إشكال، أو يراد به الإيمان المتعارف فالجزء محمول على أجزاء كماله، ولا ينافيه ما جاء في رواية بعابرة النصف، فإنه قد يكون بمعنى النصف (هكذا في الأصل والظاهر بمعنى الشطر) كما قيل في الحديث المشهور: علم الفائض نصف العلم، انتهي.
(2)
كما حكاه أيضًا القاري عن زين العرب تبعًا لغيره أن المراد ها هنا بالإيمان الصلاة، قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم إلى بيت المقدس، وأطلق الإيمان عليها لأنها أعظم آثاره وأشرف نتائجه وأسراره، وجعلت الطهارة شطرها لأن صحتها باستجماع الشرائط والأركان، والطهارة أقوى الشرائط، والشرط شطر ما يتوقف عليه المشروط، انتهى.
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} ولا شك أن الوضوء جزء من الصلاة متوقف عليه صحتها، والفرق بين الشرط والركن كما هو في اصطلاح الفقهاء إنما هو عرف مجدد، فلا يضر تأويلنا. [البرهان] الدليل [والحجة] هي البينة.
قوله [التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأه] إما أن يكون المراد (1) بذلك ملؤ باقيه، فيكونان سواءين في الأجر إذ كل منهما نصف، ويمكن أن يكون المراد أن التحميد يملؤه بانفراده، ووجه ذلك أن التسبيح تنزيه فقط، والتحميد يستلزم التنزه عن الرذائل بأسرها والاتصاف بالفضائل عن آخرها، ففيه زيادة نسبة إلى التسبيح. والله تعالى (2) فادر على تجلية هذه الأعمال بهيئات وصور هي صغيرة الحجم ولا يتفاوت وزنها، فلا يستشكل أن الميزان إذا املأ بالتحميد فبم يوزن سائر الأعمال، وكذلك ما يتوهم أن من كرر ففم يوزن.
(1) قال القاري: بالتأنيث على تأويل الكلمة أو الجملة، وبالتذكير على إرادة اللفظ أو الكلام، أو المضاف المقدر، أي لو قدر ثوابه مجسمًا لملأ، وقال أيضًا: أي الميزان كله أو نصفه الآخر، والأول أظهر، قال الطيي: جعل الحمد ضعف التسبيح لأنه جامع لصفات الكمال من الثبوتية والسلبية، والتسبيح من السلبية، انتهى.
…
(2)
أشار الشيخ بذلك إلى جواب عن إشكال يرد على ظاهر الحديث سيصرح به في كلامه، وحاصل الإشكال أن التحميد إذا يملأ الميزان فبقية الأعمال كيف توزن، وظاهر النصوص أن جميع الأعمال الحسنة توضع في كفة واحدة والسيئات بأسرها في الأخرى، والروايات في ذلك كثيرة، منها ما في الدر برواية البيهقي في الشعب عن ابن عباس، قال: الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات، فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات، الحديث. برواية الطبراني عنه= =مرفوعًا: والذي نفسي بيده لو جيء بالسماوات والأرض ومن فهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن، وغير ذلك، وجزم صاحب الجمل في قوله تعالى:{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف: 8] أن الميزان واحد لكل الخلق وكل الأعمال، والجمع للتعظيم، وحاصل الجواب أن الله تعالى قادر على أن يجمل ثواب التحميد عند الوزن في جثة صغيرة، ونظيره القطن يجعل بالكبس في جثة الحديد حتى أثقل منه.
قوله [اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجئ به الريح] إنما دعا بها لأن الريح لا يخلو عنها زمان ولا مكان، وكذلك يوم عرفة كان يوم اجتماع الناس، وللريح تأثير قوي في ما يوجد من الأشياء، فدعا دعوة عامة لا يشذ عنها نفر من الأنس والجن في أيامهم ولياليهم.
قوله [اللهم رب السماوات السبع إلخ] لما كان السبب الموجب للأرق أرضيًا أو سماويًا بربهما، ولما كان للشياطين تأثير قوي في أمثال هذه افردها بالذكر تخصيصًا.
قوله [أن يفرط (1) على أحد منهم أو أن يبغي] الأول من غير قصد الجاني ودون عزمه بفعله ذاك إيذاءه، والثاني بذلك. قوله [ومن همزات الشياطين وأن يحضرون] فالهمزات إشارة إلى وساوسها وما يبدر إليه من
(1) قال القاري: بضم الراء أي من أن يفرط على أنه بدل اشتمال من شرهم، أو لئلا يفرط، أو كراهية أن يفرط، أي يسبق على أحد منهم بشره، وفي المفاتيح: أي يقصد بأذى أي مسرعًا، انتهى.
أذاها، والثاني تعوذ من نفس حضورها فإنه لا يخلو عن ثفل (1) وأذى لخبث باطنها كالنار، فإنها تضر بحرارتها من جاورها وإن لم يعلم بوجودها عنده، وكذلك فإن للشياطين بحسب أفعالها الخبيثة لعنة وطردًا من حضرته تبارك وتعالى، وإنها موارد غضب فيجب التعوذ من حضورها لئلا يصيبه شيء من آثار عقوباتها.
قوله [من بلغ] أي سنا يسهل فيه حفظ الدعاء له، وكذلك المراد بمن لم يبلغ من ليس له ملكة الفهم وقوة الحفظ. قوله [أي شيء تمام النعمة] سأله (2) عنه منعًا عن المسألة بما لا يعلم، وليكون على بصيرة عما يسأله فيرغب فيه، فيكون دعوته عن قلبه منتظرًا ظهوره. قوله [لم ينقلب ساعة إلخ] لآنه في حكم الذاكر فيستجاب له ما سأل ومتى سأل في إثناء ليله. قوله [السبأى] من غير أن تمد الباء (3)، فقد قال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} [سبأ: 15].
(1) بالضم ما استقر تحت الشيء من كدرة، كذا في القاموس.
(2)
وقال القاري: (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم سؤال امتحان: (أرجو بها خيرًا) أي مالًا كثيرًا، قال الطيبي: وجه مطابقة الجواب السؤال أن جواب الرجل من باب الكناية، أي أسأله دعوة مستجابة فيحصل مطلوبي منها، ولما صرح بقوله: خيرًا فكان غرضه المال الكثير كما في قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180]، فرد صلى الله عليه وسلم بقوله: إن من تمام النعمة إلخ، وأشار إلى قوله تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185]، انتهى.
وتبعه ابن حجر، والأظهر أن الرجل حمل النعمة على النعم الدنيوية الزائلة وتمامها على مدعاه، فرده صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ودله على أن لا نعمة إلا النعمة الباقية الأخروية، انتهى.
(3)
قال الحافظ في الإصابة: بفتح المهملة والموحدة وهمزة مكسورة مقصورة مختلف في صحبتهـ قال ابن السكن: له صحبة، وذكره البخاري في الصحابة وقال ابن حبان: من قال: إن له صحبة فقد وهم، انتهى. وكذا بسط الخلاف في صحبته في التهذيب، وفي التقريب: عمارة بن =شبيب بفتح المعجمة وموحدتين السبأى بفتح المهملة والموحدة وهمزة مقصورة، ويقال فيه يقال له صحبة، وقال ابن حبان: من زعم أن له صحبة فقد وهم، انتهى.
قوله [والله لا أغضض] ولعله اغتر بسكوته صلى الله عليه وسلم عن النهي. قوله [ولما يلحق بهم] أي في الأعمال والطاعات، ويمكن (1) إرادة اللحوق الزماني وهو الإدراك والملاقاة، قوله [جاف] بتخفيف الفاء من الجفاء. قوله [قاص عمر بن عبد العزيز] لما كان اسم الفاعل هاهنا للدوام والاستمرار أفاد التخصيص، ويمكن أن يقال: إنه ليس بمضاف إلى معموله، وإنما الإضافة لأدنى ملابسة.
قوله [ما كان في ذلك المجلس] لفظة (ما) ظرفية (2).
(1) وبالاحتمالين فسر القاري إذ قال: أحب قومًا أي من العلماء أو الصلحاء ولم يلحق بهم، أي بالصحبة أو العلم أو العمل أو بمجموعهما، أي لم يصاحبهم ولم يعامل معاملتهم، وقيل: أي لم يرهم، انتهى. قلت: ويؤيد الاحتمال الأول من كلام الشيخ ما قال الحافظ: ووقع في حديث أنس عند مسلم: ولم يلحق بعملهم، وفي حديث أبي ذر عند أحمد وأبي داود وغيره: ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، وفي بعض طرق حديث صفوان عند أبي نعيم: ولم يعمل بمثل عملهم، قال: وهو يفسر المراد، انتهى.
(2)
يعني يكفي الصلاة مرة للمقدار الواجب في ذاك المجلس، قال القاري في شرح الشفاء: قوله: ما كان أي ما دام، انتهى. ثم هذا أحد المذاهب العشرة التي بسطها الحافظ في الفتح في باب الصلاة، ومقابله تجب الطلاة كلما= =ذكر، قال الحافظ: ثامنها كلما ذكر، قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية والحليمي وجماعة من الشافعية، وقال ابن العربي من المالكية: إنه الأحوط، وتاسعها في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارًا، حكاه الزمخشري، انتهى. قلت: ورجج جماعة من الحنفية هذا القول أيضًا، كما بسطه ابن عابدين وغيره.
قوله [البخيل الذي إلخ] لأنه بخل على نفسه (1) باكتساب الأجر، أو بخل عن أن يدعو بكلمات. قوله [البخيل الذي من إلخ](2). قوله [أحب إليه من أن يسال العافية] إما لأنه (3) أشمل للعبد في حوائجه، والرب تبارك وتعالى. يفرح بما فيه فرحة العبد وقضاء لحوائجه، وإما لأنه لما سأله العافية وهي متضمنة لما
(1) قال القاري: التعريف في البخيل للجنس المحمول على الكمال، فمن لم يصل عليه فقد بخل ومنع نفسه من أن يكتال بالمكيال الأوفى، فلا يكون أحد أبخل منه كما يدل عليه رواية: البخيل كل البخيل، انتهى.
(2)
بياض في الأصل بعد ذلك، ولعل الشيخ أراد أن يكتب التنبيه على تكرار الموصول ولم يتفق له، وهو مختلف التوجيه عند الشراح، قال القاري: كذا في الأصول المعتمدة من نسخ المشكاة المقروءة المصححة بالجمع بين الموصولين، وخالف ابن حجر وجعل لفظ (من) أصلاً، ثم قال: وفي نسخة (الذي)، قال الطيب: الموصول الثاني مقحم بين الموصول الأول وصلته تأكيداً، وقال ابن حجر: يمكن أن تكون (من) شرطية والجملة صلة، والجزاء فلم يصل على، انتهي.
(3)
اختلفوا في أن الأحب ذات العافية اهتماماً لشأنها أو سؤال العافية، قال القاري: الظاهر أن السؤال أحب فأنه متضمن للافتقار والعبودية وظهور كمال الربوبية، وكذا اختلفوا في المراد بالعافية، قال القاري: اتفق الشراح= =إن المراد بالعافية الصحة، وقال الطبي: إنما كانت العافية أحب لأنها لفظة جامعة لخير الدارين من الصحة في الدنيا والسلامة فيها وفي الآخرة، لأن العافية أن يسلم من الأسقام والبلايا، انتهى. والبسط في المرقاة.
يحتاج إليه من جلب المنافع وسلب المضار كلها، كان مقرًا بأنه لا مجير له من الله، وأن لا منجا ولا ملجأ من الله إلا إليه، وأنه المتولي لأموره المفتقرة إليها، فيكون تمام رجائه، متصرفاً إليه تعالى، وتمام رهبته منه سبحانه، وهذا سبب لعله أن العبد قد. اعترف بعجز نفسه وقدرة ربه، وقطع الرجاء عن غيره.
قوله [ومطردة للداء عن الجسد] فإن النوم الكثير يضره. قوله [محمد القرشي إلخ] اختلف (1) فيه فقيل: محمد بن سعيد ومحمد بن قيس هما مختلفان، وقيل: بل هما واحد، وجزم البخاري بأنه محمد بن سعيد المصلوب بن حسان ابن أبي قيس، فينسب إلى أبيه وجد وجد أبيه، وليسوا بمتغائرين. قوله [لك شكارًا] التقديم لإفادة (2) التخصيص.
(1) قال الحافظ في تهذيبه: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي المصلوب، ويقال محمد بن سعيد بن عبد العزيز، ويقال ابن أبي عتبة، ويقال ابن أبي قيس، ويقال ابن أبي حسان، إلى آخر ما بسطه، وفي القريب: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأردي الشامي المصلوب، ثم قال بعد ما ذكر شيئاً من الاختلاف المذكور: وقد ينسب لجده، وقيل: إنهم قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى، قال أحمد بن صالح: وضع أربع آلاف حديث، وقال أحمد: قتله المنصور على الزندقة وصلبه، انتهى.
(2)
قال القاري: قدم المتعلق للاهتمام والاختصاص، أو لتحقيق مقام الإخلاص، انتهى.
قوله [فقد انتصر] أي انتقم، والموازنة (1) بينها مرعية فإن تساوى الظلم والدعاء كان كفافًا، لا له ولا عليه، وإن كان الظلم زائدًا. على دعائه كان له، وإلا كان عليه.
قوله [إن رجلًا كان يدعو بأصبعيه] أي عند الإشارة في القعود (2). قوله [ثم بكى] أمل بكاء الصديق رضي الله عنه، فلعله لما تذكر زمان (3) النبي
(1) كما هو نص الرواية المفصلة المتقدمة في أول سورة الأنبياء في قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} الآية، وقد أخرج أبو داود برواية أبي هريرة مرفوعاً: المستبان ما قالا فعلى البادي منها ما لم يعتد المظلوم، زاد في الدر المنثور برواية أحمد وغيره: ثم قرأ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ، وأخرج أبو داود أيضًا عن عائشة قالت: مرق لها شيء فجعلت تدعو عليه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبخي عنه، وغير ذلك من الروايات.
(2)
أي للتشهد، ولذا ذكر الحديث صاحب المشكاة وغيره في باب التشهد، والظاهر أن الرجل الداعي سعد بن أبي وقاص، كما أخرج أبو داود عنه نحو حديث الباب.
(3)
ويؤيده لفظ ابن ماجة يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مقامي هذا عام الأول ثم بكى أبو بكر، الحديث. ولفظ أحمد: يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم من عام الأول، ثم استعبر أبو بكر، الحديث. وأوضح منهما ما في رواية أخرى لأحمد من حديث رفاعة يقول: سمعت أبا بكر الصديق يقول على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فبكى أبو بكر رضي الله عنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سرى عنه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا القيظ عام الأول، الحديث.
صلى الله عليه وسلم وقيامه على المنبر وتذكيره إياهم، أو يكون بكاؤه أداء للسنة، وأما بكاء النبي صلى الله عليه وسلم حين قام يعظهم، فأما لتذكره ما يرد على أمته من الأموال بالمعاصي والآثام، أو (1) الموصوف إلى صفته. قوله [من استغفر] أي نادمًا على ما ارتكب عازمًا (2) تركه وإن فعل مراراً. قوله [اشركنا في دعائك] فيه (3) طلب الفاضل من دعاء المفضول.
(1) بياض في الأصل بعد ذلك، وقال القاري: قيل: إنما بكي لأنه علم وقوع أمته في الفتن وغلبة الشهوة والحرص على جمع المال وتحصيل الجاه، فأمرهم بطلب العفو والعافية لعصمهم من الفتن، وقال أيضاً: الحديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم، انتهى.
(2)
إشارة إلى أن مجرد التلفظ بالاستغفار لا يكفي في التكفير، ولذا قال الربيع بن خثيم: لا يقل أحدكم: استغفر الله وأتوب إليه، فيكون ذنبًا وكذبًا، بل يقول: اللهم اغفر لي، قال الجزري: ليس كما فهم بعض أئمتنا أن الاستغفار على هذا الوجه يكون كذبًا بل هو ذنب، فإنه إذا استغفر عن قلب لا، لا يستحضر طلب المغفرة ولا يلجأ إلى الله بقلبه، فإن ذلك ذنب عقابه الحرمان، وهذا كقول رابعة: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير، وأما إذا قال: أتوب إلى الله ولم يتب فلا شك أنه كذب، انتهى.
(3)
وقال القاري: فيه إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية بالتماس الدعاء ممن عرف له الهداية، وحث للأمة على الرغبة في دعاء الصالحين وأهل العبادة، وتنبه لهم على أن لا يخصوا أنفسهم بالدعاء ولا يشاركوا فيه أقاربهم وأحبائهم، لا سيما في مظان الإجابة، وتفخيم لشأن عمر رضي الله عنه، وإرشاد إلى ما يحمي دعاءه من الرد، انتهى.
قوله [وجعي بعد] أي الوجع الذي قد كنت مبتلى به. قوله [يضطرب فيه إلخ] إلا أن المؤلف بعد ترجيحه إسنادًا من أسانيده حكم عليه بالصحة، فلا يتوهم تنافي الاضطراب (1) لصحته.
(1) يعني ما ترجح عند المصنف طريق من أسانيده فصار هذا الطريق صحيحًا، ولا يشكل عليه حينئذ وقوع الاضطراب في أسانيده الأخر، ولذا أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه بعدة طرق، وما أشار إليه المصنف من الاضطراب ذكره الحافظ في كتاب الدعوات في (باب التعوذ من البخل) ولا يذهب عليك أن ما في النسخة الأحمدية من لفظ الكنية على عبد الله في قوله: قال أبو عبد الله: أبو إسحاق الهمداني يضطرب غلط من الناسخ، والصواب: بدونه، فإنه عبد الله بن عبد الرحمن، كما في النسخة المصرية، قال الحافظ: وقد رواه أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود رضي الله عنه، هذه رواية زكريا عنه، وقال إسرائيل: عنه عن عمرو عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونقل الترمذي عن الدارمي أنه قال: كان أبو إسحاق يضطرب فيه، قلت: لعل عمرو بن ميمون سمعه من جماعة، فقد أخرجه النسائي من رواية زهير عن أبي إسحاق عن عمرو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى. وينحل بكلام الحافظ هذا كلام الترمذي بوضوح مثل أن المراد بعبد الله الدارمي، وبعمر ابن الخطاب، وبغيره ابن مسعود، وغير ذلك، وعلم أيضاً أن الاضطراب عند الحافظ مرتفع لرواية النسائي، ثم قال الحافظ في كتاب جهاد في (باب التعوذ من الجبن) في قوله: كان سعد يعلم بنيه: لم أقف على تعيينهم، وقد ذكر محمد بن سعد في الطبقات أولاد سعد، فذكر من الذكور أربعة عشر نفساً، ومن الإناث سبع عشرة، انتهى.
قوله [وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وألم تنزيل السجدة] وتأخير السورة المتقدمة إما لأن (1) كل شفع من النفل صلاة على حدة، أو لأن ذلك يجوز في النفل دون الفريضة، أو لأن الرواية لما صرحت بعكس الترتيب كان ذاك تخصيصاً، ويبقى النهى على عمومه فيما وراء ذلك، والله اعلم.
قوله [مؤمن ورب الكعبة] أي أنت مؤمن والله يا أبا الحسن.
(1) وفي هامش الحصن عن الحرز الثمين لعلي القاري: ولما كان كل شفع صلاة على حدة لم يرد أن سورة السجدة فوق الدخان، على أنه لا يكره في النوافل تقديم بعض السورة على بعض خلافًا لترتيب القرآن، انتهى. وفي الدر المختار: يكره الفصل بسورة قصيرة، وأن يقرأ منكوسًا، ولا يكره في النفل شيء من ذلك، انتهى. وقال أيضًا قبل ذلك: وإطالة الثانية على الأولى يكره، واستثني في البحر ما وردت به السنة، واستظهر في النفل عدم الكراهة مطلقًا، قال ابن عابدين: قوله مطلقًا، أي وردت به السنة أولاً بقرينة ما قبله، وأطلق في جامع المحبوب عدم كراهة إطالة الأولى على الثانية في السنن والنوافل، لأن أمرها سهل، واختاره أبو اليسر، ومشى عليه في خزانة المفتين، وفي شرح المنية: الأصح كراهة إطالة الثانية على الأولى في النفل أيضًا إلحاقاً له بالفرض فيما لم يرد به تخصيص من التوسعة كجوازه قاعدًا بلا عذر ونحوه، وأما إطالة =الثالثة على الثانية والأولى فلا تكره لما أنه شفع آخر، انتهى مختصرًا. والحديث صححه الحاكم على شرطهما لكن تعقبه الذهبي وحكم عليه بالشذوذ، وقال: أخاف ألا يكون موضوعًا، وقد حيرني والله جودة سنده، انتهى. وفي رواية قراءة السجدة في الثانية وحم الدخان في الثالثة.
قوله [وأفضل العبادة انتظار الفرج] لأن فيه ترقباً (1) لرحمة ربه ورجاء منه ومسألة من كرمه: قول [إذًا نكثر] بصيغة (2) المتكلم مع الغير من الإكثار.
قوله [قال قل إلخ] إنما كرر الأمر عليه ليجمع إليه قلبه ويكون مقبلاً عليه بحذافيره فيكون أوعى لما يقال وأدرى بمعاني المقال. قوله [يلقي النوى بأصبعيه] أي كان (3) يجمع الأصبعين فيضع من فيه النواة على ظهرهما فيفتح ما بين الأصبعين حتى يسقط النوي من بينهما على الأرض.
(1) قال القاري: انتظار الفرج أي ارتقاب ذهاب البلاء والحزن بترك الشكاية إلى غيره تعالى وكونه أفضل العبادة، لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، انتهى.
(2)
قال القاري: أي نكثر من الدعاء لعظيم فوائده، ثم بسط في إعرابه، ثم قال: والله أكثر بالمثلثة، وفي نسخة بالوحدة، فمعناه الله أكبر من أن يستكبر عليه شيء، وأما على الأول فقال الطيبي: الله أكثر إجابة من دعائكم، والأظهر عندي أن معناه فضل الله أكثر، أي ما يعطى من فضله وسعة كرمه أكثر ما يعطيكم في مقابلة دعائكم، أو الله أغلب في الكثرة فلا تعجزونه في الاستكثار. فإن خزائنه لا تنفد وعطاياه لا تفنى، انتهى.
(3)
بياض في الأصل بعد ذلك، وقال القاري: قيل: إنما بكي لأنه علم وقوع أمته في الفتن وغلبة الشهوة والحرص على جمع المال وتحصيل الجاه، فأمرهم بطلب العفو والعافية لعصمهم من الفتن، وقال أيضَا: الحديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم، انتهى.
قوله [إني توجهت بك إلى ربي إلخ] والخطاب (1) لحضور النبي صلى الله عليه وسلم هناك. قوله [فتنسين الرحمة] معروفاً والرحمة مفعوله، وإن كان (2) يصح أن يكون مجهولًا والرحمة منصوبة بنزع الخافض، أو بإفضاء الفعل إلى المفعول بعد حذف
(1) قال الطيبي: سأل الله أولاً بطريق الخطاب ثم توسل بالنبي وعلى طريقة الخطاب ثانياً، ثم كر إلى خطاب الله طالباً منه أن يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في حقه، وبسط القاري الكلام على الباء فارجع إليه، والحديث صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي.
(2)
قال القاري: قوله فتنسين بفتح التاء، أي فتتركن الرحمة بسبب الغفلة، والمراد بنسيان الرحمة نسيان أسبابها، أي لا تتركن الذكر فإنكن لو تركتن الذكر لحرمتن ثوابه فكأنكن تركتن الرحمة، قال تعالى:{فَاذْكُرُونِي} ، أي بالطاعة {أَذْكُرْكُمْ} ، بالرحمة، وفي نسخة صحيحة بصفة مجهولة من الأنساء، أي أنكن استحفظتن ذكر الرحمة وأمرتن بسؤالها، فاذا غفلتن فقد ضيعتن ما استودعتن فتركتن سدى عن -رحمة الله-، قال الطيبي: لا تغفلن نهى الأمرين، أي لا تغفلن عما ذكرت لكن من اللزوم على الذكر، والمحافظة عليه، والعقد بالأصابع توثيقاً، وقوله: فتنسين جواب لو، أي إنكن لو تغفلن عما ذكرت لكن لتركتن سدى عن رحمة الله، وهذا من باب قوله تعالى:{وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} ، أي لا يكن منكن الغفلة فيكون من الله ترك الرحمة، فعبر بالنسيان عن ترك الرحمة كما في قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} ، انتهى ما في المرقاة. وبسط في شرح الحصن أكثر من هذا وقال: الأولى أن يقرأ على صيغة المجهول من المجرد، وكذا صحيح في أصل الترمذي، انتهى.
حرف الجر. قوله [واجعل علانيتي صالحة] فتكون السريرة أصلح (1).
وقوله [وقبض أصابعه وبسط السبابة إلخ] فيه دلالة (2) على أن المسبحة لا توضع بعد الإشارة إلى وقت التسليم فإن البسط لا يتم إلا برفعها. قوله [سبق المفردون] إنما كان قال ذلك في سفر (3)، وظاهر معناه هم المحفون (4) في
(1) لأنه طلب أولًا سريرة خيرًا من العلانية، ثم عقب بطلب علانية صالحة لدفع توهم أن السريرة ربما تكون خيرًا من علانية غير صالحة، قال القاري: وتعقبه ابن حجر بما لا طائل تحته.
(2)
وهذا هو الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه في كلام الشيح من الجزء الأول في (باب ما جاء في الإشارة) ولا ينافي حديث الباب ما في أبي داود من رواية مالك بن نمير عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعَا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعًا أصبعه السبابة قد حناها شيئًا، زاد في رواية أحمد: وهو يدعو، لأن الحنو اليسير لا ينافي البسط الذي هو مقابل القبض، واختلاف الأوقات محتمل.
(3)
كما صرح بذلك في رواية مسلم، ولفظها بسنده إلى أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جدان، فقال: سيروا هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون؟ الحديث. وفي الدر برواية ابن أبي شيبة وابن مروديه عن معاذ بن جبل، قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدف بين حمدان قال: يا معاذ أين السابقون؟ قلت: مضى ناس، قال: أين السابقون الذين يستهترون بذكر الله؟ الحديث.
(4)
هكذا في الأصل والظاهر أنه من أجفى الماشية أتعبها. ويحتمل أن يكون أفعالًا من حفه بالشيء أحاط به.
أسفار الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان دأبه الانتقال من أمور الدنيا إلى الآخرة وتنبيههم منها إليها قال: إن الفرد في الحقيقة هو الذي وضع الذكر أقاله وشغل الشغل بالحبيب لسانه وباله.
قوله [فضلًا عن كتاب الناس] الكتاب المصدر والفضل الفاضلون (1)، يعني أن هؤلاء فاضلون وفارغون عن كتابة أعمال الناس، أي هم وراء الكرام الكاتبين.
(1) قال النووي: ضبطوا فضلًا على أوجه، أرجحها بضم الفاء والضاد، والثاني بضم الفاء وسكون الضاد، ورجحه بعضهم، وادعى أنه أكثر وأصوب. والثالث بفتح الفاء وسكون الضاد، وقال عياض: هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم، والرابع بضم الفاء والضاد كالأول لكن برفع اللام، يعني على أنه خبر إن، والخامس فضلًا بالمد جمع فاضل، قال العلماء: ومعناه على جميع الروايات أنهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر، انتهى. ونسبة عياض هذه اللفظة إلى البخاري وهم أنها ليست في الصحيح، إلا أن تكون خارج الصحيح، ولم يخرج البخاري الحديث المذكور عن أبي معاوية أصلًا، وإنما أخرجه من طريقه الترمذي، وزاد ابن أبي الدنيا والطبراني في رواية جرير: فضلًا عن كتاب الناس، ومثله لابن حبان من رواية فضيل ابن عياض، وزاد: سياحين في الأرض، وكذا هو في رواية أبي معاوية عند الترمذي والإسماعيلي عن كتاب الأيدي، ولمسلم من رواية سهل عن أبيه: سيارة فضلا، هكذا في الفتح، وفي المجمع: إن لله ملائكة سيارة فضلا، أي زيادة على ملائكة مرتبين مع الخلائق، وروى بسكون ضاد: وضمها وهما مصدر بمعنى الفضلة والزيادة، وعن الطيبي بسكون ضاد جمع فاضل، وعن النووي أي ملائكة زائدين على الحفظة لا وظيفة لهم سوى حلق الذكر، انتهى. واختلف في عدد الحفظة كما في مراقي الفلاح وحاشيته الطحطاوي.
قوله [فيحفون بهم إلى السماء الدنيا] ولعل الوجه في تكثرهم وتراحمهم في جانب العلو دون سائر الجهات الأربعة من اليمين والشمال والقدام والخلف أنهم لما رأوا البركة تنزل عليهم وتشملهم قصدوا أن يكونوا فيها لا يخرجوا عنها. قوله [ستين بابًا من الضر] غلط من الكاتب، والموجود في سائر النسخ سبعين (1) بابًا، وهو الصحيح، فليحرر! قوله [أنا عند ظن عبدي بي إلخ] ولا يذهب (2)
(1) وهو كذلك في النسخة المصرية والمجتبائية بلفظ سبعين بابًا.
(2)
أشار الشيخ بذلك إلى الجمع بين حديث الباب وبين ما ورد من الذم والوعيد في الأماني والظنون والتالي في النصوص القطاعية الصريحة من القرآن والحديث، قال تعالى:{َقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} الآية، وقال عز اسمه:{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ= =فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ، وقال جل ثناؤه:{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} الآية، وغير ذلك من الآيات الكثيرة، وقد وردت الروايات في النهي عن التألي على الله بوجوه مختلفة، وقال الحافظ في الفتح: قوله: أنا عند ظن عبدي بي، أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامله به، وقال الكرماني: في السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف، وكأنه أخذه به من جهة التسوية، فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف، لأنه لا يختاره لنفسه، بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء، وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر، ويؤيد== وذلك حديث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، وهو عند مسلم من حديث جابر، وأما قبل ذلك في الأول أقوال ثالثها الاعتدال، وقال ابن أبي جمرة: المراد بالظن هاهنا العالم، وهو كقوله:{وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} ، وقال القرطبي قيل: معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، ولذلك ينبغي للمرأ أن يجتهد في القيام بما عليه موقنًا بأن الله يقبله، فإن أعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها أنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من الرحمة وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور: فليظن بي ما شاء، قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة، وهو يجر إلى مذهب المرجئة، انتهى.
عليك الفرق بين السفه والظن، والموعود هو الثاني دون الأول، مثل الفاسق (1) يظن له نعماً جزيلة وهو مصر على كبائره، فيكون كمن يرجو بيادر (2) الحبوب ولم يذر، وهو قريب عما ذكره سبحانه في كتابه فقال:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ ضَرَّاءَ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} ، فبحسبك سفاهته في عقله، جزم بنبل الثواب هناك وإن لم يجزم بالحشر والنشر، ولذا صدره بلفظ الشك.
(1) قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا* أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} الآية.
(2)
جمع بيدر، وهو مكان يداس فيه الطعام.
قوله [وإن ذكرني في ملأ إلخ] ثم اختلف في تفضيلها هل الذكر (1) في الملأ أفضل أم الذكر في النفس؟ والحق الثاني إلا أن يكون أحد يذكر في النفس والملأ معاً فيذكره الله فيهما معاً، فهذا أفضل للجمع بين الفاضلتين، ولا يتوهم (2) بالرواية تفضيل عامة الملائكة على عامة المؤمنين إذ الخيرية في من عنده تعالى فعل الخيرية المقربين من الملائكة.
قوله [واستعيذوا بالله من عذاب جهنم] قال طاؤس: يجب على المصلى قراءة هذه الدعاء في قعوده للصلاة فإن الأمر (3) للوجوب، وحمله الآخرون على
(1) قال الحافظ: قال بعض أهل العلم: هذا الحديث يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري، والتقدير إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطالع عليه أحداً، وإن ذكرني جهرًا ذكرته بثواب اطلع عليه إلا الأعلى، انتهى.
(2)
قال ابن بطال: هذا نص في أن الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم، وعلى ذلك شواهد من القرآن، مثل: إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، والخالد أفضل من الفاني، وتعقب بأن: المعروف عن جمهور أهل السنة أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس، والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة، وقليل من أهل السنة من أهل التصوف، وبعض أهل الظاهر، فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا: حقيقة الملك أفضل من حقيقة الإنسان لأنها نورانية، ومنهم من خص الخلاف بصالحىي البشر والملائكة، ومنهم =من خصه بالأنبياء، ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء، ومنهم من فضلهم على الأنبياء أيضاً إلا على نبيناً، ثم بسط الحافظ في الدلائل فارجع إليه.
(3)
وأوضح منه ما في أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً: إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع، الحديث. قال الشيخ في البذل: استدل بهذا الأمر على وجوب الاستعاذة، وقد ذهب إلى ذلك بعض الظاهرية، وروى عن طاؤس، وقد ادعى بعضهم الإجماع على الندب، انتهى. قلت: وقد بوب البخاري في صحيحه (باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب) ثم أورد فيه حديث ابن مسعود في التشهد، وفي آخره: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، وهذا حجة الجمهور.
الاستحباب. قوله [الذي ما يتمنى] المراد بالمنية ما هنا الدعاء. قوله [حتى يسأله الملح إلخ] وليس في الحديث تصريح بكون المسالة في الصلاة حتى يرد على الفقهاء ما قالوا (1) إن الدعاء بما يشبه كلام الناس مفسد للصلاة.
(1) ففي الهداية: لا يدعو بما يشبه كلام الناس تحرزاً عن الفساد، واستدل لذلك ابن الهمام بقوله: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، انتهى.