الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[من سورة هود]
قوله [في عماء] فقيل (1): معناه السحاب، وقيل: بل هو العالي عن أن يدركه العقول وتصل إليه الإفهام، وأيا ما كان فقيه إشارة إلى عدم السؤال عنه لكونه غير معقول الكيفية، أما على الأول فلأنه كان سأل عن مقامه تبارك وتعالى قبل كل شئ من مخلوقه، فإن إضافة الخلق إلى الضمير أفادت الجنسية، فلزم الاستغراق، فكان منشأ سؤاله أن الرحمن استوي على العرش فأين كان قبل أن يخلقه؟ فأجيب بأنه كان في شبه غمامة بيضاء، ثم بقى بعد ذلك أنه هل كان هذه الغمامة حادثة أو قديمة؟ لا سبيل إلى الأول
(1) قال في المجمع: العماء بالفتح والمد السحاب، وروى عمى بالقصر بمعنى ليس معه شئ، وقيل: هو كل أمر لا يدركه عقولنا، انتهى. وفي الحاشية عن أبي عبيدة: لا ندرى كيف كان ذلك العماء، وعن الأزهري: نحن نؤمن به، ولا نكيفه بصفة، انتهى. وأجمل شيخ مشائخنا الشاه ولى الله الدهلوي الكلام على معناه في الدر الثمين وبسطه في فيوض الحرمين والحديث يتعلق بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} الآية.
لما أنه لو كان كذلك لم يصب الجواب غرض السائل لأنه كان يسأل كونه قبل خلقه أجمع، فوجب القول بالقدم، فانتهوا عن السؤال لما قد فهموا أن الأمر ليس بمقدور أن تدركه الإفهام، وأما على الثاني فالأمر ظاهر لأن العمى هو العدم المحض فلا يتعلقه العلم والإحاطة، ولا يتوهم أن ظرفية العدم له تبارك وتعالى مما لا يعقل، لأنه ليس ظرفاً له، فأن وجوده حق لا يرتاب فيه ولم يسأل عنه، بل السؤال عما كان إذا من المكان والمقام، فقال: لم يكن ثم شيء، ولفظه ما في قوله ما فوقه هواه وما تحته هواه إن كانت نافية (1) فالهواء هي إحدى البسائط، فالمراد نفي قياسه الغائب على الشاهد، لأنه كان يرى أن كل شئ خال ففيه تمكن واستقرار لشيء، ولا أقل من أن يقر فيه هواء، فلعل ثم هواء إذا لم يكن هناك شئ آخر فنفاه، وإن كانت موصولة فهي الجو أي ما بين الأرض السماء، أي كان فوقه خلاء وتحته خلاء ولم يكن شئ موجوداً غيره سبحانه. قولته [عرشه. على الماء] ولم ينص في رواية على أن التقدم فيهما للماء أو للعرش، فيمكن (2) أن يخلق الماء ثم العرش فوقه، وأن يخلق العرش ثم
(1) وبذلك جزم القارى إذ قال: ما نافية فيهما، وفيه إشارة إلى ما في رواية البخاري من طريق عمران: كان الله ولم يكن معه شيء. قال القاضي: المراد بالعماء مالا تدركه الأوهام، عبر عن عدم المكان بمالا يدرك ولا يتوهم، وعن عدم ما يحويه ويحيط به الهواء، فأنه يطلق ويراد به الخلاء الذي هو عبارة عن عدم الجسم ليكون أقرب إلى فهم السامع، ويذل عليه أن السؤال كان عما كان قبل أن يخلق خلقه، فلو كان العماء أمراً موجوداً لكان مخلوقاً، إذا ما من شيء سواه إلا وهو مخلوق خلقه وأبدعه، فلم يكن الجواب طبق السؤال، انتهى.
(2)
فان خلق العرش على الماء يصدق على الصور الثلاثة، لأن خلقه عز اسمه لا يحتاج إلى زمان، بل أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، لكن قال الحافظ في الفتح: قد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبى رزين العقيلي مرفوعاً: إن الماء خلق قبل العرش، وروى السدى في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء، وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة مرفوعاً: أول ما= =خلق الله القلم ثم قال: اكتب، الحديث، فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له: اكتب أول ما خلق، وأما حديث أول ما خلق الله العقل، فليس له طريق ثبت، وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله، وحكى أبو العلاء الهمداني أن للعلماء قولين في أيهما خلق أولا العرش أو القلم؟ والأكثر على سبق خلق العرش، واختار ابن جرير ومن تبعه الثاني، انتهى. قلت: وتقدم شيء من ذلك في أبواب القدر.
الماء تحته، وأن يخلقهما جميعاً معاً.
قوله [ولكن كل ميسر إلخ] هذا الجواب عما (1) سأله بعض الصحابة عن عدم النفع في العمل، ولم يسأله عمر رضي الله عنه تأدياً. قوله [فانطلق الرجل] إما لبعد الانتظار (2) وكثرة أمده، أو لأنه لما أمره عمر رضي الله عنه بالستر بمحضر
(1) ففي حديث جابر عند مسلم جاء سراقة بن مالك، فقال: يا رسول الله أنعمل اليوم فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير، أو فيما يستقبل؟ قال: بل فيما جفت به الأفلام وجرت به المقادير، قال: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. ومال الحافظ في الفتح إلى أن السائل عن ذلك جماعة من الصحابة وعند من جملتها عمر أيضاً لحديث الباب، وأنت خبير بأن حديث الباب ليس بنص في سؤاله، وإن كان محتملا.
(2)
فقد سكت النبي صلى الله عليه وسلم طويلا، ولعله انتظر الوحي، ففي الدر برواية الترمذي والزار وابن جرير وغيرهم عن أبي اليسر قال: أتتنى امرأة تبتاع تمرأ، الحديث، وفيه: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا، حتى أوحى الله إليه {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ} الآية. وبرواية ابن جرير عن إبراهيم النخمي قال: جاء فلان بن مقيب رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله دخلت على امرأة فنلت منها ما ينال الرجل من أهله إلا أني لم أواقعها، فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه حتى نزلت هذه الآية، وبغير ذلك من الروايات في الباب، وبسط الحافظ في بيان الاختلاف فيما روى في هذا الباب، ثم قال: قد جاء في رواية الترمذي أن اسمه كعب بن مالك أبو اليسر، وذكر بعض الشراح في اسمه نبهان التمار، وقيل: عمرو بن غزية، وقيل: أبو عمرو زيد بن عمرو بن غزية، وقيل: عامر بن قيس، وقيل: عباد، انتهى. ومال الحافظ إلى التعدد لاختلاف سياق ما ورد، وقال العيني: في اسمه ستة أقوال، ثم بسط الأقوال المذكورة، لكنه ذكر بدل زيد بن عمر والمذكور ابن معتب رجلا من الأنصار، وقال: أصح الستة أنه أبو اليسر.
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم على عمر قوله كان تقريراً لذلك، فأراد الرجل أن يذهب لئلا يهتك ستره بإقامة الحد فيه فيحصل الستر حسب ما يمكن. قوله [هذا له خاصة] وإنما سألوا عن ذلك مع العلم بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد نظراً إلى قوله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} بصيغة الخطاب للمفرد، وكانت النكتة في إفراد ذلك التنبيه إلى أن الوزر لا يتحات منه ما لم يشتغل بإقامة الطاعة بنفسه، فلا يغتفر آثام صاحب جناية بالحسنات التي اكتسبها غيره، وفي الآية إشارة إجمالية إلى الصلوات الخمس (1) قوله [ورواية هؤلاء أصح] لانفراد الثوري.
(1) ففي الدر برواية عبد الرازق وابن جرير وغيرهما عن مجاهد في قوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ} قال: صلاة الفجر وصلاتي العشى: الظهر والعصر، وزلفاً من الليل، قال: المغرب والعشاء وقال الحافظ في الفتح: اختلف في المراد بطرفي النهار، فقيل: الصبح والمغرب، وقيل: الصبح والعصر، وعن مالك وابن حبيب: الصح طرف والظهر والعصر طرف، واختلف في المراد بالزلف، فعن مالك: المغرب والعشاء، واستنبط منه بعض الحنفية وجوب الوتر، لأن زلفاً جمع أفله ثلاث، فيضاف إلى المغرب والعشاء الوتر، ولا يخفى ما فيه، انتهى.