الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله [وليس بينهما معرفة] أي بنكاح أو ملك يمين. قوله [فلم أصبر] خوفاً من عقاب الله على نفسه. قوله [حتى تمنى أنه لم يكن إلخ] لما رأى من غضب النبي صلى الله عليه وسلم وخاف وسمع منه كلمة تبين منها سخطه فلو أسلم تلك الساعة لكان بريئاً من كل ما ارتكب قبل ذلك.
[من سورة يوسف]
قوله [ولو لبثت في السجن ما لبث إلخ] هذا مدح منه صلى الله عليه وسلم على شدة يوسف ومكابدة أهواله، ثم قوله صلى الله عليه وسلم إما أن يكون هصماً (1) لنفسه وعدم اعتماد على ذاته أن يصبر في أمثال ذلك مثل صبره، ولا يلزم (2).
من ذلك انه لو وقع عليه مثله لم يصبر، ولو سلم أنه لم يكن ليصبر لكان فيه فضل ليوسف عليه السلام ولا ضير فيه
(1) الظاهر بالمعجمة، ويحتمل المهملة، قال المجد: هصمه يهصمه كسره أي كسراً لنفسه.
(2)
قال الحافظ: وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعاً والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وإجلالا، وقيل: هو من جنس قوله: لا تفضلوني على يونس، وقد قيل أن يعلم أنه أفضل من الجميع، انتهى. وقال ابن الملك: إن هذا ليس إخباراً عن نبينا صلى الله عليه وسلم بتضجره وقلة صبره، بل فيه دلالة على مدح يوسف عليه السلام، وتركه الاستعجال بالخروج، انتهى. وقيل: بل فيه إشارة إلى تقصير يوسف عليه السلام، وذلك من جهة أنه لم يترك الوسائط، ولم يفوض كل ما آناه إليه تعالى، هكذا في المرقاة.
فإن الفضل الجزئي على نبينا صلى الله عليه وسلم لغيره لا ينكر، أفتراك تنكر فضل يوسف عليه صلى الله عليه وسلم في كون أربعة من آبائه أنبياء، وفي حسن صورته الظاهرة (1)، فأي استحالة في لزوم فضله
(1) لعل الشيخ أشار بالظاهرة إلى ما هو المعروف من أن حسنة صلى الله عليه وسلم كان مستوراً عن أعين الناس، فقد ذكر شيخ مشائخنا الشاه ولى الله الدهلوى في رسالته الدر الثمين أخبرني سيد الوالد قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أملح وأخي يوسف أصبح، فتحيرت في معناه لأن الملاحة توجب قلق العشاق أكثر من الصباحة، وقد روى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام أن النساء قطعن أيديهن حين رأينه، وأن الناس ماتوا عند رؤيته، ولم ير وعن نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا الباب شيء، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عن ذلك، فقال: جمالي مستور عن أعين الناس غيرة من الله عز وجل، ولو ظهر لفعل الناس أكثر مما فعلوا حين رأوا يوسف عليه السلام، انتهى. قال المناوي تحت قول عمر: ما رأيت رجلا أحسن من جرير إلا ما بلغنا من صورة يوسف عليه السلام، فقال: ولما كان قد استقر في الأذهان أن صورة المصطفي أجل من كل مخلوق، حتى من صورة يوسف، لم يبال عمر بإفهام عبارته أن صورة جرير أحسن من صورته، أنتهى. وفي جمع الوسائل قال بعض المحققين: إن جمال نبينا صلى الله عليه وسلم كان في غاية الكمال، وإن من جملة صفائه وكثرة ضيائه على ما روى أن صورته كان يقع نورها على الجدار بحيث يصير كالمرآة يحكي ما قابله من مرور المار، لكن الله ستر عن أصحابه كثيراً من ذلك الجمال الزاهر، إذ لو برز إليهم لصعب النظر إليه عليهم، وأما ما ورد من أن يوسف عليه السلام أعطى شطر الحسن، فقيل: شطر حسن أهل زمانه، أو شطر حسنه عليه السلام على أن حسن السيرة أفضل من حسن الصورة، وقد قال الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقد ثبت في الحديث الصحيح: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، انتهى. وفي شرح الشفاء للقاري: حكى الترمذي عن قتادة مرسلا ورواه الدارقطني من حديث قتادة عن أنس موقوفاً: ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً من الكل، فيشمل حسن صورة يوسف وصوت داود باعتبار الصباحة والملاحة، وزيادة البلاغة والفصاحة، وقد قيل: يوسف أعطى شطر حسن آدم، وقيل: شطر حسن جدته سارة، لأنها لم تفارق الحور إلا فيما يعترى الآدمية من الحيض وغيره، وقد أعطى محمد صلى الله عليه وسلم كمال الجلال والجمال من تمام الصباحة فما رآه أحد إلا هابة، ومن تمام الملاحة فما رآه أحد إلا أحبه، انتهى. وفي جمع الوسائل تحت حديث قتادة المذكور: ولا ينافى ذلك حديث البيهقي وغيره في المعراج أنه صلى الله عليه وسلم قال في حق يوسف: فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، لأن المراد أحسن ما خلق الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم جمعاً بين الحديثين، على أن هاهنا قولا لجماعة من الأصوليين أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، وحمل ابن المنير رواية مسلم أنه أعطى شطر الحسن الذي أعطيه نبينا صلى الله عليه وسلم، انتهى. قلت: ولا يذهب عليك أن حديث قتادة ضعيف عندهم.
هاهنا حتى يذهب إلى ما ذهب إليه بعض الشراح. قوله [ورحمة الله على لوط إن كل ليأوى] كلمة ترحم له وليس (1) إشارة إلى منقصة فيه بل بيان لذبه عن أضيافة مع قلة
(1) ففي المرقاة: قيل: تصدير الكلام بهذا الدعاء لئلا يتوهم اعتراء نقص عليه فيما سيأتي من الأنباء على طريقة قوله تعالى {عَفَا اللَّهُ عَنْ} َ الآية حيث كان تمهيداً ومقدمة للخطاب المزعج، وقال ابن الملك: فيه إشارة إلى وقوع تقصير منه، وكأنه استغرب وعده بادرة إذلا ركن أشد من الركن الذي كان يأوى إليه، وهو عصمة الله وحفظه، وعندي أن أخذ هذا المعنى ليس من طريق الأدب في لأنباء عن الأنبياء، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا كان ينهى عن غيبة أفراد العامة حياً وميتاً، فكيف يتصور أن يذكر في حق نبي مرسل ما كان موهما لنقص مرتبة أو تنزل عن علو همته، فالمعنى أنه كان بمقتضى الجبلة البشرية يميل إلى الاستعانة بالعشيرة القوية، انتهى. وقال الحافظ: يقال: إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبة لأنهم من سدوم وهي من الشام، وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط، فبعث الله لوطاً إلى أهل سدوم، فقال: لو إن لي منعه وأقارب وعشيرة لكنت استنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني، وقيل: معنى قوله: لقد كان يأوى إلى ركن شديد أي إلى عشيرته، لكنه لم يأو إليهم وآوى إلى الله تعالى، والأول أظهر. وقال النووي: يجوز أنه لما اندهش بجمال الأضياف قال ذلك، أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف اعتذاراً، وسمى العشيرة ركناً لأن الركن يستند إليه ويمتنع به، فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم، انتهى.
عدده وضعف قوته، وقوله {أوآوى} في الآية معناه التمكن من المأوى ووجدانه، وفي الرواية يأوى (1) أي بطلب أن يأوى ويهوى أن يجد مأوى، ومع ذلك فلا يخلو عن بعد، فلينقح. قال الأستاذ أدام الله علوه ومجده وأفاض على العالمين بره
(1) وعلى هذا فيكون مؤدى الآية والحديث واحدًا، ولا يكون الحديث إيراداً عليه كما هو مشهور، ولعل وجه البعد أن معنى يأوى يتمكن من المأوى لا يطلب منه.