الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالبرد هو اليقين (1) والطمأنينة دون ما يحس منه.
[سورة الزمر]
قوله [لشديد] لأن الاختصام بين يديه تبارك وتعالى لا تنكر شدته مع أن أحد المتخاصمين لا يكون على ثقة من غلبته على خصيمه.
قوله: [عن أسماء بنت يزيد قال] الصحيح (قالت) وإنما هو غلط (2) من الكتاب، ويمكن تأويله بتقدير (قالت)، وفاعل الفعل المذكور شهر، قلت: ويمكن على بعده أن يقرأ لفظ (سمعت) على زنة الغائبة فلا يفتقر إذن إلى تقدير.
(1))) قال القارئ: (فوجدت بردها) أي راحة الكف يعني راحة لطفه (بين ثديي) بالتثنية أي قلبي أو صدري، وهو كناية عن وصول ذلك الفيض إلى قلبه، ونزول الرحمة وانصباب العلوم عليه، وتأثره عنه وإتقانه له، يقال: ثلج صدره وأصابه برد اليقين لمن تيقن الشيء وتحققه، انتهى.
(2)
)) كما تدل عليه النسخ المصرية والهندية الأخر ففيها (قالت).
قوله: [والأرضين على ذه إلخ] ولا ينافيه ما ورد من أن الأرض (1) تبسط ما فيها من الآكام الجبال وتسوي شيئاً واحداً، لأن البسط لعله بعد ما يفعل هذا ليرى قدرته.
قوله: [وحنى جبهته وأصغى أذنيه] تصوير للانتظار وتأكيد لتقريب الأمر. قوله: [على البشر] فيه دلالة على أن العام على عمومه، وقوله صلى الله عليه وسلم:[فإذا موسى إلخ] تسليم لما فهمه الصحابي من العموم، وتعليم للتأويل في كلامه (2) بحمل الاصطفاء على الاصطفاء في صفة مخصوصة وإن لم يقصده المتكلم، فعلم أن
(1))) كما أخرج السيوطي من الآثار في قوله تعالى: «وإذا الأرض مدت» واختلفوا متى يقع ذلك، فقيل: ما بين النفختين، وقيل: بعد الحشر، ورجح القرطبي الأول، قلت: ويؤيده ما أخرجه السيوطي من الروايات المفصلة في النفختين في أخر سورة الزمر.
(2)
)) قال الحافظ في قوله: أو كان ممن استثنى الله: أي فلم يكن ممن صعق، أي فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة، وإن كان ممن استثنى الله لم يصعق فهي فضيلة أيضاً، ووقع في حديث أبي سعيد: فلا أدري أكان فيمن صعق، أي فأفاق قبلي، أم حوسب بصعقته الأولى، وبين ذلك ابن فضل في روايته بلفظ: أحوسب بصعقته يوم الطور، والجمع بينه وبين قوله: أو كان ممن استثنى الله أن في رواية ابن الفضل وأبي سعيد بيان السبب في الاستثناء والمراد بقوله: من استثنى الله قوله: إلا من شاء الله، وأغرب الداودي فقال: معنى قوله: استثنى الله أي جعله ثانياً، وهو غلط شنيع، وقد وقع في مرسل الحسن في هذا الحديث: أكان ممن استثنى الله أن لا تصيبه النفخة، أو بعث قبلي، وزعم ابن القيم في كتاب الروح أن هذه الرواية وهو قوله: أكان من استثنى الله وهم من بعض الرواة، والمحفوظ: أو جوزي بصعقة الطور، إلى آخر ما بسطه الحافظ، وقال العيني: إن قلت: نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين، وقال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، فما وجه التوفيق؟ قلت: منها أن ذلك قبل العلم بأنه أفضل، ومنها أنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص بعضهم فإنه كفر، ومنها أنه نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة، كما في الحديث من لطم المسلم اليهودي، ومنها أنه تواضع، إلى آخر ما ذكره، تنتهي مختصراً.
العام على عمومه القطعي ما لم تقم قرينة خصوص، وأن تأويل كلام ظاهره الكفر والمعصية واجب وإن قصد به المتكلم خلافه، فما اشتهر (1) بين العلماء أن الكلام يحمل على تأويل صحيح إن أمكن وإن كان له تسعة وتسعون تأويلاً مؤثمة. قوله:[ممن استثنى الله] أي بقوله: «إلا من شاء الله» وهذه الصعقة غير الصعقة التي قبل الحشر، فإن النفخات (2) متعددة: نفختان وقت قيام القائمة،
(1))) الظاهر بدله (كما اشتهر) لئلا يحتاج إلى تقدير عباره، وللحذف مساغ.
(2)
)) وبذلك جزم ابن حزم إذ قال: إن النفخات يوم القيامة أربع: الأولى نفخة إماتة فيها من بقى حياً في الأرض، والثانية نفخة إحياء يقوم بها كل ميت وينشرون من القبور، والثالثة نفخة فزع وصعق يفيقون منها كالمغشى عليه لا يموت منها أحد، والرابعة نفخة إفاقة من هذا الغشي، هكذا حكاه الحافظ ابن حجر في الفتح، ثم تعقب كلامه فقال: وهذا الذى ذكره من كون الثنتين أربعاً لبس بواضح، بل هما نفختان فقط، ووقع التغائر في كل وحدة منهما باعتبار من يسمعها، فالأولى يموت بها كل من كان حياً ويغشى على من لم يمت استثنى الله، والثانية يعيش بها من مات ويفيق بها من غشى عليه، انتهى. قلت: وحكى صاحب البحر النفخات اثنتان، وحكى صاحب الجمل عن ابن الوردي إنها ثلاثة، وبسط أحوال الثلاثة مفصلة، وقال القاضي كما حكاه النووي: إن حديث الباب من أشكال الأحاديث لأن موسى مات فكيف تدركه الصعقة وإنما تصعق الأحياء، ثم أجاب عنه بأنه يحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماوات والأرض، فتنتظم حينئذ الآيات والأحاديث، انتهى.
أولاهما يفنى فيهما كل شيء من العرش والكرسي والجنة والنار والأرواح وغيرها، والثانية يقوم بها كل شيء، ثم بعد ذلك نفخة حين يتجلى الرب سبحانه للحساب يصعق بها من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وهذه هي التي استثنى من الصعق بها أشياء، وهذه الصعقة ليخفى عليهم تجليه سبحانه فإنهم لم يطيقوه، ثم الثانية فإذا هم قيام ينظرون، وهذه بعد التجلي، وهاتان هما المذكورتان في سورة الزمر.
قوله: [فقد كذب] لأن الأنبياء (1) كلهم سواسية في نفس النبوة، أو لأن كل نبي أياً ما كان خير من أمتي أياً ما كان.
قوله: [أورثتموها إلخ] فإن (2) توريثهم إياها مستلزم دوامهم فيها، وهذه
(1))) وعلى هذا فضمير المتكلم للنبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده حديث عبد الله بن جعفر عند الطبراني بلفظ: لا ينبغي لنبي أن يقول إلخ، وعلى الثاني للعبد، قال في المجمع: لرواية لعبد، وهو على الأول قبل أن يعلم فضله، أو للزجر عن تخيل جاهل حط رتبته بقوله: إذا أبق، أو لا يقوله جاهل مجتهد في العبادة والعلم ونحوهما، فإنه لا يبلغ مبلغ نبوه يونس وإن ذكر بكونه مكظوماً وملوماً، انتهى.
(2)
)) لعل المصنف ذكر الحديث في هذه السورة قوله تعالى: «وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين» وإلا فقوله تعالى: «وتلك الجنة التي أورثتموها، الآية في سورة زخرف، والأوجه أنه ذكره ها هنا لما أنه تفسير لقوله تعالى: «وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فأدخلوها خالدين» فالحديث تفسير لنداء الخزنة.
العوارض من أسباب الموت، فإذا انتفى الموت دواعيها، ثم قوله:«بما كنتم تعملون» موهم سببية الأعمال لدخول الجنة مع أن المناط هو الفضل (1) كما هو
(1))) كما صرحت بذلك الروايات الكثيرة: منها ما أخرجه البخاري برواية أبى هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: لن ينجى أحداً منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتعمدني الله برحمته، الحديث.
وبرواية عائشة مرفوعاً بلفظ: لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وفي رواية عنها بلفظ: فإنه لا يدخل أحداً الجنة عمله، قالو: ولا أنت يا رسول الله؟ الحديث.
قال ابن بطال في الجمع بين الحديث والآية ما محصله: أن تحمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها، ثم أورد على الجواب قوله تعالى:«أدخلوها بما كنتم تعملون» فصرح بأن دخول الجنة أيضاً بالأعمال، وأجاب بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير: أدخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، وقال ابن الجوزي: له أربعة أجوبة: الأول أن التوفيق للعمل من رحمة الله، ولولا رحمة الله ما حصل الأيمان ولا الطاعة، الثاني أن منافع العبد لسيده فعمله مستحق لمولاه، فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله، الثالث، دخول الجنة بالرحمة واقتسام الدرجات بالأعمال، الرابع أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير والثواب لا ينفد، فالأنعام الذى لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال، وقال الكرماني: الباء في قوله تعالى: «بما كنتم تعملون» ليست للسببية، بل للإلصاق أو المصاحبة أو المقابلة نحو أعطيت الشاة بدرهم، وبهذا الأخير جزم الشيخ جمال الدين في المغنى، وسبقه إلى ذلك الشيخ ابن القيم، إلى آخر ما بسطه الحافظ في الفتح.
مسلم عند الجماعات ومصرح في الروايات، والجواب أن إعطاء أمثال هذه النعم الجليلة على تلك التكاليف القليلة ومنة، ثم إن التوفيق بكسبها والأقدار على تحصيلها مكرمة ورحمة، ثم إن قبولها مع ما فيها من النقص وشوائب الرياء وتقصير في الإتيان على حسبها عطوفة وشفقة، ففي كل ذلك وإن كانت الطاعات سبباً ظاهرياً إلا أن الأمر حقيقة إلى المنة والفضل.
قوله: [فأين الناس يومئذ] ليس بمربوط بما سبق من كون الأرض (1) قبضته والسماوات مطويات بيمينه، بل هو مرتبط بما لم يذكره (2) الراوي ها هنا، أي جرى بيت يديه صلى الله عليه وسلم ذكر حتى أن سألته، ولعلها سألت حسب ما سألت فيما سبق (3) عند قوله صلى الله عليه وسلم قولاً يتعلق بتبديل الأرض
(1))) ولعل ذلك لما أن السماوات والأرض كلها إذا صارت مقبوضة ومطوية بيمينه عز اسمه فأي مانع من أن يكون الناس أيضاً هناك، فلأوجه لأشكال عائشة، لكن الروايات بأسرها مقتصرة علي هذا المعنى، فتأمل. والقصة التي أشار إليها الترمذي لعلها هي التي ذكرها الحاكم من سعة جهنم.
(2)
)) ورأيت في بعض تقارير القطب الكنكوهي أن منشأ سؤالها ما ورد في بعض الروايات أن تكون الأرض خبزة واحدة نزلاً لأهل الجنة، فلعلها ظنت أنها تخبز قبل دخولها الجنة إذ يأكلونها في أول دخولهم، فسألت أينما يكون الناس إذ تخبز.
(3)
)) إشارة إلى ما سبق في تفسير سورة إبراهيم عن مسروق، قال: تلت عائشة هذه الآية «يوم تبدل الأرض غير الأرض» قالت: يا رسول الله فأين يكون الناس؟ قال: على الصراط، ثم اختلفوا في التبديل هل هو باعتبار الذات أو الصفات، وعليه بنى الاختلاف في أرض المحشر هل هي أرض الدنيا بتبديل بعض الصفات من بسط الجبال وغيرها، أو هي أرض غيرها بتبديل الذات، بسطه الحافظ في الفتح، وقال الشيخ في إنجاح الحاجة على هامش حديث عائشة: الظاهر من التبديل ها هنا تغير الذات كما يدل عليه السؤال والجواب، انتهى. ثم قال الحافظ: الحديث أخرجه مسلم عن عائشة أنها سألت أين يكون الناس حينئذ؟ قال: على الصراط، وفي رواية الترمذي: على جسر جهنم، ولأحمد من طريق ابن عباس عن عائشة، قال: على متن جهنم، وأخرج مسلم أيضاً عن ثوبان مرفوعاً: يكونون في الظلمة دون الجسر، وجمع البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط، وأن قوله على الصراط مجاز لكونهم يجاوزونه، لأن في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها، وكان ذلك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى ارض الموقف، انتهى.