الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأنا لم نحكم بالقبول حتى يورد ما يورد بل بالصحة، والصحة والقبول بينهما بون لا يخفي.
[سورة النور]
قوله [يحمل الأسرى] أي) (1) الذين يوثقهم أوليائهم لإسلامهم خوفاً منهم أن يفروا إلى المدينة. قوله [وسلكت الخندمة] جبل (2) في غير طريق المدينة، وإنما لم يأت إلى طريق المدينة لبعد الجبل ثم.
(1) هذا هو الظاهر من بعض ألفاظ الروايات في هذه القصة، ويحتمل أن يكون المراد الذين أسرهم أهل مكة في المغازي.
(2)
قال ياقوت الحموي في المعجم: بفتح أوله جبل بمكة، كان لما ورد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح جمع صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو جمعاً بالخندمة ليقاتلوه، وكان حماس بن قيس قد أعد سلاحاً فقالت له زوجته: ما تصنع بهذا السلاح؟ فقال: أقاتل به محمد وأصحابه. فقالت: والله ما أرى أن أحداً يقوم لمحمد وأصحابه، فقال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، خرج فقاتل مع من بالخندمة من المشركين، فمال عليهم خالد بن الوليد فقتل بعضهم وانهزم الباقون، وعاد حماس منهزماً وقال لامرأته: أغلقي على بابي، فقالت: أين ما كنت تقول؟ فأنشد ما في المعجم، وفي القصة حجة لمن قال: فتحت مكة عنوة.
قوله [فجعلت أحمله ويعييني (1)] لعجزه عن المشي وثقل جسمه.
[حتى نزلت: الزاني إلخ] فقيل (2): الآية منسوخة، وقيل: بل المعنى
(1) من الإعياء أي يتعبني ثقله، وكان ثقيلاً كما في حديث الباب، ولا يقدر على المشي لكونه مقيداً.
(2)
اختلف في الآية على خمسة أقوال بسطت في البذل وغيره، أحدها أنها منسوخة والناسخ عموم قوله تعالى:«وأنكحوا الأيامى منكم، وعلى هذا أكثر العلماء، يقولون: من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها، قال الشافعي: القول في الآية كما قاله سعيد بن المسيب إن شاء الله أنها منسوخة، قال ابن رشد: اختلفوا في زواج الزانية، فأجازها الجمهور، ومنعها قوم، وسبب ذلك اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: «وحرم ذلك على المؤمنين» هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم، وهل الإشارة في قوله تعالى «وحرم ذلك» إلى الزنا أو إلى النكاح، وللجمهور ما جاء في حديث ابن عباس أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم في زوجته: إنها لا ترد يد لامس، الحديث. وقال قوم أيضاً: إن الزنا يفسخ النكاح على هذا الأصل، انتهى. القول الثاني أن النكاح في الآية هو الوطى، ورجحه ابن جرير الطبري إذ قال بعد ما سرد الأقوال والروايات: وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عنى بالنكاح الوطى، وأن الآية نزلت في بغايا المشركات ذوات الرايات، وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على كل مشرك، وان الزاني من المؤمنين حرام عليه كل مشركة، فمعلوم أنه لم يعن بالآية أن الزاني من المؤمنين لا ينكح إلا بزانية أو مشركة. والثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية بجلودة أو مشركة، والرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه ما كسبته من الزنا، الخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف، ورجحه ابن القيم وبسطه وقال: لا يعارض ذاك حديث ابن عباس المذكور فإنه في الاستمرار على نكاح الزانية والآية في ابتداء النكاح، فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته، ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية، انتهى. قلت: وعامة المفسرين على أن اللفظ وإن كان عاماً لكن المراد منه الأعم الأغلب، والمعنى الغالب أن الفاسق الخبيث الذي يعتاد الزنا لا يرغب في نكاح الصالحة العفيفة، بل في نكاح مثله الزانية أو الشركة. قلت: وهذا مجرب مشاهد.
على التنزيه (1) بمعنى أنه لا ينبغي ذلك، والصحيح أنها باقية (2) على تحريمها، فإن النكاح بالزاني للصالحة وكذا بالزانية للصالح حرام لكنه موجباً تودد الفسقة (3)
(1) وإليه مال البيضاوي إذ قال: الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح، والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء، فإن المشاكلة علة الألفة والتضام، والمخالفة سبب النفرة، وحرم ذلك على المؤمنين، لأنه تشبه بالفساق، وتعرض للتهمة، وتسبب لسوء المقالة والطعن في النسب، وغير ذلك من المفاسد، ولذاك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة، انتهى.
(2)
فإن قيل: هذا يخالف المذهب في البذل: مذهب الحنفية في ذلك هو ما قاله الجمهور أن الزانية لا يحرم نكاحها على الزاني ولا على غيره، وكذلك لا يحرم نكاح الزاني بالمؤمنة ولا بالزانية، انتهى. قلت: مبني كلام الشيخ بقاء التحريم لعارض وهو التودد، والحاصل أنها منسوخة في حق النكاح من حيث هو لكن باقية على التحريم الكون النكاح موجباً للتودد، والتودد مع الفسقة لا يجوز.
(3)
وقد قال عز اسمه: «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، الآية، «ويوم يعض الظالم على يديه» الآية، وفيها «يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً» وأخرج أبو داود عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا، اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكبله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ثم قال:«لعن الذين كفروا من بني إسرائيل» إلى قوله: «فاسقون» ثم قال: والله لتأمرن بالمعروف، الحديث.
والزناة، فإن الرجل إذا نكح زانية وهي على حالها ولم تتب عما كانت تقترفه فإنه يكون ديوثاً ويكون محباً للفاسقة ومخالطاً لها، والمخالطة حرام، وكذلك من جانب المرأة، فإنها لما قدرت أن لا تنكحه ثم نكحت فإنها صارت مخالطة للفاسق في المؤاكلة والمشاربة والجامعة باختيارها فكانت ارتكبت حراماً، وأما إذا تابا فليسا بزانيين، فإن اسم الفاعل حقيقته لمن قام به الفعل في الحال، وأما من كان اتصف به أو سيتصف فهو مجاز.
قوله [أيفرق بينهما] أم التفريق (1) هو اللعان نفسه، أم لا يجب التفريق بل هما على ما كانا عليه من الزوجية. قوله [ابن جبير أدخل] بحذف حرف النداء.
(1) عطف على قوله أيفرق، والسؤال يتضمن ثلاث صور: يعنى هل يحتاج اللعان إلى تفريق القاضي أم لا، والثاني يتضمن صورتين أظهرهما الشيخ في كلامه، الأول لا يحتاج إلى التفريق بل اللعان بنفسه هو الفرق بينهما، والثاني لا يحتاج إلى تفريق القاضي ولا يكون اللعان فرقة بينهما، بل هما باقيان على نكاحهما كما كانا قبل اللعان، ومذهب الحنفية في ذلك ما في البذل عن البدائع اختلف العلماء في حكم اللعان، فقال أصحابنا الثلاثة: هو وجوب التفريق ما داما على حال اللعان لا وقوع الفرقة بنفس اللعان من غير تفريق الحاكم حتى يجرى التوارث بينهما قبل التفريق، وقال زفر والشافعي: هو ونوع الفرقة بنفس اللعان، إلا أن عند زفر لا تقع الفرقة ما لم يلتعنا، وعند الشافعي تقع الفقرة بلعان الزوج قبل أن تلتعن المرأة، انتهى.
قوله [فلم يجنبه] وكان الشارع نهاهم أن يضعوا (1) المسائل ويسألوه عنها، فخاف (2) السائل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن جوابه لسخطه عليه وظن
(1) يعنى كان نهاهم أن يستفتوا من الأسئلة الموضوعة الفرضية، وفي الدر برواية الحاكم وغيره عن أبي ثعلبة الخنسي رفعه أن الله حد حدوداً فلا تعتدوها، الحديث. وفيه: وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة منه لكم، فاقبلوها ولا تبحثوا عنها، وبرواية أحمد وغيره من أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع على جمل آدم فقال: يا أيها الناس خذوا العلم قبل رفه، قال: وكنا نهاب مسالته بعد تنزيل الله الآية «لا تسألوا عن أشياء» الحديث. وفي جمع الفوائد عن ابن عمر: وقد سئل عن شيء. فقال: لا تسأل عما لم يكن، فإني سمعت عمر يلعن من سال ما لم يكن، ولفظ البخاري من حديث سهل بن سعد: كره رسول صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، وبسط الحافظ وجه الكرامة، وذكر من حديث جابر ما نزلت آية اللعان إلا لكثرة السؤال، أخرجه الخطيب.
(2)
وتقدم في كتاب اللعان ما قال الشيخ: سكت النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يعلم حكمه، أو علم أن صورة المرأة فرضية، انتهى. قلت: ويؤيد الأول ما في رواية أبي داود عن ابن مسعود فقال -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان.
سؤاله فرضاً غير واقع، فلذلك حضر وقال: إن الذي سألتك ليس بوضع أو تقدير، وإنما سؤالي لابتلائي بها.
قوله [ثم فرق بينهما] وفي ذلك (1) الجواب أنهما لا يتركان بل يفرقان، وليس اللعان تفريقاً. قوله [إنها موجبة] أي توجب مقتضاها ومؤداها أي تكون سبب غضب الله سبحانه.
قوله [فقالت: لا انفضح قومي سائر اليوم] لا يقال: كان في قولها ذلك دلالة على صدق الرجل، فكيف لم يكتفوا بذلك على تصديقها إياه، لأن الكلام يحتمل معنيين فلا يعين أحدهما، أي أفأكذب لإرضاء زوجي واصدقه على خلاف الواقع وأفضح قومي ولا افعله، أو المعنى أفأصدق وأصدق زوجي وأفضح قومي، ففي الأولى ليس إقرار بالزنا، وإن كانت فضيحة القوم متحققة فيها أيضاً، بخلاف الثانية فإن فيها اعترافاً بالزنا، فلما لم يكن الكلام نصاً في الإقرار لم يحمل عليه.
قوله [لولا ما مضى إلخ] أي لولا (2) أن الله في حكم مثل هذه
(1) والحديث مكرر بهذا السند والان تقدم في اللعان.
(2)
وقريب منه ما قاله القاري إن قوله من كتاب الله بيان لما، أي لولا ما سبق من حكمه بدره الحد عن المرأة بلعانها لكان لي ولها شان في إقامة الحد عليها، أو المعنى لولا أن القرآن حكم بعدم الحد على المتلاعنين وعدم التعزير لفعلت بها ما يكون عبرة للناظرين. قال الطيبي: وفي ذكر الشأن وتنكيره تهويل وتفخيم لما كان يريد أن يفعل بها لتضاعف ذنبها، وفي الحديث دليل على أن الحاكم لا يلتفت إلى المظنة والأمارات، وإنما يحكم بظاهر ما تقتضيه الحجج والإيمان، وأن لعان الرجل مقدم على لسان المرأة لأنه مثبت وهذا دارئ، والدرء إنما يحتاج إليه بعد الإثبات، انتهى.
القصة بالملاعنة فحسب لعزرت المرأة. قوله [وما علمت به] نفي والفعل متكلم (1). قوله [وأبنوا بمن (2)] استفهامية، ولا يمتع حمله على الموصولية.
قوله [إلا وأنا حاضر] فلو أنه كان يدخل بغير مشهده صلى الله عليه وسلم أو يقيم في المدينة حين يغيب النبي صلى الله عليه وسلم لكان للظنة إمكان وأما إذا فلا.
(1) قال الحافظ: ظاهر هذا الحديث يشعر بأن السؤال والخطبة وقعا قبل أن تعلم عائشة بالأمر فإن أول هذا الحديث: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فذكر قصة الخطبة، ولفظ حديث البخاري في التفسير: لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب وأسامة بن زيد، الحديث. ظاهره أن السؤال وقع بعد ما علمت بالقصة لأنها عقبت بكاءها تلك الليلة بهذا، ثم عقبت بالخطبة، ويمكن الجمع بأن الفاء في قوله: فدعا على بن أبي طالب، عاطفة على شيء محذوف تقديره: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك سمع ما قيل فدعا عليا، انتهى بتغير.
(2)
قال الحافظ: هو بفتح الموحدة الخفيفة والنون المضمومة، وحكى عياض آن في رواية بتشديد الموحدة وهي لغة، ومعناه: عابوا أهلي واتهموا أهلي، وهو المعتمد، لأن الابن بفتحتين التهمة، وقال ابن الجوزي: المراد رموا أهلي بالقبيح، وحكي عياض أن في رواية بتقديم النون الثقيلة على الموحدة، قال: وهو تصحيف، لأن التأنيب هو اللوم الشديد ولا معنى له هاهنا، وقال النووي: قد يوجه بأن المراد لاموهم أشد اللوم فيما زعموا أنهم صنعوه وهم لم يصنعوا شيئاً من ذلك، لكنه بعيد. من صورة الحال، والأول هو المعتمد، قال النووي: التخفيف أشهر، انتهى ما في الفتح.
قوله [وقام رجل من الخزرج] وهو سعد بن عبادة، وإنما، حمله (1) على ذلك ما ظن أن سعد بن معاذ إنما قال ذلك لكونه من الأوس، وكان ابن أبي من الخزرج، وكذلك حسان بن ثابت كان ابن أخت الخزرج، فظن سعد عبادة أن سعد بن معاذ بقول ذلك لما في الأوس والخزرج من المعاداة القديمة، ولم يلتفت أنه إنما يقول: لأجل النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) وبذلك جزم الحافظ في الفتح إذ قال: وقد بينت الروايات الأخرى السبب الحامل لسعد بن عبادة على ما قال، في رواية ابن إسحاق: فقال سعد بن عبادة: ما قلت هذه المقالة إلا أنك علمت أنهم من الخزرج، وفي رواية ابن حاطب: فقال سعد بن عبادة: يا ابن معاذ والله ما بك نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها قد كانت بيننا ضغائن في الجاهلية وأحن لم تحلل لنا من صدوركم، قال ابن معاذ: الله اعلم ما أردت، إلى آخر ما ذكره الحافظ. ولا يذهب عليك ما ذكر عياض أن في ذكر سعد بن معاذ في هذا الحديث إشكالاً لم يتكلم الناس عليه، ونبهنا عليه بعض شيوخنا أن الإفك كان في المريسيع سنة ست، وسعد بن معاذ مات من الرمية التي رميها بالخندق، فدعا الله فأبقاه حتى حكم في بني قريظة، ثم انفجر جرحه فمات منها، وكان ذلك سنة أربع، فلا يصح ذكر سعد بن معاذ في هذه القصة، والأشبه أنه غيره، ولذا لم يذكره ابن إسحاق في رواته وجمل المراجعة بين أسيد بن حضير وبين سعد بن عبادة، وقال لي بعض شيوخنا: يصح أن يكون سعد موجوداً في المريسيع بناء على الاختلاف في تلونح غزوة المريسيع، ثم بسط الحافظ في الجواب مبناه اختلافهم في التواريخ، وحكى عن البيهقي أنه يجوز أن يكون جرح سعد بن معاذ لم ينفجر عقب الفراغ من بني قريظة بل تأخر زماناً ثم انفجر بعد ذلك، وتكون المراجعة في قصة الإفك في أثناء ذلك.
قوله [تعس مسطح] وكانت عادتهم الدعاء على العدو إذا أصابت نكبة، وكانت أم مسطع (1) ساخطة عليه لما ارتكب الذي ارتكب، وفي الحديث دلالة على الأمر للكبار إذا خالفوا الشريعة في أمر، فإن عائشة رضي الله عنها كانت صغيرة جداً منها، ومع ذلك فقد نهتها عن سب الصحاب، وأيضاً ففيه دلالة على أن الأمر في الأول يكون بلطف وفي الثاني فوق ذلك، ويجور في الثالثة النهر (2) والغضب في الكلام، وإن لم ينته المأمور فللآمر ضربه في الرابعة إن قدر عليه.
قوله [وكان الذي خرجت له إلخ] إن كان هذا بعد عودها (3) عن قضاء
(1) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات، قيل: اسمها سلمى ابنة أبي رهم -بضم الراء وسكون الهاء- ابن المطلب بن عبد مناف، وأمها رائطة بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، كما في رواية البخاري مع زيادة عن الفتح.
(2)
قال الحافظ: في رواية هشام أنها عثرت ثلاث مرات وإنها انتهرتها في الثالثة، وعند الطبراني: فقلت: أتسبين ابنك وهو من المهاجرين الأولين، قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون قول أم مسطح هذا عمداً لتتوصل إلى إخبار عائشة بما قيل فيها وهي غافلة، ويحتمل أن يكون اتفاقا أجراه الله على لسانها لتستفظ عائشة من غفلتها عما قيل فيها. وبقرت بموحدة وقاف خفيفة أي أعلمتنيه، ونقرت بنون وقاف ثقيلة أي شرحته، انتهى.
(3)
وكلا الاحتمالين مؤيد بالروايات، فلفظ البخاري في التفسير: فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح، الحديث.
قال الحافظ: ظاهره أنها عثرت بعد أن قضت عائشة حاجتها، ثم أخبرتها الخبر بعد ذلك، لكن في رواية هشام أنها عثرت قبل أن تقضى عائشة حاجتها وأنها لما أخبرتها الخبر رجعت كأن الذي خرجت له لا تجد منه لا قليلاً ولا كثيراً، وكذا وقع في رواية ابن إسحاق، قالت: فوالله ما قدرت أن أقضي حاجتي، وفي رواية أبي أويس: فذهب على ما كنت أجد من الغائط ورجعت عودي على بدني، وفي حديث ابن عمر: فأخذتي الحمى وتقلص ما كان مني، ويجمع بينهما بأن معنى قولها قد فرغنا من شأننا أي من شأن المسير لا قضاء الحاجة
حاجتها المعنى أنى ولهت حتى لم ادر لم خرجت وما أتاني عن بيتي حتى صرت مبهوتاً (1)، وإن كان قبل أن تقضى حاجتها فالمعنى لم يبق لي شيء من الذي كنت خرجت له أي صرت لا أجد لي ثقلاً ولا ضرورة إلى قضاء الحاجة، وهذا في العادة كثير.
وقوله [ووعكت] وكانت رضي الله عنها مرضت قبل هذا فبرئت من مرضها إلا أنها كانت ناقهة بعد (2)، فلما سمعت ذلك حمت لشدة الهم
(1) وعند الطبراني بإسناد صحيح عن عائشة قالت: لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليباً فأطرح نفسي فيه، وأخرجه أبو عوانة أيضاً، كذا في الفتح.
(2)
ولفظ البخاري في التفسير: ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت خرجت مع أم مسطع، الحديث. قال الحافظ: بفتح القاف وقد تكسر، والأول أشهر، والناقه بكسر القاف الذي أفاق من مرضه ولم تتكامل صحته، وقيل: إن الذي بكسر القاف بمعنى فهمت، لكنه هنا= =لا يتوجه لأنها ما فهمت ذلك إلا فيما بعد، وقد أطلق الجوهري وغيره أنه بفتح الكاف وكسرها لغتان في برأ من المرض ودو قريب العهد لم يرجع إليه كمال صحته، انتهى.
قوله [فإذا هي لم يبلغ إلخ] أي لما أخذت أمي تخفف (1) عني وتسليمي علمت أن الحديث لم يدهمها كما دهمني ولم تغتم منه كاغتمامي. قوله [واستعبرت] أي جرت دموعي (2) حتى ارتفع بكائي فسمعه أبي
قوله [إلا رجعت إلى بيتك] استثناء من نفي مقدر، أي لا تفعلي شيئاً دون الرجوع، وذلك لئلا تثبت عليها الريبة في غيبتها عن بيت زوجها، فيقول كل قائل
(1) قال الحافظ: فيه من فطنة أمها وحسن تأنيها في تربيتها ما لا مزيد عليه، فأنها علمت أن ذلك يعظم عليها فهونت عليها الأمر بإعلامها بأنها لم تنفرد بذلك، لأن المرأ يتأسى بغيره فيما يقع له، وأدمجت في ذلك ما تطيب به خاطرها من أنها فائقة في الجمال والحظوة، وذلك مما يعجب المرأة أن نوصف به مع ما فيه من الإشارة إلى ما وقع من حمنة بنت جحش، وأن الحامل لها على ذلك كون عائشة ضرة أختها زينب بنت جحش، وعرف من هذا أن الاستثناء في قولها إلا اكثرن عليها متصل، لأنها لم تقصد وقصتها بعينها بل ذكرت شان الضرائر، وأما ضرائها هي فإنهن وإن كن لم يصدر منهن في حقها شتى مما يصدر من الضرائر لكن لم يعدم ذلك ممن هو منهن بسبيل كما وقع من حمنة، لأن ورع أختها منعها من القول في عائشة كما منع بقية أمهات المؤمنين، وإنما اختصت زينب بالذكر لأنها التي كانت لا تضاهي عائشة في المنزلة، انتهى.
(2)
قال الحافظ: وفي رواية هشام فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فرق البيت يقرأ، فقال لأمي: ما شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذكر من شانها، ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك، وفي رواية معمر عند الطبراني: فقالت أمي: لم تكن علمت ما قيل لها، فأكبت تبكي ساعة، ثم قال: اسكتي يا بنية.
وآش ما شاء، وأما إذا كانت بحضرة من زوجها لا يكون له إلى إساءة الظن بها سيل، وأيضاً فان أبا بكر رضي الله عنه خاف أن يلحق إليه بذلك شيء من جبهة النبي صلى الله عليه وسلم (1) من الكرامة والسخط، إذ يعلم بذلك حمايته لها.
قوله [أسقطوا لها به] أي أغلظوا (2) لها في الكلام وأسمعوها سقطه
(1) ولذا ما قالت له عائشة: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: ما أدري ما أقول، قال الحافظ: إنما أجابها أبو بكر بقوله: لا ادري، لأنه كان كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاب بما يطابق السؤال، ولأنه وإن كان يتحقق براءتها لكنه كره أن يزكى ولده، وكذا الجواب عن قول أمها: لا أدري، وفي رواية أبي أويس: فقلت لأبي: اجب، فقال: لا أفعل، هو رسول الله والوحى يأتيه، انتهى.
(2)
قال الحافظ: يقال: أسقط الرجل في القول إذا أتى بكلام ساقط، والضمير في قوله (به) للحديث أو للرجل الذي اتهموها به، وحكي عياض أن في رواية لمسلم: حتى أسقطوا لهاتها بمثناة مفتوحة وزيادة ألف بعد الهاء، قال: وهو تصحيف لأنهم لو أسقطوا لهاتها لم تستطع الكلام، والواقع أنها تكلمت، وفي رواية عند الطبراني: فقال: لست عن هذا أسالك، قالت: فعمه؟ فلما فطنت قالت: سبحان الله، وهذا يدل على أن المراد بقوله: حتى اسقطوا لها به حتى صرحوا لها بالأمر، فلذا تعجبت، وقال ابن الجوزي: اسقطوا لها به أي صرحوا لها بالأمر، وقيل: جاءوا في خطابها بسقط من القول، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون من قولهم: سقط إلى الخبر إذا علمته، فمعناه ذكروا لها الحديث وشرحوه، انتهى ولا يذهب عليك أن ما في الروايات من تسمية هذه الجارية المسئولة ببريرة حكموا عليه بالوهم، لأن قصتها كانت بعد فتح مكة وهذه قبلها بمدة، وأجيب بأنه يحتمل أن تكون بربرة تخدم عائشة وهي في رق مواليها، أو أن اسم هذه الجارية وافق باسم بريرة التي وقع لها التخيير، وجزم البدر الزركشي أن تسمية الجارية ببريرة مدرج من بعض الرواة وأنها جارية أخرى، وأخذه من ابن القيم، فإنه قال: تسميتها ببريرة وهم من بعض الرواة، فإن عائشة إنما اشترت بربرة بعد الفتح. قال الحافظ: وأجاب غيره بأنها كانت تخدم عائشة بالأجرة وهي في رق مواليها قبل وقوع قصتها في المكاتبة، وهذا أولى من دعوى الأدراج وتغليط الحفاظ، انتهى.
بالذي قالته من تبرئتي. قوله [ما يعلم الصائغ إلخ] أي البراءة والخلوص عن العيب. قوله [ذلك الرجل الذي قيل له] أي صفوان. قوله [ما كشفت كنف أنثى] أي في الحرام (1) لا في الجاهلية ولا في الإسلام.
(1) وإليه مال القرطبي إذ جمع بينه وبين حديث أبي سعيد عند أبي داود والحاكم وغيرهما أن امرأة صفوان بن المعطل جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي يضربني إذا صليت، الحديث، وفيه أما قولها: يفطرني إذا صمت. فأنا رجل شاب لا أصبر، فقال القرطبي: إن مراده بقوله: ما كشف كنف أنثى قط أي بينا، انتهى. وقال البزار لحديث أبي سعيد: هذا الحديث كلامه منكر، وليس للحديث عندي أصل، وتعقب الحافظ كلامه وجزم بأن للحديث أصلاً ورجاله رجال الصحيح، وتعقب أيضاً كلام القرطبي بما في رواية سعيد بن أبي هلال عن هشام فيها: لما بلغه الحديث قال: والله ما أصبت امرأة حلالاً ولا حراماً، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني: وكان لا يقرب النساء، قال الحافظ: فالذي يظهر أن مراده بالنفي المذكور ما قبل هذه القصة، ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك، فهذا الجمع لا اعتراض عليه إلا بما جاء عن ابن إسحاق أنه كان حصوراً لكنه لم يثبت، فلا يعارض الحديث الصحيح، ولا يذهب عليك ما قال الحافظ في التفسير أن الحجاب كان قبل الإفك، وأمليت في الوضوء أن قصة الإفك وقعت قبل الحجاب وهو سهو والصواب بعد نزول الحجاب، فليصلح هناك، انتهى.
قوله [قارنت سوءًا] هو ما دون الجماع، وأراد بالظلم نفسه نعوذ بالله من نسبتهما إليها.
قوله [وهي جالسة بالباب] لمكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في البيت، وكانت أتت لتسلى عائشة وتهون شيئاً ما تلاقيها. قوله [إلا أبا يوسف] لأنه كان مثل في الحيرة والتردد فيما يقول، إن يصدقهم فليس له علامة ودليل، وإن يكذبهم فإنهم ليسوا بمسلمين (1) كذبهم، فلم يكن له بد مثلى من أن يقول: فصير جميل إلخ.
قوله [فكنت أشد ما كنت غضباً] لأنها كانت من أول الأمر مجتهدة في تبرئتها، وأما إذا برئت عاتبتهم (2) على فعلهم.
(1) من التسليم، أي لا يسلم أولاد يعقوب كذبهم ولا يقبلونه.
(2)
ففي رواية البخاري: فكان أول كلمة تكلم بها: يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك، فقالت أمي: قومي إليه، قالت: فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل، قال الحافظ: وفي رواية صالح: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمد إلا الله الذي أنزل براءتي، وفي رواية الطبري من هذا الوجه: أحمد الله لا إياكما، وفي رواية ابن جريج: فقلت: بحمد الله وذمكما، وفي رواية ابن حاطب: = =والله لا نحمدك ولا نحمد أصحابك، وفي رواية مقسم والأسود وكذا في حديث ابن عباس: ولا نحمدك ولا نحمد أصحابك، وزاد في رواية الأسود عن عائشة: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانتزعت يدى منها، فنهرني أبو بكر، وعذرها في إطلاق ذلك ما خامرها من الغضب من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ما قال مع تحققهم من حسن طريقتها، قال ابن الجوزي: إنما قالت ذلك إدلالاً كما يدل الحبيب على حبيبه، ويحتمل أن تكون مع ذلك تمسكت بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم لها: أحمدي الله، فهمت منه أمرها بإفراد الله تعالى بالحمد فقالت ذلك، وما أضافته إليه من الألفاظ المذكورة كان من باعث الغضب، انتهى.
قوله [أمر برجلين وامرأة] حسان ومسطح وحمنة رضي الله عنهم، وأما المنافق عبد الله بن أبي فلا يذكر (1) هل حد أم لا، وعلى الثاني فالظاهر أنه نشر الحديث لخبثه بحيث لا يكون نسبته إليه واضحاً فسلم، وقيل: لم يحد لخوف الفتنة.
(1) أي في الروايات المشهورة، وإليه مال ابن القيم وابن بطال وغيرهما، قال الحافظ: وعند أصحاب السنن من طريق محمد بن إسحاق بسنده عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف على الذين تكلموا بالإفك، لكن لم يذكر فيهم عبد الله بن أبي، وكذا في حديث أبي هريرة عند البزار، وبني على ذلك صاحب المدى فأبدى الحكمة في ترك الحمد على عبد الله بن أبي، وفاته أنه ورد أنه ذكر أيضاً فيمن أقيم عليه الحمد، ووقع ذلك في رواية الحاكم في الإكليل، وفيه رد على الماوردي حيث صحيح أنه لم يحدهم مستنداً إلى أن الحد لا يثبت إلا بينة أو إقرار، ثم قال: وقيل: إنه حدهم، وما ضعفه هو الصحيح المعتمد، وقال أيضاً: في الحديث تأخير الحد عمن يخشى من إيقاعه به الفتة، نبه على ذلك ابن بطال مستنداً إلى أن عبد الله بن أبي كان ممن قذف عائشة ولم يقع في الحديث أنه ممن حد، وتعقبه عياض بأنه لم يثبت أنه قذف بل الذي ثبت أنه كان يستخرجه ويستوشيه، قال الحافظ: وقد ورد أنه قذف صريحاً، وقع ذلك في مرسل سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم وغيره، وفي مرسل مقاتل بن حيان عند الحاكم في الإكليل بلفظ: فرماها عبد الله بن أبي، وفي حديث ابن عمر عند الطبراني بلفظ أشنع من ذلك، وورد أيضاً أنه ممن جلد الحد، وقع ذلك في رواية أبي أويس عن الحسن بن زيد وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهما مرسلاً، أخرجه الحاكم في الإكليل، فإن ثبتا سقط السؤال، وإن لم يثبتا فالقول ما قال عياض، فإنه لم يثبت خبر بأنه قذف صريحاً ثم لم يحد، انتهى. وقال الشيخ ابن القيم: ولما جاء الوحي ببراءتها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن صرح بالإفك فحدوا ثمانين ثمانين، ولم يحد الخبيث عبد الله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك، فقيل: لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة والخبيث ليس أهلاً لذلك، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، فيكفيه ذلك عن الحد. وقيل: بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه ويخرجه في قوالب من لا ينسب إليه، وقيل: الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو بينة وهو لم يقر بالقذف ولا شهد به عليه أحد، فإنه إنما كان يذكره بين أصحابه ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكره بين المؤمنين، وقيل: حد القذف حق الآدمي لا يستوفي إلا بمطالبته، وإن قيل: إنه حق الله فلا بد من مطالبة المقذوف وعائشة لم تطالب به ابن أبي، وقيل: ترك حده لمصلحة هي أعظم من إقامته كما ترك قتله مع ظهور نفاقه وتكلمه بما يوجب قتله مراراً، وهي تأليف قومه وعدم تنفيرهم عن الإسلام، فإنه كان مطاعاً فيهم رئيساً عليهم فلم يؤمن إثارة الفتنة في حده، ولعله ترك لهذه الوجوه كلها، فجلد مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، وهؤلاء ومن المؤمنين الصادقين تطهيراً لهم وتكفيراً، وترك عبد الله بن أبي إذاً فليس هو من أهل ذاك، انتهى.