الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة التوبة]
قوله [ووضعتها في السبع الطول] يعني أن ترك البسملة لعدم القطع بكونهما سورتين، وترك الفرجة لعدم القطع بكونهما سورة، ثم الوضع في الطول (1)
(1) وقد تقدم في فضل الفاتحة ما هو المشهور عند أهل الفن أن أول القرآن السبع الطول، ثم المئون، ثم المثاني، ثم المفصل.
فلأنهما إن كانتا سورتين فلا حرج في وضعهما هناك فقد تخلل في المئين بعض المثانى كالحجر والرعد، وإن كانتا سورة واحدة فهي في محله، بخلاف ما لو وضعته في المثاني، فان وضعها ثمة لم يكن موافقا، فلذلك أخرته عن الطول وقدمته على المئين لأجل الشبهة في كون كل منهما يقيناً.
قوله [أي يوم أحرم] على زنة التفضيل الله (1) ورسوله أعلم، وكانوا قد فهموا أنه سيجيب مسألته بنفسه، ثم لما أعاده ثانياً حملوه على الاتفاق، وتيقنوا في الثالثة أن المقصود هو السؤال وأن يجيبوه بألسنتهم.
قوله [فإنه موضوع كله] أي مع رأس ماله (2) ولعل المرجع إلى المال
(1) هكذا في الأصل، فيحتمل أن يكون من كلام الشيخ قدمه تمهيداً لكلامه الآتي، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنهم أحالوا في المرتبتين الأوليين على الله ورسوله، كما هو مذكور في الروايات في أكثر أسئلة هذه الخطبة، ففي المشكاة برواية الشيخين عن أبى بكرة قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وقال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس البلد الحرام؟ قلن: بلى، قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فإن دمامكم وأمواتكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكن هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، الحديث.
(2)
هذا هو الظاهر من سياق الحديث، فأنه صلى الله عليه وسلم وضع أولا ربا الجاهلية وأبقى لهم رؤس أموالهم، ثم استثنى من ذلك ربا العباس، فمقتضاه أن يكون حكمه غير ما سبق إلا أن عامة الشراح كالنووي والقاري والشيخ في البذل وغيرهم ذهبوا إلى أن الموضوع في ربا العباس أيضاً الزيادة على رأس المال، ولم يتعرضوا للاستثناء في حديث الباب
المذكور في ضمن الربا،
قوله [دم الحارث] وفي بعض الروايات (1) دم ربيعة، وفي بعضها دم إياس، والكل واحد، فان المقتول هو إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فأضافه بعضهم إلى المقتول نفسه، وبعضهم إلى أبيه، وبعضهم إلى جده، وقصة قتله نقله (2) في الحاشية.
(1) وبالألفاظ الثلاثة وردت الروايات المختلفة العديدة، وفي المشكاة في حديث جابر الطويل: وأول دم أصنع من دمائنا دم ابن ربيعة، قال القاري: اسمه إياس بن ربيعة بن الحارث، وصح من بعض الرواة دم ربيعة بن الحارث، وهي رواية البخاري، وقد خطأهم جمع من أهل العلم بأن الصواب دم ابن ربيعة، ويمكن تصحيح ذلك بأن يقال إضافة الدم إلى ربيعة لأنه ولي ذلك، أو هو على حذف المضاف أي دم قتيل ربيعة اعتماداً على اشتهار القصة، انتهى. وقال النووي: قال المحققون والجمهور: اسم هذا الابن إياس بن ربيعة، وقيل: اسمه حارثة، وقيل: آدم وقال الدارقطني: هو تصحيف، وقيل: أسمه تمام ورواه بعض رواة مسلم دم ربيعة بن الحارث، وكذا رواه أبو داؤد، وقيل: هو وهم والصواب ابن ربيعة، لأن ربيعة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن عمر رضي الله عنه انتهى.
(2)
تبعاً للنووي من أنه كان هذا الابن المقتول صغيراً يحبو بين البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر، انتهى.
قوله [واستوصوا بالنساء خيراً] وكن في العرب لا منزلة لهن كالإماء، وذلك لملابسه اليهود، والأمر في النصارى كان بعكس ذلك.
قوله [يوم النحر] وهذا لا ينفي كون عرفة (1) يوم الحج الأكبر فإن معظم أفعال الحج فيه، وأما قوله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} فصادق على اليومين معاً، فإن النداء كانت فيهما وبعدهما أيضاً، ولكل من القولين روايات وآثار، وقيل: الحج الأكبر هو الحج والأصغر هو العمرة، فعلى هذا (2) الحج عرفة.
قوله [ثم دعاه] هذا مجاز (3) عن الإعلام لأنه لم يكن ثمة دعاء.
(1) يعني لا منافاة بين مختلف ما ورد في مصداق الحج الأكبر ويوم الحج الأكبر، ففي حديث الباب أنه يوم النحر، سمى بذلك لأنه تتكمل فيه المناسك وتتكثر، وروى الطبري من طريق أبى جحيفة وغيره أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة، وقيل: الحج الأكبر القران والأصغر الأفراد، وعن الثوري: أيام الحج تسمى يوم الحج الأكبر، كما يقال يوم الفتح، وقيل غير ذلك كما في الفتح.
(2)
هكذا في الأصل والظاهر أن في العبارة سقوطاً، والمراد ظاهر، قال البيضاوي تحت قوله تعالى {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} يوم العيد لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله، وقيل: يوم عرفة لقوله عليه السلام: الحج عرفة، وصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر، أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله، فأنه أكبر من باقي الأعمال، انتهى.
(3)
فإن الروايات متظافرة على أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا بعد ما أرسل أبا بكر ولحقه على رضي الله عنه في الطريق.
قوله [بعث النبي صلى الله عليه وسلم] وجعله أمير الموسم، وأمره أيضا أن ينادي بهذه الكلمات، ثم أتبعه علياً للنداء فحسب سواء كان أصالة أو نيابة عن أبي بكر، وأيا ما كان فأبو بكر باق على كونه أمير موسم (1) من غير شك.
قوله [فقام على أيام التشريق] أي أيام التشريق (2) أيضاً، لا أنه اقتصر على النداء فيها.
قوله (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر] فقيل: هي الأشهر الحرم (3)، وقيل: بل من وقت النزول، وكان نزول الآية في شوال، وقيل: بل المراد رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثم اعلم أن العهدة كان مع كل قبائل العرب ثم نكثوا فمن نكث منهم أمهل له الأربعة الأشهر المذكورة، ومن لم ينكث كان باقياً على عهده، وهو تمام العشرة.
(1) فقد حكى الحافظ عن الطحاوى في مشكلة أن أبا بكر كان الأمير في تلك الحجة بلا خلاف، وكان على هو المأمور بالتأذين بذلك، وكأن علياً لم يطق التأذين بذلك وحده، واحتاج إلى من يعينه على ذلك، فأرسل معه أبو بكر أبا هريرة وغيره ليساعدوه على ذلك، انتهى.
(2)
وبذلك يجمع بين مختلف ما روى في ذلك كما يظهر من كلام الشراح الحافظ وغيره أن علياً نادى بها من يوم التروية إلى آخر أيام التشريق في كل موضع اجتماع، ويستعين بأبي هريرة وغيره ممن عينهم أبو بكر أمير الموسم لذلك.
(3)
واختلف في المراد بالأشهر الحرم في قوله تعالى {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} على أقوال بسطها الرازي، وقال البيضاوي تحت قوله تعالى {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}: شوال، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، لأنها نزلت في شوال، وقيل: هي عشرون من ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر، لأن التبليغ كان يوم النحر، انتهى مختصراً. ثم قال: فإذا انسلخ الأشهر الحرم التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها، وقيل: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وهذا مخل بالنظم مخالف للإجماع، فأنه يقتضي بقاء حرمه الأشهر الحرم، إذ ليس فيما نزل بعد ما ينسخها، انتهى. وتقدم شيء من ذلك في أبواب الحج.
قوله [ولا يحجبن بعد العام مشرك] وهذا خاص بأيام الحج، فأتبعه: ولا يطوفن بالبيت عريان، فكان المعنى أنهم لا يأتون البيت في أيام الحج أيام طاعتنا، وأما في سائر الأيام، فلا يأتونه عراة على عادتهم، وفي هذا دليل على ما ذهب إليه (1) الإمام من جواز دخول الذمى في المسجد، وأما قوله تعالى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ {فالمراد به هو الحج للحديث (2).
(1) والمسألة خلافية شهيرة، قال الشيخ في البذل: في دخول المشرك المسجد مذاهب، فعند الحنفية الجواز مطلقاً، وعند المالكية والمزني المنع مطلقاً، وعند الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية، انتهى. واختلف نقله المذاهب في بيانها.
(2)
أي لحديث الباب، قال الجصاص في أحكام القرآن تحت قوله تعالى:{فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} : قد تنازع في معناه أهل العلم، فقال مالك والشافعي: لا يدخل المشرك المسجد الحرام، قال مالك: ولا غيره من المساجد إلا لحاجة من نحو الذمى يدخل إلى الحاكم في المسجد للخصومة، وقال الشافعي: يدخل كل مسجد إلا المسجد الحرام خاصة، وقال أصحابنا: يجوز للذمي دخول سائر المساجد، وإنما معنى الآية على أحد وجهين، إما أن يكون النهي خاصاً في المشركين الذين كانوا ممنوعين من دخول مكة وسائر المساجد، لأنهم لم تكن لهم ذمة، وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وهم مشركو العرب، أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء يوم النحر، وفي حديث على حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ عنه سورة براءة نادي: ولا يحج بعد العام مشرك، دليل على المراد بقوله: فلا يقربوا المسجد الحرام، ويدل عليه قوله في نسق الآية {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} وإنما كانت خشية العيلة لانقطاع تلك المواسم بمنعهم من الحج لأنهم كانوا ينتفعون بالتجارات التي كانت تكون في مواسم الحج، فدل ذلك على أن مراد الآية الحج، ويدل عليه اتفاق المسلمين على منع المشركين من الحج والوقوف بعرفة والمزدلفة وسائر أفعال الحج وإن لم يكن في المسجد، ولم يكن أهل الذمة ممنوعين من هذه المواضع ثبت أن مراد الآية هو الحج دون قرب المسجد بغير الحج، إلى آخر ما بسطه.
قوله [فاشهدوا له بالإيمان] فعلم أن (1) لنا أن نشهد بإيمان من مات وهو مؤمن بظاهرة، وإن لم يكن لنا علم بما بينه وبين الله.
قوله [لو علمنا أي المال خير] لما نزلت هذه الآية فهم بعضهم (2)
(1) ويشكل عليه ما ورد من الإنكار على عائشة في قولها: عصفور من عصافير الجنة، والإنكار على أم العلاء في قولها لعثمان بن مظعون: شهادتي عليك لقد أكرمك الله، وجمع بينهما بأن النهي محمول على الجزم وحديث الباب على الظن.
(2)
كما هو معروف عن أبى ذر، روى عنه بألفاظ مختلفة وروايات كثيرة منها ما روى عنه: ذو الدرهمين أشد حبساً من ذي درهم، وروى عنه: أي مال ذهب أو فضة أوكى عليه فهو جمر على صاحبه، ومنها ما روى عنه ثوبان أنه قال: ما من رجل يموت وعنده أحمر وأبيض إلا جعل الله له بكل قيراط صفحة من نار تكوى بها قدمه إلى ذقنه مغفورا بعد أو معذباً، وروى نحو ذلك عن أبى أمامه وغيره، ذكرها السيوطي في الدر.
حرمة جمع المال مطلقاً، ومنهم من سأله صلى الله عليه وسلم (1) ففسر له أن المراد ما لم يزك، وبعضهم لما علم في كنز النقدين ضرراً دلت عليه الآية سأله صلى الله عليه وسلم (2) عما يكنزه ولا يستضر به، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب بكنز النقدين بعد الزكاة حيث قال (3)
(1) فقد أخرج ابن أبى شيبة وأبو داود والحاكم وصححه وجماعة عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولده ما لا يبقى بعده، فقال عمر: إنا أفرج عنكم، فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال: إن الله لم يفرض الزكاة لا ليطيب بها ما بقى من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعد كم، الحديث، ذكره السيوطي، وعن أم سلمه قالت: يا رسول الله، إن لي أوضاحاً من ذهب أو فضة أفكن هو؟ قال: كل شيء تؤدي زكاته فليس بكنز.
(2)
كما في حديث الباب، وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن مردوية عن بريده، قال: لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ {قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل اليوم في الكنز ما نزل، فقال أبو بكر: يا رسول الله! ماذا نكنز اليوم؟ قال: لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة صالحة تعين أحدكم على إيمانه، كذا في الدر.
(3)
يعني جوابه صلى الله عليه وسلم بصيغة التفضيل دليل لجواز غيره، بل لفضله أيضاً، وورد عند الشيخين من رواية سعد بن أبى وقاص مرفوعاً: إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، الحديث.
أفضله، وهذا يقتضي جوازاً في غيره بل فضلا فيه، وصرح بما يكنزه لآخرته فقال: لسان إلخ.
قوله [أما إنهم لم يكونوا إلخ] لكنهم عاملوا بهم معاملة الأرباب في امتثال أوامرهم حسب ما لم يأمر به (1) شريعتهم كما يفعله مسترشدو زماننا في إطاعة مرشيدهم، وإن خالف الشرع الشريف.
قوله [والله ورسوله أعلم] أي بما هو أولى (2) أن يفعل بالمنافقين، أو المعنى الله ورسوله أعلم بما كان بي إذا من شدة الغضب وفورانه حيث لم يقدر على السكوت وعدم التعرض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون اعتذاراً وجواباً عما عسى أن يسأل أن عمر كيف أقدم على النبي صلى الله عليه وسلم واجترأ على مقالته التي ذكرت وذكر الرسول مع أن الله هو العليم بما في صدور الرجال لما أنه يطلع رسوله على
(1) ففي الدر من رواية البيهقي في الشعب عن حذيفة، قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم أطاعوهم في معصية الله، قال الخازن: يعني أنهم أطاعوهم في معصية الله، وذلك أنهم أحلوا لهم أشياء وحرموا عليهم أشياء من قبل أنفسهم فأطاعوهم فيها، قال البيضاوي: أما طاعة الرسول وسائر من أمر الله بطاعته فهو في الحقيقة طاعة الله.
(2)
ولفظ البخاري في التفسير: قال: فعجبت بعد من جراءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم، قال الحافظ: ظاهرة أنه من قول عمر، ويحتمل أن يكون من قول ابن عباس، وقد روى الطبري من طريق الحكم بن أبان في نحو هذه القصة قال ابن عباس: فالله أعلم أي صلاة كانت، وما خادع محمد أحداً قط، انتهى. قلت: لكن ظاهر سياق الترمذي كالنص على أنه مقولة عمر في حديث، ولا ينافيه أن يكون مثل هذا الكلام من مقولة ابن عباس أيضاً في حديث آخر.
ما يشاء، فإن الرسالة التي عبر بها عنه معتبرة في المعنى، ولذلك لم يؤت (1) بأمثال هذه الموارد باسمه صلى الله عليه وسلم حتى لا يفوت التنبيه على أن حيثية الرسالة معتبرة فيه.
قوله [أليس قد نهى الله إلخ] يعني (2) أن الله تعالى قال في كتابه الكريم:
(1) يعني لا يقال في أمثال هذه المواضع: الله ومحمد أعلم، أو نحو ذلك، بل يعبر بالله ورسوله أعلم تنبيهاً على أن العبرة للرسالة.
(2)
قال الحافظ: كندا في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، وقد استشكل جداً حتى أقدم بعضهم فقال: هذا وهم من بعض رواته، وعاكسه غيره فزعم أن عمر أطلع على نهي خاص في ذلك، وقال القرطي: لعل ذلك وقع في خاطر عمر، فيكون من قبيل الإلهام، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} قال الحافظ: والثاني بما قاله القرطبي أقرب من الأول، لأنه لم يتقدم النهي عن الصلاة على المنافقين بدليل أنه قال في آخر الحديث: فأنزل الله: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} والذي يظهر أن في الرواية تجوزا= =بينته رواية عبيد الله بن عمر عند البخاري بلفظ: فقال: تصلى عليه وقد نهالك الله أن تستغفر لهم؟ ووقع عن ابن مردويه عن ابن عباس قال قال: استغفرلهم، الآية، فكأن عمر فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من أن (أو) ليست للتخبير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور، أي الاستغفار وعدمه سواء، وفهم أيضاً أن سبعين مرة للمبالغة والعدد المعين لا مفهوم له، والمراد نفي المغفرة لهم ولو كثر الاستغفار، وفهم أيضاً أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلب المغفرة له، فلذلك استلزم عنده النهي عن الاستغفار ترك الصلاة، فلذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة، انتهى مختصراً
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم} ِ وقال أيضاً: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فعلم عمر من الآيتين معاً حرمة الاستغفار لهم، والصلاة شاملة للاستغفار، فلذلك قال عمر رضي الله تعالى عنه: أوليس قد نهى الله إلخ لما أنه رضي الله تعالى عنه حمل قوله تعالى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا} على أنه نهى تحريم، ولذلك قال في قوله تعالى:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} إنه أراد بذلك منعه عن الاستغفار لهم، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلما (1) حمل
(1) قال الحافظ: وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، وصلى عليه إجراءاً له على ظاهر حكم الإسلام واستصحابا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف، ودفع المفسدة، وكان صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يصبر على أذى المشركين، ويعفو ويصفح لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير، ولذلك قال: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم الحق، ولا سيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين، وغير ذلك بما أمر فيه بمجاهرتهم، وبهذا التقرير يندفع الأشكال عما وقع في هذه القصة. قال الخطابي: إنما فعل ذلك لكمال شفقته على من تعلق بطرف من الدين، ولتطيب قلب ولده الرجل الصالح، ولتألف قومه من الخزرج لرياسته فيهم، فلو لم يجب سؤال ابنه وترك الصلاة قبل النهي الصريح لكان سبة على ابنه، وعاراً على قومه، قال الحافظ: وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي لكونه صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث المصرحة في حقه بما ينافى ذلك، وهو محجوج بإجماع من قبله على نقيض ما قال، وإطباقهم على ترك ذكره في الصحابة مع شهرته، وقد أخرج الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه القصة قال: فأنزل الله {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} الآية، قال فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: وما يغنى عنه قميصي من الله، وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه، انتهى.
قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} على التخيير، وغن لم يكن مفيداً في حقهم، حمل قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا} على أن معناه لا ينبغي لهم ذلك، فآثر الصلاة عليهم إما لأنه مختار في ذلك فيختار ما هو أفيد في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن دعوته إن لم تكن نافعة للمنافقين فكانت مفيدة للمؤمنين، لأنه كان يدعو بألفاظ عامة شاملة كالدعاء المأثور في صلاة الجنازة الممول فينا، ولنفسه الشريفة (1) إذ قد كان يثاب عليها، وإما لأنه أراد أن لا يستغفر فيها، والنهي ليس إلا عن الاستغفار وأما عن الصلاة فلا.
قوله [هو مسجدي] ولقد بينا من قبل (2) أنهما كانا قد اتفقا على كون المراد به مسجد قباء، ثم اختلفنا في أنه هل هو خاصة أم المسجد النبوي أيضاً، فأثبته أحدهما ونفاه الآخر، فبين النبي صلى الله عليه وسلم شموله لهما، وعلى هذا لا يلزم منافاة بين الآية والرواية.
قوله [فنزلت مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا إلخ] والآية دالة على أن
(1) عطف على قوله (للمؤمنين) يعني كانت مفيدة للمؤمنين لما تقدم، وكانت مفيدة لنفسه الشريفة لما أنه يثاب عليها. وقوله:(إما لأنه أراد) عطف على قوله (إما لأنه مختار) يعني آثر الصلاة لحملة (أو) على التخيير، أو لحملة النهي على الاستغفار خاصة لا الصلاة.
(2)
فقد تقدم في أبواب الصلاة (باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى) وذكر فيه المصنف حديث أنيس بن أبي يحي.
إيفاء ما وعد (1) وهو حرام لا يجوز فضلا عن أن يجب.
قوله [كما قال الله تعالى]{وَلَوْ (2) تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ}
قوله [فذكر الحديث بطولة] وهو مذكور في الكشاف، ولعله مفصل في الصحيحين أيضاً (3). قوله [بخير يوم أتى عليك منذ ولدتك أمك [ولا يتوهم أنه كيف (4) فضل يوم قبلت توبته على يوم أسلم لأن الردة أشد من الكفر الأصلي، وليس (5) سخط الله بأهون منها، أو يقال الفضل جزئي.
(1) والمراد منه قوله {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ} الآية، ومؤدي الآية كما جزم به أهل التفسير أنه يجوز لهم الاستغفار لأحبائهم فإنه طلب توفيقهم للإيمان فلما تبين أنه أصحاب الجحيم بأن ماتوا على الكفر، فلا يجوز.
(2)
قال الخازن: ولو تواعدتم أنتم والمشركون لاختلفتهم في الميعاد، وذلك لأن المسلمين خرجو ليأخذوا العير، وخرج الكفار ليمنعوها من المسلمين فالتقوا على غير ميعاد، والمعنى لو تواعدتم أنتم والكفار على القتال لاختلفتم أنتم وهم، لقلتكم وكثرة عدوكم، انتهى.
(3)
قلت: أخرجه البخاري في مواضع من كتابة، منها في غزوة تبوك بترجمة مستقلة، وهي (حديث كعب بن مالك)، وكذا أخرجه مسلم في كتاب التوبة في (باب حديث توبة كعب بن مالك).
(4)
قال الحافظ استشكل هذا الإطلاق يوم إسلامه، فأنه مر عليه بعد أن ولدته أمه، وهو خير أيامه، فقيل: هو مستثنى تقديراً وإن لم ينطق به لعدم خفائه، والأحسن في الجواب أن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها، فهو خير جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها، فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها، انتهى.
(5)
لا يقال: إن ذلك كبيرة فكيف يساوي الكفر؟ لأن مزية الكفر على الكبيرة باعتبار أن الكفر لا يغفر، والكبيرة تغفر، فإذا كانت كبيرة بحيث لا تغفر فأي فرق بينهما.
قوله [أمن عند الله أو من عندك] أي هل بمحض لطفه تعالى أم بشفاعتك.
قوله [وأن أنخلح من مالي إلخ] وكانت استشارة لا إيقافاً، وإلا لما صح الاستثناء منه، كما استثنى بعد ذلك بعضه، وفي الحديث دلالة على أن لفظ المال يعم غير الدراهم والدنانير أيضاً والعقار ونحوه، وقال الإمام (1): المال ما فيه زكاة، ولا يصح الاستدلال بما في الرواية، فإن عرفهم متفاوت عرفهم.
قوله [فوجدت آخر سورة براءة إلخ] وكان قد التزم (2) في كتابته
(1) وتوضيح ذلك ما في الهداية: من قال: مالي في المساكين صدقة، فهو على ما فيه الزكاة، وإن أوصى بثلث ماله، فهو على ثلث كل شيء، والقياس أن يلزمه التصدق في الأولى بالكل، وبه قال زفر، قال ابن الهمام: وبه قال البتي والنخعى والشافعي، وقال مالك وأحمد: يتصدق بثلث ماله، لقوله صلى الله عليه وسلم لأبى لبابه حين قال: من توبتي أن أنخلع من مالي: يجزيك الثالث، ثم بسط الكلام في الدلائل، وأجاب= =عن حديث أبي لبابه بأنه ليس فيه تصريح بأنه نذر ذلك، فهو على أنه نوى ذلك وقصده، قلت: ولا يرد الحديث على الحنفية كما أفاده الشيخ لأن قول الحنفية هذا في النذر وهذه كانت استشارة، وأيضاً قد يتفاوت العرف مع أن الحنفية أيضاً قالوا بالإطلاق العام كما صرح به أهل الفروع في باب زكاة الأموال، ففي البحر: أن المال كما روى عن محمد كل ما يتملكه الناس من نقد وعرض وحيوان وغير ذلك، إلا أن في عرفنا يتبادر من اسم المال النقد والعروض، انتهى.
(2)
وبسط هذا المعنى الحافظ في الفتح، وأخرج عن ابن أبى داؤد في المصاحف من طريق يحي بن عبد الرحمن قال: قام عمر فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون في الصحف والألواح، قال: وكان لا يقبل من أحد شيء، حتى يشهد شاهدان، وهذا يدل على أن زيداً لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوباً حتى يشهد به من تلقاه سماعاً مع كون زيد كان يحفظه، وكان يفعل مبالغة في الاحتياط وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ، انتهى مختصراً.
أن يسمع الآية عن جماعة، ثم يأخذ المكتوب عن اثنين، إلا أنه لم يجد هذه الآية مكتوبة إلا مع خزيمة (1) وإن كان سمع عن الجماعة (2) وكان يحفظها بنفسه
(1) كما في حديث الباب، واختلفت الروايات في أن آخر التوبة وجد مع خزيمة أو أبى خزيمة، وبكلأ الطريقين أخرجها البخاري في تفسير التوبة، وذكر لكل منهما المتابعة، وكذا اختلف في آية سورة الأحزاب، هل وجدت مع خزيمة أو أبى خزيمة، بسطة الحافظ في الجهاد والتفسير وفضائل القرآن، ورجح أن آخر سورة التوبة وجد مع أبى خزيمة بالسكينة، وهو غير الذي وجد معه آية سورة الأحزاب، وهو خزيمة بن ثابت بغير السكينة، وهو الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته كالشهادتين، وعلم من ذلك أن كلام الشيخ مبنى على رواية الترمذي، وهو مخالف لمختار الحافظ.
(2)
كما يدل عليه جل الروايات الواردة في ذلك، ففي الدر برواية جماعة من المخرجين عن أبى بن كعب أن آخر ما نزل من القرآن {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ} الآية، وعنه أيضاً أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافه أبى بكر، فكان رجال يكتبون ويمل عليهم أبى بن كعب حتى انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة {انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال أبى بن كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر أني بعد هذا آيتين {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ} الحديث، وفي رواية: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين، فقال عمر: من معك؟ فقال: لا أدرى والله، إلا أنى أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها، فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث. وفي أخرى: جاء خزيمة بهاتين الآيتين، وقال عثمان: أنا أشهد أنهما من عند الله، فهذه الروايات وغيرها صريحة في أنهم سمعوا من الجماعة، وعدم الوجدان كان في الكتابة أو في الشهادة على الكتابة، هذا وقد بسط الحافظ في أسماء حفاظ القرآن في باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
أيضاً، ثم إن خزيمة بن ثابت لما أقيمت شهادته مقام اثنين أقام كتابته مقام اثنين لذلك، ثم وقع مثل هذا الانفراد حين كتبت المصاحب في خلافه (1) عثمان رضي الله عنه، وكان في آية {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} الآية، وكان قد التزم في كتابته الثانية أيضاً مثل التزامه في الأولى مع زائدة، وهي العرض والمقابلة مع المصحف الذي كتب أولا، فاتفق أنه لم يجد كريمة {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية مكتوبة مع اثنين وإن كان في المصحف وعلى ألسنة القوم.
قوله [وكان] أي عثمان (2)[بغاري] أي يجهز [أهل الشام] وأهل العراق ليفتحوا آرمينية وآذربيجان.
(1) قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبى بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعاً في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتباً لآيات سورة على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجو القرآن حين قرأوه بلغاتهم على الاتساع، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فنسخ تلك الصحف مرتباً لسورة في مصحف واحد واقتصر من سائل اللغات على لغة قريش كذا في الفتح.
(2)
وبذلك جزم العيني إذ فسر الحديث بقوله: أي كان عثمان يجهز أهل الشام وأهل العراق لغزو آرمينية وآذربيجان وفتحهما، وبسط الحافظ في ضبطهما أشد البسط، ثم قال: وكانت هذه القصة في سنة خمس وعشرين في السنة الثانية أو الثالثة من خلافه عثمان، ثم ذكر الروايات المختلفة في ذلك وقال في آخره: فيكون ذلك في أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين، وهو الوقت الذي ذكر أهل التاريخ أن آرمينية فتحت فيه، وغفل بعض من أردكناه فزعم أن ذلك كان في حدود ثلاثين.
قوله [أعزل عن إلخ] وكان في فهمه (1) رضي الله عنه أنه لو تولى ترتبيته لرتبه أحسن ترتيب، إلا أنهم لم يدخلوه فيهم لأنه كان لا يترك ما أدى إليه فهمه، فخافوا أن يخالف الشورى فيفوت ما هم بصدده، ثم إن عثمان رضي الله عنه أخذ سائر
(1) قال الحافظ: وقد شق على ابن مسعود صرفه عن كتابة المصحف حتى قال ما أخرجه الترمذي في آخر حديث إبراهيم بن سعد عن الزهري، وأخرج ابن أبى داود عنه أنه قال: لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لصبى من الصبيان، والعذر لعثمان في ذلك أنه فعله بالمدينة وعبد الله بالكوفة، ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر، وأيضاً فان عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبي بكر وأن يجعلها مصحفاً واحداً، وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبى بكر هو زيد بن ثابت كما تقدم لكونه كان كاتب الوحي، فكانت له في ذلك أولية ليست لغيره، انتهى. وقال أيضاً: كأن ابن مسعود رأى خلاف ما رأى عثمان من الاقتصار على قراءة واحد وإلغاء ماعدا ذلك، أو كان لا ينكر الاقتصار لما في عدمه من الاختلاف، بل كان يريد أن تكون قراءته هي التي يعول عليها لما له من المزية في ذلك مما ليس لغيره، انتهى.
المصاحف وغسلها (1)، ومن هاهنا يعلم أن المباحث كثيراً ما تحرم (2) لمخافة الفتن والمفاسد، ثم إن ابن مسعود رضي الله عنه منع مصاحفه أن يؤتيها عثمان رضي الله عنه، فأمر غلمانه (3) أن ينزعوها منه، فوقعوا به رضي الله عنه حتى أصابته جراحات وصدمات، فمات رضي الله عنه في ذلك، وتأسف عثمان رضي الله عنه على ما أمرهم به، وسخط عليهم فيما فعلوا به، وكان ذلك في الكتاب مسطوراً، ولا مانع لما قد صار
(1) واختلفت الروايات في ذلك كما بسطها الحافظ تحت رواية البخاري: وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق فقال: يحرق بالمهملة وبالمعجمة، وفي رواية أن تمحي أو تحرق، والمحو أعم من أن يكون بالغسل أو التحريق، وجزم عياض بأنهم غسلوها بالماء ثم أحرقوها مبالغة في إذهابها، انتهى.
(2)
فإن القراءة بحروف مختلفة كانت مباحة، ثم أجمعت الصحابة على قراءة ما جمعها زيد، قال الخطابي: الأشبه ما قيل إن القرآن أنزل رخصاً للقاري بأن يقرأ بسبعة أحرف، وهذا قبل إجماع الصحابة، وأما الآن فلا يسعهم أن يقرءوه على خلاف ما أجمعوا عليه، انتهى، كذا في الأوجز.
(3)
وهذا مما نقم على أمير المؤمنين عثمان كما بسط الإيراد والجواب عنه في تحفة الاثنى عشرية فارجع إليه لو شئت التفصيل، ومال صاحب الخميس إلى أن ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود عن عثمان وأمره غلامه بضربة كله بهتان لا يصح منه شيء وعلى تقدير الصحة يكون ذلك من الغلام قد فعله من عند نفسه غضباً لمولاه، إلى آخر ما بسطه، ولا إشكال فيه عندي على صحة ذلك فأن كليهما كانا معذورين، أما عثمان فلدفع شره الاختلاف، وأما ابن مسعود فروى عنه انه قال: من استطاع ذلك يعنى يترك ما سمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.