الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مناقب علي]
قوله [فمضى في السرية] أطلق السرية على الجيش أو الجيش على السرية إطلاق لفظ أحدهما على الآخر، أو كان على (1) ذهب بسرية من الجيش إلى
(1) أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده برواية عبد الرزاق وعفان قالا: ثنا جعفر بن سليمان، ثني يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران ابن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر عليهم علي بن أبي طالب، فأحدث شيئًا في سفره، فتعاهد -أربعة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يذكروا أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج البخاري في صحيحه في (باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع) بسنده عن بريدة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليًا وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك، فقال: يا بريدة أتبغض عليًا؟ فقلت: نعم، قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك، قال الحافظ: هكذا أورده البخاري مختصرًا، ثم ذكر اختلاف الروايات في ذلك تقدم شيء منها في هامش الجزء الثاني ص 441، وقال صاحب الخميس: وفي رمضان بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده، فخرج في ثلاث مائة فارس، ففرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك، ثم لقى جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنيل حتى حمل عليهم علي وأصحابه، فقتل منهم عشرين رجلاً فتفرقوا وانهزموا، فكف عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا وأجابوا، وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام، ثم قفل فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر، وفي رواية: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في جماعة إلى اليمن، ثم بعث عليًا بعد ذلك، وقال له: مر أصحاب خالد من شاء أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقفل، قال البراء: كنت فيمن عقب معه فغمت أواقي ذات عدد، انتهى.
جهة، وعلى هذا فليس إطلاقًا للفظ في غيره. قوله [فأصاب جارية (1)] وكان ذلك بإذنه صلى الله عليه وسلم (2)، لكن الصحابة لم يعلموا به، ولذلك ترددوا في أمره،
(1) وتقدم شيء من ذلك في باب من يستعمل على الحرب.
(2)
وبذلك وجه المحشي إذ قال: لعله صلى الله عليه وسلم قد أجاز لعلي من قبل في هذا من الخمس، انتهى. وقال الحافظ: قد استشكل وقوع على على الجارية بغير استبراء، وكذلك قسمته لنفسه، فأما الأول فمحمول على أنها كانت بكرًا غير بالغ، ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة، ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له، ثم ظهرت بعد يوم وليلة (وثلاثة أيام ولياليها عندنا الحنفية) ثم وقع عليها، وليس في السياقة ما يدفعه، وأما القسمة فجائزة في مثل ذلك ممن هو شريك فيما يقسمه، كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم، فكذلك من نصبه الإمام قام مقامه، وقد أجاب الخطابي بالثاني، وأجاب عن الأول باحتمال أن تكون عذراء أو دون البلوغ، أو أداه اجتهاده أن لا استبراء فيها، ويؤخذ من الحديث جواز التسري على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف التزوج عليها، لما وقع في حديث المسور في كتاب النكاح، انتهى. قلت: وحكى البخاري في (باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرأ) عن ابن عمر: لا تستبرأ العذراء، فيمكن أن يكون مذهب علي أيضًا كذلك.
ووجه غضب النبي صلى الله عليه وسلم على الأربعة الذين اعلموه تركهم النصح لعلي حتى أعلموا النبي صلى الله عليه وسلم به، ولم يؤذنوا عليًا بما خالج خواطرهم حتى يبين لهم عذره، وكان المانع لهم عن ذلك خوف الفتنة وأن يجد عليهم، والوجه الثاني للغضب حملهم فعل علي على الوجه الغير المشروع، بل كان عليهم حمله على الوجه المشروع، والثالث أنهم لو آذنوه بذلك في خلوة لم يغضب وإنما اسخطه صلى الله عليه وسلم قولهم ذاك بمحضر من الناس.
قوله [سنفقههم] وهذا (1) كان مغلطة منهم، أرادوا أنا لا نمنعهم عن تعلم دينهم. قوله [بأحب خلقك إليك] أي هو من أحب (2) خلقك.
قوله [وإذا سكت ابتدأني] أي كان يعتني بي (3) ولا ينساني.
قوله [أنا دار الحكمة] أراد بذلك على الباطن، فإن السلاسل سائرها
(1) هذا على النسخ التي بأيدينا من النسخ الهندية، والظاهر أن فيه سقوطًا من الناسخ كما في النسخة المصرية بلفظ: قال فإن لم يكن لهم فقه في الدين إلخ، وعلى هذا فهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم رد بذلك على قولهم: ليس لهم فقه في الدين، وليس ذكر الفقه في رواية أبي داود والحاكم.
(2)
وبذلك جزم الشراح كما بسطه القاري بأشد البسط، وقال: هو نظير ما ورد في أفضل الأعمال، وقال أيضًا: قال ابن الجوزي: موضوع، وقال الحاكم: ليس بموضوع، قلت: بسط الكلام على ذلك الدمنتي إذ قال: هذا أحد أحاديث انتقدها سراج الدين القزويني على المصابيح فزعم وضعه، وقال صلاح الدين العلائي: ليس بموضوع، ثم بسط الكلام على طرقه، قلت: وعلى ما أفاده الشيخ من التوجيه لا يشكل عليه ما اختلفت الأجوبة منه صلى الله عليه وسلم في سؤال أحب الخلق إليه من أسامة، والصديق، وعائشة، وفاطمة، وغيرهم.
(3)
أي يهتم بشأني ولا يتوقف عطاؤه على سؤال.
ومعظمها منتهية إلبيه (1). [أما ما ذكرت ثلاثًا] أي ما دام ذكرت (2).
(1) وهذا أوجه وأقيد يؤيده المشاهدة، ففيه إشارة إلى أن من أراد علوم الحكمة والحقائق فعليه الانسلاك بسلسلة المشايخ، ويقويه ما حكى القاري من الزيادة إذ قال: وفي رواية زيادة: فمن أراد العلم فليأته من بابه، وقال الطيبي: لعل الشيعة تتمسك بهذا التمثيل أن أخذ العمل والحكمة منه مختص به لا يتجاوز إلى غيره إلا بواسطته، لأن الدار إنما يدخل من بابها، وقد قال تعالى:{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} ولا حجة لهم في ذلك، إذ ليس دار الجنة بأوسع من دار الحكمة ولها ثمانية أبواب، انتهى. ثم بسط الكلام على الحديث وقال: رواه الحاكم وقال: صحيح وتعقبه الذهبي، فقال: بل موضوع، وحكى عن الحافظ العسقلاني أنه حسن لا صحيح كما قال الحاكم، ولا موضوع كما قال ابن الجوزي، قلت: وكذا بسط الكلام على الحديث الدمتي والسيوطي في التعقبات وغيرهما، انتهى.
(2)
قال النووي: قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها، قالوا: ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدًا بسببه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول: هل امتنعت منه تورعًا أو خوفًا أو غير ذلك؟ فإن كان تورعًا وإجلالاً له عن السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعدًا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الانكار، أو أنكر عليهم فسأله هذا السؤال، قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، انتهى.
قوله [أن تكون منى بمنزلة هارون] ولا دلالة فيه على الخلافة (1)، كيف وقد توفى هارون قبل موسى، فالتشبيه ليس إلا في كونه خليفة عنه في أهله.
قوله [فكتب معي خالد إلخ] والجواب عنه مثل ما مر (2).
قوله [أول من صلى علي] هذا مقال بحسب علم الراوي (3)، ووجه الاختلاف في ذلك أنهم كانوا يخفون إسلامهم إذًا. قوله [أنا من القرن
(1) قال القاضي: هذا الحديث مما تعلقت به الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت حقًا لعلي، ثم اختلف هؤلاء فكفرت الروافض سائر الصحابة في تقديم غيره، وزاد بعضهم فكفر عليًا لأنه لم يقم في طلب حقه بزعمهم، وهؤلاء أسخف مذهبًا= =وأفسد عقلاً من أن يرد قولهم أو يناظر، قاله النووي. وقال الحافظ: استدل بحديث الباب على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة، وأجيب بأن هارون لم يكن خليفة موسى إلا في حياته لا بعد موته، لأنه مات قبل موسى باتفاق، أشار إلى ذلك الخطابي. وقال الطيبي: معنى الحديث أنه متصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي، فعرف أن الاتصال المذكور بينهما =ليس من جهة النبوة بل من جهة ما دونها وهو الخلافة، ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى، دل ذلك على تخصيص خلافة علي للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، انتهى.
(2)
أي قريبًا في حديث عمران بن حصين، وأما حديث البراء هذا فمكرر بسنده ومتنه تقدم في (باب من يستعمل على الحرب) ص 441 في كتاب فضائل الجهاد.
(3)
وهذا توجيه معروف في أمثال ذلك جزم بذلك التوجيه فيما أخرجه البخاري في (باب إسلام سعد) من قوله: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام، قلت: وأشار الترمذي بالروايات الآتية إلى أن المرجح روايات إسلام أبي بكر أولاً، وقال السيوطي في التاريخ: أخرج خيثمة بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال: أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، والخلاف في أول من أسلم مشهور، أجمل الكلام عليه السيوطي في التدريب.
[الذين إلخ] أي تبع تابعي (1) قوله [قال علي: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ] أي يوم أحد (2). قوله [رأيت جعفرًا يطير] أي يجسده وشخصه بخلاف سائر الشهداء، فإنما الطيران لأرواحهم في حواصل (3) طير خضر لا بأجسامهم.
(1) كما هو الظاهر من رواية الباب إذ يروى عن تابعي، والصحيح أنه تابعي ويروى عن غير واحد من الصحابة. كما في كتب الرجال، وعده الحافظ في التقريب من الرابعة، وهي طبقة تلي الطبقة الوسطى من التابعين، وطبقات أتباع التابعين في كلامه تبتدأ من السادسة.
(2)
كما سيأتي التصريح بيوم أحد عند المصنف، وقد وقع ذلك في غير واحد من روايات البخاري وأشار الشيخ بذلك القيد إلى دفع ما يرد على ظاهر الحديث، قال الحافظ بعد ذكر حديث علي: وفي هذا الحصر نظر لما تقدم في ترجمة الزبير أنه صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم الخندق، ويجمع بينهما بأن عليًا لم يطلع على ذلك، أو مراده بذلك بقيد يوم أحد، انتهى.
(3)
كما ورد التصريح بذلك في عدة روايات ذكرت في جنائز الأوجز، واحتاج الشيخ إلى هذا التوجيه لما أن ظاهر الأحاديث الواردة في فضل جعفر يدل على خصيصة له بذلك، ومطلق الطيران في الجنة يحصل لروح كل شهيد كما أخرج الروايات في ذلك السيوطي في تفسير قوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} .
قوله [ما احتذى النعال] ينبغي أن يحمل الاحتذاء على صنع النعل، والانتعال على لبسها، أو الأول على نوع منها، وهو ما ليس فيه إلا الجلد والشراك، وليس في صنعه كثير اهتمام، بخلاف الثاني فإن في صنعها إتقانًا، وعلى هذا لا يلزم التكرار، وكذلك في الثاني يراد بالمطايا الإبل خاصة، بخلاف الأكوار (1) فإنها عامة، أو غير ذلك من الفروق، ثم لا شك أن العموم (2) ليس على ظاهره فيخص منه الأنبياء، وكذلك الخلفاء الراشدون بقرينة دلالة العقل، أو يقال: إن جعفرًا لا يحتذي فعلاً ولا يركب ظهرًا إلا وهو موجب على نفسه حقًا للمساكين والمحاويج، ومترحم لهم أن لا يجدوا ذلك، وعلى هذا فلا تخصيص، إذ يمكن أن لا يكون غيره بمثابته في تلك الخلة، أو المراد مدحه في التطهر والنظافة، والمعنى أنه متنظف في جملة حركاته حتى الركوب والتنعل، فلا تخصيص حينئذ أيضًا. قوله [ما أسأله إلا ليطعمني] لأني إذا سألته فلعله يستتبعني (3)
(1) وفي المجمع: الكور بالضم رحل الناقة بأداته، ومن فتح الكاف أخطأ، انتهى. وقال المجد: الكور بالضم الرحل أو بأدائه جمعه أكوار.
(2)
وإليه مال الحافظ إذ قال في حديث البخاري الآتي قريبًا بلفظ: وكان أخير الناس للمساكين جعفر: وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة. قال: ما احتذى النعال، الحديث، أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد صحيح، انتهى.
(3)
كما هو نص حديث البخاري في مناقب جعفر عن أبي هريرة أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث. وفيه: وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطمعنا ما كان في بيته.