الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة ص]
قوله [وعند أبي طالب مجلس رجل] أي كان (1) موضع يجلس فيه رجل خالياً،
(1))) والحديث ذكره السيوطي في الدر بأطول من هذا السياق يوضح معنى رواية الترمذي، فذكر برواية ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والحاكم وصححه، والنسائي وغيرهم عن ابن عباس، قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل، فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل، ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته، فبعث إليه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت، وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس، فخشى أبو جهل إن جلس إلى أبي طالب أن يكون أرق عليه، فجلس في ذلك المجلس، فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك، يزعمون أنك تشتم آلهتهم، وتقول وتقول، قال: وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة؟ نعم وأبيك عشراً، فما هي؟ قال: لا إله إلا الله، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب، فنزل فيهم «ص» إلى قوله:«بل لما يذوقوا عذاب» وبرواية ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي: أن ناساً من قريش اجتمعوا، فيهم أبو جهل، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب ابن عبد يغوث، في نفر من مشيخة قريش، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى أبي طالب نكلمه فيه فلينصفنا منه فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبد، فإننا نخاف أن يموت هذا الشيخ فيكون منا شيء فتعيرنا العرب، يقولون تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه، فبعثوا رجلاً منهم فاستأذن على أبي طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم يستأذنون عليك، قال: أدخلهم، فما دخلوا عليه قالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا فانصفنا من أخيك، فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه، فبعث إليه أبو طالب، فما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم سألوك النصف أن تكف شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك، فقال: أي عم أولاً أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها، قال: وإلى بدعوهم؟ قال: أدعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة يدين لهم بها العرب، ويملكون بها العجم، فقال أبو جهل بين القوم: ما هي وأبيك؟ لنعطينكها وعشر أمثالها، قال: تقولوا: لا إله إلا الله، فنفروا وقالوا: سلنا غير هذه، الحديث.
فقصد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المجلس ليجلس فيه، فمنعه أبو جهل، وشكى هؤلاء إلى أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [فعلمت ما في السماوات إلخ] ولا يلزم (1) بقاء ذلك العلم حتى ينافي (2) النصوص.
(1))) يعني بعد تسليم أن لفظة (ما) في حديث الباب للعموم، وإلا فالظاهر من قوله ما في السماوات الأمور المهمة المناسبة لعمله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي زيد، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطابنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، الحديث، أفترى أنهم صاروا كلهم عالمين بالغيب بعد ذلك، وفي معنى هذا الحديث عدة روايات لا بد من حملها عل الأمور المهمة المناسبة.
(2)
)) يعني النصوص الصريحة الكثيرة النافية لعلم غيبه صلى الله عليه وسلم، وقال القارئ: فعلمت ما في السماوات والأرض يعني ما أعلمه الله تعالى مما فيهما من الملائكة والأشجار وغيرهما، وهو عبارة عن سعة علمه الذي فتح الله به عليه، وقال ابن حجر: أي جميع الكائنات التي في السماوات بل وما فوقها، كما يستفاد من قصة المعراج، والأرض بمعنى الجنس أي وجميع ما في الأرضيين السبع بل وما تحتها، قال القارئ: ويمكن أن يراد بالسماوات الجهة العليا، وبالأرض الجهة السفلي، فيشمل الجميع، لكن لا بد من التقييد الذي ذكرنا، إذ لا يصح إطلاق الجميع كما هو الظاهر، انتهى. قلت: وإنما احتاجوا إلى توجيه ما ورد من مثل ذلك من الروايات التي هي أخبار أحاد مجملة لما قد ثبت بالقطع أن علم الغيب مخصوص بخالق الأنس والجان، ولجامع هذا التقرير سيدي الوالد المرحوم رسالة وجيزة في الهندية معروفه بـ (مسألة علم الغيب) أجمل فيها هذه المسألة مع ذكر دلائلها، وحكى عن شرح الفقه الأكبر لعلى القارئ أن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما أعلمهم الله أحياناً، وذكر الحنفية تصريحاً بالتكفير باعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، لمعارضة قوله تعالى:«قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله» إلى آخر ما بسطه.
قوله [فيم يختصم الملأ إلخ] واختصامهم (1) للدلالة على ما في هذه الأمور من الشرف ليرغب فيها، وعلى أن العلم المحض لا يخلو عن فضيلة، كيف
(1))) قال القارئ: اختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء، وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها، وإما عن اغتباطهم الناس بتلك الفضائل لاختصاصهم بها، وشبه تقاولهم في ذلك وما يجري بينهم في السؤال والجواب بما يجري بين المتخاصمين، إيماء إلى أن في مثل ذلك فليتنافس المتنافسون، انتهى.
والملأ الأعلى ليس شأنهم للعمل بها. قوله: [كيوم ولدته أمه] فيه (1) مغفرة الكبائر بأمثال هذه، ومن لم يجوزها إلا بالتوبة أثبت الملازمة بين هذه الطاعات والندم عما ارتكبه من الخطيئات، وعزماً قوياً على ترك المنكرات، ثم إن حقوق العباد لا تسقط عنه وإن اغتفر ذنبه فيها، ولا يلزم بذلك تخصيص إطلاق الرواية، فإن المذكور فيها إنما هو ذنبه، وكم بين الحقوق والذنوب.
قوله: [والدرجات] ها هنا حذف، أي يختصمون في الكفارات، والكفارات هي ما ذكر، وفي الدرجات، والدرجات هي هذه. قوله:[فرأيت ربي] من المتشابهات (2)، ورؤية غيره صلى الله عليه وسلم الرب تبارك وتعالى تخيل، والمراد
(1))) وقد تقدم الكلام على تكفير الكبائر في مواضع من الكتاب، والبسط في باب مثل الصلوات الخمس، فارجع إليه.
(2)
)) قال القارئ: الظاهر أن هذا الحديث مستند إلى رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه روى الطبراني بإسناده عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة الغدوة حتى كادت الشمس تطلع، فلما صلى الغدوة قال: إني صليت الليلة ما قضى رب ووضعت جنبي في المسجد، فأتاني ربي في أحسن صورة، وعلى هذا لم يكن فيه إشكال، إذ الرائي قد يرى غير المتشكل متشكلاً، والمتشكل بغير شكله وإن كان في اليقظة، وعليه ظاهر ما روى أحمد بن حنبل فإن فيه: فنعست في صلاتي حتى استيقظت، فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة، الحديث. فذهب السلف في أمثال هذا الحديث - إذا صح - أن يؤمن بظاهره ولا يفسر بما يفسر به صفات الخلق، بل ينفي عنه الكيفية ويؤكل علم باطنه إلى الله تعالى، فإنه يرى رسوله ما يشاء من وراء أستار الغيب بما لا سبيل لعقولنا إلى إدراكه، لكن ترك التأويل في هذا مظنة الفساد، إلى آخر ما ذكر من التأويلات، قلت: والحديث الذي ذكره من أحمد هو كذلك في المسند برواية أبي سعيد مولى بني هاشم عن جهضم اليمامي بلفظ: استيقظت، لكن ذكر الترمذي حديث معاذ هذا بلفظ: استثقلت. وهو كذلك في النسخ الهندية والمصرية، وذكر في متن النسخة المصرية الحديث بطوله، كما في هامش الأحمدية، وهكذا في المشكاة برواية الترمذي وأحمد، وبهذا اللفظ ذكره السيوطي في الدر برواية الترمذي ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبل، وفيه: نعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي، الحديث، نعم ذكر السيوطي عدة روايات أخر تدل على اليقظة، وأخر صريحة في المنام، وفي بعضها أنها في ليلة الإسراء.