الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله [لم تنته الجن] مع شدتها وتازيتها (1)، فكان غاية في الفصاحة.
[باب في تعليم القرآن]
قوله [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] ويدخل فيه الفقيه والمحدث وصدقه على المفسر ظاهر، ثم لذلك التعليم مراتب وبحسبه تتفاوت الخيرية (2).
(1) هكذا في الأصل، ويحتمل وجوهًا: منها أن يكون بالنون والمهملة إي ناريتها، ولا يبعد عن أن يكون بالفوقية والذال بمعنى الإيذاء.
(2)
قال القاري: أي أفضلكم من تعلم القرآن حق تعلمه وعلمه حق تعليمه، ولا يتمكن من هذا إلا بالإحاطة بالعلوم الشرعية أصولها وفروعها مع زوائد العوارف القرآنية وفوائد المعارف الفرقانية، ومثل هذا الشخص يعد كاملًا لنفسه مكملًا لغيره، والفرد الأكمل من هذا الجنس النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأشبه فالأشبه، وأدناه فقيه الكتاب، وقال الطيبي: خير الناس باعتبار التعلم والتعليم، وقال ميرك، أي من خيركم، قال القاري: " ولا يتوهم أن العمل خارج عنهما؛ لأن العلم إذا لم يكن موروثًا للعمل، فليس علمًا في الشريعة إذ أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل، انتهى.
قوله [وعلم القرآن] هذه مقولة (1) سعد بن عبيده يبين بها حال أستاذه.
قوله [حتى بلغ الحجاج] أي كانت (2) هذه تعليمة إلى أن وصلت النوبة إلى
(1) ويؤيده رواية البخاري بلفظ قال: وأٌقرأ أبو عبد الرحمن في أمره عثمان حتى كان الحجاج، قال الحافظ: والقائل وأقرأ إلخ هو سعد بن عبيدة، فأنى لم أر هذه الزيادة إلا من رواية شعبة عن علقمة، وقائل (وذلك الذي أقعدني) هو أبو عبد الرحمن، وحكي الكرماني أن في بعض نسخ قال سعد بن عبيدة: وأقرأني أبو عبد الرحمن، فظن الكرماني أن قال (وذاك الذي أقعدني) هو سعد بن عبيدة، وليس كذلك، ثم بسط الحافظ في الرد على الكرماني، وقال: والإشارة بقوله: لك إلى الحديث المرفوع، يعني أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد الرحمن أن قعد يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة، قال: ويحتمل أن تكون الإشارة به إلى عثمان، وقد وقع في بعض الروايات: قال أبو عبد الرحمن: وهو الذي أجلس هذا المجلس، وهو محتمل أيضاً، انتهى مختصراً. وبنحو ذاك فسر الكلامين العيني، وجزم بأن إشارة ذاك إلى الحديث المرفوع، ولم يذكر الاحتمال الثاني.
(2)
قال الحافظ: أي حتى ولي الحجاج على العراق، وبين أول خلافه عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر، وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج العراق ثمان وثلاثون سنة، ولم أقف على تعيين ابتداء أقرا أبى عبد الرحمن وآخره، فالله أعلم بمقدار ذلك، ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وأدناها، انتهى. قلت: لكن الحافظ بنفسه حكى في تهذيبه قال أبو إسحاق السبيعي: أقٌرأ القرآن في المسجد أربعين سنة.
الحجاج، وعم الناس فتنته. قوله [وهكذا روى عبد الرحمن بن مهدي إلخ] يعني أن أصحاب (1) سفيان اختلفوا عليه في رواية هذا الحديث، فأوثق أصحابه وهو
(1) وقعت في سند هذا الحديث اختلافات كثيرة ذكرتها الشراح سيما الحافظان ابن حجر والعيني، وذكر منها الإمام الترمذي اختلافين: أحدهما اختلاف شعبة والثوري بأن شعبة يذكر واسطة سعد بن عبيدة، ولا يذكرها الثوري، والثاني اختلاف تلامذة سفيان بأن يحي روى عنه بذكر الواسطة، وخالفه جميع أصحابه من تلامذة سفيان، وهذا الاختلاف الثاني ذكره الشيخ أولا بخلاف الحافظ، ونذكر كلامه مختصراً على ترتيبه ليكون أوضح في المقصود، فقال: أدخل شعبة بين علقمة بن مرثد وأبى عبد الرحمن سعد بن عبيدة، وخالفه سفيان الثوري، فقال: عن علقمة عن أبي عبد الرحمن، ولم يذكر سعداً، وأطلب الحافظ أبو العلاء العطار في تخريج طرقه، فذكر ممن تابع شعبة فوق الثلاثين، وممن تابع الثوري فوق العشرين، ورجح الحافظ رواية الثوري، وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد، وقال الترمذي: كان رواية سفيان أصح من رواية شعبة، وأما البخاري فأخرج الطريقين، فكأنه ترجح عنده أنهما جميعاً محفوظان، فيحمل على أن علقمة سمعه أولا من سعد، ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به أو سمعه مع سعد من أبى عبد الرحمن، فثبته فيه سعد، ويؤيد ذلك ما في رواية سعد بن عبيدة من الزيادة الموقوفة، وهي قول أبى عبد الرحمن: فذلك أقعدني هذه المقعد، وقد شذت رواية عن الثوري بذكر سعد بن عبيدة فيه، قال الترمذي: حدثنا بذلك محمد بن بشار إلخ، وقال النسائي: أنبانا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحي عن شعبة وسفيان أن علقمة حدثهما عن سعد إلخ، قال الترمذي قال ابن بشار: أصحاب سفيان لا يذكرون فيه سعداً، وهو الصحيح وهكذا على بن المديني على يحي القطان فيه بالوهم، وقال ابن عدى: هذا مما عد في خطأ يحي القطان على الثوري، ويقال إن يحي القطان لم يخطئ قط إلا في هذا الحديث، ثم قال الحافظ بعد ذكر شيء من متابعة يحي: وكل هذه الروايات وهم، والصواب عن الثوري بدون ذكر سعد، وعن شعبة بإثباته، انتهى. مختصراً وبزيادة يسيرة.
يحي بن سعيد يذكر في سنده سعد بن عبيدة، كما سرد الإسناد في الحديث الأول، والآخرون من أصحاب سفيان لا يذكرون في الإسناد سعداً، ففيه إشارة إلى نسبة الوهم إلى يحي بن سعيد القطان، ثم إن شعبة وسفيان كليهما آخذان من علقمة فكما أن أصحاب سفيان اختلفوا عليه، فكذلك صاحبا علقمة وهما شعبة وسفيان اختلفا عليه في سرد الإسناد، فذكر شعبة سعداً ولم يذكره سفيان، وفيه إشارة بالوهم على شعبة كما يظهر من ترجيح المؤلف سفيان على شعبة، ولا يبعد أن يعتذر (1) ويقال: إن يحي بن سعد أدرج الإسناد فانه رواه شعبة عن علقمة
(1) هذا اعتذار من شذوذ يحي القطان، ودفع لما يرد عليه من وهمه وخطاه وحاصلة أنه لم يصرح بالواسطة في رواية سفيان، بل روى عن سفيان وشعبة معاً، فيحتمل أنه ذكر الواسطة في طريق شعبة، وقد ذهب إلى هذا الاعتذار بعض السلف أيضاً. قال الحافظ: قال ابن عدى: جمع يحي بين شعبة وسفيان، وهو لا يذكر الواسطة، وهذا مما عد في خطأ يحي على الثوري، وقال في موضع آخر: حمل يحي القطان رواية الثوري على رواية شعبة فساق الحديث عنهما، وحمل إحدى الروايتين على الأخرى فساقه على لفظ شعبة، وإلى ذلك أشار الدارقطني، وتعقب بأنه فصل بين لفظيهما في رواية النسائي وابن ماجة، فقال: قال شعبة: خيركم، وقال سفيان: أفضلكم، قال الحافظ: وهو تعقب واه إذ لا يلزم من تفصيله للفظهما في المتن أن يكون فصل لفظهما في الإسناد.
عن سعد، ورواه سفيان عن علقمة عن أبى عبد الرحمن من غير توسيط سعد، غلا أن يحي بن سعيد حين سرد الاسنادين أدرجهما، فغاية ما في الباب أن يكون الخبر من أقسام مدرج الإسناد، ولا يلزم حينئذ نسبة الوهم إلى يحي بن سعيد ولا إلى شعبة، وهو هاهنا (1) أن يذكر الروابان خبراً بإسنادين مختلفين فيجمعهما من يأخذ عنهما على إسناد واحد.
(1) الضمير إلى المدرج، وقيد بـ"هاهنا"، لأن المدرج على ما ذكره السيوطي في التدريب ستة أنواع، بل أكثر منها بإبداء بعض الاحتمالات، وقال الحافظ في شرح النخبة: ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، وهو أقسام: الأول أن يروي جماعة الحديث بأسانيد مختلفة فيرويه عنهم راو فيجمع الكل على إسناد واحد من تلك الأسانيد، ولا يبين الاختلاف، ثم ذكر الأنواع الأخر، ومراد الشيخ هو هذا النوع، وبسطه السيوطي في التدريب فقال: الثالث أن يسمع حديثاً من جماعة مختلفين في إسناده، فيرويه عنهم باتفاق، مثاله حديث الترمذي عن بندار عن ابن مهدي عن الثوري عن واصل ومنصور والأعمش عن أبى وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله! أي الذنب أعظم، الحديث، فرواية واصل هذه مدرجة على رواية منصور والأعمش، لان واصلا لا يذكر فيه عمرواً، بل يجعله عن أبى وائل عن عبد الله إلى آخر ما بسطه السيوطي، وأنت خير بأن هذه الصورة بعينها هي في حديث الباب.