المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[من سورة بني إسرائيل] - الكوكب الدري على جامع الترمذي - جـ ٤

[رشيد الكنكوهي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في فضل فاتحة الكتاب]

- ‌[باب في آخر سورة البقرة]

- ‌[باب في سورة الكهف]

- ‌[باب ما جاء في يس]

- ‌[باب ما جاء في سورة الملك]

- ‌[باب في إذا زلزلت]

- ‌[باب في سورة الإخلاص]

- ‌[باب في المعوذتين]

- ‌[باب في فضل قارئ القرآن]

- ‌[باب في تعليم القرآن]

- ‌[باب من قرأ حرفاً من القرآن]

- ‌أبواب القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[من سورة آل عمران]

- ‌[سورة النساء]

- ‌[سورة المائدة]

- ‌[ومن سورة الأنعام]

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌[سورة التوبة]

- ‌[من سورة يونس]

- ‌[من سورة هود]

- ‌[من سورة يوسف]

- ‌[من سورة الرعد]

- ‌[من سورة إبراهيم]

- ‌[من سورة الحجر]

- ‌[من سورة النحل]

- ‌[من سورة بني إسرائيل]

- ‌[سورة الكهف]

- ‌[من سورة مري

- ‌[من سورة طه]

- ‌[من سورة الأنبياء]

- ‌[من سورة الحج]

- ‌[من سورة المؤمني

- ‌[سورة النور]

- ‌[من سورة الفرقان]

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌[سورة النمل]

- ‌[من سورة الروم]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌[سورة سبأ]

- ‌[سورة الملائكة]

- ‌[سورة يس]

- ‌[سورة الصافات]

- ‌[سورة ص]

- ‌[سورة الزمر]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الشورى]

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌[سورة الدخان]

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[سورة الفتح]

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌[سورة ق]

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌[سورة النجم]

- ‌[سورة القمر]

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌[سورة الحديد]

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌[سورة الحشر]

- ‌[سورة المممتحنة]

- ‌[سورة الصف]

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌[سورة المنافقين]

- ‌[سورة التغابن]

- ‌[سورة التحريم]

- ‌[سورة ن والقلم

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌[سورة سأل سائل

- ‌[سورة الجن]

- ‌[سورة المدثر]

- ‌[سورة القيامة]

- ‌[سورة عبس]

- ‌[سورة المطففي

- ‌[سورة إذا السماء انشقت]

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة ألم نشرح]

- ‌[سورة القدر]

- ‌[سورة لم يكن]

- ‌[سورة ألهاكم التكاثر

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الفتح

- ‌[سورة المعوذتين]

- ‌[باب]

- ‌أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب الداعي يبدأ بنفسه]

- ‌[باب ما يقول إذا رأى الباكورة]

- ‌[باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إل

- ‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

- ‌باب الصدقة مشتمل على أبواب شتى

- ‌[مناقب عمر]

- ‌[مناقب عثمان]

- ‌[مناقب علي]

- ‌[مناقب الحسن والحسي

- ‌[مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه

- ‌[باب في فضل فاطمة]

- ‌[فضل عائشة]

- ‌[باب في فضل المدينة]

- ‌[باب فضل مكة]

الفصل: ‌[من سورة بني إسرائيل]

[من سورة بني إسرائيل]

قوله [كأنما خرج من ديماس (1)] يعني لطيف نظيف.

قوله [أحدهما لبن والآخر فيه خمر] وإنما غير التعبير (2) فيهما إشارة إلى أن إناء اللبن كان في الصفاء والشفيف بحيث لم يكن يمنع النظر عن النفوذ فيه والوصول إلى محاسن اللبن، بخلاف الخمر فإن إناءها لم يكن كذلك فكأن ألاناه لم يكن في اللبن (3) وكأن اللبن لم يكن في إناء، ولذلك أطلق عليه نفسه، فقبل: أحدهما لبن بخلافها، وإنما عرضا كذلك ليرغب في اللبن دون الخمر. وفي قوله [غوت أمتك]

(1) قال القارى: بكسر الدال وتفتح على ما في القاموس: الكن والسرب والحمام، ثم لما كان له معان قال الراوي: ] يعني [أي يريد النبي صلى الله عليه وسلم به] الحمام [قال العسقلاني: هذا تفسير عبد الرازق، والمراد وصفة بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه كأنه خرج من حمام، انتهى. وقال العيني: قيل: الكن أي كأنه مخدر لم ير شمساً، وهو في غاية الإشراق والنضارة، انتهى.

(2)

وهذا ألطف مما قالت الشراح، كما حكاه القارى عن بعضهم من أنه جعله لبناً كله تغليباً للبن على الإناء لكثرته وتكثيراً لما اختاره، ولما كان الخمر منهياً عنه قلله، فقال: فيه خمر أي خمر قليل، انتهى. ثم في الحديث ذكر الانائين فقط، والروايات في ذلك مختلفة في عدد الآنية وما فيها من الماء والعسل واللبن والخمر، كما ذكرها الحافظ في حديث الإسراء، وجمع بأنها كانت أربعة من الأنهار الأربعة، فذكر بعض الرواة ما= =لم يذكره الآخر، وكذلك اختلفت الروايات في محل عرض الأواني هل كانت بيت المقدس عند فراغه عن الصلاة، أو بعد ما رفع له البيت المعمور، وحديث الباب عنه ساكت.

(3)

الظاهر بدله {لم يكن فيه اللبن} .

ص: 179

إشارة إلى أن في التلامذة والمسترشدين تأثيراً للأساتذة (1) والمرشدين كما أن في الأمم أثراً لأفعال المرسلين. قوله [وشد به البراق] وهذا (2) تعليم للأمة وجرى في عالم الأسباب على ما هو عادة الباري تعالي من ربطة الأمور بأسبابها، ومن هذا القبيل الإسراج والإلجام.

قوله [قمت في الحجر] واختياره لما له من الشرف لكونه جزء البيت وغير ذلك (3). قوله [رؤيا عين] يعني (4) أن الرؤيا لفظ مشترك في رؤية البصر ورؤية النوم، خصه قوله تعالى {أسرى بعبده} ، بأحد معنييه فترحج على الثاني. قوله [والشجرة

(1) ولذلك ترى هداة الأمة يمنعون عن التلمذ بالفساق والفجار فضلا عن الكفرة والملاحدة أشد المنع، فلله درهم ما أدق نظرهم.

(2)

قال الخازن: البراق اسم للدابة التي ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به، واشتقاقه من البرق لسرعته أو لشدة صفائه وبياضه ولمعاه وتلألؤه، والمراد بربطة بالحلقة الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله تعالى، انتهى.

(3)

ففي المرقات: (قمت في الحجر) أي في موضع بدئ بي الصعود أولا لينجلى لي الشهود ثانياً، انتهى.

(4)

قال الحافظ: زاد سعيد بن منصور عن سفيان في آخر الحديث: وليست رؤيا منام، واستدل به على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين في اليقظة، وأنكره الحريري تبعاً لغيره، وقالوا: إنما يقال رؤيا في المنام، وأما التي في اليقظة فيقال رؤية، وممن استعمل الرؤيا في اليقظة المتنبي في قوله: ورؤياك أحلى في العيون من الغمض انتهى.

وفي العيني: قال ابن الأنباري: الرؤية يقل استعمالها والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز استعمال كل منهما في المعنيين، انتهى. قال الخازن: الأكثرون من المفسرين على أنها المراد بها ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب، قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتاده ومجاهد وغيرهم، والعرب تقول: رأيت بعيني رؤية ورؤيا، وقيل: أراد بهذه الرؤيا ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مسكة هو وأصحابه فعجل المسير إلى مكة قبل الأجل فصده المشركون، فكان رجوعه في ذلك العام بعد ما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم، ثم دخل مكة في العام المقبل وانزل الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ {وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى= =في المنام أن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة فساءه ذلك، فان قيل: هاتان الواقعتان كانتا بالمدينة والسورة مكية، أجيب بأنه لا إشكال فيه فأنه لا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك بمكة ثم كان ذلك حقيقة في المدينة، انتهى.

ص: 180

الملعونة في القرآن] أي وجعلناها فتنة أيضاً وهي أن الكفار (1) لما سمعوا كونها

(1) قال الخازن: الشجرة الملعونة يعني شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى في سورة الصافات، والعرب تقول لكل طعام مكروه طعام ملعون، والفتنة فيها أن أبا جهل قال: إن ابن أبى كبشة يعني النبي صلى الله عليه وسلم توعدكم بنار تحرق الحجارة ثم بزعم أنه تنبت فيها شجرة، وتعلمون أن النار تحرق الشجر. فان قلت: أين لغنت شجرة الزقوم في القرآن؟ قلت: لعنت حيث لعن الذين يأكلونها لأن الشجرة لا ذنب= =لها حتى تلعن، وإنما وصفت بلعن أصحابها مجازاً، وقيل: وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة، وهي في أصل جهنم في أبعد مكان من الرحمة، انتهى.

ص: 181

في الجحيم أنكروا أن تكون النار تنبت نباتا ولم يعلموا أن الله على كل شيء قدير قوله [على صورة آدم] ولا أدري (1) لم وقع التصريح بكونه على (2) صورة آدم في أًحاب النيران وترك ذلك لأصحاب الجنان، فليسأل. ثم لا يذهب عليك أن الكفرة المردة وقع في مقدار أجسامهم روايات مختلفة والكل حق لا تدافع، فأما كونهم كأمثال (3) الذر ففي أول الحشر لتطأهم أرجل الرجال تحقيراً لهم، ثم يجعل طولهم

(1) ولعل الباعث لذلك أن كون أهل الجنان على صورة آدم عليه السلام وهو أيضاً من أهل الجنة كان ظاهراً فترك التصريح للظهور، وقد ورد في الروايات الصحيحة عند الشيخين وغيرهما أن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب درى في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء، الحديث. بخلاف الكافر فان كونه على صورة آدم كان خفياً، لاسيما وقد ورد في الروايات من أن ضرسه أو نابه مثل أحد، وغلط جلده مسيرة ثلاث، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده مثل الربذة، وأن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة، وأن ما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع، وغير ذلك من الروايات، فاحتاج إلى التصريح بتصويره، ولا يذهب عليك أن في رواية الدر عن الترمذي وغيره من جماعة المخرجين زيادة لفظ (نار) ليست في النسخ التي بأيدينا من الهندية والمصرية، ولفظها في بيان الكافر: ويلبس تأجاً من نار فيراه أصحابه، الحديث. وهو أوفق بالمقصود.

(2)

هذا على سياق الترمذي، وبعض الروايات خالية عن ذلك، فلا إشكال ولا جواب.

(3)

ففي المشكاة برواية الترمذي مرفوعاً: يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة في صور الرجال يغشاهم الذي من كل مكان، الحديث. وبما أفاده الشيخ من الجمع جزم به القارى إذا قال بعد ما حكى عن بعضهم أنه تشبيه ومجاز بالذل والهوان: التحقيق أن الله يعيدهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صورهم وجمع أجزائهم المعدومة تحقيقاً لوصف الإعادة على وجه الكمال، أي التي في قوله عز اسمه {كما بدأنا أول خلق نعيده {ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصورة المذكورة إهانة وتذليلاً لهم جزاءاً وفاقاً، أو يتصاغرون من الهيبة الإلهية عند مجيئهم إلى موضع الحساب، وقد ثبت تبديل صور أهل جهنم على أشكال مختلفة وصور مختلفة، كصور الكلاب والخنازير بحسب ما يليق بصفاتهم وأحوالهم، وقد تكبر جثهم حتى يكون الضرس كجيل أحد، وكذا تغيير صور أهل الجنة من السواد إلى البياض ومن القصر إلى الطول، وبه يزول الأشكال، انتهى.

ص: 182

ستون ذراعا بعد الحساب حين يؤتون كتبهم ويبلغون أجزيتهم، ثم تجعل في جهنم فوق ذلك ليذوقوا العذاب، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: يكون ضرس الكافر مثل أحد.

قوله [بمخصرة] هي أعم وكانت جريدة من عسب النخل، وفي طعنة صلى الله عليه وسلم هذه النصب دلالة على أن التصوير لا تعظيم له لمن كان، سواء كان لنبي أولى، وأما دفنه صلى الله عليه وسلم شبهي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (1) والحذر عن كسرهما فلئلا يفتنوا ويقولون: يدعى دين إبراهيم ويفعل بشبيهه هكذا.

(1) لم أجده نصاً بعد، وأفاد بعض مشايخ العصر أنه رأى ذلك في بعض كتب السير، لكن لم أظفر عليها إلى الآن، إلا ما في السيرة الحلبية عن كلام سبط ابن الجوزى، قال الواقدي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعثمان أن يقدما إلى البيت، وقال لعمر: لا تدع صورة حتى تمحوها إلا صورة إبراهيم، هذا كلامه فليتأمل، وفيها وفي الزرقاني على المواهب: كان عمر رضي الله عنه ترك صورة إبراهيم، فقال: يا عمر ألم آمرك أن لا تترك فيها صورة، قاتلهم الله حيث جعلوه شيخاً يستقسم، وقال الحافظ: روى أبو داؤد الطبالسي عن أسامة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرآى صوراً، فدعاء بماء فأتيته به، فضرب به الصور، فهذا يدل على أن بقية منها بقيت بعد أن مجاها عمر.

ص: 183

قوله [عن أمر ربي] وإنما اقتصر (1) في الجواب على هذا القدر لأنه كان مكتوباً في التوراة فأجيبوا على حسبه وإلا لأنكروه، واختلف (2) في أن

(1) كما بسطه صاحب الجمل أن قريشاً أرسلت نفراً إلى اليهود تسألهم عنه، فقالت اليهود: سلوه عن ثلاثة أِياء، فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شئ منها فليس بنبى، وإن أجاب عن اثنين ولم يجب عن واحد فهو بني، فاسألوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول، وعن رجل بلغ المشرق والمغرب، وعن الروح، ثم ذكر القصة مفصلة، وفيها تزول {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} الآية، ونزول {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} الآية، ونزول {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} وحكى عن أبي السعود، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح، وهو مبهم في التوراة، انتهى. وهكذا في البيضاوي مختصراً، وبسط الحافظ في تفسير الفتح في المراد بالروح، وذكر قريباً من عشرة أقوال.

(2)

كما بسط الحافظ في الفتح إذا قال: قال ابن بطال: معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه بدليل هذا الخبر، وقال بعضهم: ليس في الآية دلالة على أن الله تعالى لم يطلع نبيه على حقيقة الروح، بل يحتمل أن يكون أطلعه، ولم يأمره أنه يطلعهم، وممن رأى الإمساك عن الكلام فيه أستاذ الطائفة أبو القاسم، وحكى عن الجنيد أنه قال: الروح استأثر الله بعمله ولم يطلع عليه أحداً من خلقه، وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير، وخالف الجنيد ومن تبعه من الأئمة جمع من متأخري الصوفية فأكثروا من القول في الروح، وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها، وعاب من أمسك عنها، انتهى مختصراً.

ص: 184

حقيقتها هل تتكشف، فقيل: نعم للأولياء، وقيل: لا.

قوله [حتى صعد الوحي (1)] أي جبرئيل عليه السلام. قوله [أما إنهم يتقون بوجوههم] توكيد للأقدار، ولا ينافي وجود الحدب والشوكة ثم ما ورد من أن الأرض تنبسط وتسوى حينئذ (2) لأن المعنى على التقدير أي لو وجد هناك شوك وحدب لا تقوه، فكان تماماً في الأقدار على المشي بالأوجه، ولا ضير في أن يقال: يخلق في الأرض مع بسطها واستوائها شوك وحدب ليتأذوا بها، والبسط إنما هو للاتساع، وهذا لا ينافي اتساع الأرض.

قوله [وتجرون على وجوهكم] وهذا لا ينافي المشي على الوجوه السابق

(1) هكذا لفظ البخاري في (باب كثرة السؤال) من كتاب الاعتصام، وفي المجمع: صعد الوحي أي حامله.

(2)

كما بسط السيوطي الآثار في ذلك تحت قوله عز اسمه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ، فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا {الآية في آخر طه، وشيئاً منها تحت قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} الآية في آخر سورة إبراهيم، وتحت قوله عز اسمه:{وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ} الآية في آخر سورة الانشقاق، وبسط الحافظ في الفتح في الجمع بين مختلف ما ورد من الروايات في الحشر أشد البسط، ويظهر من كلامه أن الاتقاء بالوجه يكون في حشر غير الحشر الذي يبسط فيها الأرض.

ص: 185

ذكره عن قريب، فلعله في حين (1) وهذا في حين أو يفعل هذا ببعض وهذا ببعض. قوله [فانه إن يسمعها] بأن يبلغه (2) أحد يسمعه منا.

قوله [عن تسع آيات] فأما (3) أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذه الأحكام

(1) فقد قال القرمطي: الحشر أربعة: حشران في الدنيا وحشران في الآخرة، فالذي في الدنيا أحدهما المذكور في سورة الحشر في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، والثاني الحشر المذكور في أشراط الساعة، وقد ورد فيه عدة روايات: منها نار تخرج من قمر عدن ترحل الناس إلى المحشر، وفي رواية: تبيت معهم حيث باتوا وتقبل معهم حيث قالوا، تسوقهم سوق الجمل الكسير، وجمع بين الروايات الواردة في ذلك، والثالث حشر الأموات من قبورهم إلى الموقف، والرابع حشرهم إلى الجنة أو النار، كذا في الفتح ملخصاً.

(2)

وقال القارى: أي لو سمع قولك: إلى هذا النبي، لكان له أربع أعين، أي يسر بقولك سروراً يمد الباصرة فيزداد به نوراً على نور كنى عينين أصبح يبصر بأربع، فإن الفرح يمد الباصرة كما أن الهم والحزن يخل بها ولذا يقال لمن أحاطت به الهموم: أظلمت عليه الدنيا، انتهى.

(3)

قال القارى: الآية العلامة الظاهرة تستعمل في المحسوسات كعلامة الطريق، والمعقولات كالحكم الواضحة، فيقال لكل ما تتفاوت فيه المعرفة آية وللمعجزة آية، ولكل جملة دالة على حكم من أحكام الله آية، لكل كلام منفصل بفصل لفظي آية، والمراد بالآيات هاهنا إما المعجزات التسع، وهي: العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات، وعلى هذا فقوله: لا تشركوا كلام مستأنف ذكره عقيب الجواب، لو يذكر الراوي الجواب استغناء بما في القرآن أو بغيره، ويؤيده ما في خبر الترمذي أنهما سألاه عن هذه الآية، يعني {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ {وإما الأحكام العامة الشاملة للملل الثابتة في كل الشرائع، وبيانها ما بعدها، وقوله: عليكم خاصة حكم مستأنف زايد على الجواب، انتهى. قلت: وهكذا هو نص البيضاوي، لكنه ذكر في الاحتمال الأول قولين: أحدهما المذكور، والثاني ذكر فيه انفجار الماء من الحجر، وانقلاب البحر، ونتق الطور على بنى إسرائيل، مكان الطوفان، والسنين، ونقص الثمرات. وذكر الخازن في تفضيل المعجزات أقوالا أخر بتغير يسير مما سبق.

ص: 186

التسعة المذكورة هاهنا بعد ما ذكر المعجزات التسع، أو يقال: إن الآيات التسع في القرآن، وإن كانت أريد بها هي المعجزات التسع من الطوفان والجراد والقمل وغير ذلك، لكنها في التوراة كانت هي الأحكام المذكورة في الجواب، فأجابهم على حسب ما كان في كتابهم، ولعلهم لما سمعوا أن الآيات التسع في القرآن هي المعجزات وكان في كتابهم غير ذلك، سألوه صلى الله عليه وسلم عنها ليجيب على حسب ما ورد في كتابه فيكذبوه، فأجابهم بما في كتابهم فلذلك سكتوا وسلموا، وفي الحديث دلالة على جواز تقبيل الأيدي والأرجل.

قوله [إن داود دعا الله] وقد كذبوا فيما قالوا (1) وأما ذكرهم خوف اليهود أن تقتلهم فلعلهم كذبوا فيه أيضاً، فان من أسلم من أهل الكتاب لم يقتل فكيف خافوا على أنفسهم القتل.

(1) وتقدم في (باب قبلة اليد والرجل) ما قال القارى أن ذلك افتراه محص على داود عليه السلام، فأنه قرأ في التوراة والزبور بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم النبيين، وأنه ينسخ به الأديان، فكيف يدعو بخلاف ذلك، ولئن سلم فعيسى من ذريته وهو نبي باق إلى يوم الدين، انتهى.

ص: 187

قوله [قال سفيان يقول قد احتج] أي غلب (1) في حجته، وإنما افتقر إلى التفسير لأن الظاهر من الفلاح هو الخلاص، ولا يناسب هاهنا.

قوله [أفتراه صلى فيه] ولعله ذكر الآية لما أن دخول المسجد ليس إلا للصلاة إلا أنه سكت عن ذكرها لما لم تكن الآية نصا فيها، ثم هذا مقال (2)

(1) ظاهر كلام الشيخ أن قوله: قد احتج تفسير من سفيان لقوله: أفلح، وهذا هو الأوجه، بل هو المتعين، والمعنى أن الراوي قد ذكر بلفظ أفلح، والمقصود منه احتج وفاز بالحجة، وقد رواه بلفظ: فلج، قال المجد: الفلج الظفر والفوز كالافلاج، وفي المجمع: الفالج الغالب في قمار فلجة وفلج عليه إذا غلب، انتهى. ولما كان معنى الغلبة في لفظ فلج لم يحتج إلى تفسيره وفسر الأول لخفاء معنى الغلبة فيه، وهذا إذا كان الأول بالحاء المهملة. والثاني بالجيم، وأما إذا كانا كلاهما بالمهملة أو كلاهما بالجيم، فان نسخ الترمذي هاهنا مختلفة مشتبهة، فاكتفى على تفسير الأول استغناء به عن الثاني، وأياما كان فالظاهر من سياق العبارة أنه تفسير عن سفيان، فما يظهر من كلام المحشي أنه رواية أخرى مكان أفلح بأياه السياق، ولا يذهب عليك أيضاً أن النسخة المصرية وقع فيها هاهنا تخليط وسياقها هكذا: فقال حذيفة: من احتج بالقرآن فقد قال سفيان: يقول فقد احتج، وربما قال: أفلح، انتهى. وقال ألدمنتي: من احتج بالقرآن فقد أفلج، بفاء فلام فجيم: غلب، وبحاء يدل جيمه وبفوقية فجيم، انتهى. والحديث أخرجه الحاكم برواية أبي بكر بن أبى عياش عن عاصم مختصراً ليس فيه هذا اللفظ، وأخرجه أحمد بطرق منها طريق شيبان عن عاصم ولفظه: قال: من تكلم بالقرآن فلج، الحديث.

(2)

ولذا أنكر عليه عامة أهل التحقيق من شراح الحديث وغيرهم، فقد قال الحافظ في الفتح: فهذا لم يسنده حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أنه قال عن اجتهاد، وقال في موضع آخر: ولعل حذيفة أشار إلى ما وقع في ليلة الإسراء المجردة التي لم يقع فيها معراج على ما تقدم من تقرير وقوع الإسراء مرتين، وقال في موضع آخر: وقوله في حديث ثابت: فربطته بالحلقة، أنكره حذيفة فيما روى أحمد والترمذي من حديثه، وقال البيهقي: المثبت مقدم على النافي، يعني من أثبتت ربطة البراق والصلاة في بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول، وأنكر حذيفة الصلاة في بيت المقدس واحتج بأنه لوصلي فيه لكتب عليكم، والجواب عنه منع التلازم في الصلاة إن كان أراد بقوله: كتب عليكم، الفرض، وإن أراد التشريع فنلتزمه، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في بيت المقدس، فقرنه بالمسجد الحرام ومسجده في شد الرحال، وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث، ثم بسط الحافظ في ذكر الروايات الدالة على ربط البراق والصلاة فيه. وقال القسطلاني في المواهب: قد أنكر حذيفة ربط البراق بالحلقة وصلاته صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس، وتعقبه البيهقي وابن كثير بأن المثبت مقدم على النافي وقد وقع ذلك في رواية بريده عند البراز: لما كان ليلة أسرى به، فأتى جبرئيل الصخرة التي بيت المقدس فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق، ونحوه للترمذي، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي: فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء تربطها فيه، فدخلت أنا وجبرئيل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، وفي رواية ابن مسعود نحوه، زاد: ثم دخلت المسجد، فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد، ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبرئيل فقدمني فصليت بهم، وفي حديث ابن مسعود أيضاً عند مسلم: وحانت الصلاة فأتمهم، وفي حديث أبي سعيد: ثم سار حتى أتي بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، وذكر غير ما تقدم من الروايات، ثم قال: قال القاضي عياض: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء جميعاً في بيت المقدس. ثم صمد إلى السماء، ويحتمل أن يكون صلى بهم بعد أن هبط من السماء فهبطوا أيضاً، والأظهر أن صلاته بهم كان قبل المروج. وقال ابن كثير: صلى بهم قبل العروج وبعده، فان في الحديث ما يدل على ذلك، ولا مانع منه، وقد اختلفت في هذه الصلاة هل هي فرض أو نقل؟ وإذا قلنا إنه فرض فأي صلاة هي؟ قال بعضهم: الأقرب أنها الصبح، ويحتمل العشاء، وإنما يتأتى على قول من قال: إنه صلى بهم قبل المعروج، وأما على قول من قال: صلى بهم بعد العروج، فتكون الصبح، انتهى مختصراً.

ص: 188

من حذيفة على حسب علمه، وإلا فصلاته صلى الله عليه وسلم فيه ثابته بالصحاح الأخبار

ص: 189

وكذلك ما قال فيما بعد [ويتحدثون أنه ربطة] وقد ثبت أيضاً، وكان حذيفة يسمعها أفواهاً، أما لو أسمعه صحابي أو تابعي عن صحابي لما أنكره.

قوله [لما] استفهام ثم أجاب عنه بنفسه [ليفر] أي افتراء ربطة خوفاً عليه من الفرار، أفتظنه يفر وقد سخر الله تبارك وتعالى إياه له.

قوله [فيفزع الناس ثلاث فزعات] فيفزعون (1) مرة ويسكتون، ثم

(1) قال القرطبي: كان ذلك يقع أذا جيء بجهنم، فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على ركبهم، كذا في الفتح. قلت: ولا يبعد أن يراد بالفزعات الثلاثة النفخات الثلاثة، قال تعالى:{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} الآية في آخر سورة النمل، لكنه موقوف على كون النفخات ثلاثة كما مال إليه ابن العربي وغيره، ورجح الحافظ أنها ثنتين فقط.

ص: 190

يفزعون مرة أخرى ولا يرجعون إلى أحد، ثم يطلبون الشفاعة في الثالثة.

قوله [إني دعوت على أهل الأرض] المراد (1) بذلك أني دمرت بدعوتي خلقاً كثيراً، فأخشى أن يعاتبني الله على ذلك أو المعنى أنى أنفذت دعوتي التي وعد لي أجابتها، فلست على ثقة إن شفعت لكم أن تقبل مني.

قوله [فأنطلق معهم] أي في حاجتهم لامعهم حقيقة، ثم ورد (2) بعد

(1) تقدم الكلام على جوابه وعلى جواب إبراهيم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام في حديث الشفاعة، فارجع إليه.

(2)

كما تقدم بيان ذلك في هامش حديث الشفاعة، ثم اختلف في المراد بالمقام المحمود، قال البيضاوي: قوله تعالى: {مَقَامًا مَحْمُودًا أي مقاماً يحمده القائم فيه وكل من عرفه، وهو مطلق في كل مقام يتضمن كرامة، والمشهور أنه مقام الشفاعة لما روى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي، ولإشعاره بأن الناس يحمدونه لقيامه فيه، انتهى. وفي الجلالين: هو مقام الشفاعة في فصل القضاء، وفي الجمل عن الخطيب: قال الواحدي: أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة إلخ. وقال الحافظ في التفسير: قبل: المراد بالمقام المحمود أخذه بحلقة باب الجنة، وقيل: إعطاؤه لواء الحمد، وقيل: جلوسه على العرش، انتهى. وقال أيضاً في أبواب الآذان: قال ابن الجوزى: الأكثر على أن المراد بالمقام الشفاعة، وقيل: إجلاسه على العرش. وقيل: على الكرسي، وحكى كلا من القولين عن جماعة، وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الاجلاس علامة الإذن في الشفاعة، ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور، وأن يكون الاجلاس هي المنزلة المعبر عنها الوسيلة أو الفضيلة، وفي صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعاً: يبعث الله فيكسوني ربي حلة خضراء، فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود، ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة، ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة، انتهى.

ص: 191