الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتواضع، وإنما كان لا يرتضيه صلى الله عليه وسلم لكونه منجرًا إلى ما هو مذموم في آخر الأمر. قوله [إني إذن لبذرة] وقد كانت سألتها قبل ذلك فلم تخبر لكونها قد منعت عنه (1)، وإذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم أخبرت.
قوله [ثم أخبرني أني الخ] ذكرت (2) ها هنا شيئًا من الشيئين الذين أخبرها بهما، كما يجيء الثاني منهما بعد ذلك من كونها سيدة نساء الجنة.
[فضل عائشة]
قوله [جاء بصورتها] وليس النهي عن التصوير إلا لنا، فلا يحتاج إلى الجواب (3) بأن ذلك قبل النهي.
قوله [في الدنيا والآخرة] وكونها زوجته في الآخرة فضل لها ووعد
(1) كما هو مصرح في روايات الصحيحين وغيرهما من أن عائشة لما سألته أولًا في حياته صلى الله عليه وسلم ما أخبرت، وقالت: لا أفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخبرت بذلك لما سألتها ثانيًا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ ولعل ذلك لأن وفاته صلى الله عليه وسلم لم يبق سرًا إذ ذاك، وبوب البخاري على الحديث في كتاب الاستئذان (باب من ناجى بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به).
(2)
وبسط ذلك الحافظ في آخر المغازي في (باب وفاته صلى الله عليه وسلم.
(3)
كما أجاب به المحشى إذ قال: والتصاوير إنما حرمت بعد النبوة بل بعد القدوم بالمدينة، وأيضًا حرمتها إنما كانت في هذا العالم. انتهى.
بمغفرتها. قوله [استعمله على جيش ذات السلاسل (1)] وفيهم أبو بكر وعمر، فظن أنه أحب الناس إليه (2) صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك لما أمره عليهم، فلما رجع سأل، وأجيب خلاف ما ظن فسكت، وإنما كان أمره عليهم لما له من بصيرة (3)
(1) قال الحافظ: بالمهملتين والمشهور أنها بفتح الأولى على لفظ جمع السلسة، وضبطه كذلك أبو عبيد البكري، قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، وضبطها ابن الأثير بالضم، وقال: هو بمعنى السلسال أي السهل. انتهى، وبوب البخاري في صحيحه (باب غزوة ذات السلاسل وهي غزوة لخم وجذام، قاله إسماعيل بن أبي خالد) قال الحانظ: وقيل: سميت بذلك السلاسل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا، وقيل: لأن بها ماء يقال له السلسل، وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام، وقال: وكانت في جمادى الأخرى سنة ثمان من الهجرة، وقيل: كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق، فقال: قبلها. انتهى.
(2)
قال الحافظ: وقع عند ابن سعد سبب هذا السؤال، وأنه وقع في نفس عمرو لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر: أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم، فسأله لذلك، انتهى. زاد البخاري في المناقب بعد حديث الباب: فقلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب، فعد رجالًا، قال الحافظ زاد في المغازي من وجه آخر: فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم، انتهى.
(3)
قال الحافظ: ذكر ابن إسحاق أن أم عمرو بن العاص كانت من بلي، فعبث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو يستنفر الناس إلى الإسلام ويستألفهم بذلك، وروى إسحاق بن راهويه والحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة: أن لا يوقدوا نارًا، فأنكر ذلك عمر، فقال له أبو بكر دعه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعثه علينا إلا لعلمه بالحرب، فسكت عنه فهذا السبب أصح إسنادًا من الذي ذكره ابن إسحاق، لكن لا يمتنع الجمع، وروى ابن حبان من طريق قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في ذات السلاسل، فسأله أصحابه أن يوقدوا نارًا فمنعهم، فكلموا أبا بكر فكلمه في ذلك. فقال: لا يوفد أحد منهم نارًا إلا قذفته فيها، قال: فلقوا العدو فهزموهم، فأرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال: كرهت أن آذن لهم، أن يوقدوا نارًا فيرى عدوهم قلتهم، وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد، فحمد أمره، فقال: يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ الحديث، انتهى.
في الحرب ونظر في مواقعها، فإنه لما نزل على قرب العدو منع أن يوقد أحد نارًا والناس في شدة من البرد، فغاظ ذلك عمر رضي الله عنه فشكى إلى أبي بكر وبين له ما لهم من العناء، فقال أبو بكر: إنما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا حين رآه أهلًا لذلك، فالسمع والطاعة، فسكت عمر، حتى إذا كان في آخر الليل أغار على العدو فهزموا، وحصلت للمسلمين غنيمة، فبين لهم عمرو بن العاص عذره في منع الاستيقاد.
قوله [وما بي أن أكون أدركتها] أي لم يكن لي إدراكها في الزمان (1)
(1) ويؤيد هذا المعنى ما في أكثر الروايات من الصحيحين وغيرهما بلفظ: ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وفي بعضها: ما غرت على خديجة هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه، قال الحافظ: قوله ما رأيتها، وفي رواية مسلم من هذا الوجه: ولم أدركها، ولم أر هذه اللفظة إلا في هذه الطريق، نعم أخرجها مسلم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ: وما رأيتها قط، ورؤية عائشة لخديجة كانت ممكنة، وأما إدراكها لها فلا نزاع فيه؛ لأنه كان لها عند موتها ست سنين، كأنها أرادت بنفي الرؤية والإدراك النفي بقيد اجتماعها عنده صلى الله عليه وسلم، أي لم أرها وأنا عنده ولا أدركتها كذلك، انتهى، قلت: ولهذا الإشكال ذكر الشيخ معنى آخر للإدراك، وقال الدمنتي في قوله ما غرت: قال الطيبي: ما الثانية مصدرية أو موصولة، أي مثل الذي غرت.
فإنها ماتت قبلي، أو لم يكن لي أن أدرك فضلها، فإن الفضل لها، وإنما غرت حسب اقتضاء البشرية. قوله [خير نسائها] أي الدنيا (1)، فكل منهما أفضل نسوة زمانها، ويمكن تقدير (2) العبارة
(1) قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة، يعني به الدنيا، وقال الطيبي: الضمير الأول يعود على الأمة التي كانت فيها مريم، والثاني على هذه الأمة، إلى آخر ما بسطه، وهذا على سياق المشكاة، فإن فيه ذكر مريم مقدم بخلاف سياق الترمذي، والمآل واحد.
(2)
وهو مختار الحافظ إذ قال: والذي يظهر لي أن قوله: خير نسائها خبر مقدم، والضمير لمريم، فكأنه قال: مريم خير نسائها أي نساء زمانها، وجاء ما يفسر المراد صريحًا، فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه: لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين، وهو حديث حسن الإسناد.
بحيث يكون المرجع مذكورًا في العبارة، وهو أن يكون «خديجة» مبتدأ و «خير نسائها» خبرًا عنه، والمجرور راجع إلى خديجة بأدنى ملابسة، أو بحذف المضاف وهو الزمان، وكذلك في القرينة الثانية.
قوله [فقال: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] وحاصل جوابه أن النهي إنما هو عن النوافل، وأما ما حدث سبب (1) وجوبه إذ ذاك فلا، كالسجدة التي وجبت بتلاوة القرآن، وصلاة الجنازة التي وجبت بحضورها، وكذلك حدوث الآية سبب للسجدة. قوله [عام الفتح] ويجاب بتعدد الوقعة (2)، ولا يبعد
(1) ولعل السجدة تكون واجبة لإطلاق الأمر، أو يكون مسلكه جواز الصلاة ذات السبب في هذه الأوقات، كما قالت به الشافعية، وذكر صاحب جمع الفوائد برواية رزين: ماتت سودة فسماها، وقال القاري: هي صفية، وقيل: حفصة، وقال الطيبي: الحديث مطلق، فإن أريد بالآية خسوف الشمس والقمر، فالمراد بالسجود الصلاة، وإن كانت غيرهما، كمجيء الريح الشديدة والزلزلة وغيرهما، فالسجود هو المتعارف، ويجوز الحمل على الصلاة أيضًا لما ورد: كان إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة، انتهى. قلت: وهو الصواب على أصول الحنفية، وكذا المالكية بخلاف الشافعية والحنابلة، فيحمل على مجرد السجود.
(2)
وبالتعدد جزم عامة شراح الحديث من الحافظ والعيني وغيرهما، وتبعهم القسطلاني في المواهب، لكن كلامهم يشير إلى أن كلتا القصتين وقعتا في شكوى الوفاة، وعلى هذا فلفظ «عام الفتح» خطأ من أحد الرواة، مع أن في السند من يخطأ، لكنه مؤيد بعدة روايات أخر ذكرها السيوطي في الدر في تفسير سورة النصر والقسطلاني، تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت سورة النصر- سار فاطمة باقتراب أجله، واختلفت الروايات في عام نزولها، ففي غير واحد من الروايات أنها نزلت عام الفتح، وفي أكثرها عام حجة الوداع، والظاهر عندي بملاحظة هذه الروايات كلها أن إحدى القصتين وقعت عند نزل هذه السورة، والثانية في مرض الوفاة.
السرور (1) والبكاء في كليهما إذا الأمر فظيع.
قوله [سألتها] وإنما كانت سألتها بما لها من الحق (2) عليها لكونها زوج أبيه، فلما سلمت حقها ذلك وأخبرت علم حق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة خاصة وعامة، وبذلك يصح إيراد الحديث هاهنا.
قوله [وإذا مات صاحبكم فدعوه] أراد بالصاحب (3) نفسه، والمعنى إذا مضيت عنكم فلا يهمنكم شأني واتركوني مشتغلين بطاعاتكم وعباداتكم، أو المراد
(1) لا سيما إذا كانت بين القصتين برهة من الزمان.
(2)
كما في المشكاة برواية الشيخين عن عائشة، وفيها: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك، قالت: ما كانت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفي قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم، الحديث. قال القاري: قوله من الحق أي من الأمومة الثانية، أو الأخوة، أو المحبة الصادقة، أو المودة السابقة، فما موصولة. انتهى.
(3)
قال القاري: إذا مات صاحبكم أي واحد منكم، ومن جملة أهليكم فدعوه، أي اتركوا ذكر مساويه، فإن تركه من محاسن الأخلاق، ولهم صلى الله عليه وسلم على حسن المعاملة مع الأحياء والأموات، وقيل: إذا مات اتركوا مجيته والبكاء عليه، والأحسن أن يقال: فاتركوه إلى رحمة الله تعالى، وقيل: أراد به نفسه الشريفة، أي دعوا التحسر والتلهف علي، فإن في الله خلفًا عن كل فائت، وقيل: معناه إذا مت فدعوني، ولا تؤذوني بإيذاء عترتي وأهل بيتي، انتهى.
كل صاحب (1) لكم إذا انقضى ومات فدعوه، إن كان خيرًا فلا تشتغلوا بتذكاره والبكاء عليه، وإن كان شرًا فلا تذكروا مساويه، وقوله: أنا خيركم لأهلي، فيه بيان لفضيلة الأهل، حيث عامل النبي صلى الله عليه وسلم معهن خيرًا، ولو لاقيهن ما يوجب ذلك لم يفعل.
قوله [أخرج إليهم وأنا سليم الصدر] فيه تنبيه على فضل الأزواج، إذ يعلم منه بقاؤه فيهن ما دام فيهن بسلامة صدره، فلم يكن يسخط على إحداهن، أي إذا طلب خروجه من بيوته إليهم سليم الصدر، وذلك بأن لا يبلغ أحد عن أحد، علم أنه سليم الصدر ما دام فيها، فعلم رضاه منهن جميعًا، فافهم.
قوله [رجل] وهو السدي (2) كما بينه بعد. قوله [لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار] يعني أن الله أنعم علي بفاضلة الهجرة، ولولا ذلك لجعلني من الأنصار، فبين بذلك ما للنصرة من المزية.
قوله [ابن أخت القوم منهم] هذا دليل (3) لجعله من ذوي الأرحام.
قوله [فكتب إليه] بيان لكتب الأول وفاعله زيد بن أرقم. قوله [كالرامي بيديه] أي الذي يرمي بهما شيئًا. قوله [خير الأنصار بنو عبد الأشهل] الخيرية
(1) قلت: ويؤيد ذلك ما في نسخة لأبي داود بلفظ: إذا مات أحدكم.
(2)
يعني زاد بعضهم بين إسرائيل والوليد واسطة السدي كما سيأتي في السند الآتي، والمراد بالسدي على الظاهر هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وقصة من قال في القسمة معروفة عند البخاري وغيره بغير هذا السند عن ابن مسعود.
(3)
قال الحافظ: استدل بذلك من قال بأن ذوي الأرحام يرثون كما يرث العصبة، وحمله من لم يقل بذلك على أن المراد منهم في المعاونة والانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك، انتهى مختصرًا.