المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[من سورة آل عمران] - الكوكب الدري على جامع الترمذي - جـ ٤

[رشيد الكنكوهي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في فضل فاتحة الكتاب]

- ‌[باب في آخر سورة البقرة]

- ‌[باب في سورة الكهف]

- ‌[باب ما جاء في يس]

- ‌[باب ما جاء في سورة الملك]

- ‌[باب في إذا زلزلت]

- ‌[باب في سورة الإخلاص]

- ‌[باب في المعوذتين]

- ‌[باب في فضل قارئ القرآن]

- ‌[باب في تعليم القرآن]

- ‌[باب من قرأ حرفاً من القرآن]

- ‌أبواب القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[من سورة آل عمران]

- ‌[سورة النساء]

- ‌[سورة المائدة]

- ‌[ومن سورة الأنعام]

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌[سورة التوبة]

- ‌[من سورة يونس]

- ‌[من سورة هود]

- ‌[من سورة يوسف]

- ‌[من سورة الرعد]

- ‌[من سورة إبراهيم]

- ‌[من سورة الحجر]

- ‌[من سورة النحل]

- ‌[من سورة بني إسرائيل]

- ‌[سورة الكهف]

- ‌[من سورة مري

- ‌[من سورة طه]

- ‌[من سورة الأنبياء]

- ‌[من سورة الحج]

- ‌[من سورة المؤمني

- ‌[سورة النور]

- ‌[من سورة الفرقان]

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌[سورة النمل]

- ‌[من سورة الروم]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌[سورة سبأ]

- ‌[سورة الملائكة]

- ‌[سورة يس]

- ‌[سورة الصافات]

- ‌[سورة ص]

- ‌[سورة الزمر]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الشورى]

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌[سورة الدخان]

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[سورة الفتح]

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌[سورة ق]

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌[سورة النجم]

- ‌[سورة القمر]

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌[سورة الحديد]

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌[سورة الحشر]

- ‌[سورة المممتحنة]

- ‌[سورة الصف]

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌[سورة المنافقين]

- ‌[سورة التغابن]

- ‌[سورة التحريم]

- ‌[سورة ن والقلم

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌[سورة سأل سائل

- ‌[سورة الجن]

- ‌[سورة المدثر]

- ‌[سورة القيامة]

- ‌[سورة عبس]

- ‌[سورة المطففي

- ‌[سورة إذا السماء انشقت]

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة ألم نشرح]

- ‌[سورة القدر]

- ‌[سورة لم يكن]

- ‌[سورة ألهاكم التكاثر

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الفتح

- ‌[سورة المعوذتين]

- ‌[باب]

- ‌أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب الداعي يبدأ بنفسه]

- ‌[باب ما يقول إذا رأى الباكورة]

- ‌[باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إل

- ‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

- ‌باب الصدقة مشتمل على أبواب شتى

- ‌[مناقب عمر]

- ‌[مناقب عثمان]

- ‌[مناقب علي]

- ‌[مناقب الحسن والحسي

- ‌[مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه

- ‌[باب في فضل فاطمة]

- ‌[فضل عائشة]

- ‌[باب في فضل المدينة]

- ‌[باب فضل مكة]

الفصل: ‌[من سورة آل عمران]

وإن كان مثل هذا التكليف جائزاً غير واقع، ثم قوله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَاّ وسْعَهَا} على هذا التقدير تفسير وبيان لما أراده في قوله: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ} ، وليس تحقيقًا مسقطًا لحكم آخر، وقوله (1):{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ} مدح لهم على الائتمار والامتثال مع ما علموا أن القيام به شديد، هذا ما ظهر لي في ما يتعلق بالمرام، ولا أدري أصحيح هو أم فيه سقام.

[من سورة آل عمران]

قوله [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الذين إلخ] يعني أنه فسر الآية أولاً وبين معانيها (2)، ثم قال ذلك، لا أنه اقتصر في الجواب عنها على هذا القدر

(1) ففي البحر المحيط عن ابن عطية: سبب نزول الآية أنه لما نزل {وإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ} الآية أشفقوا منها، ثم تقرر الأمر على أن قالوا: سمعنا وأطعنا، فرجعوا إلى التضرع والاستكانة، فمدحهم الله وأثنى عليهم، وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم، وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم، فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء، ورفع المشقة في أمر الخواطر، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك، وتحميلهم المشقات من الذلة، والمسكنة، والجلاء، إذ قالوا: سمعنا وعصينا، وهذه ثمرة العصيان والتمرد، أعاذنا الله عز وجل من نقمه، انتهى.

(2)

لعل المراد ما في الدر عن ابن عباس قال: المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه وما يؤمن به، والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره، وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به، ولا يعمل به، وغير ذلك من الآثار، وقال الطبري: قيل إن هذه الآية نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عيسى، وقيل: في أمر مدة هذه الأمة، والثاني أولى لأن أمر عيسى قد بينه الله لنبيه فهو معلوم لأمته، بخلاف أمر هذه الأمة فإن علمه خفى عن العباد، وقال غيره: المحكم من القرآن ما وضح معناه، والمتشابه نقيضه، وقيل: المحكم ما عرف المراد إما بالظهور وإما بالتأويل، والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة، وخروج الدجال، والحروف المقطعة في أوائل السور، وقيل في تفسير المحكم والمتشابه أقوال أخر غير هذه نحو العشرة، كذا في الفتح، قال الحافظ: ما ذكرته أشهرها وأقربها إلى الصواب، وذكر الأستاذ أبو منصور أن الأخير هو الصحيح عندنا، وابن السمعاني أنه أحسن الأقوال، انتهى.

ص: 88

فقط، وكانت هذه طريقة القدماء (1) وهي أسلم الطرق، ثم إن المخالفين لما طعنوا فيه، وقالوا: باشتمال كتابه تعالى على ما ليس له معانَ محصلة بين المتأخرون (2) لها تأويلات لا على تعيين مراده سبحانه وتعالى بها هذه، بل بمعنى أنه يمكن أن يراد ذلك وهذا ليس بمنهى عنه، وأما ما يقال من أنها إذا حملت على هذه التأويلات الصحيحة في أنفسها لمطابقة الأصول الشرعية لم تبق من المتشابهات بل صارت محكمات، فهو جار في أمثال وجه الله، ويد الله، ووجهة، وأما في

(1) يعني عدم ابتغاء تأويله مع الإيمان بأحقية ما أراد الله به.

(2)

ففي هامش نور الأنوار: اعلم أن المتأخرين لما عاينوا فساد الزمان لحمل بعض الملاحدة آيات الصفات على ظاهر معانيها التي يلزم منها الجهة والمكان أفتوا بجواز تأويلاتها، فقالوا:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي قدرة الله فوق قدرته، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ} أي ذات الله {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} أي استولى، وقس على هذا، هذا ملخص ما في التفسير الأحمدي، انتهى.

ص: 89

المقطعات فلو جرى هذا التأويل أيضًا لم يبق للمتشابه مصداق إلا أن يقال: قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ اللَّهِ} مثلا هذا إذا أخذ للوجه معناه المعروف فالآية حينئذ من المتشابه، وإذا أخذ بمعنى علم الله وسطوته أو غيرهما من آثار علمه وقدرته فهو ليس بمتشابه، فعلى هذا يبقى مصداق للمتشابهات أيضًا، ولكن يخدشه أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز:{مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} وهذا التقسيم بظاهره ينفي أن يكون المتشابه هو المحكم بحيثية أخرى، وإن كان التفصى عن الخدشة يمكن بما نقول من أن الآية لا تدل إلا على أن المتشابهات هي مغائرة عن المحكمات، وأما كون تلك المتشابهات محكمات أيضًا باعتبار جهات أخرى فليس في الآية دلالة على نفيه، فكان حاصل التقسيم أن الكتاب بعضه محكم صرف، وبعضه محكم ومتشابه، ولكنه عبر عن هذا الأخير بلفظة المتشابه، لما أن المقصود منعهم عن الوقوع في الفتنة بابتغاء تأويله المعين الذي استأثر الله بعلمه، فنحن نقول في قوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وفي أمثاله من الآيات: إن الذي أراد الله سبحانه باليد حق، لكن لا تعلم كيفيته ولا مصداقه، ثم بعد هذا التسليم والإيمان بمراده تعالى به كائنًا ما كان نقول: إن اليد يمكن أن يكون معناها في الآية هي القوة، والآية بهذا المعنى لا تبقى من المتشابهات، فافهم فأنه عزيز.

قوله [فإذا رأيتيهم] بياء مزيدة. قوله [فاعرفوهم] أي فاعرفوهم لتحذروهم وتتقوهم، أو المعنى فاعرفوهم أنهم الذين سماهم الله في الآية.

قوله [إن لكل نبي ولاة إلخ] الولاية هاهنا هي الموافقة بينهما والمناسبة لمناسبة بين شرائعها، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم متمما ملة (1) إبراهيم حنيفًا وقائمًا عليها كانت ولايته به أظهر من أن يخفى.

(1) قال البيضاوي: لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم بالأصالة، انتهى.

ص: 90

قوله [إذن يحلف فيذهب بمالي] وقد ورد التصريح في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال للأشعث: ليس لك إلا ذلك (1) فعلم أن السبيل في مثله هي اليمين لا غير، ولا شيء على اليهود أو النصارى إذا لم يكن للمدعى شاهد إلا تحليفهم

(1) فقد روى أبو داؤد من حديث علقمة بن وائل عن أبيه، قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرمي، الحديث، وفيه قال: فلك يمينه، قال: يا رسول الله إنه فاجر لا يبالي ماحلف عليه، ليس يتورع من شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك منه إلا ذاك، وفي رواية البخاري قال الأشعث: لفي نزلت، كان بيني وبين رجل خصومة في شيء فاختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شاهداك أو يمينه، الحديث، ففي الحصر حجة لما قاله الشيخ، وقد ورد في أحاديث القسامة: تحلف يهود، وهكذا في غير واحد من الروايات، وفي الهداية: إذا صحت الدعوى سأل القاضي المدعى عليه عنها لينكشف وجه الحكم، فإن اعترف قضى عليه بها، وإن أنكر سأل المدعى البينة، وإن أحضرها قضى بها، وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلفه عليها، ثم قال: ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام، والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام. لقوله صلى الله عليه وسلم لابن صوريا: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أن حكم الزنا في كتابكم هذا، انتهى. وفي تكملة الفتح: وفي المبسوط أن الحر والمملوك، والرجل والمرأة، والفاسق والصالح، والكافر والمسلم، في اليمين سواء، لأن المقصود هو القضاء بالنكول، وهؤلاء في اعتقاد الحرمة في اليمين الكاذبة سواء، كذا في النهاية ومعراج الدراية.

ص: 91

صدقوا أو كذبوا. قوله [ولو استطعت أن أسره إلخ] هذه معذرة (1) لإعلانه صدقته مع أن صدقة السر أربى وأزهى.

قوله [الشعث التفل] فكلما كان الشعث والتفل أطول (2) كان أزيد، وكلما كانا أزيد وأطول كانت المثوبة أعظم، وزيادة الشعث بزيادة مدة الإحرام أو ببعد المسافة بينه وبين مكة، وكان هذا السؤال لا يفيد جوابًا فيما إذا تساويا (3) مسافة وإحرامًا حتى يعلم فضل الحج نفسه على الحج، فسأله الآخر عن ذلك ليعلم فضل الحج على الحج من حيث ذاته مع قطع النظر عما يوجبه طول المسافة وبعد المدة، فقال: أي الحج أفضل.

(1) يعني أن الأسرار بصدقة البستان كان مما لا يمكن فاضطر إلى إعلانه، ولو قدر على الأسرار بها لم يعلن بها.

(2)

وطول الشعث والتفل يكون بمقدار طول مدة الإحرام، فكلما يطول مدة الإحرام يطول مدتهما أيضًا كما لا يخفى.

(3)

أي الرجلان، يعني إذا تساوى إحرام الرجلين باعتبار الزمان والمكان فلا يعلم فضل حج أحدهما على حج الآخر بشيء، فسأل فضل نفس الحج من حيث هو هو بدون اعتبار طول الإحرام أو بعد المسافة، وقال القاري: قوله أي الحج أفضل؟ أي أي أعماله أو خصاله بعد أركانه أكثر ثوابًا، قال: العج والثج بتشديدهما، والأول رفع الصوت بالتلبية، والثاني سيلان دماء الهدى، وقيل: دماء الأضاحي، قال الطيبي: ويحتمل أن يكون السؤال عن نفس الحج ويكون المراد ما فيه العج والثج، وقيل: على هذا يراد بهما الاستيعاب لأنه ذكر أوله الذي هو الإحرام، وآخره الذي هو التحلل بإراقة الدم، اقتصاراً بالمبدأ والمنتهى عن سائر الأفعال، أي الذي استوعب جميع أعماله من الأركان والمندوبات، انتهى.

ص: 92

قوله [ما السبيل يا رسول الله] أي ما أراد الله بقوله في كتابه: {مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [الزاد والراحلة] والنص دال على أداء ما وجب عليه بالطريق الأولى (1) وإلا لم يتركه الغرماء أن يذهب دون أداء حقوقهم، ومن هاهنا قلنا: إن الحاج يجب عليه نفقة عياله (2) إلى حين معاده، وإن لم يكن عنده قدر إيتائهم وأخذه (3) معه لم يجب عليه، وكذلك لا يجب عليه الحج (4) إن وجد مالا في أيام، ثم لما جاء موسم

(1) أي بطريق الأولوية ودلالة االنص.

(2)

ففي الدر المختار في شروط الحج: ملك زاد وراحلة فضلاً عما لابد منه، وعن نفقة عياله مما تلزمه نفقته لتقدم حق العبد، قال ابن عابدين: قوله لتقدم حق العبد أي على حق الشرع، لا تهاونا بحق الشرع، بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع، ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحقوق وفيها حق العبد يبدأ بحق العبد لما قلنا، ولأنه ما من شيء إلا ولله تعالى فيه حق، فلو قدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق، فالظاهر أنه أحق من جهة التعظيم لا من جهة التقديم، ولذا قلنا: لا يستقرض ليحج إلا إذا قدر على الوفاء، انتهى.

(3)

عطف على الإيتاء أي قدر أخذه إياهم معه، فالمفعول محذوف، والضمير المجرور للفاعل، والمعنى ليس عنده مقدار النفقة لهم لغيبته ولا مقدار نفقة سفرهم لو أخذهم معه، وعلى هذا المفعول إياهم، ويحتمل أن يكون المعنى ليس عنده مقدار النفقة بحيث يأخذ النفقة معه ويعطيهم أيضًا، وعلى هذا فمفعول الأخذ النفقة أي ليس عنده مجموع ما يأخذ لنفسه، ويعطيهم لغيبته.

(4)

ففي شرح اللباب: السابع من شرائط الوجوب الوقت، وهو أشهر الحج أو وقت خروج أهل بلده إن كانوا يخرجون قبلها، فلا يجب إلا على القادر فيها أو في وقت خروجهم، فإن ملك المال قبل الوقت أي قبل الأشهر أو قبل أن يتأهل أهل بلده فهو في سعة من صرف المال حيث شاء ولا حج عليه، أي وجوبًا لأنه لا يلزمه التأهب في الحال، وإن ملكه في الوقت فليس له صرفه إلى غير الحج، فلو صرفه لم يسقط الوجوب عنه.

ص: 93

المسير إلى مكة أفلس، والمعتبر هي أيام يكثر فيها ذهاب أهل بلده، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم السبيل بالزاد والراحلة يوجب أن الشرائط الأخر التي ذكرها العلماء كأمن الطريق، ووجود محرم للمرأة، إنما هي شرائط أداء الحج (1)، وليست شرائط وجوبه، أي شرائط وجوب الأداء لا شرائط نفس الوجوب، فيجب عليه وعليها الإيصاء بأن يحج عنه إذا لم يحجا بهذين العذرين.

قوله [كلاب النار] أي هؤلاء كلاب النار، وكانوا من الخوارج، خير قتلى من قتله الخوارج، ودفع بالجملتين ما عسى أن يتوهم من كونهم مسلمين أن من قتلهم يكون آثمًا، ومن قتلهم الخوارج فإنه لا أقل من (2) أن لا يكون شهيداً، لكونهم قتلوا بأيدي المسلمين.

قوله [أنتم تتمون سبعين أمة] يعني أن لفظة أمة في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} ليست للوحدة بل المراد بها جنس الأمم (3).

قوله [كيف يفلح] لما كانت هذه الكلمة ظاهرة في إهلاكهم وكذلك ما

(1) كما تقدم في أبواب الحج.

(2)

بيان للتوهم يعني أن الجملة الثانية دفعت توهم كونهم غير الشهداء.

(3)

وهذا على أحد التفاسير ويؤيده حديث الباب، وقيل: المراد بالخطاب جماعة خاصة من الصحابة، وقيل: المهاجرون، فيكون المراد بالأمة في الآية هذه الأمة خاصة، وقيل غير ذلك، كما بسط في البحر المحيط.

ص: 94

ورد في الحديث الآتي بعد هذا من دعائه صلى الله عليه وسلم عليهم، وكان أكثرهم قدر له الإيمان نهى الله تبارك وتعالى نبيه وخليله عن ذلك، ومن هاهنا يعلم أن كل دعوات نبي كائنًا من كان لا ينبغي أن يكون ظهورها حسب ما سأل.

قوله [ما من رجل يذنب ذنبًا إلخ] لما ثبت بالآية أن ذكر الله تعالى بعد ارتكاب الإثم والاستغفار منه موجب للمغفرة، وأدنى الذكر هو الندم إذا تذكر عظمته سبحانه مع شدة افتقاره إليه في كل أموره، وكثرة نعمه إليه في حزنه وسروره، بين النبي صلى الله عليه وسلم أعلى أقسام الذكر، فإن العبد أقرب ما يكون إلى الله إذا سجد، فلما كان كذلك يكون استغفاره بعد صلاته مثمراً ما له من البركات وآثار الخير.

قوله [غشينا] على زنة المجهول أي غشينا النعاس، والنوم (1) لا شك

(1) قال ابن مسعود: النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان، وفائدة كون النعاس أمنة في الله، وفي الصلاة من الشيطان، وفائدة كون النعاس أمنة في القتال أن الخائف على نفسه لا يأخذه النوم، فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلاً على الأمن وإزالة الخوف، وقيل: إنهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عددهم وعددهم، وقلة المسلمين وقلة عددهم وعددهم، وعطشوا عطشًا شديداً، ألقى عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة وزال عنهم الكلال والعطش، وتمكنوا من قتال عدوهم، وكان ذلك النوم نعمة في حقهم لأنه كان خفيفًا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله إليهم، وقدروا على دفعه عنهم، وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله: إنه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة فناموا كلهم مع كثرتهم، وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم مع وجود الخوف الشديد أمر خارج عن العادة، قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة لأنه أمر خارق للعادة، هكذا في الخازن.

ص: 95

أنه يذهل الحالة الأولى، ويورث كيفية دون الكيفية السابقة، وإنما لم يرسل إليهم النوم بل النعاس الذي هو أوله وكالمقدمة، لئلا يهجم العدو فيستأصلهم.

قوله [فقال بعض الناس لعل إلخ] ولم يكن هذا القول (1) من قائله نسبة للغلول إليه عليه السلام، وإلا لكان كفراً، بل ظنوا أنه عليه السلام أخذها في حقه فانه عليه السلام كان له الصفى وخمس الغنيمة، ولكن الله تبارك وتعالى عبره بلفظ الغلول لكونه مثله صورة، أو لما أنه بعيد عنه عليه السلام، وداخل عنده في الغلول، وإن لم يكن منه حقيقة، أو لما أن هذا الأخذ كان سببًا للغلول، فإنه صلى الله عليه وسلم لو كان أخذه، وإن كان أخذه ذلك في حقه، وحصته لأخذ كل أمير وحاكم بعده، ولصار باب الغلول واسعًا، فمن كان منهم ذا ديانة حسبه في حصنه، ومن ليس كذلك لم يفعل ذلك، فسمى الله تعالى سبب الغلول غلولاً.

قوله [لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم] هذا بعد (2) رجوعه إلى المدينة.

قوله [ألا أبشرك بما لقى الله به أباك] وإنما بشره به مع أن انكساره كان لأجل كثرة دينه وعدده وقلة ماله وعدده، ولا نسبة بين ذلك وبين ما بشره به، لما (3) أن البشارة كيف كانت تزيل ترح (4) الهموم، وإنعام الله

(1) هذا إذا كان قائله مؤمنًا، واختلفت الأقاويل في ذلك، ففي البحر المحيط: قال ابن عباس وعكرمة وابن جبير: فقدت قطيفة حمراء من المغانم يوم بدر، فقال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت، وقائل ذلك مؤمن لم يظن في ذلك حرجًا، وقيل: منافق، وروى أن المفقود سيف، إلى آخر ما بسط من الأقاويل في ذلك.

(2)

وذلك لما في الإصابة برواية مسلم عنه: إني لم أشهد أحداً فلابد أن لقيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه عن أحد، إلا أن ابن الأثير ذكر الاختلاف في شهوده أداً.

(3)

علة لقوله إنما بشره به.

(4)

قال المجد: الترح محركة الهم، ترح كفرح، وترحه تتريحًا والهبوط، انتهى.

ص: 96

تبارك وتعالى على أبيه بعد موته يهون عليه ما يلقاه لأجله، ويتكلف في أداء دينه.

قوله [فكلمه كفاحًا] وفعل هذا بجملة (1) شهداء هذه الغزاة.

قوله [بل أحياء عند ربهم] بحياة ليست كحياة سائر الأموات، وإلا فكل مؤمن حي عند ربه، وأما من عذب فلا يموت فيها ولا يحيى، فلا يطلق (2) عليهم لفظ الحي إلا كالمجاز. قوله [اقرأوا إن شئتم] يعني أن الله تبارك وتعالى أطلق على نفس المباعدة من النار ومطلق الدخول في دار القرار لفظ الفوز، وعد أمتعة الدنيا في جنب ذلك غروراً وخداعًا، فكان لا محالة موضع سوط منها خيراً من الدنيا وما فيها.

قوله [إن مروان بن الحكم قال: لبوابه (3)] وكان اسمه رافعًا: يا رافع اذهب إلى ابن عباس إلخ، اعلن أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه:{وإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ويُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العَذَابِ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

(1) كما هو ظاهر حديث الاطلاع الآتي، ويؤمي إليه الروايات. الواردة في هذه الغزاة كما ذكرها السيوطي في تفسير هذه الآية، وما يظهر من حديث الباب الخصيصة أوله القاري بقوله: ما كلم الله أحداً قط أي قبل أبيك، ففيه إيماء إلى أنه بخصوصه أفضل من سائر الشهداء الماضية حيث ما كلم الله أحداً منهم، انتهى. وكان عبد الله بن عمرو أول قتيل هذه الغزوة، كما أخرجه الحاكم في فضائله بطرق.

(2)

وبسط صاحب قوت المغتذي في حياة الشهداء وغيرهم أشد البسط، والمسألة مبسوطة عند الشرح والمفسرين لا يسعها هذا المختصر.

(3)

قال الحافظ: وكان مروان إذ ذاك أمير المدينة من قبل معاوية، ورافع هذا لم أر له ذكراً في كتاب إلا بما جاء في هذا الحديث، انتهى.

ص: 97

ونزول الآية على ما قاله (1) ابن عباس رضي الله عنه كان في اليهود حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه وأخبروا بغير ما هو في كتابهم، وأظهروا أنهم لم يقولوا إلا الحق، وفرحوا (2) بتغريرهم وخداعهم ذلك، وأحبوا أن يحمدهم النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره بإخبارهم عن الحق مع أنهم لم يخبروا بحق، فهذا الذي عناه الله تعالى قوله:{أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} فلما قرأ مروان هذه الآية، وقد علم أن العبرة لعموم الألفاظ لا لخصوص المورد، فالآية وإن كانت بحسب نزولها تختص باليهود حيث سيقت في ذكرهم إلا أنها لعمومها تعم كل بر وفاجر، ومؤمن وكافر، فرح بما فعله وأحب أن يحمد بما لم يفعله. وتحكم عليهم بالعذاب وتوعدهم

(1) أشار بذلك إلى الاختلاف في سبب النزول، فقد أخرج البخاري حديث الباب وحديث الخدري في رجال من المنافقين يتخلفون ثم يعتذرون، قال الحافظ: ويمكن الجمع أنها نزلت في الفريقين معًا، وبهذا أجاب القرطبي وغيره، انتهى. قلت: وورد في سبب نزول الآية الشريفة أقوال أخر ذكرها السيوطي في الدر، وغيره من المفسرين في مؤلفاتهم.

(2)

ولا يذهب عليك أن المذكور في النسخة الأحمدية التي بأيدينا قوله: وفرحوا بما أو توامن كتابهم، وما سألهم عنه، وهو صحيح باعتبار المعنى كما لا يخفي، لكن في النسخة المصرية: وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم وما سألهم عنه، ولفظ البخاري: وفرحوا بما أتوا من كتمانهم، قال الحافظ: كذا للأكثر بالصر بمعنى جاءوا أي بالذي فعلوه، وللحموي: بما أوتو بضم الهمزة أي أعطوا أي من العلم الذي كتموه، والأول أولى، انتهى. ولفظ السيوطي في الدر: وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه، انتهى.

ص: 98

بالنار، استشكل عليه الأمر فإن أكثر الناس ممن لا يشك في ورعه وزهده يصدق عليه أنه يفرح بما يأتيه من الصلاة والصوم، وغير ذلك من أعمال الليل واليوم، ولو مدحه أحد بما ليس فيه من الجميل فلا شك أنه يحب هذه المدحة، وإن كان يلوم نفسه على خلوه عن هذه الخصلة، ولكن جواب الحبر عبد الله بن عباس ظاهره لا يوافق ما قلنا من أن العبرة لعموم الألفاظ، فإنه لم يجب إلا بأن الآية ما لها وما لكم فإنها نزلت في اليهود، أفترى الجواب إلا تخصيص الآية بمورد نزولها ولا يصح، فتفصيل جواب ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية وإن كانت عامة إلا أنها لا تتناول إلا الأفراد التي تساوي موضع نزولها إلا ما هي دونه، فإن تعقيب جزاء على جناية، وترتيب عقاب على معصية، لا توجب ثبوت تلك الجزاء بعينها لمن ارتكب معصية دون المعصية التي ترتب عليها العقاب، فإن الشرط في تعدية الحكم إلى غير المنصوص عليه أن لا يكون دونه، ولا شك أن فرح اليهود بما فعله كان فرحًا على معصية وكبيرة وهو تغرير النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إحبابهم الحمد بما لم يفعلوا كان من أعظم جناية، فإنهم كتموا ما أخذ عليهم الميثاق بأن لا يكتموه، ثم أحبوا أ، يحمدوا على ذلك، فالمواضع التي سأل عنها مروان ليست داخلة (1)

(1) ويؤيد ذلك ما ذكر السيوطي في تفسير هذه الآية: أخرج مالك وابن سعد والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت، قال: لم؟ قال: نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد، الحديث. وفي آخره: فقال: يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة، فعاش حميداً وقتل شهيداً يوم مسيلمة الكذاب، انتهى. قلت: وفي حديث ابن الحنظلية الطويل عند أبي داؤد: قال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا يضرك. قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقدمت فجاء رجل منهم= =فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو فحمل فلان فطعن فقال: خذها مني وأنا الغلام الغفاري، كيف ترى في قوله؟ قال: ما أراه إلا قد بطل أجره، فسمع بذلك آخر فقال، ما أرى بذلك بأسًا، فتنازعًا حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله لا بأس أن يؤجر ويحمد. الحديث.

ص: 99