المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ومن سورة الأنعام] - الكوكب الدري على جامع الترمذي - جـ ٤

[رشيد الكنكوهي]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في فضل فاتحة الكتاب]

- ‌[باب في آخر سورة البقرة]

- ‌[باب في سورة الكهف]

- ‌[باب ما جاء في يس]

- ‌[باب ما جاء في سورة الملك]

- ‌[باب في إذا زلزلت]

- ‌[باب في سورة الإخلاص]

- ‌[باب في المعوذتين]

- ‌[باب في فضل قارئ القرآن]

- ‌[باب في تعليم القرآن]

- ‌[باب من قرأ حرفاً من القرآن]

- ‌أبواب القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[من سورة آل عمران]

- ‌[سورة النساء]

- ‌[سورة المائدة]

- ‌[ومن سورة الأنعام]

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌[سورة التوبة]

- ‌[من سورة يونس]

- ‌[من سورة هود]

- ‌[من سورة يوسف]

- ‌[من سورة الرعد]

- ‌[من سورة إبراهيم]

- ‌[من سورة الحجر]

- ‌[من سورة النحل]

- ‌[من سورة بني إسرائيل]

- ‌[سورة الكهف]

- ‌[من سورة مري

- ‌[من سورة طه]

- ‌[من سورة الأنبياء]

- ‌[من سورة الحج]

- ‌[من سورة المؤمني

- ‌[سورة النور]

- ‌[من سورة الفرقان]

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌[سورة النمل]

- ‌[من سورة الروم]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌[سورة سبأ]

- ‌[سورة الملائكة]

- ‌[سورة يس]

- ‌[سورة الصافات]

- ‌[سورة ص]

- ‌[سورة الزمر]

- ‌[سورة السجدة]

- ‌[سورة الشورى]

- ‌[سورة الزخرف]

- ‌[سورة الدخان]

- ‌[سورة الأحقاف]

- ‌[سورة محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[سورة الفتح]

- ‌[سورة الحجرات]

- ‌[سورة ق]

- ‌[سورة الذاريات]

- ‌[سورة النجم]

- ‌[سورة القمر]

- ‌[سورة الواقعة]

- ‌[سورة الحديد]

- ‌[سورة المجادلة]

- ‌[سورة الحشر]

- ‌[سورة المممتحنة]

- ‌[سورة الصف]

- ‌[سورة الجمعة]

- ‌[سورة المنافقين]

- ‌[سورة التغابن]

- ‌[سورة التحريم]

- ‌[سورة ن والقلم

- ‌[سورة الحاقة]

- ‌[سورة سأل سائل

- ‌[سورة الجن]

- ‌[سورة المدثر]

- ‌[سورة القيامة]

- ‌[سورة عبس]

- ‌[سورة المطففي

- ‌[سورة إذا السماء انشقت]

- ‌[سورة البروج]

- ‌[سورة الضحى]

- ‌[سورة ألم نشرح]

- ‌[سورة القدر]

- ‌[سورة لم يكن]

- ‌[سورة ألهاكم التكاثر

- ‌[سورة الكوثر]

- ‌[سورة الفتح

- ‌[سورة المعوذتين]

- ‌[باب]

- ‌أبواب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب الداعي يبدأ بنفسه]

- ‌[باب ما يقول إذا رأى الباكورة]

- ‌[باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إل

- ‌مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

- ‌باب الصدقة مشتمل على أبواب شتى

- ‌[مناقب عمر]

- ‌[مناقب عثمان]

- ‌[مناقب علي]

- ‌[مناقب الحسن والحسي

- ‌[مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه

- ‌[باب في فضل فاطمة]

- ‌[فضل عائشة]

- ‌[باب في فضل المدينة]

- ‌[باب فضل مكة]

الفصل: ‌[ومن سورة الأنعام]

[ومن سورة الأنعام]

.

قوله [ولكن نكذب ما جئت به] فان الذي يخبرك يكذب وأنت صادق. قوله [هاتان أهون] أي من اللتين قبلهما وإن كانتا شديدتين في نفسهما، ثم إنهما لما كانتا ملازمتين باعتبار الظاهر والواقع عدهما واحدة أيضاً في بعض الروايات (1) ولما كانتا ثتين حقيقة يمكن وقوع كل منهما بدون الأخرى عدهما في هذه الرواية خلتين (2) على حدتين. قوله [ليس ذلك إنما هو الشرك] يعني أن لفظ الظلم وإن كان يطلق على المعنيين وأمكن تنوينه أن يكون للتنكير فيشمل كل ذنب، وأن يكون التعظيم فلا يراه به إلا الشرك، إلا أن لفظ اللبس وهو الخلط خصصهما (3) بالثانيين فإن الخلط لا يكون إلا بين عظيم وعظيم، وأما الحقير (4) والعظيم فإنما يتلاشى الحقير ولا يبقى له أثر، قلت: والقرينة

(1) فقد ورد في روايات عديدة بألفاظ مختلفة: سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعنى ثالثاً: سألته ألا يهلك أمى بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمى بالسنة فأعطانيها، وسألته أن يجعل باسهم بينهم فمنعنها.

(2)

كما يدل عليه لفظ التثنية، وأوضح منه رواية ابن مردوية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعاً، فرفع اثنتين، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعاً، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرقع عنهم الرجم والغرق، وأبى أن يرفع القتل والهرج.

(3)

يعني خصص الظلم بأعلى أفراده، وكذا التنوين بالتعظيم.

(4)

وإذا خلط بالعظيم وهو الإيمان شئ حقير من الظلم لا يبقى له أثر، لا يقال: بقى احتمال ثالث، وهو خلط الحقير بالحقير، لأنه منتف يداهة، فان عظم أحد الخلطين وهو الإيمان ظاهر لا يخفى.

ص: 135

أيضاً عليه هو سياق الآية حيث قال: فأي الفريقين (1){بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} . لا يقال: قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} قرينه على الأولين منهما، لأنا نقول: درجات الأمن متفاوتة وفي كل منها صاحب كبيرة (2) وإن لم يكن أقل من أنه ليس بخالد في النار. قوله [فقد أعظم الفرية على الله] لما أنه تعالى قال في كتابه {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ومن ادعى رؤيته صلى الله عليه وسلم بالأبصار التي هي له في الدنيا فلا شك أنه كذب بآيات ربه، ثم إن (3) ابن عباس

(1) والفريقان معلومان لا واسطة بينهما، وهما المؤمن والكافر.

(2)

أي يمكن دخول صاحب كبيرة في كل من هذه الدرجات.

(3)

والمسألة شهيرة والخلاف فيها مبسوط في الدفاتر والكتب، وجملتها كما في الجمل عن الخازن تحت قوله تعالى:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} : اختلفوا في الذي رآه، فقيل: رأى جبريل، وهو قول ابن مسعود وعائشة وقيل: هو الله عز وجل، ثم اختلفوا على هذا في معنى الرؤية، فقيل: جعل بصره في فؤاده، وهو قول ابن عباس، روى مسلم عنه: ولقد رآه نزلة أخرى، قال: رأى ربه بفؤاده مرتين، وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه حقيقة، وهو قول أنس بن مالك والحسن وعكرمة، قالوا: رأى محمد ربه عز وجل، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: إن الله عز وجل اصطفي إبراهيم بالخلة واصطفي موسى بالكلام، واصطفى محمداً بالرؤية، وقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين، وكانت عائشة تقول: لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، وتحمل الآية على رؤية جبرئيل، وفي الخطيب: حاصل المسألة أن الصحيح ثبوت الرؤية، وهو ما جرى عليه ابن عباس، انتهى. وفي شرح العقائد: الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم إنما رأى ربه بفؤاده لا بعينه، وصححه القاري في شرح الفقه الأكبر وكذا في التفسير الأحمدي، وقال الرازي في الكبير: إن النصوص وردت أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده فجعل بصره في فؤاده، أو رآه ببصره فجعل فؤاده في بصره انتهى. وقال الحافظ المراد: برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالله على الدوام، بل مراد منى أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا، انتهى. وسيأتي شيء من ذلك في تفسير سورة النجم.

ص: 136

رضي الله عنه قائل بها، ولا يبعد الجمع بين المذهبين بأن رؤيته وقعت بقوة قلبه الشريف وقد حلت في بصره إذاً، فمن قال برؤيته بقلبه صدق كمن قال برؤيته بباصرته. وأما قوله في الثاني: فقد أعظم الفرية على الله مع أن المناسب في الظاهر أن تقول: فقد أعظم الفرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أنه تعالى يقول في كتابه: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ثم إنه تبارك وتعالى دعاه في كتابه رسولا ونبياً ولم يحول رسالته منه إلى غيره صلى الله عليه وسلم فعلم بذلك أنه لم يكتم أمراً مما أمر بتبليغه. قوله [فأنزل الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}] يعني أن المناط في الحل هو انزهاق روحه على اسم الله الكبير لا إسناد المون فإن المميت والمحي هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، ثم أقيمت تسمية القلب مقام (1) تسمية الظاهر، أما عند الشافعي رحمة الله تعالى

(1) يعني عند الجمهور وإلا فالمسألة خلافية. وذهب غير واحد إلى أن تسمية القلب لا تكفي، قال صاحب الجمل: اختلف العلماء في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها، فذهب قوم إلى تحريمها سواء تركها عمداً أو نسياناً، وهو قول ابن سيرين، ونقله فخر الدين عن مالك، ونقل عن عطاء: كل ما لم يذكر اسم الله عليه من طعام أو شراب فهو حرام، وقال الثوري وأبو حنيفة: إن تركها غامداً لا تحل، وإن تركيا ناسباً حلت، وقال الشافعي: تحل الذبيحة سواء تركها عامداً أو ناسياً، ونقله البغوي عن ابن عباس ومالك، ونقل ابن الجوزي عن أحمد روايتين فيما إذا تركها عامداً، وإن تركها ناسياً حلت، انتهى.

ص: 137

مطلقاً، وأما عندنا النسيان (1).قوله [إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمد] يعني به (2) كونه متيقن النزول قطعي الحكم ظاهر الدلالة على ما أريد به وإن

(1) ففي الهداية: إن ترك الذابح التسمية عمداً فالذبيحة ميتة لا تؤكل، وإن تركها ناسياً أكل، وقال الشافعي: أكثل في الوجهتين، وقال مالك: لا تؤكل في الوجهتين، وهذا القول الشافعي مخالف للإجماع، فانه لا خلاف فيمن كان قبله في حرمه متروك التسمية عامداً، وإنما الخلاف بينهم في متروك التسمية ناسياً. فمن مذهب ابن عمر أنه يحرم، ومن مذهب على وابن عباس أنه يحل، بخلاف متروك التسمية عامداً لا يسع فيه الاجتهاد، ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ، إلى آخر ما بسطه في الدلائل.

(2)

وأوضح من سياق الترمذي ما في الدر برواية جماعة من المخريجين عن ابن مسعود قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمة، فليقرأ هؤلاء الآيات، الحديث. وبرواية عبادة بن الصامت، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث، ثم تلاها، ثم قال: فمن وفي بهن فأجره على الله الحديث. وبرواية ابن سعد، قال قال رجل للربيع بن خشيم: أوصني، قال: ائتي بصحيفة، فكتب فيها {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ {الآيات قال: إنما أتيتك لتوصى، قال: عليك بهؤلاء فعلم أن المراد صحيفة للوصية والمبايعة، وفي الجمل عن أبي السعود هذه الأحكام العشرة لا تختلف باختلاف المم والإعصار، وعن ابن عباس: هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء في جميع الكتب، وهن محرمات على بني آدم كلهم، وهن أم الكتاب، من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار، وعن كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إن هذه الآيات لأول شيء في التوراة، انتهى.

ص: 138

كان أكبر القرآن يشاركه في ذلك والبناء فيه على العدة، فان الكتاب إذا كان مختوماً كان نسبته إلى صحبه يقينية. قوله [الدجال والدابة وطلوع الشمس] يعني هذا المجموع من حيث أنه مجموع وإن قبل (1) بعد شئ من الثلاثة، وأما إذا

(1) ببناء المجهول، أي وإن قبل الإيمان بعد ظهور بعض من هذه الثلاثة، لكن لا يقبل بعد ظهور المجموع أي الثلاثة كلها، وعلى هذا فلا إشكال في الرواية، وما يظهر بمجموع الروايات في هذا الباب أن الدار على طلوع الشمس لا غير، وسط الحافظ في الفتح الكلام على ذلك تحت حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغريها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها، الآية، قال ابن عطية: في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} طلوع الشمس من المغرب، وإلى ذلك ذهب الجمهور، وأسند الطبري عن ابن مسعود أن المراد بالبعض إحدى ثلاث هذه، أو خروج الدابة، أو الدجال، وفيه نظر، لأن نزول عيسى يعقب خروج الدجال، وعيسى لا يقبل إلا الإيمان، فانتفى أن يكون بخروج الدجال لا يقبل الإيمان، وثبت في صحيح مسلم عن أبى هريرة رفعة: ثلاث إذا خرجن، الحديث، وهو حديث الباب عند الترمذي، قيل: فلعل حصول ذلك يكون متتابعاً بحيث تبقى النسبة إلى الأول منها مجازية، وهذا بعيد لأن مدة لبث الدجال إلى أن يقتله عيسى، ثم لبث عيسى وخروج يأجوج مأجوج، كل ذلك سابق على طلوع الشمس من المغرب، فالذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات = =العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة وتنتهي ذلك بموت عيسى، وطلوع الشمس من مغربها أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم، قال أبو عبد الله: الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه، انتهى.

ص: 139

وجد الكل فلا، ويمكن (1) أن يقال فيه: إن الحكم منوط بكون كل منها أيها كان، والظاهر أن الدابة (2) خارجة بعد الطلوع لأنها تسم الفريقين بسمتهما،

(1) بوكلا الاحتمالين وردت الآثار عن الصحابة، قال الخازن: قيل: بل ذلك بعض الآيات الثلاثة: الدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ويروي عن ابن مسعود أنه قال: التوبة معروضة على ابن آدم ما لم تخرج إحدى ثلاث، ويروي عن عائشة قالت: إذا خرج أول الآيات طرحت التوبة، ويروي عن أبي هريرة قال: هي مجموع الآيات الثلاث: الطلوع، والدجال، والدابة، وأصح الأقوال في ذلك ما تظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة أنه طلوع الشمس من مغربها، انتهى.

(2)

وهو مختار الحافظ كما تقدم، وبه جزم أبو عبد الله، قال الحافظ: وحكمه ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلا المقصود من إغلاق باب التوبة، انتهى. وتقدم الكلام على الآيات ي أبواب الفتن.

ص: 140

والظاهر كون ذلك بعد الطلوع واستقرار كل امرئ على ما قدر له، بقى الدجال فان التوبة مقبولة بعد خروجه فلا يصح كون كل من الثلاثة مانعاً قبول التوبة، والتوجيه (1) أن المرأ بعد خروجه لا يوفق لها فنفى القبول صادق بارتفاع التوبة رأساً أو بوقوعها وعدم قبولها والله أعلم. قوله [فاكتبوها له بعشر أمثالها] ولعل العشر وراء الواحدة التي كتبت عند العزم ولا مانع منه وفضل الله أوسع. سورة الأعراف قوله:[قال حماد: هكذا] أي أشار إلى الأرض كا (2) للشيء إلى تحت.

(1) يأبى عن هذا التوجيه ما تظافرت عليه الروايات من أن نزول عيسى عليه السلام بعد خروج الدجال، وهو لا يقبل إلا الإسلام، وكذا يبعد ما حكى الحافظ عن البيهقي من توجيه الحديث بأنه لا ينفع إيمان من آمن بعيسى عند مشادة الدجال، وينفعه بعد انقراضه، وذلك لأنه يأبى عنه ما ورد أن الدين في زمان عيسى يكون كله الله، فلا يصح التوجيه إلا ما تقدم في كلام الشيخ، قال القاري: فيه تغليب والمراد هذه الثلاثة بآسرها، قلت: وكذلك جزم عامة شراح الحديث والمفسرين بأن العبرة في عدم قبول التوبة والإيمان للطلوع.

(2)

بياض في الأصل بين (كا) وبين للشئ ولم أتحصل غرض الشيخ، وما حمل عليه أهل التفسير أثر هذا على قلة الظهور، ففي الخازن: قال السدى: ما تجلى إلا قدر الخنصر يدل عليه ما روى ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وقال: هكذا ووضع الاتهام على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل، انتهى. وحكى السيوطي في الدر عن جماعة من طرق عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال: هكذا وأشار بإصبعية، ووضع طرف إيهامه على أنملة الخنصر، وفي لفظ: على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل وخر موسى صعقاً، وفي لفظ: فساخ الجبل في الأرض، فهو يهوى فيها إلى يوم القيامة، وأخرج أبو الشيخ وغيره عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أظهر مقدار هذا ووضع الإبهام على خنصر الأصبع الصغرى، انتهى.

ص: 141

قوله [فاستخرج منه ذرية] أي على الترتيب كلا من أبيه (1)، وقوله في الجواب:[إذا خلق العبد للجنة] يعنى أن العمل بتقديره تعالى كما أن السعادة والشقاه بتقديره أيضاً فلا تكاسلوا وسددوا وقاربوا، فإن العمل بعمل أهل الجنة دليل كونه منهم، كما أن العمل بعمل أهل النار دليل كونه منهم، أجارنا الله منه.

قوله [فأعجبه ويص ما بين عينيه] وهذا لا يستلزم كون ويصه خيراً من كل من حضر هناك، فان إعجاب المرء بشئ لا يقتضى كونه أفضل من كل ما سواه، قوله [فجعد آدم] ليس بمعنى الإنكار (2) مع علم، وإنما هو الإنكار فحسب، ثم لما كان منشأة النسيان أفرده، والخطأ هو أكل الشجرة وغلب في ذريته في كل منهم ما ناسبه من الثلاثة.

(1) وبذلك جزم عامة المفسرين، ففي الجلالين: أخرج بعضهم من صلب بعض من صلب آدم نسلا بعد نسل، كنحو ما يتوالدون كالذر، انتهى. وهكذا في الخازن، وحكى صاحب الجمل عن الشعراني عشرة أبحاث في تفسير الآية فارجع إليه.

(2)

قال القاري: قوله جحد آدم أي ذلك لأنه كان في عالم الذر، فلم يستحضره حالة مجئ ملك الموت له، وقوله: نسى ابن آدم، إشارة إلى أن الجحد كان نسياناً أيضاً إذ لا يجوز جحده عناداً، انتهى. ثم الحديث يخالفه ما سيأتي في آخر كتاب التفسير من أنه أعطاه من عمره ستين سنة، وسيأتي الجمع هنالك.

ص: 142

قوله [فسمته عبد الحارث] وهذا تفسير لقوله تعالى {جَعَلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} والشرك (1) هو الشرك في التسمية، وتسميته ها إن كان بعد عليه أن الحارث اسم إبليس فهو ظاهر أنه إثم وإن كانت صغيرة لأن المعنى اللغوي (2) لا يكون مقصودا في العلم وإنما هو وضع ثان،

(1) وبذلك جزم السيوطي في الجلالين إذا قال: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} بتسميته عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبداً إلا لله، وليس بإشراك في العبودية لعصمته، ثم ذكر حديث سمرة هذا، وقال: رواه الحاكم وقال: صحيح، انتهى. ولم يرتض عنه البيضاوي وفسر الآية بقوله:{{جَعَلا لَهُ شُرَكَاء} أي جعلا أولادهما له شركاء فيما آثى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد المناف على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامة، وقيل: لما حملت حواء، فذكر هذه القصة، ثم قال: أمثال ذلك لا يليق بالأنبياء، انتهى.

(2)

ولو سلم فقد قال العلماء: لم يكن ذلك شركاً في العبادة ولا أن الحارث رب لهما لأن آدم عليه السلام كان بنبياً معصوماً من الشرك، ولكن قصدا بالتسمية أن الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامته، وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به أنه مملوك، كما قال الشاعر: وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً أخبر عن نفسه أنه عبد الضيف مع بقاء الحرية، وإنما أراد بالعبودية خدمة الضيف، فكذلك هاهنا، وغنما أخبر عن آدم عليه السلام بقوله سبحانه {جَعَلا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا} لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فمنصب النبوة أشرف المناصب وأعلاها، فعاتبه الله عز وجل لأنه نظر إلى السبب ولم ينظر إلى المسبب، كذا في الخازن.

ص: 143