الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى بيته قصصًا فيطعمني ثمة شيئًا، فإن التعرض للكريم تذكير إياه للكرم، وإنما وجه الفقير باعثه على بذل النعم، ولذلك كان جعفر حيثما رآه تذكر ماله من الحق عليه فقاده إلى بيته وأحضر ما حضر بين يديه.
[مناقب الحسن والحسي
ن]
قوله [سيدا شباب أهل الجنة] أي من مات (1) شابًا، وإن لم يموتا شابين، وقد مر تقريره في فضل الشيخين. قوله [وعلى رأسه ولحيته التراب] وإنما ارتسم ذلك في القوة الخيالية للرائي ولم يكن ثمة في الحقيقة تراب ولا غبار، أفترى النبي صلى الله عليه وسلم أغبر وهو في عالم وراء عالمكم هذا الذي وقع فيه القتال، وليس هناك شيء من تلك العوارض التي تعتري لنا في المعارك والملاحم، غير أن النائم قلما يرى شيئًا إلا وهو يتخيله حسبما ارتسم في خياله من محسوساته، ولذلك ترى كثيرًا من أهل الصناعات والحرف يرون أشياء مختلفة حسب اختلاف ممارستهم وملابستهم، والمؤدى يكون واحدًا، وهذا ظاهر بالتأمل.
قوله [قميصان أحمران] يمكن من هذا المقام استنباط جواز الالباس للصبيان
(1) قال المظهر: هما أفضل من مات شابًا في سبيل الله من أصحاب الجنة، ولم يرد به سن الشباب لأنها مانا وقد كهلا، بل ما يفعله الشباب من المروءة، كما يقال: فلان فتى وإن كان شيخًا يشير إلى مروءته وفتوته، أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبيا والخلفاء الراشدين، وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد، وهو الشباب، وليس فيهم شيخ ولا كهل، قال الطيبي: ويمكن أن يراد: هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان، انتهى. كذا في المرقاة، وبسط في تخريج الحديث، وقد روى عن جماعة من الصحابة.
والدواب وغير ذلك ما حرم لبسه، وللمانع حمل لفظ أحمر على الحمرة الجائزة (1).
قوله [إنما أموالكم وأولادكم فتنة] وهو الامتحان، وإن كان افتتانه صلى الله عليه وسلم الذي ذكر ها هنا بأفضل من كثير من طاعات الأبرار، وأجزل ثوابًا من جمهرة عبادات الأخيار، ولكن كان فتنة على حسب ما أولاه الله من الفضل والكمال، كيف وقد تتضمن قطعه الخطبة ورفعه إياهما أنواعًا من المصالح والحكم، واستنبط بذاك جملة من المسائل، وهو أن الشاغل من الطاعة وجب رفعه لتقع على ما ينبغي من خلو البال، وأن الإمام يجب عليه مراعاة المقتدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يقدر على شغل القلب عنهما إلى الخطبة فإن كثيرًا من الصحابة لم يكونوا يقتدرون عليه لأنهم كانوا يحبونهما بحبه صلى الله عليه وسلم، ولما رأوهما في تلك الحالة أي يمشيان ويعثران خالج قلوبهم من ذلك شيء كاد أن يفسد عليهم استماعهم الخطبة، وأن المرء معذور فيما يفرط عنه من الأفعال التي جبلت الطبائع عليها من حب الأولاد، وغير ذلك كثير.
قوله [لم يذكر] لما كان الحسين رضي الله عنه يذكر (2) في الحسن، وطعن في حسنه عبيد الله بن زياد وقال: ما رأيت مثل هذا حسنا على سبيل التهكم (3)
(1) وعليها حمل الحديث عامة الشراح من القاري وصاحب البذل وغيرهما إذ فسروا الحديث بخطوط أحمر، وفي الدر المختار: كره إلباس الصبي ذهبًا أو حريرًا فإن ما حرم لبسه وشربه حرم إلباسه وإشرابه، قال ابن عابدين: لأن النص حرم الذهب والحرير على ذكور الأمة بلا قيد البلوغ والحرية، والإثم على من ألبسهم، لأنا أمرنا بحفظهم، ذكره التمرناشي، انتهى.
(2)
ببناء المجهول، أي كان يذكر حسنه في الآفاق، وكان مشهورًا في الجمال.
(3)
هذا هو الأوجه بل المتعين في معنى الحديث، وهو الظاهر من سياق البخاري بلفظ: أتى ابن زياد برأس الحسين فجعل في طست، فجعل ينكت وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن القاري فسر حديث البخاري بالمدح إذ قال: وقال ابن زياد في حسنه شيئًا أي من المدح كما سيجيئ، ثم ذكر حديث الترمذي هذا وهو المراد بقوله سيجيئ، وكأنه حمل الحديثين معًا على المدح، ثم قال بعد ما ذكر حديث الترمذي هذا: قبل هذا لا يلايم السياق إلا أن يحمل على الاستهزاء، فحينئذ يحمل استهزاؤه على المكابرة وزيادة المعاندة، انتهى. قلت: وهذا الذي ذكره بلفظ قيل هو موافق لمختار الشيخ وهو الصواب، وفسر صاحب مظاهر الحق حديث البخاري بالتعييب، وحديث الترمذي بالمدح استهزاءً، ومؤداهما واحد، نعم يؤيد القاري ما في الخميس عن ذخائر العقبي: جيء برأسه إلى بين يدي ابن زياد فنكته بقضيبه، وقال: لقد كان غلامًا صبيحًا.
أو الإنكار كما يشعر به قوله لم يذكر (1)، ناسب إثبات كون حسين حسينا، فلم يثبته أنس بأن يذكر أوصاف أعضائه وما ينبغي للحسن من الصفات، لأن
(1) وهذا القول موجود في جميع النسخ الهندية، وكذا فيما حكى العيني عن رواية الترمذي، وليس في المصرية ولا فيما حكاه الحافظ من رواية الترمذي، ولا في المشكاة وجمع الفوائد وتيسير الوصول، وما أفاده الشيح من توجيه الكلام موافق لما حكاه المحشي عن شيخ مشايخنا الشاه ولي الله الدهلوي، ولفظه: قوله ما رأيت مثل هذا حسنًا، أي يعيب قول من قال إنه ذو حسن، بأن هذا لا يليق بأن يسمى حسنًا، وفي رواية البخاري: وقال في حسنه شيئًا، وإذا حمل لفظ الترمذي على معنى تلك الرواية فالوجه أن يقال: ما رأيت مثل هذا حسنًا، يعني ما رأيت حسنًا مثل حسن هذا، يتهكم به، وقوله: لم يذكر معناه لم يذكر في الناس بالحسن وليس له حسن، انتهى.
ابن زياد أمكن أ، يثبت الحسن في غير ذلك المذكور، لأن كل امرئ لا يجب أن يختار ما هو المختار عند غيره، فكم من مادح شيئًا هو مذموم عند غيره، بل أثبت حسنه بذكر المشابهة له مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينكر حسنه صلى الله عليه وسلم من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، فسكت ابن زياد (1) ولم يدر ما يجيبه، فلله دره من مستدل على مرامه.
قوله [فإذا حية] ولعل (2) ذلك انتقام منه جل مجده على ما فعل بالحسين من إدخال خشبة في أنفه، أراه الناس تحقيرًا له وتعظيمًا له.
قوله [وعترتي أهل بيتي] فيه تنبيه على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(1) ولا عجب منه فيما فعله، فإن أباه كان ولد زنية استلحقه معاوية، ولذا يقال له زياد بن أبيه.
(2)
قال العيني: ثم إن الله تعالى جازى هذا الفاسق الظالم ابن زياد بأن جعل قتله على يدي إبراهيم بن الأشتر يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين على أرض يقال لها الجازر، بينها وبين الموصل خمسة فراسخ، وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي أرسله لقتال ابن زياد، ولما قتل ابن زياد جيء برأسه وبرؤوس أصحابه وطرحت بين يدي المختار، وجاءت حية دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في فم ابن =مرجانة وهو ابن زياد وخرجت من منخره، ودخلت في منخره وخرجت من فيه، وجعلت تدخل وتخرج من رأسه بين الرؤوس، ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد ورؤوس الذين قتلوا معه إلى مكة إلى محمد بن الحنفية، وقيل: إلى عبد الله بن الزبير، فنصبها بمكة، وأحرق ابن الأشتر جثة ابن زياد وجثة الباقين، انتهى.