الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا قطوع من أفنى عمرو في المحلول
…
فاتوا العاجل والآجل ذا البهلول
قال: فمرض فلم أصل إليه، ومات فلم أصل عليه، وسار إلى ساحة القبور، وصار إلى من " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ".
وأظن وفاته ي سنة خمس أو ست وعشرين وسبع مئة، قال لي: جماعة سنة خمس لا غير.
عبد القاهر بن محمد
ابن عبد الواحد بن موسى القاضي الأديب الخطيب الشافعي جمال الدين أبو بكر البخاري ثم التبريزي.
كان ذا شكالة وعمه، وحركات وهمه، أبيض اللحية نقيها، أحمر الوجنة ورديها، عليه قبول: وللنفس إليه تشوق وبه ذهول، مغرى بالأدب، موفر الهمة في تحصيله والطلب، يشعر مثل الصبا إذا هبت، والقطر إذا نبت، وينثر الدر من فيه نثراً، ويكتب الرقعة كأن صغرى وكبرى، لم تخرج تبريز مثل كلمة الإبريز.
تولى القضاء بسلمية وعجلون، وقضاء القضاة بصفد، وختم ذلك بقضاء دمياط، وأقام بها إلى أن جاءه الأمر الذي لا يدفع بالأعلاط.
وتوفي رحمه الله تعالى في جمادى الآخرة سنة أربعين وسبع مئة.
ومولده بحران سنة ثمان وأربعين وست مئة.
واشتغل ونشأ بدمشق، وتفقه للشافعي، وجاءنا قاضي القضاة إلى صفد في أيام قاضي القضاة جمال الدين الزرعي لما كان بدمشق، ولم يزل تلك المدة، إلى أن عزل وتولى القضاء جلال الدين القزويني، فعزله من صفد، ثم إنني رأيه بالقاهرة مرات، وولي قضاء دمياط مرات، وآخر عهدي به في سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة.
قال شيخنا الذهبي: قال فيما ذاكرني به، يعني القاضي جمال الدين التبريزي، قال: ماتت أمي بنت عشرين سنة، وكان أبي تاجراً ذا مال، فقدم بي إلى دمشق، وأنا ابن ست سنين فمات، وكفلني عمي عبد الخالق، ورجع إلى حران، وباع أملاكنا بثمانين ألفاً ورد بي، ثم قال لي يوماً: امض بنا، فمضى بنا نحو ميدان الحصا، وعرج بي فوثب علي وخنقني، فغشيت، فرماني في حفرة، وطم علي المدر والحجارة، فأبقى كذلك إلى أربعة أيام، فمر رجل صالح كان برباط الإسكاف عرفته بعد ثلاثين سنة، فبكر يتلو، ومر بجسرا بن شواش ثم إلى القطائع، فجلس يبول، وكنت أحرك رجلي فرأى المدر يتحرك، فظنه حية، فقلب حجراً، فبدت رجلي في خف بلغاري، فاستخرجني، فقمت أعدو إلى الماء فشربت من شدة عطشي، ووجدت في خاصرتي فزاراً من الحجارة، وفي رأسي فتحاً قال الشيخ شمس الدين: ثم أراني القاضي أثر ذلك في كشحه، ووضع أصابعي على جورة في رأسه تسع باقلاة ودخلت البلد إلى
إنسان أعرفه، فمضى بي إلى ابن عم لنا، وهو الصدر الخجندي، وكان مختفياً بالصالحية، وله غلامان ينسجان ويطعمانه، اختفى لأمور بدت منه أيام هولاكو، وكتب معي ورقة إلى نسائه بالبلد، وكانت بنته ست البهاء التي تزوج بها الشيخ زين الدين بن المنجا، وماتت معه، هي أختي من الرضاعة، فأقمت عندهن مدة لا أخرج، حتى بلغت، وحفظت القرآن بمسجد الزلاقة، فمررت يوماً بالديماس، فإذا بعمي، فقال: ها جمال الدين، امش بنا إلى البيت، فما كلمته، وتغيرت ومعي رفيقان، فقالا لي: ما بك، فسكت وأسرعت، ثم رايته مرة أخرى بالجامع، فأخذ أموالي، وذهب إلى اليمن، وتقدم عند ملكها، ووزر، ومات عن أولاد.
وجودت الختمة على الزواوي، وتفقهت على النجم الموغاني، وترددت إلى الشيخ تاج الدين، وتفقهت بابن جماعة، وقرأت عليه مقدمة ابن الحاجب وعلى الفزاري، ثم وليت القضاء من جهة ابن الصائغ وغيره، ونبت يوماً بجامع دمشق عن ابن جماعة، فقيل له: إن داوم هذا راحت الخطابة منك، يعني لحسن أدائه وهيئته.
وجالسته مرات، وكان يروي عن الشيخ مجد الدين بن الظهير قصيدته التي أولها:
كل حي إلى الممات مآبه
انتهى ما ذكر الذهبي.
قلت: ولما كان بصفد، قرأت عليه ديوان خطبه سماه تحفة الألباء وأجازني جميع ما يجوز له أن يرويه، وفي هذه الخطب مواضع خارجة عن الصواب من اللحن الخفي، فكتبت عليها طبقة، وهي: قرأت هذه الخطب المسرودة على حروف المعجم من أولها إلى آخرها على مصنفها وكاتبها العبد الفقير إلى الله تعالى القاضي جمال الدين عبد القاهر بن محمد التبريزي الحاكم بصفد المحروسة، لا زالت الطروس توشي وتوشع بكلامه وأقلامه، وترصف وترصع بحكمه وأحكامه، ومحاسن أيامه ولياليه تنشا وتنشد، ودرر نظمه ونثره تنظم وتنضد، قراءة من غاص اللجة من بحر حبرها، وعلم قيمة المنتقى والمنتقد من دراريها ودرها، واستشف معانيها المجلوة في حبر حبرها، وصدق معجز آياتها، وما شك في خبر خبرها، واستجلى وجوه عربها وتوجيه إعرابها، وتحقق أن القرائح ما لها من طاقة على مثلها في بابها، وتنزه في حدائقها التي ضربت عليها أوراق الأوراق، واجتلى أبكارها الغر، فكانت حقيقة فتنة العشاق، فسرحت سوام الطرف فيما أرضاه من روضاتها، ورشفت قطر البلاغة مما زهي من زهراتها:
وتشنفت أذني بلؤلؤ لفظها
…
وتنزهت عيناي في جناتها
وتأملت أفهامنا فتمايلت
…
بترشف الصهباء من كاساتها
وكأن همز سطورها بطروسها
…
ورق على الأغصان من ألفاتها
وكأنها وجنات غيد نقطها
…
خال على الأصداغ من جيماتها
لله ما أطرى وأطرب ما أتى
…
في هذه الأوراق من سجعاتها
لا غرو أن عقدت لسان أولي النهى
…
عن مثلها بالسحر من كلماتها
فكتب هو إلي:
شرفت غرس الدين حين قرأت ما
…
أمليت من خطب أجدت شياتها
فصاحة لو أن قساً حاضر
…
لرآك تسبقه إلى غاياتها
يا فخر دهر أنت من بلغائه
…
وعلا ليال أنت من ساداتها
خطبي التي أنشأتها ما أنت من
…
خطابها فتجاف عن علاتها
عظمتها وبررتها وجبرتها
…
وغفرت ما قد كان من زلاتها
فلأنت أكرم فاضل لما بدت
…
لعيانه غطى على عوراتها
فاسلم ودم ما رنحت ريح الصبا
…
أعطاف غصن الروض في هباتها
وأنشدني لنفسه في شبابة، وقد وجدتها فيما بعد في ديوان جوبان القواس بخطه:
وناطقة بأفواه ثمان
…
تميل بعقل ذي اللب العفيف
لكل فم لسان مستعار
…
يخالف بين تقطيع الحروف
تخاطبنا بلفظ لا يعيه
…
سوى من كان ذا طبع لطيف
فضيحة عاشق ونديم راع
…
وعزة موكب ومدام صوفي
فأنشدته أنا لنفسي ملغزاً في الكمنجا:
ما اسم إذا خفت هماً
…
رأيت لي فيه منجا
يشدو بلحن عجيب
…
حروفه ما تهجى
كم قد شجاك بصوت
…
من الحمائم أشجى
إن لم يجئ لك طوعاً
…
في الحل فهو كمن جا
فأعجبه ذلك وزهزه وطرب.
وأنشدني من لفظه لنفسه، قال: حضرت صحبة الملك الظاهر بيبرس حصار قلعة صفد، فصنعت هذه الأبيات:
إذا القلعة الشماء باتت حصينة
…
وبات على أقطارها القوم رصدا
ترى منجنيقاً يذهب العقل جسه
…
يغدرهم بين الأسرة همدا
إذا ما أراها السهم منه ركوعه
…
تخر له أعلى الشراريف سجدا
وأنشدني لنفسه من لفظه كثيراً من شعره فمن ذلك قصيدة طويلة أولها:
أنت الممنع والمحجب
…
إلا على من ليس يحجب
ومع البعاد فأنت من
…
حبل الوريد إلي أقرب
سر بسيط ظاهر
…
يختال في شبح مركب