الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومولده سنة ثلاث وسبعين وست مئة.
عثمان أبو عمرو
الصعيدي، الحلبوني: بفتح الحاء المهملة، وسكون اللام، وضم الباء الموحدة، وبعدها واو ساكنة، ونون، الشيخ الصالح العابد.
كان فيه صدق وتأله، وتؤثر عنه أحوال وتوجه وتأثير. أقام مدة ببعلبك، ومدة ببرزة.
وكان قانعاً متعففاً، ترك أكل الخبز مدة سنين عديدة، وقال إنه يتضرر بأكله.
وتوفي رحمه الله تعالى في سابع عشري شهر المحرم سنة ثمان وسبع مئة، وطلع الأفرم والقضاة والناس إلى جنازته.
عثمان بن أبي النوق
فخر الدين المغربي.
كان له قدرة على الارتجال، والبديهة التي يعجز عنها رجاء الرجال، يكاد أنه لا يتكلم في جميع محاوراته إلا بالشعر الموزون، والنظم الذي يفرح به المخزون، ولما وصف لي بذل هونت أمره، وقلت: يكون ممن يورد تمرة وجمرة، فما كان إلا أن
رأيته بالجامع الأموي في ليلة نصف شعبان وهو واقف ينضض بلسانه مثل الثعبان والناس في ذلك الأمر المريج، وكأن صحن الجامع بذلك الوقيد أزاهر الروض البهيج، فقلت له: يا مولانا أنشدنا شيئاً من شعرك، واقذف لنا قليلاً من لآلئ بحرك، فأنشدني من وقته في الحالة الراهنة أبياتاً جملة، أتى بها سرداً من أول وهلة، كأنما كان قد بيتها لذلك، أو سهر فيها ليلة الحالك، ومعناها تشبيه ذلك الوقيد والاشتعال، ووصف ما للناس به من الاحتفال والاشتغال، وتشبيه القومة وحركاتهم، وترقيهم في درجاتهم، وانحطاطهم في دركاتهم، بحيث لو وصف في ذلك لما صدقت، ولا ارتمى بي الظن إلى ذلك ولا حلقت، فما كدت أقضي عجبي منه، ووددت أنني لم أنفصل عنه. ثم إنني اجتمعت به بعد ذلك في جامع حلب، وكان الأمر على ذلك الأنموذج الذي مضى وذهب.
وأخبرني القاضي شهاب الدين بن فضل الله قال: رآني مرة وبين يدي كتاب له فاتحة ذهب، فأنشدني كأنه يتحدث:
أراك تنظر في شيء من الكتب
…
وفي أوائلة شيء من الذهب
لو شئت تصرف نقداً من فواتحه
…
صرفت منه دنانيراً بلا ريب
قال: فوهبته الكتاب، وأنشدته:
خذه إليك بما يحوي من الذهب
…
ففي ندي السحب لا يخشى من اللهب
واضمم يديك عليه لا تمزقه
…
فإنه ذهب من معدن الأدب
قال: وكتب إلي يتقاضاني عليقاً لفرسه، وشيئاً ينفقه:
دموع كميتي على خده
…
من الجوع يطلب مني العلف
وليس معي ذهب حاضر
…
ولا فضة وعلي الكلف
ولي منك وعد فعجل به
…
فمن أنجز الوعد حاز الشرف
ودم وتهن بشهر الصيا
…
م بوجه يهل وكف تكف
فبعثت إليه الشعير والنفقة، وكتبت إليه الجواب:
مسحت بكمي دموع الكميت
…
وقلت له قد أتاك العلف
ووافى إليك جديد الشعير
…
لعل يداوي سقام العجف
وفي كم سائقه صرة
…
تسر لتخفيف ثقل الكلف
فإياك تحسبها للوفا
…
فإني بعثت بها للسلف
وكان يقص ما ينظمه في الورق قصاً مليحاً محكماً جيداً بالنقط والضبط، ولكن أوضاعه على عادة المغاربة في كتابتهم.
ونقلت من قصة قوله:
إلى الحر الحسيب إلي علي
…
علاء الدين ذي الحسب العلي
إلى من جوده عم البرابا
…
وفاق مكارماً لكريم طي
إلى من قدره فاق البرايا
…
وزاد علاً على الأفق السمي
وكان اجتماعي به في الجامع الأموي سنة إحدى وعشرين وسبع مئة، أو في سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة، واجتماعي به في حلب سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة، وتركته وهو يعمل مجلساً يفسر فيه القرآن، وكان ذلك آخر عهدي به.