الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يزل على حاله إلى أن توفي رحمه الله تعالى في مستهل ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة.
وكان شكلاً طويلاً، تام الخلق نبيلاً، له عبسة وطل جلسه، وصمت وإطراق وإعراض عمن يخاطبه وإخراق. إلا أنه ليس فيه شر، ولا عنده كر إلى الفتن ولا فر.
ولما كان الفخري بدمشق، ويئس من مجيء السلطان أحمد الناصر من الكرك، وبلغه أنه توجه إلى مصر، خطر له الخروج على المصريين، وقال: هذا عندنا رجل شريف عباسي، نقيمه نحن خليفة، ونبايعه، وما نحتاج إلى أحد من المصريين. وكان الفخري قد عني هذا علاء الدين مشد الأوقاف.
علي بن أحمد بن أسد
القاضي علاء الدين بن الأطروش، ابن أخي شمس الدين بن الأطروش، كان يعرف بالسكاكيني.
وسمع القاضي علاء الدين هذا الدارقطني على الحافظ شرف الدين الدمياطي. وكان شيخنا قاضي القضاة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى يقول: هو رفيقي في السماع على الدمياطي.
وحدث بدمشق، وربما حدث بالديار المصرية.
ورد إلى دمشق في أيام الأمير سيف الدين طقزتمر متولياً نظر الحسبة، وذلك في سنة ثلاث وأربعين، في أواخرها، وباشرها مباشرة جيدة بصلف ومهابة. ولم يزل بها، وهو يخدم الأمراء المصريين وغيرهم إلى أن سعى في طلبه مع الأمير سيف الدين أرغون العلاي والحجازي وغيرهم، فطلب إلى مصر في أواخر سنة خمس وأربعين، فتوجه إلى القاهرة، وباشر الحسبة بها ثم إنه عزل منها، وتولى حسبة دمشق مرة ثانية، فورد إليها بعد وفاة الشيخ عز الدين بن المنجا المحتسب في سنة ست وأربعين وسبع مئة فيما أظن، وتولى مع الحسبة نظر الأسرى بدمشق أيضاً، فباشر ذلك مدة لطيفة، وانفصل من الأسرى، وبقي على وظيفة الحسبة بدمشق، وهو مستمر على خدمة الأمراء المصريين، يسعى في العود إلى القاهرة. فطلب إليها ثانياً من دمشق في سنة.....
وأقام بها، وتولى الحسبة بالقاهرة ونظر المارستان المنصوري مرات، وعزل منهما ثم أعيد إليهما، وولي قضاء العساكر بالقاهرة أيضاً، ولما تولى علم الدين بن زنبور الوزارة عزله من وظائفه، ثم إنه أعيد إليها ثم عزل أخيراً من البيمارستان.
وبقي على الحسبة وقضاء العساكر إلى أن ورد الخبر إلى دمشق بوفاته رحمه الله تعالى وصلى عليه بالجامع الأموي صلاة الغائب يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وسبع مئة. وكانت وفاته بالقاهرة يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة.
وكان رحمه الله فيه خدمة للناس، ورعاية لأصحابه، ومكارم لمن يصحبه.
أول ما عرفت من أمره أنه تعلق على صحبة الأمير علم الدين سنجر الجاولي، وتمارض في وقت، وسعى مع أصحابه في أن يعوده الجاولي، فجاء إليه وعاده، فطار هذا الخبر في القاهرة، فتشبه الناس بالجاولي، وعاده الكبار من أرباب السيوف والطيالس.
ولم يزل بعد وفاة السلطان الملك الناصر يسعى مع أمراء الدولة إلى أن ولي حسبة دمشق، كما تقدم. وكان من رجالات العالم في السعي، وحفظ المودة والرعي، لا يمل من المشاكلة للأكابر، والتردد إليهم إن كانوا أرباب سيوف أو محابر، والتودد إلى من حولهم، والتعهد إلى من يسمع قولهم، ولا يزال يداخلهم بكل صنف يميلون إليه، وينازلهم في كل مربع ينزلون عليه، حتى يخلب قلوبهم بخدمه، ويثبت لديهم رسوخ قدمه، فحينئذ يقترح بعد التطفل، ويترفع بعد التسفل.
له عزمة ما استبطأ الدهر نجحها
…
ولا استعتب الأيام وري زنادها
إذا شوهدت بالرأي بان اختيارها
…
وإن بان ذو الرأي اكتفت بانفرادها
وكانت الدنيا تهون عليه في البذل، ويستوي عنده في المكارمة ذو الوجاهة والنذل، لا يرى إلا قضاء مآربه، وإضاءة الوجود بذكره في مشارقه ومغاربه.
ولما جاء إلى حسبة دمشق عبث بشمس الدين الشاعر الخياط المنبوز بالضفدع، وضربه واعتقله، وهم بحلق ذقنه، فقام في أمره القاضي شهاب الدين بن فضل الله، وخلصه، فتسلط على عرضه، وهجاه بقصائد ومقطعات كثيرة، من ذلك قوله وقد ركب بغلة بزنار: