الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أأندى العالمين يداً وأجدى
…
على العافين في الزمن العسير
إليك سعى رجاي وطاف قصدي
…
فدم يا كعبة للمستجير
ولما دخلت أنا إلى القاهرة في سنة سبع وعشرين وسبع مئة وجدت بعض الناس قد لهج بالمقامة للقاضي علاء الدين بن عبد الظاهر التي وسمها ب؟ مراتع الغزلان، وكلفت أنا في ذلك بإنشاء رسالة في تلك المادة، فأنشأت رسالتي التي وسمتها ب؟ عبرة اللبيب بعبرة الكئيب، وكتبت في أولها أبياتاً تتعلق بمديحه، وقد شذت الآن عني، وحملتها إليه، فوقف عليها. ولما جئته بذلك قال لي: الله يزيدك من فضله. وطوق علي، فقلت له: والله يزيدك سعادة.
علي بن أحمد بن عبد الواحد
قاضي القضاة أبو الحسن عماد الدين بن محيي الدين أبي العباس بن بهاء الدين أبي محمد الطرسوسي الدمشقي الحنفي.
كان قاضياً سؤوساً، عالماً في مذهبه رئيساً. كم ألقى دروساً، وأطلع من ألفاظه غروساً، حسن الشكل مديد القامة ظريف العمامة، كأن وجهه الشمس تحت الغمامة.
لم ينكد عليه في منصبه، ولا رأى فيه ما ارتاع بسببه. ماشياً فيه على السداد، سالكاً فيه سبل الرشاد. يعظمه نواب السلطنة بالشام، ويثنون على ما له من القضايا والأحكام.
وكان لا يمل من قراءة القرآن، ولا يفتر لسانه عن سرد آياته في كل زمان ومكان إلى أن سأل في النزول عن منصب القضاء لولده، وإيثاره به لما دار في خلده. فأجابه السلطان إلى ما قصده وعجل له الأمر الذي رصده. فلازم بيته آناء الليل وأطراف النهار، ويعمل على خلاصة في غد إذا وقف على شفا جرف هار.
إلى أن حان مصرعه، وآن من ورد المنية مكرعه.
وتوفي رحمه الله تعالى في يوم الاثنين ثامن عشري الحجة سنة ثمان وأربعين وسبع مئة، ودفن بالمزة.
وكان الأمير تنكز رحمه الله تعالى قد ولاه تدريس المدرسة القايمازية بعد وفاة الشيخ رضي الدين المنطيقي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة، فكتبت أنا توقيعه بذلك. ونسخته: الحمد لله الذي جعل عماد الدين علياً، وأيد شرعه المطهر بمن رقى بعلمه سموا
وأصبح للوصي سميا، ورفع قدر من إذا كان في حفل همى ندى وحنى ندياً، وهدى الناس بأعلام علمه التي إذا خفقت كم هزمت كميا وقادت إلى الحق أبياً.
نحمده على نعمه التي جعلت العلماء للأنبياء ورثة، وأقامت بهم الحجة على من نكب عن الحق أو نقض الميثاق ونكثه، ونفت بهم شبه الباطل عن الدين القيم كما ينفي الكير خبثه. وجعلت كل حبر منهم إذا نطق في المحافل جاء بالسحر الحلال من فيه ونفثه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ندخرها في المعاد خير عدة، ونأمن بها يوم الفزع الأكبر إذا ضاق على الناس خناق الشدة، ونجدها في الصحائف نوراً يضيء لنا إذا كانت وجوه الذين كذبوا على الله مسودة. وتجعل أيدينا على قطاف ثمار الرحمة وجنى غصونها ممتدة.
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خير من هدى الخلق ببرهانه، وأشرف من قضى بين الناس بالحق وفرقانه، وأعز مزن دفع في صدور البلغاء بنان بيانه، وأكرم من أطلق في ملكوت الله عز وجل عنان عيانه.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين رووا لأوليائهم السنة، ورووا من أعدائهم الأسنة، وأضحت طريقهم لطالب هدية الهدى مطية المظنة، وأمسوا حرباً لحزب الشيطان الذين جعل الله في آذانهم وقراً وعلى قلوبهم أكنة، صلاة تطلق جياد الألسنة في ميدانها الأعنة، وتبلغهم أمانيهم التي بايعهم عليها بأن لهم الجنة.
وبعد، فلما كان العلم الشريف هو لدين حافظ نظامه، وضابط أحكامه في حلاله وحرامه، بنشره يطيب نشر الإيمان وأرجه، ويتسع من صدر الجاهل بأحكام ربه تعالى ضيقه وحرجه. والعلماء هم الذين يرعون سوامه ويراعون، ويقدمون على منع من يتعدى حدود الله تعالى فما يهابون ولا يهانون ولا يراعون. وكفى بالعلماء فخراً أنهم للأمة أئمة الاقتداء، وأن مدادهم جعله الله بإزاء دم الشهداء.
وقد خلت في هذه الأيام المدرسة القايمازية، أثاب الله واقفها، ممن ينشر فيها أعلام العلم، ويبدي في مباحثه مع خصومه معنى الحرب في صورة السلم، وينبت في رياض دروسها دقائق النعمان، ويثبت في حياض غروسها دقائق النعمان.
تعين أن يقع الاختيار على من يحيى بدروسه ما درس من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، رضي الله عنه، ويجدد بفضائله التي أتقن فنونها ما رث من أقواله التي لا توجد إلا فيه، ولا تؤخذ إلا منه.
وكن المجلس العالي القضائي العمادي أبو الحسن علي الطرسوسي، أدام الله أيامه، وأعز بالطاعة أحكامه، هو الذي تفرد بهذه المزايا، وجمع هذه الخلال الحميدة والسجايا، تضع الملائكة له إذا خطا في العلم الأجنحة، ويتخذ الناس إذا اضطروا لدفع الأذى عنهم من صلاح الأسلحة، قد أراد الله به خيراً لما وفقه وفقهه في الدين، وأقامه حجة قاطعة ولكن في أعناق الملحدين، تنقاد المشكلات لذهنه الوقاد في أسلس قياد، وتشيد أفكاره الدقيقة للنعمان إمامة ما لا شادته من المجد للنعمان أشعار زياد،
وتبيت النجوم الزهر ناظرة إلى محاسن مباحثه من طرفها الخفي، وتنكف الألسنة الحداد من خصومه إذا جادلهم وتنكفي، ويأتي بالأدلة التي هي جبال لا تنسفها مغالط النسفي.
فلذلك رسم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الناصري أعلاه الله تعالى أن يفوض إليه تدريس المدرسة المذكورة. فليظهر عرائس فضله المجلوه، ويبرز نفائس نقله المخبوه، وليطرز دروسه بدقائقه التي بهرت، ويزد المباحث رونقاً بعبارته التي سحرت الألباب وما شعرت، إذ هو الحاكم الذي سيف قلمه إذا أمضاه كان في الدماء محكماً، والحبر الذي لا يقاس به البحر وإن كان القياس في مذهبه مقدماً، والعالم الذي إذا نهض بالإملاء فهو به ملي، والفاضل الذي إن كان العلم مدينة فبابها علي.
وليتعهد المشتغلين بالمدرسة بمطالبة محفوظهم، والحث والحض على الأخذ بزيادة العلم، فإن ذلك أسعد حظوظهم، والحفظ والجدل جناحا العلم ويداه، وبهما يتسلط الطالب على مقاربة المدى وإن كان العلم لا نهاية لمداه. فمن استحق رقياً على غيره فليرقه، وليوفه حقه؛ فإنه إذا نظر الحاكم في أمره وصل إلى حقه.
والتقوى هي ملاك الأمور وقوامها، وصلاح الأحوال ونظامها، على أنه أدام الله أيامه هو الذي يشرع الوصايا لأربابها، ويعلم المتأدب كيف يأتي البيوت من
أبوابها. وإنما أخذ القلم على العادة نصيبه، وأتى بنكت ومن علم العوان الخمرة كانت منه عجيبة.
والله يوفق أحكامه السديدة، ويمتع الأيام بمحاسنه، فإنها في الناس باب القصد وبيت القصيدة، والخط الكريم أعلاه حجة في ثبوت العمل بما اقتضاه، والله الموفق بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
وكان قد وصل تقليده من الديار المصرية بقضاء قضاة الحنفية بالشام عوضاً عن قاضي القضاة صدر الدين الحنفي البصروي في نصف شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبع مئة، وخلع عليه، وقرئ تقليده يوم الجمعة بجامع دمشق، وولي الحكم مع تدريس المدرسة النورية، واستناب في الحكم عنه القاضي عماد الدين إسماعيل بن محمد بن أبي العز الحنفي.
وكان قاضي القضاة عماد الدين صاحب هذه الترجمة ينوب أولاً في الحكم عن قاضي القضاة صدر الدين، فلما توفي رحمه الله تعالى عين هو للمنصب لجودة أحكامه وحسن سيرته. وكان قد باشر النيابة بعد موت القاضي شمس الدين بن العز الحنفي في سنة اثنتين وعشرين وسبع مئة.