الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان فقيهاً مالكياً، ثم تحول شافعياً، وحفظ كتاب ابن الحاجب في الفروع، والتعجيز أكمله حفظاً بعد الشروع.
ولم يزل على حاله إلى أن لسعه ثعبان فمات من سمه، وعدم روح الحياة ولذة شمه، وذلك بقوص سنة ست أو سبع وسبع مئة.
قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي: ذكر لي جماعة من قوص أن قاضي القضاة أبا الفتح القشيري قال له: اكتب على باب بلدك أنه ما خرج منها أفقه منك.
وكان عنده قمح قد انتقاه وغسله بالماء فيزرعه في أرض يختارها بنفسه يتولى زرعه وحصاده وطحنه، وعنده طين طاهر يعمل منه آنية ليأكل فيها ويشرب.
عبد الباقي بن عبد الحميد
ابن عبد الله بن أبي المعالي متى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن يوسف، الشيخ تاج الدين اليمني المخزومي.
كان أسمر اللون، ظريف الكون، شيخاً طوالاً، حسن العمة، بعيد الهمة، يدعي في الإنشاء أشياء لو صحت كانت معجزه، أو لو أتى ببعضها كانت من الغرائب الموجزة، لا يحقق شيئاً من العلوم، ولا مما يتصف به ذوو الألباب والحلوم، نعم كانت له قدرة على النظم والنثر، وهو فيهما كثير التردي في الردي والعثر.
وكان يقرئ في المقامات والعروض، ويحسن ما يدعيه بالتقادير والفروض، ونظمه أقرب إلى الجودة، ونثره يقال فيه كما قيل: قد عرفناك يا سوده، ويكتب
خطاً نقشاً، ويجيد منه سطراً رقشاً، وعلى كل حال فكان من أشياخ الأدب، وجراثمه التي تقصد بالطلب.
وكان كثير الحط على القاضي الفاضل، وهذا دليلي على أنه لم يكن ممن يناظر أو يناضل، وكفته هذه الحطة، وحبسه بها سيئة أكفأته في هذه الورطة.
وكان يرجح كلام ابن الأثير، وهذا كلام من هو بين أهل الكلام عثير، وبينهما عند أرباب هذا الفن من الفرق، ما بين القدم والفرق، وبينهما من البعد والبون ما بين الفساد والكون، أو الأبيض اليقق والأسود الجون، علم ذلك من علمه، أو جهله من جهله.
ولم يزل على حاله إلى أن فني عبد الباقي، ورقد في البرزخ إلى يوم التلاقي.
وتوفي رحمه الله تعالى في أواخر سنة ثلاث وأربعين، أو أوائل سنة أربع وأربعين وسبع مائة.
ومولده بمكة ثاني عشر شهر رجب سنة ثمانين وست مئة.
وكان قد ورد في أيام الأفرم إلى دمشق، وعمل رسالة سماها: قلائد الحور في المفاخرة بين المنظوم والمنثور، وحكم فيها القاضي محيي الدين بن فضل الله، فتوسط له عند الأفرم، فرتب له على الجامع الأموي بدمشق في الشهر مئة ردهم، وقرأ عليه الطلبة في المقامات والعروض. ثم إنه توجه إلى اليمن، وكتب الدرج باليمن، وربما وزر، ثم إنه لما توفي المؤيد صاحب اليمن صادره ولده المجاهد، وأخذ منه ما حصله، فورد إلى مصر سنة ثلاثين، وقدم إلى دمشق، ورأيته بها في سنة إحدى وثلاثين، ثم عاد إلى مصر، وبها اجتمعت به سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة، وفوض إليه تدريس المشهد النفيسي، وشهادة البيمارستان المنصوري.
ثم إنه ورد إلى دمشق، ورتب مصدراً بالحرم في القدس، فأقام به مدة وتردد إلى دمشق وحلب وطرابلس، وعمل له راتب بطرابلس، ثم توجه إلى القاهرة وأباع وظائفه، وبها توفي رحمه الله تعالى.
وكانت له قدرة على النظم والنثر، إلا أنه لم يكن له فيهما غوص على المعاني.
وكان ظنيناً بنفسه، يدعي أنه يملي على أربع كتاب، أو قال: خمسة في مقاصد مختلفة نظماً ونثراً، ويظن مع ذلك أن كلامه خير من كلام القاضي الفاضل، وعارض الرسائل المختارة للفاضل، مثل الرسالة الذهبية، وفتح القدس، وغيرهما، فكان كمن عارض الزواهر بالذبالة، والجواهر بالزبالة وكان كلامه متوسطاً، وعمل تاريخاً لليمن، وتاريخاً للنحاة، وليسا بشيء، وذيل على تاريخ ابن خلكان بذيل قصير جداً رأيته لم يبلغ به ثلاثين رجلاً.
وكان يعظم نفسه، ويطريها، بل يطغيها، ولكن لكلامه وقع في النفوس، وديباجة إذا أطنب في وصف نفسه، وتعيش بذلك زماناً، وقمر عقولاً أغماراً.
وأنشدني من كلامه المنظوم والمنثور كثيراً، وكتب على أشياء وقف عليها من تصانيفي تقريظاً بالنظم والنثر، فمن ذلك ما كتبه على كتابي جنان الجناس:
جنان جناس فاق جنس جنان
…
يعين المعاني فيه جل معان
لقد نوع الأجناس فيه مؤلف
…
طرائق وشي أو سموط جمان
غدا ناهجاً فيه مناهج لم يكن
…
قدامة قدماً جاءها ببيان
مقاصد ما نجل الأثير مثيرها
…
بدائع فضل من بديع زمان
محررة الألفاظ لكن حسنها
…
رقيق ينسينا جليل حسان
إذا ابن فتى نجل الحديد أرداها
…
تقول له أقصر فلست بدان
وما أنت فمن يسبك التبر ناقدً
…
ومالك في سبك الفضا ريدان
لقد أطربت أبياته كل سامع
…
فرائد ما جاءت لهن ثوان
تفوح بأرواح الصبا نفحاتها
…
حظيرة بان عند حضرة بان
لقد صير الحساد تذرف دمعها
…
مدامع شأن في محاجر شان
أقول لنظمي حين حاول شأوها
…
رفيقك قيسي وأنت يمان
بقيت صلاح الدين للفضل صالحاً
…
لحسن بيان من يراع بنان
فكتبت أنا إليه ارتجالاً:
لآ لي غوالٍ من حلي غوان
…
وترجيع بم عند خفق مثان
أم الشيخ تاج الدين نظم شعره
…
فما زهر روض من حلاه بدان
إمام زمام الفضل أضحى بكفه
…
يصرفه يومي ندى وبيان
وزير بتدبير الممالك عارف
…
غدا الناس في أيامه بأمان
إذا هو جارى الغيث يوم سماحه
…
فذاك أوان ليس فيه بوان
يشيد مباني المجد في حومة العلى
…
بهز يراع أو بسل يمان
فأقسم ما أثنى على ما وضعته
…
بشعر ولكن بالجنان حباني
جناس بديع لو تقدم عصره
…
أبان لنا في ذاك عجز أبان
فشكري ما وفى حقوق صنيعه
…
وكيف بشام شام برق يمان
وأنشدني من لفظه لنفسه:
تجنب أن تذم بك الليالي
…
وحاول أن يذم لك الزمان
ولا تحفل إذا كملت ذاتاً
…
أصبت العز أم حصل الهوان
قلت: أخذ الأول من قول الأول، وهو أحسن:
جهل الفتى عار عليه لذاته
…
وخموله عار على الأيام
وأنشدني من لفظه لنفسه:
بخلت لواحظ من رأينا مقبلاً
…
برموزها ورموزهن سلام
فعذرت نرجس مقلتيه لأنه
…
يخشى العذار لأنه نمام
قلت: أخذه من قول الأول، وهو أحسن، وأكمل:
لافتضاحي في عوارضه
…
سبب والناس لوام
كيف يخفى ما أكابده
…
والذي أهواه نمام
وأنشدني من لفظه لنفسه في حمار وحش:
حمار وحش نقشه معجب
…
فلا يضاهي حسنه في الملاح
فمذ غدا في حسنه أوحداً
…
تشاركا فيه المسا والصباح