الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حشمة ورياسة، وله سيادة وسياسة، ما خلا من خير قدمه، وشر هدمه. وعمر بطرابلس مدرسة للشافعية مليحة، وجعل ساحتها للطلبة فسيحة.
ولم يزل على حاله إلى أن أدبر وولى، وترك أعراض هذه الدار وخلى.
وتوفي رحمه الله تعالى بطرابلس خامس شهر رمضان سنة خمس وعشرين وسبع مئة، وكان من أبناء الستين، وتولى مكانه الأمير بدر الدين بكتوت القرماني.
وكان ابن البرطاسي قد باشر ولاية البر بدمشق في شعبان سنة أربع عشرة وسبع مئة عوضاً عن الأمير علم الدين سنجر الطرقجي، ولم يزل في ولاية البر إلى أن عزل بابن معيد في سادس ذي الحجة سنة أربع عشرة، ثم أعيد بعد العيد إلى طرابلس فأقام بها إلى أن توفي في التاريخ المذكور.
عيسى بن فضل بن عيسى
....
الأمير شرف الدين.
توفي رحمه الله تعالى في إحدى الجمادين سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
عيسى بن المحب
شرف الدين النابلسي المعروف بالناسخ في القاهرة.
كتب الخط المنسوب، وأتى به وهو في عداد الرياض محسوب، وجود النسخ وأتقنه، ونمقه وحسنه، فعرف بالناسخ لذلك، واشتهر به اشتهار النجم في الليل الحالك.
وكان ينظم الشعر، ويتعاطى فيه مغالاة السعر.
لبث في السجن بضع سنين، وكان اللطف بأذاه ضنين، ثم إنه خرج من غيابة جبه، ولكنه حصد بذر حبه، فشعشعت له النار رحيقاً، ومات فيها حريقاً.
وتوفي رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وثلاثين أو ثلاثين وسبع مئة بالقاهرة.
وكان قد جود واجتهد إلى أن حاكى خط القاضي علاء الدين بن الأثير وكان يوقع على هوامش القصص بما يريد ويتوجه صاحب القصة بها إلى بعض الموقعين، فيكتب بما سأله وهو لا يشك أن ذلك خط ابن الأثير، ويأخذ صاحب القصة الكتاب ويتوجه به إلى الدوادار فيرى خطاً معروفاً فيدخل به في فوطة العلامة ويعلم له السلطان ويخرج الكتاب، والكل صحيح، وما يرى أحد خط السلطان إلا ويكتب عليه علامته والاعتماد، ومشت بذلك أحوال، وحار الناس في ذلك ولا يعلم أحد ممن أتى عليه أصل الفساد من أين، إلى أن أمسك شرف الدين هذا فأخذه القاضي علاء الدين ودخل به إلى السلطان الملك الناصر محمد وحكى له الصورة، فقال له: أنا هذا ما زور علي، فإنما زور عليك فأمره إليك، فأودعه في سجن القلعة، فلبث قريباً من سبع سنين. ولما جرى للقاضي علاء الدين ما جرى من الفالج حدث في أمره فأفرج عنه،
وكان القاضي بعد إطلاعه على أمره لا يمكن أحداً من الموقعين يكتب على قصة حتى يكتب هو اسم من يوقع عليها، ومن ذلك التاريخ صار ذلك رسماً لكاتب السر يكتب على القصص اسم الموقع.
وبلغني عن هذا شرف الدين أنه كان في السجن يزور أشياء في الوصولات وغيرها ومكث بعد خلاصه من السجن مدة قريباً من أربع سنين. ثم إنه نام ليلة ونسي روحه والطوافة في يده تقد، فاحترق اللحاف الذي عليه وتعذر خلاصه فأصبح في بيته ميتاً محترقاً.
وكان قد كتب إلي من السجن وأنا بالقاهرة سنة ثمان وعشرين وسبع مئة:
يعز على عيسى وجود خليله
…
بمصر وعيسى بات في قبضة السجن
فيا نار أشواقي تلظت بها الحشا
…
ولم يطفها من مقلتي واكف المزن
ويا حسرتا لو فزت يوماً برؤية ال؟
…
محيا الذي أزرى على البدر في الدجن
أمولاي إني قد سمعت فضائلاً
…
ظهرت بها في مصر في غاية الحسن
فسارت بها الركبان في ساحة الفلا
…
وغنى بها الملاح إذ صار في السفن
لقد فقت فرسان البلاغة كلهم
…
وما أحداً عن ذاك في مصر أستثني
عسى نفثة من در شعر نظمته
…
أحلي بها جيدي إذا شنفت أذني
فكتبت أنا إليه:
خليل أتى مصراً وعيسى محجب
…
من الدهر في سجن فلا كان من كن
لئن كان في سجن فكل مهند
…
إذا ادخروه للردى بات في جفن
فيا زهر روض حجبته كمامه
…
عسى تتفرى عنه في ذروة الغصن
حنانيك إني فيك من شدة الأسى
…
نقمت الرضى حتى على ضاحك المزن
فصبراً على ما قد منيت كأنما
…
الزمان على الأحرار مثلك ذو ضغن
فقد يخرج الإصباح من ظلمة الدجى
…
وقد تطلق الصبهاء من حرج الدن
كأني بذاك الوجه يبدي نضارة
…
وقد برقعته بالحيا راحة الحسن
وقالت له الأيام وهي جديرة
…
بكل قبيح أن تخون وأن تجني
أعيسى لقد شاركت في الحسن يوسفاً
…
فشاركه أيضاً في الدخول إلى السجن
وأنشدته يوماً لنفسي بعدما خرج من السجن:
يا قلب إن رق خد ال؟
…
حبيب أو لان عطفه
فشعره كم تجافى
…
وكم تثاقل ردفه
فأنشدني هو لنفسه:
شكوت الذي ألقى سهاداً وعبرة
…
فوكل جفني أنه قط لا يغفو
فلانت لي الأعطاف والخصر رق لي
…
ولكن تجافى الشعر واثاقل الردف
قلت: في البيت الأول نظر، وهو أنه لا يقال إلا أغفى يغفي، ولم يسمع في فصيح الكلام يغفو، وفي البيت الثاني نظر.
ثم إنني بعد ذلك قلت في هذه المادة:
في القلب من هاجري لوعة
…
بغير تلافيه ما تندمل
فيا شعره بعض هذا الجفا
…
ويا ردفه أنت ما تنحمل