الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا البرزالي: روى لنا عن جده لأمه الشيخ بهاء الدين بن الجميزي، وحدث بالقاهرة وبدمشق، وأظنه كان مفتي دار العدل.
علي بن عبد الغني
الفقيه المعمر العدل علاء الدين بن تيمية ابن خطيب حران ومفتيها، الشيخ مجد الدين.
كان هذا علاء الدين شروطياً بمصر.
روى عن الموفق عبد اللطيف وابن روزبه، وكان شاهداً عاقلاً عاقداً مرضياً.
توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وسبع مئة.
ومولده بحران سنة تسع عشرة وست مئة. حمل عنه المصريون.
علي بن عبد الكافي
ابن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم: الغمام العالم العامل الزاهد العابد الورع الخاشع البارع، والعلامة شيخ الإسلام، حبر الأمة، مفتي الفرق، المقرئ، المحدث، الرحلة، المفسر، الفقيه، الأصولي، البليغ، الأديب، المنطقي، الجذلي، النظار.
جامع الفنون، علامة الزمان، قاضي القضاة أوحد المجتهدين تقي الدين أبو الحسن الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الأشعري.
يا سعد هذا الشافعي الذي
…
بلغه الله تعلى رضاه
يكفيه يوم الحشر أن عد في
…
أصحابه السبكي قاضي القضاة
أما التفسير فيا إمساك ابن عطية، ووقوع الرازي معه في رزية.
وأما القراءات فيا بعد الداني، وبخل السخاوي بإتقان السبع المثاني.
وأما الحديث فيا هزيمة ابن عساكر، وعي الخطيب لما أن يذاكر.
وأما الأصول فيها كلال حد السيف، وعظمة فخر الدين كيف تحيفها الحيف.
وأما الفقه فيا وقوع الجويني في أول مهلك من نهاية المطلب، وجر الرافعي إلى الكسر بعد انتصاب علمه المذهب في المذهب.
وأما المنطق فيا إدبار دبيران وقذى عينه، وانبهار الأبهري وغطاء كشفه، بمينه.
وأما الخلاف فيا نسف جبال النسفي، وعمى العميدي، فإن إرشاده خفي.
وأما النحو فالفارسي ترجل له يطلب إعظامه، والزجاجي تكسر جمعه وما فاز بالسالمة.
وأما اللغة فالجوهري ما لصحاحه قيمة، والأزهري أظلمت لياليه البهيمة.
وأما الأدب فصاحب الذخيرة استعطى، وواضع اليتيمة تركها، وذهب إلى أهل يتمطى.
وأما الحفظ فما سد السلفي خلة ثغره، وكسر قلب الجوزي لما أكل الحزن لبه وخرج من قشره.
هذا إلى إتقان فنون يطول سردها، ويشهد الامتحان أنه في المجموع فردها، واطلاع على معارف أخر، وفوائد متى تكلم فيها قتل بحر زخر، وإذا مشى الناس في رقراق علم كان هو خائض اللجة. وإذا خبط الأنام عشواء سار هو في بياض المحجة.
وأما الأخلاق فقل أن رأيتها في غيره مجموعة، أو وجد في أكياس الناس دينار على سكتها المطبوعة؛ فم بسام، ووجه بين الجمال والجلال قسام، وخلق كأنه نفس
السحر على الزهر نسام، وكف تخجل الغيوث من ساجمها، وتشهد البرامكة أن نفس حاتم في نقش خاتمها، وحلم لا يستقيم معه الأحنف، ولا يرى المأمون معه إلا خائناً عند من روى أو صنف، ولا يوجد له فيه نظير ولا في غرائب أبي محنف، ولا يحمل حلمه بل، فإنه جاء بالكيل المكنف.
لم أره انتقم لنفسه مع القدرة، ولا شمت بعدو هزم بعد النصرة، بل يعفو ويصفح عمن أجرم، ويتألم لمن أوقد الدهر نار حربه وأضرم، ورعاية ود لصاحبه الذي قدم عهده، وتذكر لمحاسنه التي كاد يمحوها بعده، طهارة لسان لم يسمع منه في غيبة بنت شفة، ولا تسف طيور الملائكة منه على سفه. وزهد في الدنيا وأقلامه تتصرف في الأقوال، وتفضها على مر الأيام والجمع والأشهر والأحوال، واطراح للملبس والمأكل، وعزوف عن كل لذة، إعراض عن أغراض هذه الدنيا التي خلق الله النفوس إليها مغذه.
وهذا ما رآه عياني، وختم عليه جناني، وأما ما وصف لي من قيام الدجى، والوقوف في موقف الخوف والرجا، فأمر أجزم بصدقه، وأشهد بحقه، فإن هذا الظاهر لا يكون له باطن غير هذا، ولا يرى غيره حتى المعاد معاذا:
عمل الزمان حساب كل فضيلة
…
بجماعة كانت لتلك محركه
فرآهم متفرقين على المدى
…
في كل فن واحداً قد أدركه
فأتى به من بعدهم فأتى بما
…
جاؤوا به جمعاً فكان الفذلكة
وتصانيفه تشهد لي بما ادعيت، وتؤيد به ورويت، فدونك وإياها، وترشف كؤوس حمياها، وتناول نجومها إن وصلت إلى ثرياها.
ولما توفي قاضي القضاة جلال الدين القزويني بدمشق في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة طلبه السلطان الأعظم الملك الناصر محمد، وطلب الشيخ شمس الدين بن عدلان بحضور قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، وقال له: يا شيخ تقي الدين قد وليتك قضاء الشام، وألبسه تشريفاً عظيماً وخرج صحبة الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى. وكنت أنا في خدمته طول الطريق فالتقطت الفوائد، وجمعت الفرائد التي ظل في طلبها ألف رائد، وسهلت بسؤاله ما كان عندي من الغوامض الشدائد، ووددت أن النوى لم تلق لها عصا، وأن اليعملات في كل هاجرة تنفي يداها الحصا.
يود أن ظلام الليل دام له
…
وزيد فيه سواد القلب والبصر
ودخل دمشق، فقل في روض حياه الغمام، ومادت غصونه بالطرب لما غنى عليها الحمام. أحيا الله به معالم علومها، وأطلع في آفاقها للهدى نيرات نجومها، وباشر
قضاءها بصلف زاد، وسلوك ما حال عن جادة الحق، ولا حاد، منزه النفس عن الحطام منقاداً إلى الزهد الصادق بخطام، مقبلاً على شأنه في العلم والعمل، منصرفاً إلى تحصيل السعادة الأبدية فما له في غيرها أمل، ناهيك به من قاضي حكمه في هذه الإقليم متصرف الأوامر، وحديثه في العفة عن الأموال علالة المسامر، ليس في بابه من يقول لخصم هات، ولا من يجمجم الحق أو يموه بالترهات.
ومات الأمير سيف الدين تنكز وهو يعظمه، ويختار أكبر الجواهر للثناء عليه وينظمه:
وعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله
…
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
ولم يزل على حاله إلى أن حصل له من المرض ما حصل، وتماثل من سقمه ونصل، ونزل عن منصبه لولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب، فتلقت الدولة ذلك منه بالترحاب، وقالوا سمعاً لما قاله وكرامة، وأهلاً بهذا النهر الذي غادرته تلك الغمامة.
ولما استقر الأمر لولده وثبت، ورأى غصنه الذي تفرغ عن أصله ونبت توجه إلى الديار المصرية شوقاً لأرض أول ما مس جلده ترابها، وأول ما ضمه جناتها واتسع له جنابها، فقال النيل: مرحباً بغمام الشام، وقالت نجومها: أهلاً بهذا القمر التام، فأقام بها ريثما بل صداه، ورد برؤية ربوعها رداه، ونقله الله إلى حضرة قدسه.
ومواطن رحمته وأنسه. فلبى المنادي، وخلا من نداه النادي، وقام الناعي فأسمع. وأوجد القلوب حزنها فأوجع.
وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبع مئة.
ومولده أول يوم من صفر سنة ثلاث وثمانين وست مئة.
وتفقه في صغره على والده رحمه الله تعالى، ثم على جماعة آخرهم فقيه العصر نجم الدين بن الرفعة، ورأيته رحمه الله يثني عليه ثناء كثيراً، ويعظمه تعظيماً زائداً.
وقرأ الفرائض على الشيخ عبد الله الغماري المالكي.
وقرأ الأصلين وسائر المعقولات على الشيخ الإمام النظار علاء الدين الباجي، وكان يعظمه ويصفع بالدين.
وقرأ المنطق والخلاف على الشيخ سيف الدين البغدادي.
وقرأ النحو على الشيخ أثير الدين أبي حيان.
وقرأ التفسير على الشيخ علم الدين العراقي.
وقرأ القراءات على الشيخ تقي الدين بن الصائغ.
وتخرج في الحديث على الحافظ شرف الدين الدمياطي.
وصحب في التصوف الشيخ تاج الدين.
ورحل في طلب الحديث إلى الإسكندرية والشام، ومن مشاهير أشياخه في الرواية ابن الصواف، وابن جماعة، والدمياطي، وابن القيم، وابن عبد المنعم، وزينب، وهؤلاء بالإسكندرية وبمصر. والذين بالشام: ابن الموازيني، وابن مشرف، والمطعم، وغيرهم.
والذين بالحجاز: رضي الدين إمام المقام وغيره.
وخرج له شهاب الدين الدمياطي معجماً لشيوخه.
جلس بالكلاسة جوار الجامع الأموي بدمشق، وحدث به قراءة عليه الإمام أقضى القضاة تقي الدين أبو الفتح السبكي، وسمعه عليه خلائق منهم الحافظ الكبير جمال الدين المزي، والحافظ أبو عبد الله الذهبي، وروى عنه شيخنا الذهبي في معجمه.
وتولى بدمشق مع القضاء خطابة الجامع الأموي وباشرها مدة، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة، فقال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي: ما صعد هذا المنبر بعد ابن عبد السلام أعظم منه ونظم في ذلك:
ليهن المنبر الأموي لما
…
علاه الحاكم ابر التقي
شيوخ العصر أحفظهم جميعاً
…
وأخطبهم وأقضاهم علي
وتولى بعد وفاة شيخنا المزي رحمه الله تعالى مشيخة دار الحديث الأشرفية. فالذي نقول: إنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ في الرجال من المزي، ولا أورع من
النووي وابن الصلاح، ولا يورد زين الدين الفارقي فإنه أفقه منه رحم الله كلاً.
وتولى تدريس الشامية البرانية بعد موت مدرسها قاضي القضاة شمس الدين بن النقيب رحمه الله في أوائل سنة ست وأربعين وسبع مئة.
وكتبت له بذلك توقيعاً هو مذكور في الجزء الخامس والعشرين من التذكرة التي لي.
ثم إنه ولي تدريس المسرورية بعد الشيخ تاج الدين المراكشي، وكتبت له توقيعاً بذلك هو في الجز الثاني من التذكرة التي لي.
وكان قد طلب في نهار الجمعة بعد الصلاة سادس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة إلى الديار المصرية، جاء البريد بطلبه ليجعل قاضي القضاة بالديار المصرية، فتوجه. ثم إن القضية فترت، وأقام بها قليلاً وعاد إلى دمشق على منصبه.
ومن مسموعاته الحديثية: الكتب الستة، والسيرة النبوية، وسنن الدارقطني، ومعجم الطبراني، وحلية الأولياء، ومسند الطيالسي، ومسند الحارث بن أبي أسامة، ومسند الدارمي، ومسند عبد، ومسند العدني، ومسند الشافعي رضي الله عنه، وسنن الشافعي، واختلاف الحديث للشافعي، ورسالة الشافعي، ومعجم ابن المقرئ، ومختصر مسلم، ومسند أبي
والشفاء للقاضي عياض، ورسالة القشيري، ومعجم الإسماعيلي، والسيرة للدمياطي، وموطأ يحيى بن يحيى، وموطأ القعنبي.
وموطأ ابن بكير، والناسخ والمنسوخ للحازمي، وأسباب النزول للواحدي، وأكثر مسند أحمد، ومن الأجزاء شيء كثير.
ولقد كان عمره بالديار المصرية وجيهاً في الدولة الناصرية يعرفه السلطان الأعظم الملك الناصر ويوليه المناصب الكبار، مثل إدريس المنصورية وجامع الحاكم والكهارية. والأمير سيف الدين أرغون النائب يعظمه، والقاضي كريم الدين الكبير يقربه ويقضي أشغاله، والأمير سيف الدين قجليس، وأما الأمير سيف الدين ألجاي الدوادار فكان لا يفارقه ويبيت عنده في القلعة غالب الليالي، ونائب الكرك والأمير بدر الدين جنكلي بن البابا والجاولي والخطيري وغيرهم جميعهم يعظمونه ويحترمونه ويشفع عندهم ويقضي الأشغال للناس.
وجاء إلى الشام قاضي القضاة من سنة تسع وثلاثين إلى بعض سنة ست وخمسين هذه المدة كلها، وجاء في أيامه الطاعون فلو شاء هو وولده أقضى القضاة جمال الدين حسين أخذا في إثبات الوصايا ودعاوى القرابات وما يرث الناس بأسبابه
ثلاث مئة ألف دينار وأضعافها، وكان ينفرد هو رحمه الله تعلى بولايات الوظائف بنصف ذلك، ولم يقدر أحد يقول إنه وزن ديناراً ولا درهماً ولا أقل ولا أكثر. وأما لبسه الذي يكون عليه في غير دور العدل والمحافل فيما أظنه كان يساوي ثلاثين درهماً.
وإن كان في لبس الفتى شرف له
…
فما السيف إلا غمده والحمائل
وبعد هذا جميعه يموت فيوجد عليه دين مبلغ اثنين وثلاثين ألف درهم، ولو لم يكن له داران بمصر اشترى الواحدة، وورث الأخرى مع مجلداته التي قناها في عمره، أبيع الجميع فكمل ثلثي الدين، والتزم ولداه مد الله في عمرهما بوفاء البقية، هكذا هكذا وإلا فلا لا.
ينسب إلى الشافعي أنه قال: من ولي القضاء ولم يفتقر فهو لص، قدس الله روحه، ونور ضريحه، والذي استقر في ذهني منه أنه كان إذا أخذ أي مسألة كانت من أي باب كان، من أي علم كان عمل عليها مجلداً أو مصنفاً لطيفاً، أعني في علوم الإسلام من الفروع والأصلين والحديث والتفسير والنحو والمعاني والبيان. وأما العقليات فما كان في آخر وقته فيها مثله.
وأما فن الأدب فما احتاج مع أسماء كتبه وتصانيفه إلى بيان، هي تشهد له بأدبه وذوقه. وأما الهجاء وفن الكتابة فكان ما يلحق فيه. وأما صناعة الحساب فرأيت أئمتها يعترفون له فيها، ولم أره في مدة ولايته القضاء يستكثر على أحد شيئاً والعلة في ذلك إعراضه عن الدنيا وإلقاؤها وراء ظهره، حتى لم تكن له ببال حتى إنني قلت فيه:
لم يلتفت يوماً إلى زهرة الد
…
نيا وإن كانت له زاهره
رئاسة العلم التي حازها
…
تكفيه في الدنيا وفي الآخرة
ولم نر أحداً من النواب الذين هم كانوا ملوك الشام ولا من غيرهم تعرض له فأفلح بعدها، إما يموت فجأة أو يغتال أو يعطل ويستمر في عطلته إلى أن يموت، جربنا هذا غير مرة مع غير واحد، وهذا شاع وذاع. ولقد جئت إليه يوماً، وقلت له يا سيدي هذه قضية حديثاً، بالله دع أمرها فإنك قد أبلغت فيها عذراً، وهذا ملك الأمراء وغيره في ناحية وهم بمعزل، وأخشى يحصل بسببها شر، فما كان جوابي إلا أن أنشد:
وليت الذي بيني وبينك عامر
…
وبيني وبين العالمين خراب
فعلمت أنه لا تأخذه في الحق لومة لائم.
ومن حين نافسه الأمير سيف الدين أرغون الكاملي ما قر له قرار ولا هناه عيش بدمشق، وجرى له ما جرى، وعزل منها، وتولى حلب، وقاسى بها شدائد، ثم إنه عزل ونقل إلى مصر، ثم إنه أمسك واعتقل بالإسكندرية، ثم حضر إلى القدس. ولم يزل يدخل في مرض ويخرج منه إلى أن توفي رحمه الله تعالى، ولما طلب إلى مصر خوفوه من أمره، فقال: يروح إليها ومما يفلح، ويموت والله ولده قاضي القضاة تاج الدين حيث قال في ترجمته لما ذكره في طبقات الفقهاء:
وما علي إذا ما قلت معتقدي
…
دع الحسود يظن السوء عدوانا
هذا الذي تعرف الأملاك سيرته
…
إذا ادلهم دجى لم يبق سهرانا
هذا الذي يسرع الرحمن دعوته
…
إذا تقارب وقت الفجر أو حانا
هذا الذي يسمع الرحمن صائحه
…
إذا بكى وأفاض الدمع ألوانا
هذا الذي لم يزل من حين نشأته
…
يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
هذا الذي تعرف الصحراء جبهته
…
من السجود طوال الليل عرفانا
هذا الذي لم يغادر سيل مدمعه
…
أركان شيبته البيضاء أحيانا
والله والله والله العظيم ومن
…
أقامه حجة في العصر برهانا
وحافظاً لنظام الشرع ينصره
…
نصراً يلقيه من ذي العرش غفرانا
كل الذي قلت بعض من مناقبه
…
ما زدت إلا لعلي زدت نقصانا
وصنف بالديار المصرية ودمشق ما يزيد على المئة والخمسين مصنفاً فمن ذلك: الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، عمل منه مجلدين كبيرين ونصفاً، وتكملة المجموع في شرح المهذب ولم يكمل، والابتهاج في شرح المنهاج في الفقه، بلغ فيه إلى آخر وقت والتحقيق في مسألة التعليق رداً على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة الطلاق، وكان فضلاء الوقت قد عملوا ردوداً ووقف عليها، فما أثنى على شيء منها غير هذا، وقال ما رد علي فقيه غير السبكي، وكتاب شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام رداً عليه في إنكاره سفر الزيارة، وقرأته عليه بالقاهرة في سنة سبع وثلاثين وسبع مئة من أوله إلى آخره وكتبت عليه طبقة جاء مما فيها نظماً:
لقول ابن تيمية زخرف
…
أتى في زيارة خير الأنام
فجاءت نفوس الورى تشتكي
…
إلى خير حبر وأزكى إمام
فصنف هذا وداواهم
…
فكان يقيناً شفاء السقام
والرفدة في معنى وحده وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه وكتبت عليها:
خل عنك الرقدة
…
وانتبه للرفده
تجن منها علماً
…
فاق طعم الشهده
والتعظيم والمنة في " لتؤمنن به ولتنصرونه " وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه وكتبت عليها:
غالب ما صنفه الناس في
…
مسببات المال والجاه
فللربا ذلك قد كان وال؟
…
تعظيم والمنة لله
والحلم والأناة في إعراب " غير ناظرين إناه " وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
يا طالب النحو في زمان
…
أطول ظلاً من القناة
وما تحلى منها بعقد
…
عليك بالحلم والأناة
والإغريض في الحقيقة والمجاز والكناية والتعريض كتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
قل لمن راح باحثاً عن كلام
…
في كناياته وفي التعريض
لا تغالط، ما يشبه الدر شيء
…
إن تأملته سوى الإغريض
وورد العلل في فهم العلل، وكتبتها بخطي، وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
أيا من شفى ما بنا من علل
…
ورد ردانا بورد العلل
جزاك إلهك من محسن
…
هدانا الصواب وروى الغلل
ونيل العلا في العطف بلا، وكتبتها بخطي وقرأتها عليه، وكتبت عليها:
يا من غدا في العلم ذا همة
…
عظيمة في الفضل تملا الملا
لم ترق في النحو إلى رتبة
…
سامية إلا بنيل العلا
ومن تصانيفه أيضاً رافع الشقاق في مسألة الطلاق، والرياض الأنيقة في قسمة الحديقة، ومنية المباحث في حكم دين الوارث، ولمعة الإشراق في أمثلة الاشتقاق وإبراز الحكم من حديث: رفع القلم، وإحياء النفوس في حكمة وضع الدروس، وكشف القناع في إفادة لو الامتناع، وضوء المصابيح في صلاة التراويح، ومسألة كل وما عليها تدل، وكتب عليها الفاضل سراج الدين عبد اللطيف بن الكويك ثلاثة أبيات أوردتها في ترجمته، والرسالة العلانية والتحبير المذهب في تحرير المذهب، والقول الموعب في القول بالموجب، ومناسك أولى ومناسك أخرى، وبيع المرهون في غيبة المديون، وبيان الربط في اعتراض الشرط على الشرط، ونور الربيع من كتاب الربيع، والرقم الإبريزي في شرح التبريزي، وعقود الجمان في عقود
الرهن والضمان، وطليعة الفتح والنصر في صلاة الخوف والقصر، والسيف المسلول على من سب الرسول، والسهم الصائب في بيع دين الغائب. وفصل المقال في هدايا العمال، والدلالة على عموم الرسالة. والتهدي إلى معنى التعدي، والنقول البديعة في أحكام الوديعة، وكشف الغمة في ميراث أهل الذمة، والطوالع المشرقة في الوقوف على طبقة بعد طبقة، وحسن الصنيعة في حكم الوديعة، وأجوبة أهل طرابلس، وتلخيص التلخيص وتاليه، والإبهاج في شرح المنهاج في الأصول، بدأ فيه قدر كراسين، وكمله ولده قاضي القضاة تاج الدين.
ورفع الحاجب في شرح ابن الحاجب في الأصول، والقراءة خلف الغمام، والرد على الشيخ زين الدين الكتاني، وكشف اللبس في المسائل الخمس ومنتخب طبقات الفقهاء، وقطف النوار في دراية الدور، والغيث المغدق في ميراث المعتق، وتسريح الناظر في انعزال الناظر والملتقط في النظر المشترط، وتنزيل السكينة على قناديل المدينة، ودفع من تغلبك في مسألة مدرسك بعلبك، وشي الحلى في تأكيد النفي بلا، الاعتبار ببقاء الجنة والنار، ضرورة التقدير في تقويم الخمر والخنزير، تقيدي التراجيح، الكلام على حديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. الكلام مع ابن الدارس في المنطق، جواب سؤال علي بن عبد السلام، رسالة
أهل مكة، أجوبة أهل صفد، فتوى: كل مولود يولد على الفطرة، مسألة فناء الأرواح، مسألة في التقليد، النوادر الهمذانية، الفرق في مطلق الماء والماء المطلق، المسائل الحلبية، أمثلة المشتق، القول الصحيح في تعيين الذبيح، القول المحمود في تنزيه داود، الجواب الحاضر في وقف عبد القادر، حديث نحر الإبل، قطف النور من مسائل الدور، مسألة ما أعظم الله، مسائل في تحرير الكتابة، مسألة هل يقال العشر الأواخر، مختصر كتاب الصلاة لمحمد بن نصر المروزي، الإقناع في قوله تعالى " ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع "، جواب سؤال من القدس، منتخب تعليقة الأستاذ في الأصول، عقود الجمان في عقود الرهن والضمان، مختصر عقود الجمان، وقف بني عساكر، النصر الناهد في لا كلمت كل واحد، الكلام في الجمع في الحضر لعذر المطر، الصنيعة في ضمان الوديعة، النقول البديعة في ضمان الوديعة، بيان المحتمل في تعدية عمل، القول الجد في تبعية الجد، تفسير يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، المواهب الصمدية في المواريث الصفدية، كشف الدسائس في هدم الكنائس، حفظ الصيام عن فوت التمام، جواب سؤال ورد من بغداد، كتاب الخيل، جواب الأمير سيف الدين بيبغاروس ورد من حلب، كم حكمة أرتنا أسئلة أرتنا، جواب أهل مكة، جواب المكاتبة من حارة المغاربة، معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، سبب الانكشاف عن إقراء الكشاف، وقف على وقف أولاد
الحافظ، النظر المعيني في محاكمة أولاد اليونيني، موقف الرماة من وقف حماة، مركز الرماة، القول في التقوي في الوقف التقوي، القول المختطف في دلالة: إذا اعتكف، كشف اللبس عن المسائل الخمس، غير الإيمان لأبي بكر وعمر وعثمان، زكاة مال اليتيم، الكلام على لباس الفتوة، وهو فتوى الفتوة، بيع المرهون في غيبة المديون، الألفاظ التي وضعت بإزاء المعاني الذهنية أو الخارجية، أجوبة مسائل سأله عنها ولده قاضي القضاة تاج الدين في أصول الفقه، العارضة في البينة المتعارضة، مسألة تعارض البينتين، كتاب بر الوالدين، أجوبة أسئلة حديثية وردت من الديار المصرية، نصيحة القضاة الكلام على قوله تعالى " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ".
ولما وقف على رد الشيخ تقي الدين بن تيمية على ابن المطهر في الرفض قال: وأنشدنيها من لفظه، وهي:
إن الروافض قوم لا خلاق لهم
…
من أجهل الناس في علم وأكذبه
والناس في غنية عن رد إفكهم
…
لهجنة الرفض واستقبال مذهبه
وابن المطهر لم تطهر خلائقه
…
داع إلى الرفض غال في تعصبه
لقد تقول في الصحب الكرام ولم
…
يستحي مما افتراه غير منجبه
ولابن تيمية رد عليه وفى
…
بمقصد الرد واستيفاء أضربه
لكنه خلط الحق المبين بما
…
يشوبه كدراً في صفو مشربه
يخالط الحشو أنى كان فهو له
…
حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأولها
…
في الله سبحانه عما يظن به
لو كان حياً يرى قولي ويفهمه
…
رددت ما قال أقفو إثر سببه
كما رددت عليه في الطلاق وفي
…
ترك الزيارة رداً غير مشتبه
وبعده لا أرى للرد فائدة
…
هذا وجوهره مما أظن به
والرد يحسن في حالين واحدة
…
لقطع خصم قوي في تغلبه
وحالة لانتفاع الناس حيث به
…
هدى وربح لديهم في تطلبه
وليس للناس في علم الكلام هدى
…
بل بدعة وضلال في تكسبه
ولي يد فيه لولا ضعف سامعه
…
جعلت نظم بسيطي في مهذبه
وقال: ما أنشدنيه من لفظه لما رد على ابن تميمة في الطلاق، وقد أكثر من الاحتجاج بيمين ليلى:
في كل واد بليلى واله شغف
…
ما إن يزال به من مسها وصب
ففي بني عامر من حبها دنف
…
ولابن تيمية من عهدها شغب
وكتب لابنه الأكبر محمد رحمه الله تعالى في سنة عشر وسبع مئة، وأنشدنيه من لفظه رحمه الله تعالى:
أبني لا تهمل نصيحتي التي
…
أوصيك واسمع من مقالي ترشد
احفظ كتاب الله والسنن التي
…
صحت وفقه الشافعي محمد
وتعلم النحو الذي يدني الفتى
…
من كل فهم في القران مسدد
واعلم أصول الفقه علماً محكماً
…
يهديك للبحث الصحيح الأيد
وأسلك سبيل الشافعي ومالك
…
وأبي حنيفة في العلوم وأحمد
وطريقة الشيخ الجنيد وصحبه
…
والسالكين طريقهم بهم اقتدي
وابتع طريق المصطفى في كل ما
…
يأتي به من كل أمر تسعد
واقصد بعلمك وجه ربك خالصاً
…
تظفر بسبل الصالحين تهتدي
واخش المهيمن وأت ما يدعو إلي؟
…
هـ وانته عما نهى وتزهد
وارفع إلى الرحمن كل ملمة
…
بضراعة وتمسكن وتعبد
واقطع عن الأسباب قلبك واصطبر
…
واشكر لمن أولاك خيراً وأحمد
وعليك بالورع الصحيح ولا تحم
…
حول الحمى واقنت لربك واسجد
وخذ العلوم بهمة وتفطن
…
وقريحة سمحاء ذات توقد
واستنبط المكنون من أسرارها
…
وابحث عن المعنى الأسد الأرشد
وعليك أرباب العلوم ولا تكن
…
في ضبط ما يلقونه بمفند
فإذا أتتك مقالة قد خالفت
…
نص الكتاب أو الحديث المسند
فاقف الكتاب ولا تمل عنه وقف
…
متأدباً مع كل حبر أوحد
فلحوم أهل العلم سمت للجنا
…
ة عليهم فاحفظ لسانك وابعد
هذي وصيتي التي أوصيكها
…
أكرم بها من والد متودد
وكتب لولده قاضي القضاة تاج الدين وق رتب موقعاً بالدست الشريف بالشام في سنة خمس وسبع مئة:
أقول لنجلي البر المفدى
…
مقالاً وثقت منه عراه
وليت كتابة في دست ملك
…
رست أركانه وسمت ذراه
فلا تكتب بكفك غير شيء
…
يسرك في القيامة أن تراه
ولا تأخذ من المعلوم إلا
…
حلالاً طيباً عطراً شذاه
ونصحك صاحب الدست اتخذه
…
شعارك فالسعادة ما تراه
ثلاث يا بني بها أوصي
…
فمن يأخذ بها يحمد سراه
وتقوى الله رأس المال فالزم
…
فما للعبد إلا من براه
قلت: التزم رحمه الله فيها الراء والثالث تضمين، وهو بيت مشهور جاء في موضعه متمكناً، وتراه في هذا البيت من الرؤية، وفي الخامس من الرأي فلا يظن أنه إيطاء.
وأجابه رحمه الله تعالى ولده قاضي القضاة تاج الدين عن ذلك بقوله:
أتت والقلب في الغفلات ساه
…
تنبه كل ساه من كراه
وصية والد برشفوق
…
يقوم مع ابنه فيما عراه
رؤوف بابنه لو بيع مجد
…
بمقدور لبادر واشتراه
ألا يا أيها الرجل المفدى
…
ومن فوق السماء يرى ثراه
أنلت فنلت في الدنيا منالاً
…
يسرك في القيامة أن تراه
وقال رحمه الله تعالى في معنى قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك
…
البيت، وأنشدني ذلك من لفظه:
قلبي ملكت فما به
…
مرمى لواش أو رقيب
قد حزت من أعشاره
…
سهم المعلى والرقيب
يحييه قربك إن مننت به ولو مقدار قيب
يا متلفي ببعاده
…
عني أما خفت الرقيب
قلت: ليس لهذه القوافي خامس فيما أظن، وقد تلطف في القافية الثالثة حتى تركبت معه من كلمتين وامتزجت، وقيب لغة في قاب، وفي هذه الأبيات معنى من المعاني الأدبية، وهو مما يمتحن به الأدباء في قول امرئ القيس: وما ذرفت عيناك، البيت، لأن الأصمعي قال فيه ما هو باد لكل أحد، وهو أن عينيها سهمان ضربت بهما في قلبه المقتل الذي هو أعشار، أي مكسر، من قولك: برمة أعشار إذا كانت كذلك.
وأما ابن كيسان فقال ما هو أدق من هذا المعنى، فقال: ضربت بسهميك اللذين هما من سهام الميسر لتملكي أعشار القلب، وهي جميع ما يخص الميسر من القداح، فالمعلى له سبعة أسهم، والرقيب له ثلاثة أسهم، فيستغرق السهمان جميع الأعشار، وهذا وإن كان دقيقاً وفيه غوص ففيه تعسف، وتأويل فيه بعد، وأما هذا الذي نظمه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فهو صريح في هذا المعنى.
وكنت قد طلبت منه ما أستعين به على ترجمته لما وضعتها في تاريخي الكبير الوافي بالوفيات فكتب لي مسموعاته وأشياخه ومصنفاته، ولم يكتب شيئاً من نظمه، فكتبت إليه:
مولاي يا قاضي القضاة الذي
…
أبوابه من دهرنا حرز
أفدتني ترجمة لم تزل
…
بحسن أقمار الدجى تهزو
لبست منها حلة وشيها
…
أعوزه من نظمك الطرز
فكتب الجواب رحمه الله تعالى:
لله مولى فضله باهر
…
من كل علم عنده كنز
يا واحد الدهر ومن قد علا
…
منه على هام العلا الغرز
تسألني النظم ومن لي به
…
وعندي التقصير والعجز
قبل الداعي طرساً قد سما نوراً ونقساً، جمع أفانين العلوم في شبه الوشي المرقوم، ما بين خط إذا رمقته العيون قالت: هذا خط ابن مقلة، ونظم لا يطيق حبيب أن ينكر فضله، ونثر يرى عبد الرحيم عليه طوله، صدر عمن توقل ذروة البلاغة وسنامها، وامتطى غاربها وملك زمامها، وكملها من كل علم بأكمل نصيب، ضارباً فيه بالسهم المصيب، مشمراً فيه عن ساق الجد والاجتهاد، متوقداً ذكاء مع ارتياض وارتياد، إلى من هو عن ذلك كله بمعزل، ومن قعد به قصوره إلى حضيض منزل يطلب منه شيئاً مما نظم، ولعمري لقد استسمن ذا ورم، ومن أين لي النظم والرسائل إلا بنغبه من المسائل، على تبلد خاطر وكلال قريحه، وتقسم فكر بين أمور سقيمة وصحيح، فأنى لمثلي شعر ولا شعور، أو يكون له منظوم ومنثور، غير أني مضت لي أوقات استخفني فيها إما محبة التشبه بأهل الأدب، وإما ذهول عما يحذره العقلاء من العطب، وإما حالة تعرض للنفس فتنضح بما فيها،
وأقول دعها تبلغ من أمانيها، فنظمت ما يستحيا من ذكره، ويستحق أن يبالغ في ستره، ولكنك أنت الحبيب الذي لا يستر عنه معيب، أذكر لك منه حسبما أشرت نبذاً، وأقطع لك منه فلذاً. وذكر أبياتاً أوردتها في ترجمته في تاريخي الكبير، ونقلت من خطه له وأنشدنيه من لفظه:
إن الولاية ليس فيها راحة
…
إلا ثلاث يبتغيها العاقل
حكم بحق أو إزالة باطل
…
أو نفع محتاج سواها باطل
ونقلت من أيضاً له:
مثال عم وخال
…
بقول صدق وجيه
بني بأخت أخيه
…
لأمه لا أبيه
وذاك لا بأس فيه
…
في قول كل فقيه
فنجلة هو داع
…
بذاك لا شك فيه
وكتب إلي وقد وقع ثلج بدمشق في أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وسبع مئة:
نطرت إلى أشجار جلق فوقها
…
ثلوج أراها كالبروق تلوح
فشبهتها قضبان فضة اكتست
…
وقابلها منا الغداة صبوح
ومن تحتها الأوراق خضر كأنها
…
زمردة تغدو بنا وتروح
ومن بينها النارنج كالذهب الذي
…
هواه به كل النفوس تبوح
فقلت: لقد أخطأت تشبيهي الذي
…
يعز علي المعتز وهو فصيح
تشبه يبساً ذاوياً برطيبه
…
وميتاً بمن فيه الحياة وروح
فول صلاح الدين هذا فإنه
…
إذا قال تشبيهاً أقول صحيح
وبعده:
أقول للسرو قد كساه
…
ثلج رواء عليه نور
زمرد أنت في لجين
…
فقال مه إن ذا قصور
تشبيه ذاو بلا حياة
…
بمن له منظر نضير
وبعده أيضاً:
أقول للسرو قد كساه
…
ثلج بدا نوره وأنهج
زمرد أنت في لجين
…
فقال أبهى سنا وأنهج
فهل ذكي يطيق وصفي
…
أريه طرق الهدى وأنهج
تقول لي ذائب المعاني
…
فلا تراني لذا أنهج
وأنت يا واصفي بشعر
…
بغير ردف سواه أنهج
فكتبت أنا الجواب إليه رحمه الله تعالى يقبل الأرض ويقول:
أتتني سطور كالدياجي مدادها
…
وفيها المعاني كالنجوم تلوح
يغني بها الشادي إذا ما حسا الطلا
…
ويخلو بها عاني الهوى فيبوح
فكل معانيها غريب مصنف
…
كما لفظها بين الأنام فصيح
ملوكية التشبيه فيما تخيلت
…
كذلك تشبيه الملوك مليح
فقابلت منها نسخة تقويه
…
على كل سطر قد حوته صحيح
فأعملت فكري فانثنى متقاعساً
…
وعهدي به عند القريض لحوح
وعاد فقيراً في زوايا أضالعي
…
وما عنده في نظم ذاك فتوح
ثم إن أعقله بارحته، وصبر إلى اليوم حتى رأى نشاطه لما كن عليه وجانحته، وغالطه في نظم شيء في هذه المادة، وقال: ما ضرك أن تسير جوادك في هذه الجادة، فلا بد له من العرض بين يدي مولانا قاضي القضاة أدام الله تعالى أيامه، وإغضاؤه مضمون الدرك فيما كل السوانح غزلان رامة، فانفعل لذلك بعدما استحيا وخجل، وقال وهو ما بين الجذل والوجل:
الثلج يسقط فوق أوراق حوت
…
نارنج بستان سبى بروائه
فكأنما تلك الثلاث سرقن من
…
قاضي القضاة الحسن يوم لقائه
فابيض ذا كثنائه واخضر ذا
…
من جوده وأنار ذا كذكائه
فشكرت له هذا التخيل وعلمت أنه لطيف التحيل، وقلت: ما بك ما يعوق، فالحق ببضاعتك السوق، فإذا به قد نظم واستعمل القلم، وقال:
نارنجنا في الغصون يحكي
…
والثلج في بعضهن رقم
خدا تبدى به عذار
…
عاجله بالمشيب هم
فقلت له: لا بد من الزيادة، فإن الخيرة عادة، فقال: أزيدك شيئاً من الاستعارة فإنها لقمر التشبيه داره. وقال:
قد سقط الثلج فوق دوح
…
نارنجها يفرح الحزينا
كورد خد وآس صدغ
…
لاح به السيب ياسمينا
فقلت له: حسن، ولكن التشبيه الملوكي فات وهو من أعظم الآفات فقال:
كأن سقيط الثلج في الورق التي
…
تضمنت النارنج عند التضرج
لآلي مشيب في زمرد عارض
…
تبدى على ياقوت خد مضرج
فقلت: هذا كاف، فانظم في السرو بلا خلاف، فقال بعدما نضج ولم يبق فيه عرق يختلج:
عاينت سروة دوحة قد أشبهت
…
والثلج يسقط فوقها متوالي
حسناء زفت في ملاءة مخمل
…
خضراء كللها سموط لآلي
فكتب هو رحمه الله تعالى الجواب إلي عن ذلك:
تراقصت الأشجار عند سماعها
…
قريضك واختلت كنشوان يطرب
وقالت: ألم أخبرك أنك قاصر؟
…
فقلت لها: باب صحيح مجرب
وركبت أنا مغلطة من مغالط المنطق، ونظمته وكتبت به إليه وهو:
أيا قاضي القضاة بقيت ذخراً
…
لتشفي ما يعالجه الضمير
فأنت إمامنا في كل فن
…
ومثلك لا تجيء به الدهور
كأنك للغوامض قطب فهم
…
عليك غدت دقائقها تدور
بلغت بالاجتهاد إلى مدى لا
…
يخونك في معارفه فتور
وبابك عاصم من كل جور
…
وعلمك نافع ولنا كثير
وقلنا أنت شمس علا وعلم
…
فكيف بنوك كلهم بدور
إليك المشتكى من سوء فهم
…
يعسر إذ يسير له اليسير
بليت بفكرة قد أتعبتني
…
تحور إلي كسلى إذ تخور
مقدمتان سلمتا يقيناً
…
ولكن أنتجا ما لا يصير
تقول البدر في فلك صغير
…
وذلك في كبير يستدير
فيلزم أن بدر التم ثاو
…
بجانحة الكبير وذاك زور
فأوضح ما تقاعس عنه فهمي
…
فأنت بحله طب خبير
وفهمك في الورى كضياء شمس
…
وعلمك في الأنام هدى ونور
فكتب الجواب في ليلته وفرع عليه ثلاثة أجوبة، وهو:
سؤالك أيها الحبر الكبير
…
سمت في حسن هالته البدور
وهمتك العلية قد تعالت
…
فدون طلابها الفلك الأثير
ونظمك فوق كل النظم عال
…
على هذا الزمان له وفور
فلو سمحت بك الأيام قدماً
…
لقدمك الجحا جحة الصدور
سألت وأنت أذكى الناس قلباً
…
وعندك كل ذي عسر يسير
وقلت المشتكى من سوء فهم
…
وحاشى إن فهمك مستطير
وفكرتك الصحيحة لن تجارى
…
ولم أرها تحور ولا تخور
ولا كسل بها كلا وأنى
…
ودون نشاط أولها السعير
فهاك جواب ما قد سلت عنه
…
وأنت بما تضمنه خبير
مقدمتان شرطهما اتحاد
…
بأوسط إن يفت فات السرور
وهذا منه فالانتاج عقم
…
وأعقبه عن التصديق زور
وذلك أن قولك في صغير
…
هو المحمول ليس هو الصغير
وفي الكبرى هو الموضوع فاعلم
…
فمن ذياك للشرط الثبور
وإن رمت التوصل باجتلاب
…
مقدمة بها يقع العثور
على تحقيق مظروف وظرف
…
فمشترك عن المعنى قصير
فمعنى البدر في فلك صغير
…
يخالف ما تضمنه الكبير
فلم يحصل لشرطهما وجود
…
لذلك أنتجا ما لا يصير
وفي التحقيق لا إنتاج لكن
…
لأجلك قلت قولك لي عذير
وأما إن أردت عموم معنى
…
وذلك فيهما معنى شهير
فينتج آمناً من كل شك
…
وليس عليه إيراد يصير
فذاك جواب ما قد سلت يا من
…
غدا في العلم ليس له نظير
وما عنه تقاعس منك فهم
…
وكيف ومنك تنل الصخور
فأنت البدر حسناً وانتقالاً
…
بأفلاك مضاعفة تسير
لحامله السريع وتالييه
…
دليل أن خالقه قدير
يرى ذو الهيئة النحرير فيها
…
عجائب ليس يحويها الضمير
فسبحان الذي أنشأه بر
…
رحيم قاهر رب غفور
وصلى الله رب على نبي
…
هو الهادي به قد تم نور
وكتبت أنا إليه سؤالاً من علم المناظر:
قاضي قضاة الشام يا من له
…
فوائد كالديم الهاطلة
ومن له معرفة قد غدت
…
لكل علم في الورى شاملة
ومن إذا حل بنا مشكل
…
يلقا بالأجوبة الفاصلة
وهو إمام الناس في فنهم
…
وفي فنون عنده حاصله
من كذب الحس فما عنده
…
بينة تعضده عادله
لكن هذا القطر في جوه
…
غدا خطوطاً للثرى نازله
كذلك النقطة فوق الرحى
…
تبصرها دائرة جائله
فبين العلة في صدقنا
…
أولا فدعواكم إذا باطله
وابق مدى الأيام في نعمة
…
بدورها مشرقة كالمة
فكتب هو رحمه الله الجواب إلي مختصراً:
علتها السرعة مع وهمنا
…
ومن خيال لم يزل خاتلة
يقضي بها الوهم ويأبى الحجى
…
وهو الذي أحكامه عادلة
والحس مقصور على رؤية
…
مبصرة للصورة الحاصلة
وكتب أيضاً رحمه الله تعالى جواباً مطولاً في ثلاثة وأربعين بيتاً وقد أثبتها بكمالها في كتابي ألحان السواجع بين البادي والمراجع، وقال لي يوماً: نظمت بيتاً مفرداً من ثماني عشرة سنة، وزدت الآن عليه بيتاً في هذه السنة، وكانت سنة سبع وأربعين وسبع مئة، وهما:
لعمرك إن لي نفساً تسامى
…
الى ما لم ينل دارا بن دارا
فمن هذا أرى الدنيا هباء
…
ولا أرضى سوى الفردوس دارا
فأعجباني، وقلت في مادتهما، إلا أن بيتيه رحمه الله تعالى أحسن وأصنع من
قولي:
لعمرك إن للباقي التفاتي
…
ومالي نحو ما يغني طريقه
أرى الدنيا وما فيها مجازاً
…
وما عندي سوى الأخرى حقيقه
وحصل له في وقت ما شرى، فكتب إليه جمال الدين محمد بن نباتة المصري:
يفديك يا قاضي القضاة عليهم
…
من كل داء تشتكي كل الورى
شهد الشرى لك حين زارك بالتقى
…
والصبر والصدقات لما خبرا
لا تعدم المدح الروائح سيداً
…
هذي خلائقها بتخبير الشرى
فلما حضرت عنده أراني إياها، فلا وقفت عليها علمت ما أراده من خطأ التورية مع الناظم فمضيت من عنده وعدت إليه وقد كتبت أنا إليه بعد ذلك:
لما اشتكى قاضي القضاة فديته
…
من كل سوء يشتكي منه الورى
عاينته لأذى الشرى متصبراً
…
فعلمت حقاً أنه أسد الشرى
وربحت توريتي التي قعدت وما
…
خسرت ولم أنطق بتخيير الشرى
فأعجبه ذلك وجبر على عادته معي، وفساد التورية مع الناظم الأول هو أن الشرى، بفتح الشين، مقصور؛ وهو المرض المعروف عند الأطباء بالماشرى، وهو الخراج الصغار التي تتولد من مادة دموية لذاعة، والشِرى بكسر الشين، مصدر شرت شرى، ففسدت توريته.
ووصل الخبر مع البريد من مصر بوفاته قدس الله روحه في يوم الجمعة سابع جمادى
الآخرة سنة ست وخمسين، فكتبت مرثية إلى ابنه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب، وأنشدت في صبيحة العزاء بالعادلية، وهي:
أي طود من الشريعة مالا
…
زعزعت ركنه المنون فزالا
أي ظل قد قلصته المنايا
…
حين أعيا على الملوك انتقالا
أي بحر قد فاض بالعلم حتى
…
كان منه بحر البسيطة آلا
أي حبر مضى وقد كان بحراً
…
فاض للواردين عذباً زلالا
أي شمس قد كورت في ضريح
…
ثم أبقت بدراً يضي وهلالا
مات قاضي القضاة من كان يرقى
…
رتب الاجتهاد حالاً فحالا
مات من فضل علمه طبق الأر
…
مسيراً وما تشكى كلالاً
كأن الشمس في العلوم إذا ما
…
أشرقت أصبح الأنام ذبالا
كان كل الأنام من قبل ذا العص؟
…
ر عليه في كل علم عيالا
؟ كان فرد الوجود في الدهر يزهى
…
بمعالي أهل العلوم جمالا
فمضوا قبله وكان ختاماً
…
بعدهم فاعتدى الزمان وصالا
كملت ذاته بأوصاف فضل
…
علم البدر في الدياجي الكمالا
وأنام الأنام في مهد عدل
…
شمل الخلق يمنة وشمالا
لمن بعده نشيد رحاباً
…
ولمن بعده نشد رحالا
وهو إن رمت مثله في علاه
…
لم تجد في السؤال عنه سوى لا
أحسن الله للأنام عزاهم
…
فهم بالمصاب فيه ثكالى
ومصاب السبكي قد سبك القل؟
…
ب وأودى منا الجلود انتحالا
خزرجي الأصول لو فاخر النج؟
…
م علا مجده عليه وطالا
خلق كالنسيم مر على الرو
…
ض سحيراً وعرفه قد توالى
ويد جودها يفوق الغوادي
…
تلك ماء همت وذا صب مالا
أيها الذاهب الذي حين ولى
…
صار منه عز الدموع مذالا
لو أفاد الفداء شخصاً لجدنا
…
بنفوس على الفدا تتغالى
أنفس طالما تنفس عنها
…
منك كرب يكظها واستحالا
أنت بلغتها المنى في أمان
…
فاستفادت غنى غزت منالا
من لنا إن دجت شكوك شكونا
…
من أذاها في الذهن داء عضالا
كنت تجلو ظلامها ببيان
…
حل من عقلنا الأسير عقالا
من يعيد الفتوى إلى كل قطر
…
منه جاءت جوابها يتلالا
قد صببت الصواب فيها وأهدي؟
…
ت هداها وقد محوت المحالا
فيقول الورى إذا ما رأوها
…
هكذا هكذا وإلا فلا لا
فليقل من يشاً ما شاء إن المو
…
ت أردى الغضنفر الرئبالا
وإذا ما خلا الجبان بأرض
…
طلب الطعن وحده والنزالا
قد تقضى قاضي القضاة تقي ال؟
…
دين سبحان من يزيل الجبالا
فالدراري من بعده كاسفات
…
وإذا ما بدت تراها خجالى
كان طوداً في علمه مشمخراً
…
مد في الناس من بنيه ظلالا
فبهاء بها ونعمت وتاج
…
فوق فرق العلياء راق اعتدالا
هو قاضي القضاة صان حماه
…
من عوادي الزمان ربي تعالى
وهداه للحكم في كل يوم
…
فيه يرعى الأيتام والأطفالا
وحباه الصبر الجميل ووفا
…
هـ ثواباً يهمي سحابا ثقالا
ليبيد العدى جلاداً ويغدو
…
فيفيد الندى ويبدي الجدالا
وكتبت بعد ذلك إلى ولده الشيخ الإمام بهاء الدين أحمد بمصر أعزيه:
؟ وهكذا جيشه المعهود نصرته
…
على أعاديه بعد اليوم ينهزم
أهكذا جبل الإسلام ينهدم
…
وهكذا سيفه المسلول ينثلم
وهكذا مجده الراسي قواعده
…
تنحط منه أعاليه وتنحطم
وهكذا البدر في أعلى منازله
…
وسعده قد محت أنواره الظلم
وهكذا البحر يمشي وهو ذو يبس
…
من بعد ما كان في عرنينه شمم
وهكذا كل ميت حل في جدث
…
بكى له الفاقدان العلم والكرم
وقد نعى العدل منه سيرة كرمت
…
يحفها الزاهران الحلم والنعم
والورق تملي لنا في وصفه خطباً
…
يقلها المنبران البان والسلم
ولو أراد الأعادي كتمها اعترفت
…
بفضلها الشاهدان العرب والعجم
قل للعدى إن جهلتم قدر رتبته
…
فالبيت يعرفه والحل والحرم
والليل والذكر والمحراب شاهده
…
والشرع والحكم والتصنيف والقلم
ومن يقل إنه يدري مكانته
…
فما خفي عنهم أضعاف ما علموا
فكم كماة من النظار قد مهروا
…
في البحث جاؤوا بما ظنوا وما زعموا
فكر فيهم بلا فكر وجد لهم
…
جداله ثم لما سلموا سلموا
؟ وقصروا عن مبادي غاية حصلت
…
له وأين عقاب الجو والرخم
ولوا فراراً وقد ألقوا سلاحهم
…
وهم أناس على التحقيق قد وهموا
عليه هزمهم في كل معركة
…
وما عليه بهم عار إذا انهزموا
شكوا فتوراً رأوه في بصائرهم
…
ولو ألموا به من قبل ما ألموا
ما الناس إلا سواء في بيوتهم
…
ما الشأن في أمرهم إلا إذا التحموا
كل يرى أنه راح منفرداً
…
ليث وأقلامه من حوله أجم
فإن تضمهم وقت الجدال وغى
…
فغندها تظهر الأقدار والقيم
تزايد الحلم من زاكي سجيته
…
فلم يكن من عداه قط ينتقم
موفق الحكم والفتوى على رشد
…
ما ند منه على ما قد مضى ندم
كم بات ينصر مظلوماً رآه وقد
…
أودى وجانبه بالضعف يهتضم
كان ابن تيمية بالفضل معترفاً
…
وهو الألد الذي في بحثه خصم
يثني عليه وقد أبدى بفكرته
…
أوهامه فيراها وهو يبتسم
وما أقر لمخلوق سواه وفي
…
زمانه كل حبر علمه علم
قاضي القضاة تقي الدين حين قضى
…
غدا أولو العلم لم يهناهم حلم
وكيف يهنأ عيش بعده وبه
…
قد كان شمل الهدى بالحق يلتئم
فاليوم أقفر ربع المكرمات وقد
…
شط المزار وأقوت دونها الخيم
مات الذي كان إن تسأله غامضة
…
خلاك من حلها في العلم تحتكم
يا سائراً فوق أعناق الرجال وكم
…
سعت له في المعالي والهدى قدم
خدمت علمك وقتاً والأنام إلى
…
يوم القيامة فيما قلته خدم
تركت فينا تصانيفاً تخاطبنا
…
فأنت حي ولما تنشر الرمم
ما مثل سيرتك المثلى إذا ذكرت
…
بالحمد تبدو وبالتقريظ تختم
أقمت في مصر والأخبار نافحة
…
طيباً تسير بها الوخادة الرسم
ما كنت إلا إمام الناس قاطبة
…
في النقل والعقل تقضي كلما اختصموا
وكل مشكلة في الدين معضلة
…
يضيق فيها على سلاكها اللقم
تحل شبهتها من حيثما عرضت
…
بالحق إذ لست في الترجيح تتهم
مطهر الذات من ريب تضيء لنا
…
منك العوارف والأخلاق والشيم
يكاد من رقة فيه يهب صباً
…
هذا وقد برحت أحداثه الحطم
من أجل ذا غدت أيامه غرراً
…
بيضاً ولم يقض فيها أن يراق دم
كف على عدد الأنفاس في هبة ال؟
…
أموال ما سامها من بذلها الديم
يا من يعز علينا أن نفارقهم
…
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
لكن صبرنا على التفريق وهو أذى
…
وما لجرح إذا أرضاكم ألم
مهما نسيت فما أنسيت برك بي
…
عند الظما ونداك البارد الشبم
وفرط جبرك إذ تثنيني علي بما
…
لا أستحق وذاك الحفل مزدحم
حتى أغالط نفسي في حقيقة ما
…
أدريه منها وفي علمي بها أهم
فعال من طبع الباري سجيته
…
على مكارم منها الناس قد حرموا
وكاد دهري لياليه تسالمني
…
وكاد يصرف عني الشيب والهرم
والله لا فترت مني الشفاه عن الد
…
عا ولا افتر لي من بعد ذاك فم
فاصبر أبا حامد فالناس قد فجعوا
…
فيمن مضى لم تخصص أنت دونهم
تشارك الناس في هذا العزاء كما
…
نعمى أياديه فيها الناس تقتسم
وانظر وقس يا إمام الناس كلهم
…
فإن سلمت فكل الناس قد سلموا
هذي المصيبة بالإسلام قد نزلت
…
فانظر عرا الدين منها كيف تنفصم
ما مثل من قد مضى يبكى عليه ولا
…
تجري على وجنتيك الأدمع السجم
فإنه في جنان الخلد في دعة
…
لكفه الحور والولدان تستلم
فقدس الله ذاك الروح منه ولا
…
أراه يوم اللقا والحشر ما يصم
يقبل الأرض وينهي ما عنده من الألم الذي أنكى، والحادث الذي ما يحيك في خلد ذي جلد ولا يحكى، والمصاب الذي عقد المناحات له بالمناجاة، فوقف واستوقف له، وبكى واستبكى:
ولو يغني البكا أو رد ميتاً
…
بكيت فلم يساجلني الغمام
فإنا لله وإنا إليه راجعون، قول من فقد إمامه، وفجع بمن كان يهديه إلى رشده ويريه طرق السلامة، وأعدمته الأيام حبراً لم يلتفت معه إلى الدراري إذا سمع كلامه، وغيضت منه بحراً كان يقذف به من دره فذه وتوامه، وأخذت منه فريد عصره فما يدري ما يبكيه منه، أعلمه أم بركته أم لطفه أم جوده الذي فضح الغمامة، وابتزت منه شيخ الإسلام الذي ما يخلفه الوجود إلى يوم القيامة.
عمت فواضله فعم مصابه
…
فالناس فيه كلهم مأجور
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، كلمة تقولها الملوك لهذه المصيبة العظمى والرزية التي ما يجد الناس لها رحمى، ذهب والله من كان جمال الوجود، وإمام الأئمة وكعبة الجود، ومن كان بقاؤه بين ظهراني الناس رحمه، ومن بينه في العلوم وبين علو النجوم زحمه، ومن كان إذا كتب اهتزت من الطرب له الأقلام، وخضعت لأوامره
السيوف، وسكنت خافقات الأعلام، وتملت بعلومه وتصانيفه الشريعة، فلما مات قال الناس أحسن الله عزاء الإسلام:
غدا طاهر الأثواب لم تبق روضة
…
غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى
…
ويغمر صرف الدهر نائله الغمر
ويقسم المملوك أن مولانا وأخاه أدام الله أيامهما ما انفردا بهذه الرزية، ولا ابتليا دون الناس بهذه البلية، يا مولانا هذا ركن الإسلام قد انهدم، وهذا بحر الإيمان قد ارتدم فمصابه قد عم وما خص، وتحيف جناح الصبر وما حص، فالله يعين على ما أبلى ويمسك رمق القلوب فإنها عريت من جبة الصبر وما تطيق من الأحزان نبلاً، وما بقي غير الأخذ بالسنة في الصبر، والتمسك بآثار السلف الصالح ممن أودع أحبابه القبر:
أنت يا فوق أن تعزى عن الأحباب فوق الذي يعزيك عقلاً
وبألفاظك اهتدى فإذا عز
…
اك قال الذي له قلت قبلا
ويقسم المملوك ثانياً أن فيكما خلفاً باقياً، وكلاكما، كلاكما الله، نير أصبح في درجات من درج السعد راقياً، وما السلوة إلا بهذا، وإلا كانت قلوب الأولياء قد أمست جذاذاً، فالله تعالى يمتع مصر والشام منكما بمطالع النيرين، ويديم