الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكنت أنا إذ ذاك في القاهرة فرسم لي بكتابة الجواب فكتبته بخطي من إنشائي، في سادس شهر رمضان المعظم سنة خمس وأربعين وسبع مئة بعد البسملة في قطع النصف بقلم الثلث:
عبد الله ووليه
صورة العلامة الشريفة ولده إسماعيل بن محمد.
السلطان الملك الصالح السيد العالم المؤيد المجاهد المثاغر المظفر المنصور، عماد الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، وارث الملك، ملك العرب والعجم والترك، فاتح الأقطار، واهب الممالك والأمصار، إسكندر الزمان، مملك أصحاب المنابر والأسرة والتخوت والتيجان، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، مالك البحرين، خادم الحرمين الشريفين، سيد الملوك والسلاطين، جامع كلمة الموحدين، ولي أمير المؤمنين، أبو الفداء إسماعيل ابن السلطان الشهيد السعيد الملك الناصر ناصر الدنيا والدين، أبي الفتح محمد ابن السلطان الشهيد السعيد الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون، خلد الله سلطانه، وجعل الملائكة أنصاره وأعوانه.
يخص المقام العالي الملك الأجل الكبير المجاهد المؤيد المرابط المثاغر المعظم المظفر المعمر الأصعد الأوحد الأمجد الأنجد السني السري، المنصور أبا السحن علي ابن أمير المسلمين أبي سعيد ابن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، أمده الله بالظفر، وقرن عزمه بالتأييد في الآصال والبكر، بسلام وشت البروق وشائعه، وادخرت الكواكب ودائعه، واستوعب الزمان ماضيه ومستقبله ومضارعه، وثناء اتخذ المسك الأذفر طلائعه، ونبه للتغريد في الروض سواجعه، وجلا في كأسه من الشفق الأحمر مداماً ومن النجوم فواقعه.
عبد حمد الله على نعم أدت لنا الأمانة في عود سلطنة والدنا الموروثة، وأجلستنا على سرير مملكة زرابيها بني النجوم مبثوثة، وأحسنت بنا الخلف عن سلف عهوده في الأعناق غير منكورة ولا منكوثة.
وصلاه على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه الذين بلغ بجهادهم في الكفرة غاية أمله وسوله، صلاة تنحط بالرضوان سيولها، وتجر بالغفران ذيولها، ما تراسل أصحاب، وتواصل أحباب وسلامه.
ونوضح لعلمكم الكريم ورود كتابكم الكريم، وخطابكم الفائق على الدر النظيم، تفاخر الخمائل سطوره، ويصبغ خدود الورد بالخجل منثورة، وتحكي الرياض اليانعة فالألفات غصونه، والهمزات عليها طيوره، ويخلع على الآفاق حلل الأيام والليالي، فالطرس صباحه والنقس ديجوره، لفظه يطرب، ومعناه يعرب فيغرب، وبلاغته تدل على أنه آية لأن شمس بيانها طلعت من المغرب.
فاتخذنا سطوره ريحاناً، ورجعنا ألفاظه ألحاناً، ورجعنا إلى الجد فشبهنا ألفاته بظلال الرماح، وورقه بصقال الصفاح، وحروفه المعرقة بأفواه الجراح، وسطوره المنتظمة بالفرسان المزدحمة في يوم الكفاح، وانتهينا إلى ما أودعتموه من اللفظ المسجوع، والمعنى الذي يطرب طائره المسموع، والبلاغة التي فضح المتطبع فيها بيانها المطبوع.
فأما العزاء بأخيكم الوالد، قدس الله روحه وسقى عهده، وأحسن لسلفه خلفنا بعده، فلنا برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
ولولا الوثوق بأنه في عدة الشهداء ما رأى القلب قراره ولا رأى الطرف وسنه. عاش سعيداً يملك الأرض، ومات شهيداً يفوز بالجنة يوم العرض، قد خلد الله ذكره يسير مسير الشمس في الآفاق، ويوقف على نضارة حدائقه نظرات الأحداق، وورثنا منه حسن الإخاء لكم والوفاء بعهود مودة تشبه في اللطف شمائلكم.
وأما لهناء بوارثة ملكه، والانخراط مع الملوك في سلكه، فقد شكرنا لكم منحنا هذه المنحة، وقابلناها بثناء يعطر النسيم في كل نفحة، ووقفنا عليها حمداً جعل الود علينا إيراده، وعلى أنفاس سرحة الروض شرحه، وتحققنا به حسن ودكم الجميل وكريم إخائكم الذي لا يميد طود رسوخه ولا يميل.
وأما ما ذكرتموه من أمر المصحفين الشريفين اللذين وفقتموهما على الحرمين الشريفين، وأنكم جهزتم كاتبكم الفقيه الأجل الأسنى الأسمى أبا المجد ابن كاتبكم أبي عبد الله بن أبي مدين، أعزه الله تعالى، لتفقد أحوالهما والنظر في أوقافهما فقد وصل المذكور بمن معه في حرز السلامة وأكرمنا نزلهم، وسهلنا بالترحيب سبيلهم، وجمعنا على بذل الإحسان إليهم شملهم، وحضر المذكور بين أيدينا وقربناه وسمعنا كلامه وخاطبناه، وأمرنا في أمر المصحفين الشريفين بما أشرتم، ورسمنا لنوابنا في نواحي أوقافهما بما ذكرتم، وهذا الوقف المبرور جار على أحسن عادة ألفها وأثبت قاعدة عرفها، مرعي الجوانب، محمي المنازل والمضارب آمن من إزالة رسمه، أو إدالة حكمه، بدره أبداً في مطالع تمه، وزهرة دائماً يرقص في كمه، لا يزداد إلا تخليداً، ولا إطلاق ثبوته إلى تقييداً ولا عنق اجتهاده إلا تقليداً، جرياً على عادة أوقاف ممالكنا وقاعدة تصرفنا في مسالكنا، وله زيادة الرعاية، وإفادة الحماية، ووفادة العناية.
وأما ما وصفتموه من أمر الجزيرة الخضراء وما لاقاه أهلها، ومني به من الكفار
حزنها وسهلها، فإنه شق علينا سماعه الذي أنكى أهل الإيمان وعدد به ذنوب الزمان كل قلب بأنامل الخفقان، وطالما فزتم بالظفر، ورزقتم النصر على عدوكم، فجر ذيل الهمزية وفر، ولكن الحروب سجال، وكل زمان لدائه دولة ولرجائه رجال، ولو أمكنت المساعدة لطارت بنا إليكم عقبان الجياد المسومة، وسالت على عدوكم أباطحهم بقسينا المعوجة وسهامنا المقومة، وكحلنا عيون النجوم بمراود الرماح، وجعلنا ليل العجاج ممزقاً ببروق الصفاح، واتخذنا رؤوسهم لصوالج القوائم كرات، وفرجنا مضائق الحرب بتوالي الكرات، وعطفنا عليهم الأعنة، وخضنا جداول السيوف ودسنا شوك الأسنة، وفلقنا الصخرات بالصرخات، وأسلنا العربات بالرعبات، ولكن أين الغاية من هذا المدى المتطاول، وأين الثريا من يد المتناول، وما لنا غير إمدادكم بجيوش الدعاء الذي نرفعه نحن له ورعايانا، والتوجه الصادق الذي تعرفه ملائكة القبول في سجايانا.
وأما ما فقدتموه من الأجفان التي طرقها طيف التلاف، وأم حرم فنائها الفناء وطاف به بعد الإلطاف، فقد روع هذا الخبر قلب الإسلام، ونوع له الحزن على اختلاف الإصباح والإظلام، وهذه الدار ما يخلو صفوها من كدر القدر، وطالما أنامت بالأمن أول الليل، وخاطبت بالخطب في السحر، ولكن في بقائكم من خطب العطب ومع سلامة نفسكم الكريمة فالأمر هين، لأن الدر يفدى بالذهب، وأما ما رأيتموه من الصلح فرأي عقده مبارك، وعقده ما فيه فارط عزم، وإن كان فيتدارك.
والأمر يجيء كما يجب لا كما يحب، والحروب يزور نصرها تارة ويغب، ومع اليوم غدا، وقد يرد الله الردى، ويعيد الظفر بالعدا.
وأما عودكم إلى فاس المحروسة طلباً لإراحة ما عندكم من الجنود، وتجهيزاً لمن يصل من عندكم إلى الحجاز الشريف من الوفود، فهذا أمر ضروري التدبير، سروري التثمير، لأن النفوس تمل وثير الجهاد فكيف ملازمة صهوات الجياد، وتسأم من مجالسة الشرب فكيف بممارسة الحرب، وتعرض عن دوام اللذة، فكيف بمباشرة المنايا المغدة، وهذا جبل طارق الذي فتح الله به عليكم، وساق هدى هديته إليكم، لعله يكون سبباً إلى ارتجاع ما شرد، وحسماً لهذا الطاغية الذي مرد، ورداً لهذا النازل الذي قدم ورد الصبر لما ورد، فعادة الألطاف الإلهية بكم معروفة، وعزماتكم إلى جهات الجهاد مصروفة، وقد تفاءلنا لكم من هذا الجبل بأنه طارق خير من الرحمن يطرق. وجيل يعصم من سهم يمر من قسي الكفار ويمرق.
وأما ما منحتموه من الخيل العتاق والملابس التي تطلع بدور الوجوه من مشارق الأطواق، والأموال التي زكت عند الله تعالى ونمت على الإنفاق، فعلى الله عز وجل خلفها، ولكم في منازل الدنيا والأخرى شرفها وشرفها، وإليكم تساق هدايا أثنيتها وتحفكم تحفها، وإذا وصل وفدكم الحاج، وأنار له بوجه إقبالنا عليهم ليلهم الداج، كانوا مقيمين تحت ظل إكرامنا، وشمول إسعافنا لهم وإنعامنا، يتخولون تحفاً أنتم سببها، ويتناولون طرفاً في كؤوس الاعتناء بهم تنضد حببها، وإذا كان أوان الرحيل إلى الحج فسحنا لهم الطريق، وسهلنا لهم الرفيق، وبلغناهم بحول الله مناهم من منى، وسؤلهم ممن إذا زاروا حجرته الشريفة حازوا الراحة من العنا، وفازوا بالغنى، وإذا عادوا عاملناهم بكل جميل ينسيهم مشقة ذلك الدرب، ويخيل إليهم أن لا مسافة لمسافر بين الشرق والغرب، وغمرناهم بالإحسان في العود إليكم، وأمرناهم بما ينهون شفاهاً لديكم، وعناية الله تعالى تحوط ذاتكم، وتوفر لأخذ الثأر حماتكم، وتخصكم بتأييد تنزلون روضة الأنضر، وتجنون به ثمر النصر اليانع من ورق الجديد الأخضر،