الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفعة واحدة، من أسرع ما يكون. فتق الجفن الأعلى، واستخرج منه شيئاً شبيهاً بالشحم الأصفر، ولم يعمل ما يعتمده غيره من تعليق الصنانير في الأجفان، وحك الشرانيق بالسكر النبات، لأن ذلك أمر مطول مؤلم.
وكانت عنده مشاركة في الطب وغيره، وكان كحالاً بالبيمارستان النوري بدمشق.
وأنشدني من لفظه لنفسه، وادعاه أنه نظمه في مشد الدواوين بدمشق:
مشدنا في الشام قد شقيت
…
مما تقاسي من جوره الأمم
يذبح الناس ما يرق لهم
…
كأنما الناس عنده غنم
وتوفي رحمه الله في حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبع مئة.
علي بن بكتمر
الأمير علاء الدين بن الأمير سيف الدين الأبو بكري. أحد الأمراء أخيراً بمصر.
كان هو وإخوته قد أخرجهم الملك الناصر محمد بعد موت أبيهم في حبس الإسكندرية إلى دمشق، فأقاموا بها. وقد تقدم ذكر أخيه الأمير شهاب الدين أحمد.
وطلب السلطان الملك الناصر حسن الأمير علاء الدين هذا، وأخاه الأمير سيف الدين أسنبغا إلى مصر، وأقبل عليهما.
ولم يزل الأمير علاء الدين بمصر أميراً إلى أن جرى للملك الناصر حسن ما جرى، وتصاف هو والأمير سيف الدين يلبغا، وتناوشوا القتال، فحصلت للأمير علاء الدين جراحة في وجهه، فمات منها بعد يويمات، على ما قيل، ووصل الخبر بموته إلى دمشق في أواخر جمادى الأولى سنة اثنتين وسبع مئة.
ولما كان بالشام توجه إلى الرحبة نائباً مرتين، وأنا شاك في الثالثة. وكان من أبناء الستين أو ما يزيد عليها.
كان شكلاً تاماً ذا رواء، وهمة في الأمور واعتلاء. يكتب ويقرأ، ويد لو أنشأ نظماً ونثراً، لأنه بمصر كان يجتمع بالأفاضل، ويرامي الأقران بالجدال ويناضل. وله ميل كثير إلى الألغاز، ولم يكن كغيره يهواها، وهو في العمي ضائع العكاز.
ولما كنت بالقاهرة في سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، طلب مني لغزاً، فكتبت إليه:
أيا سيداً حاز العلا وهو يافع
…
فراوي الندى عنه كثير ونافع
ومن حاز فضل السيف في معرك الردى
…
فبارقه في ظلمة النقع ساطع
ومن إن سألنا: من أولو الفضلو والنهى
…
أشارت إليه عند ذاك الأصابع
ومن نفق الآداب بعد كسادها
…
وجلى دجاها من محياه لامع
ومن هو ذخر للعفاة وملجأ
…
إذا صدهم حظ من الدهر صادع
أحاجيك ما اسم، أعوز الناس قطرهم
…
فلما دعا انجابت عيون هوامع
كتابته في الطرس لا شك أربع
…
وعدته خمس وفي العكس سابع
وإن زال منه ثالث فقبيلة
…
لها في قراع الدارعين وقائع
وعدة ما يبقى لعكس ثلاثة
…
ولكنه سبع، ففيم التنازع
وإن تم معكوساً وصحفت لفظه
…
تجده منى من قد غدا وهو جائع
فصحفه بعد القلب من غير نقصه
…
فذلك في التصحيف والقلب شائع
أبن لي معماي الذي قد سترته
…
فغيرك فيه مثل أشعب طامع
ودم وارق في أوج المفاخر والعلا
…
مدى الدهر ما غنت بأيك سواجع
فحله في عباس. ولم يكتب الجواب نظماً.
وطلب الزيادة مني، فكتبت إليه أيضاً ملغزاً في أبيات، منها:
تقدم لعز قبل ذا وحللته
…
فمن يقتن العليا بفضلك يقتد
فما اسم رباعي الحروف وإنما
…
تركب من حرفين من رامها هدي
رسول إلى قوم كريم كتابه
…
به خاطب القرآن كل موحد
ويقتل عند الشافعي ومالك
…
وعند الفتى النعمان والحبر أحمد
له في أعالي كل غصن تلاوة
…
بلحن كأن الدوح معبد معبد
تكاد قوافي ذا القريض تذيعه
…
فقد زينت منه بحرف مردد
ودم راقياً في أفق كل سعادة
…
بنى لك منها الدهر أشرف مقعد
فحله في هدهد وهو صحيح.